مدى عناية القرآن باليوم الآخر
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
مدى عناية القرآن الكريم واهتمامه باليوم الآخرشارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
عني القرآن الكريم عناية بالغة، واهتم اهتماماً خاصاً، بالحديث عن اليوم الآخر من خلال عرض أحداثه، وتقريره في كل موقع، وإثبات وقوعه بمختلف الأدلة والآيات، والرد على منكريه، ودحض شبهاتهم بمختلف الحجج والبراهين.
وتجلى هذا الاهتمام، وتمثلت تلك العناية فيما يلي:
أولاً: الإتيان به عقب الإيمان بالله مباشرة:
على الرغم من أن الإيمان باليوم الآخر هو الركن الخامس من أركان الإيمان الستة، كما ورد في حديث جبريل المشهور: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر...» إلا أننا نلاحظ أن القرآن الكريم يضع الإيمان باليوم الآخر عقب الإيمان بالله عز وجل مباشرة في كثير من الآيات، فعلى سبيل المثال يقول تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177]، فقد جعله الله بعد الإيمان بالله وقبل الإيمان بملائكته وكتبه وأنبيائه، وكذلك جعله بين الإيمان بالله وبين العمل الصالح حيث يقول سبحانه: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 62].
ثانياً: الإكثار من التذكير به، وعرض مشاهده، وتفصيل أحداثه
فالذي يقرأ القرآن يلاحظ أنه لا تكاد تخلو سورة من سوره من التذكير باليوم الآخر، وتدبر ما سيقع فيه من أحداث ومشاهد وأهوال، والتي قام القرآن الكريم بعرضها عرضاً مفصلاً وفي صور عديد ومتنوعة، حتى تتم العبرة والاتعاظ به على أكمل حال.
ثالثاً: تعدد أسمائه
من الملاحظ أيضاً أن القرآن الكريم قد أطلق على اليوم الآخر أسماء كثيرة ومتعددة بلغ البعض في تعدادها إلى ما يقرب من ثلاثمئة اسم، ومن هذه الأسماء: يوم القيامة، يوم الدين، يوم البعث، يوم الحساب، يوم التلاق، يوم الخروج، يوم الحسرة، ويسمى بـ"الآزفة" و"الطامة الكبرى" و"الصاخة" و"الحاقة" و"الغاشية" و"الواقعة" و"القارعة" وغيرها.
ويرجع تعدد هذه الأسماء إلى اختلاف ما سيق فيه من الأهوال والمواقف والأحداث، فالقيامة مثلاً لقيام الناس من قبورهم، والبعث لما سيقع فيه من بعث العباد وإخراجهم، والحساب لما يقع فيه من حساب وغير ذلك، ومعنى هذا أن الله عز وجل - كما يقول الإمام الغزالي - قد وصف بعض دواهيها، وأكثر من أساميها؛ لنقف بكثرة أساميها على كثرة معانيها، فليس المقصود بكثرة الأسامي تكرير الأسامي والألقاب، بل الغرض تنبيه أولي الألباب، فتحت كل اسم من أسماء القيامة سر، وفي كل نعت من نعوتها معنى، فاحرص على معرفة معانيها[1].
[1] راجع إحياء علوم الدين، ج5 /205، 206، طبعة دار الفجر للتراث، القاهرة.