أرشيف المقالات

مقدمة في أصول التفسير

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
مقدمة في أصول التفسير

من كلام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم ابن عبدالسلام بن تيمية الحراني الدمشقي.
عُني بتحقيقها ووضع مقدمتها فضيلة الأستاذ الشيخ جميل الشطي مفتي الحنابلة بدمشق مطبعة الترقي سنة 1355هـ سنة 1936م.

 
الإمام أحمد بن تيمية أشهر من أن يعرف، فهو نابغة الشام والإسلام الذي ملأ الأرض في عصره علماً وإصلاحاً، وشهد له الأئمة الحفاظ بأنه لم تر عينهم مثله، ورسالته هذه فيض من بحره، قد أملاها من فؤاده كما قال، وأودعها نفائس لآلئه ودرره، فهي تُريك صفحة ناصعة من دراسة سلفنا للقرآن وفهمه، وتهديك لحل بعض مشكلات التفسير ومصطلحاته، وتدلك على أهدى المفسرين وأفضل كتبهم، وتحذرك ممن انتحلوا لأنفسهم عقائد وأصولاً بنوا تفاسيرهم عليها، وردوا كلام الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها، وهذه الرسالة كلها فوائد كسائر كتب شيخ الإسلام، ترى فيها - كغيرها من تآليفه - حرصه رحمه الله على أن يعيد إلى المسلمين عصورهم الذهبية، ويرى بحق أن أحسن طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، ثم بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، ثم بأقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها.
ونحن لو اهتدينا بهدى سلفنا الصالح، وعنينا بتطبيق ما ورد في هذه الرسالة من مناهجهم في دراسة القرآن وفهمه والعمل به لجددنا في عصرنا عهدهم، وأعدنا لأمتنا مجدهم، وإليك شذرة مما ورد فيها من ذلك:
"يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه فقوله تعالى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ ﴾ يتناول هذا وهذا، وقال أبو عبدالرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبدالله ابن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وقال أنس: كان الرجل إذا تعلم البقرة وآل عمران جل في أعيننا، وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين قيل ثمان سنين، ذكره مالك، وذلك أن الله تعالى قال: ﴿ كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ وقال: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾؟ وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾؟ وتدبر الكلام من دون فهم معانيه لا يمكن، وكذلك قال: ﴿ إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ وعقل الكلام متضمن لفهمه".
اهـ

فهذه الطريقة التي تعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً هي الطريقة المثمرة التي تجدد لنا عهداً بدراسة سلفنا الذين استخلفهم الله في الأرض، ومكن لهم فيها، وأورثهم علوم الأمم وحضارتهم؛ فنوجه أنظار المعاهد الدينية والمدارس الإسلامية إلى هذا المنهج القرآني السلفي الذي هو أصلح منهج للمسلمين في هذا العصر - بل في جميع العصور - وأهداه؛ لأنه يطبع الدارسين بطابع اللغة والإسلام والفضيلة جميعاً.


ونشكر لصديقنا العالم المتفنن الجليل الشيخ محمد جميل الشطي مفتي الحنابلة بدمشق على عنايته بتحقيق هذا الأثر النفيس، وتصحيح ما وقع فيه من تحريف وتصحيف، والفاضل النبيل الأمير جعفر الجزائري مدير دار الآثار الوطنية بدمشق الذي قام بطبعه وتعميم نفعه على نفقة تلك الدار التي تعنى بنفائس الآثار.


المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد الثالث، 1356هـ - 1937م

شارك الخبر

المرئيات-١