أرشيف المقالات

حديث: ولا يخطب على خطبة أخيه

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
حديث: ولا يخطب على خطبة أخيه
 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها.
 
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل
على بيع أخيه)
تقدم الكلام عليه.
 
وقوله: (ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب).
قال الحافظ: (برفع العين من يبيع والباء من يخطب، وإثبات التحتانية في يبيع، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب
 
الرجل على خطبة أخيه.
قال الحافظ: ولا يخطب بالجزم على النهي؛ أي: وقال: لا يخطب، ويجوز الرفع على أنه نفي، وسياق ذلك بصيغة الخبر أبلغ في المنع)
[1].
 
قوله: (ولا يخطب على خطبة أخيه)، وفي رواية: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك، وفي حديث ابن عمر: حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب؛ أي: حتى يأذن الأول للثاني.
 
قال الحافظ: (هذا النهي للتحريم عند الجمهور، ولا يبطل العقد عندهم، قال: وحكى الترمذي عن الشافعي أن معنى حديث الباب إذا خطب الرجل المرأة، فرضيت به وركنت إليه، فليس لأحد أن يخطب على خطبته، فإذا لم يعلم برضاها ولا ركونها، فلا بأس أن يخطبها، والحجة فيه قصة فاطمة بنت قيس، فإنها لم تخبره برضاها بواحد منهما، ولو أخبرته بذلك، لم يشر عليها بغير من اختارت.
 
قال الحافظ: واستدل به على أن الخاطب الأول إذا أذِن للخاطب الثاني في التزويج، ارتفع التحريم، ولكن هل يختص ذلك بالمأذون له، أو يتعدى لغيره؛ لأن مجرد الأذن الصادر من الخاطب الأول دال على إعراضه عن تزويج تلك المرأة، وبإعراضه يجوز لغيره أن يخطبها الظاهر الثاني، فيكون الجواز للمأذون له بالتنصيص ولغير المأذون له بالإلحاق، ويؤيده قوله في الحديث الثاني: "أو يترك"، وصرح الروياني من الشافعية بأن محل التحريم إذا كانت الخطبة من الأول جائزة، فإن كانت ممنوعة كخطبة المعتدة، لم يضر الثاني بعد انقضاء العدة أن يخطبها وهو واضح؛ لأن الأول لم يثبت له بذلك حق، قال: واستدل به على تحريم خطبة المرأة على خطبة امرأة أخرى إلحاقًا لحكم النساء بحكم الرجال، وصورته أن ترغب امرأة في رجل وتدعوه إلى تزويجها فيجيبها، فتجيء امرأة أخرى فتدعوه وترغِّبه في نفسها، وتزهده في التي قبلها، وقد صرَّحوا باستحباب خطبة أهل الفضل من الرجال، ولا يخفى أن محل هذا إذا كان المخطوب عزم ألا يتزوج إلا بواحدة، فأما إذا جمع بينهما فلا تحريم)
[2].
 
قوله: (ولا تسال المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها): "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها"، ولأبي نعيم: "لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ إناءها".
 
قال الحافظ: (قوله: لا يحل ظاهر في تحريم ذلك، وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة.
 
قال النووي: معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلًا طلاق زوجته، وأن يتزوجها هي، فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بقوله "تكفئ ما في صحفتها"، قال والمراد بأختها غيرها، سواء كانت أختها من النسب، أو الرضاع أو الدين، وحمل ابن عبدالبر الأخت هنا على الضرة، فقال: فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ: "لا تسأل المرأة طلاق أختها"، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط، فظاهرها أنها في الأجنبية، ويؤيِّده قوله فيها: ولتنكح؛ أي: ولتتزوج الزوج المذكور، من غير أن يشترط أن يطلق التي قبلها، وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت: الأخت في الدين، ويؤيده زيادة ابن حبان في آخره من طريق أبي كثير عن أبي هريرة بلفظ: "لا تسأل المرأة طلاق أختها؛ لتستفرغ صحفتها، فإن المسلمة أخت المسلمة"؛ انتهى.
 
قوله: (لتكفئ ما في إنائها): بفتح أوله من كفأت الإناء: إذا قلبته وأفرغت ما فيه، وفي رواية لتكفئ بضم أوله من أكفأت، وقال صاحب النهاية: الصحفة إناء كالقصعة المبسوطة، قال: وهذا مثل يريد الاستئثار عليها بحظها، فيكون كمن قلب إناء غيره في إنائه، وقال الطيبي: هذه استعارة مستملحة تمثيلية شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتُّعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة، وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنب المشبه به، واستعمل في المشبه ما كان مستعملًا في المشبه به.
 
وقال الحافظ: قوله: ولتنكح، يحتمل أن المراد ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لإخراج الضرة من عصمته، بل تكل الأمر في ذلك إلى ما يقدره الله، ولهذا ختم بقوله "فإنما لها ما قدر لها"، إشارة إلى أنها وإن سالت ذلك وألَحَّت فيه واشترطته، فإنه لا يقع منه شيء بمجرد إرادتها، وهذا مما يؤكد أن الأخت من النسب أو الرضاع، لا تدخل في هذا، ويحتمل أن يكون المراد ولتنكح غيره، وتعرض عن هذا الرجل أو المراد ما يشمل الأمرين، والمعنى ولتنكح من تيسَّر لها، فإن كانت التي قبلها أجنبية، فلتنكح الرجل المذكور، وإن كانت أختها فلتنكح غيره)
[3]، والله أعلم؛ انتهى.
 
قال الموفق: وإن شرط لها طلاق ضرتها، فقال أبو الخطاب: هو صحيح، ويحتمل أنه باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها".



[1] فتح الباري: (9/ 199).


[2] الفتاوى الكبرى: (5/ 520).


[3] فتح الباري: (9/ 220).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢