أرشيف المقالات

موقف علماء الجرح والتعديل من أبي مخنف الأخباري وآثاره

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
موقف علماء الجرح والتعديل من أبي مخنف الأخباري وآثاره


المحور الأول: نسبه ونشأته:
ينتمي الأخباري لوط بن يحيى بن مخنف إلى قبيلة الأزد[1][2]، ويتصل نسبه بأحد الصحابة الكرام، وهو: مخنف بن سليم بن الحارث الأزدي نزيل الكوفة[3]، ولا غرابة فإن قبيلة الأزد تفرقت بعد انهيار سد مأرب في أرض العرب، من الأمور الواضحة للعيان أن النصوص التاريخية تطل بجلباب الخجل عن الكثير من تفاصيل حياة هذا الأخباري، مع غزارة ما أنتجه من كتب ومؤلفات، ولعل السبب في هذا الإجماع في حكمهم عليه (بالضعف) و(عدم الثقة).
 
المحور الثاني: موقف علماء الجرح والتعديل منه:
لقد تباينت آراء علماء علم الرجال في الحكم عليه، واتفقوا على أنه غير موثوق، وذو حديث متروك، فقد قيل عنه: مجهول متروك الحديث[4]، فيما حكم عليه آخر بأنه غير موثوق[5]، وأضاف آخر بالقول بأنه: إخباري ضعيف[6]، مما يدل على أنه ضعيف حتى بنقل الأخبار، وليس بالحديث فقط، فقد جاء جانب من هذا الأمر حينما صور ابن مخنف بأنه كان قد ((حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين، ولا يبعد مِنْهُ أن يتناولهم، وهو راوي محترق صاحب أخبارهم، وإنما وصفته ليُستغنى عن ذكر حديثه، فإني لا أعلم له من الأحاديث المسندة ما أذكره، وإنما له من الأخبار المكروه الذي لا أستحب ذكره"[7].
 
المحور الثالث: موقف المؤرخين من رواياته:
ومع هذه المكانة الذي وضعه فيها أهل الحديث، فإن ذلك لا ينفي أن بعض المؤرخين قد اعتمدوا عليه في استقاء معلوماتهم التاريخية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد بن جرير الطبري[8]، الذي استقى بعض معلوماته منه في كتاب التاريخ، وابن حجر العسقلاني[9]، في الإصابة في تمييز الصحابة، وغيرهم، ولعل السبب في ذلك غزارة ما كتبه من كتب التاريخ؛ فيروى أن له من الكتب: كتاب الردة، كتاب فتوح الشام، كتاب فتوح العراق، كتاب الجمل، كتاب صفين، كتاب النهروان، كتاب الغارات، كتاب الخريت بن راشد وبني ناجية، كتاب مقتل علي كرم الله وجهه، كتاب مقتل حجر بن عدي، كتاب مقتل محمد بن أبي بكر والأشتر ومحمد بن أبي حذيفة، كتاب الشورى ومقتل عثمان رضي الله عنه، وكتاب المستورد بن علفة، وكتاب مقتل الحسين بن علي عليهما السلام، وكتاب المختار بن أبي عبيد، وكتاب وفاة معاوية وولاية ابنه ووقعة الحرة وعبدالله بن الزبير، كتاب سليمان بن صرد وعين الوردة، كتاب مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهري، كتاب مصعب بن الزبير والعراق، وكتاب مقتل عبدالله بن الزبير، وكتاب مقتل عمرو بن سعيد بن العاص[10].
 
فضلًا عن أن علم التاريخ غير علم الحديث، فمن الممكن أن يأخذ المؤرخون معلومة تاريخية، ويتحققوا منها، فإن شاء المؤرخون أخذوا، وإن شاؤوا تركوا، وقد عبر بعضهم عن هذه الفكرة فقال: "حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ...
وإنما له من الأخبار المكروه الذي لا أستحب ذكره"[11]، بالإضافة إلى أنه كان ذا عناية بالأخبار، فقد ذكر أنه "ليس بثقة ولكنه له عناية بالأخبار"[12]، وأخيرًا فقد اعتذر بعض المؤرخين مما نقلوه في كتبهم مما يستشنع أو يستنكر؛ ومن أولئك المؤرخ الطبري حين قال: "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا"[13].
 
فلهذه الأسباب مجتمعة ما يبرر نقل المؤرخين معلومات من أمثال: أبو مخنف المتفق على ضعفه وعدم الوثوق به، توفي أبو مخنف الأخباري في عام مائة وسبعة وخمسين للهجرة في العصر العباسي[14].
 
قائمة المصادر والمراجع:
أولًا: المصادر الأولية:
(1) ابن أبي حاتم عبدالرحمن بن محمد الرازي.
• الجرح والتعديل، دائرة المعارف العثمانية (حيدر آباد: 1952).
 
(2) ابن الاثير، أبو الحسن علي بن محمد الشيباني الجزري (ت: 630هــ).
• أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد عوض - عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية (بيروت: 1994)، ط1.
 
(3) ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن البغدادي.
• الضعفاء والمتروكون، تحقيق: عبدالله القاضي، دار الكتب العلمية (بيروت: 1986)، ط1.
 
(4) ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني (ت: 853هـــ).
• لسان الميزان، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، (مصر: 2002)، ط1.
 
(5) ابن سعد، محمد بن سعد البصري (ت: 230هــ).
• الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية (بيروت: 1990).
 
(6) البغدادي، يحيى بن معين.
• تاريخ يحيى بن معين، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي (مكة المكرمة: 1979)، ط1.
 
(7) الجرجاني، عبدالله بن عدي بن عبدالله.
• الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر (بيروت: 1988).
 
(8) الحموي، أبو عبدالله ياقوت.
• معجم الأدباء، دار الغرب الإسلامي (بيروت: 1993)، ط1.
 
(9) الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر.
• الضعفاء والمتروكون، تحقيق: عبدالرحيم القشقري، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، (المدينة المنورة: 1983).
 
(10) الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت:847هـــ).
• تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبدالسلام التدمري، دار الكتاب العربي (بيروت: 1993).
 
• ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، (بيروت: 1963).
 
(11) الطبري، محمد بن جرير (ت: 310هــ).
• تاريخ الرسل والملوك، دار الكتب العلمية (بيروت: 1996).
 
(12) القفطي، علي بن يوسف.
• إنباه الرواة على أنباه النحاة، المكتبة العصرية (بيروت: 2002).

ثانيًا: المراجع الثانوية:
(13) خير الدين الزركلي.

• الأعلام، دار العلم للملايين (بيروت: 2002)، ط15.

(14) عمر بن رضا كحالة.

• معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، مؤسسة الرسالة (بيروت: 1994)، ط7.

(15) محمد بن عبدالله الربعي.
• تاريخ مولد العلماء ووفياتهم، تحقيق: عبدالله أحمد سليمان الحمد، دار العاصمة (الرياض: 1989)، ط1.

[1] الأزد: من أعظم قبائل العرب وأشهرها، تنتسب إلى الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان من القحطانية، وتنقسم إلى أربعة أقسام: أزد شنوءة، وأزد غسان، وأزد عمان، وأزد السراة، يغلب على الظن أن تصدع سد مأرب قد أرغم الأزد على الهجرة من سبأ، وأن هذا كان من أسباب تفرقهم في البلاد، فلحقت الأوس والخزرج بيثرب من أرض الحجاز، ولحقت خزاعة بيثرب من أرض الحجاز، ولحقت خزام وعتيك وغيرهم بعمان، ولحقت ماسخة وميدعان ولهب وغامد ويشكر وبارق وغيرهم بالشراة، ولحق مالك بن عثمان بن أوس بالعراق، ولحقت جفنة وآل محرق بن عمرو بن عامر وقضاعة بالشام؛ [ينظر: عمر بن رضا كحالة، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، مؤسسة الرسالة (بيروت: 1994)، ط7، 1/ 15].

[2] محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية (بيروت: 1990) 6/ 109.

[3] أبو الحسن علي بن محمد الشيباني الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد عوض – عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية (بيروت: 1994)، ط1، 5/ 122.

[4] ابن أبي حاتم عبدالرحمن بن محمد الرازي، الجرح والتعديل، دائرة المعارف العثمانية (حيدر آباد: 1952)، 7/ 72، ينظر: جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي البغدادي، الضعفاء والمتروكون، تحقيق: عبدالله القاضي، دار الكتب العلمية (بيروت: 1986)، ط1، 3/ 28، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر (بيروت: 1963)، 3/ 491، ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني، لسان الميزان، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، (مصر: 2002)، ط1، 8/ 292.

[5] يحيى بن معين البغدادي، تاريخ يحيى بن معين، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي (مكة المكرمة: 1979)، ط1، 3/ 366.

[6] أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، الضعفاء والمتروكون، تحقيق: عبدالرحيم القشقري، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (المدينة المنورة: 1983)، 3/ 127.

[7] عبدالله بن عدي بن عبدالله الجرجاني، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر (بيروت: 1988)، 7/ 241.

[8] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: العالم الكامل الفقيه المقرئ النحوي اللغوي الحافظ الأخباري، جامع العلوم، لم ير في فنونه مثله، سمع ببلده وبلاد الأعاجم والعراق والشام ومصر والحجاز الجم الغفير، واستوطن بغداذ، وصنف التصانيف الكبار؛ منها: تفسير القرآن، الذي لم ير أكبر منه ولا أكثر فوائد، وكتاب التاريخ، وهو أجل كتاب في بابه وغيره، توفي سنة 310 للهجرة؛ [ينظر: علي بن يوسف القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة، المكتبة العصرية، (بيروت: 2002)، 3/ 89].

[9] أحمد بن علي بن محمد الكناني ابن حجر العسقلاني: من أئمة العلم والتاريخ أصله من عسقلان (بفلسطين)، ومولده ووفاته بالقاهرة، ولع بالأدب والشعر، ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه، وأصبح حافظ الإسلام في عصره، قال السخاوي: "انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر"، وكان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفًا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، صبيح الوجه، وولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل، أما تصانيفه فكثيرة جليلة؛ منها: (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) أربعة مجلدات، و(لسان الميزان) ستة أجزاء، تراجم، و(الإحكام لبيان ما في القرآن من الأحكام)، وغيرها الكثير، ولد 773 هــ، وتوفي سنة 852هـ؛ [ينظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين (بيروت: 2002)، ط15، 1/ 178].

[10] أبو عبدالله ياقوت الحموي، معجم الأدباء، دار الغرب الإسلامي (بيروت: 1993)، ط1، 5/ 2253.

[11] ابن عدي، الكامل، 7/ 241.

[12] شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبدالسلام التدمري، دار الكتاب العربي (بيروت: 1993)، 2/ 686.

[13] محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، دار الكتب العلمية (بيروت: 1996)، 1/ 13.

[14] محمد بن عبدالله الربعي، تاريخ مولد العلماء ووفياتهم، تحقيق: عبدالله أحمد سليمان الحمد، دار العاصمة، (الرياض: 1989)، ط1، 1/ 366.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢