أرشيف المقالات

اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك   في الصَّحِيحَيْنِ عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه[1] قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَالجأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
فَإِنْ متَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ»
، قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بَلَغْتُ: «اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ»، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: «لَا وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»[2].
معاني الكلمات: • أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ: أي إذا أردت النوم. • اضْطَجِعْ: أي نَمْ. • شِقِّكَ: أي جانبك. • أَسْلَمْتُ وَجْهِي إليك: أي جوارحي منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه. • فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ: أي توكَّلتُ عليك في أمري كله. • الجأْتُ ظهري إليك: أي اعتمدتُ في أموري عليك. • رَغْبَةً: أي رغبة في عطائك وثوابك.
• وَرَهْبَةً إِلَيْكَ: أي خوفًا من غضبك ومن عقابك. • لَا مَنْجَا: أي لا نجاة. • آمَنْتُ: أي صدَّقتُ وأقررتُ إقرارًا جازمًا. • بِكِتَابِكَ: أي القرآن. • الْفِطْرَةِ: أي دين الإسلام.
المعنى العام: يُستحب لمن أراد أن ينامَ أن يتوضأَ كما يتوضأ للصلاة، ثم ينام على جانبه الأيمن، ثم يقول الدُّعَاء المذكور، وقد أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «أسلمتُ وجهي» إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وبقوله: «فوضتُ أمري» إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوَّضة إليه لا مدبِّر لها غيره، وبقوله: «ألجأت ظهري» إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضرُّه ويؤذيه من الأسباب كلها.
وقوله: «رغبة ورهبة»؛ أي: فوضتُ أموري إليك رغبةً، وألجأتُ ظهري إليك خوفًا. وقوله: «لا ملجأ ولا منجا إلا إليك» إلى أنه لا مفرَّ ولا نجاة إلا بالله. وقوله: «آمنتُ بكتابك الذي أنزلت»؛ أي: القرآن، وقيل: يشمل كل كتاب أُنزل. وقوله: «وبنبيِّك الذي أرسلتَ»؛ أي: محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: «فإن مُتَّ من ليلتك فأنت على الفطرة»؛ أي: على دين الإسلام.
فردَّد البراء رضي الله عنه هذا الذِّكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فأبدل «نبيك» بـ «رسولك»، فبيَّن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الألفاظ توقيفية لا يجوز تغييرُها.

فائدة: خُصَّ الجانب الأيمن لفوائدَ؛ منها: 1- أنه أسرع إلى الانتباه.
2- أن القلب متعلِّق إلى جهة اليمين، فلا يثقل بالنوم.
3- قال ابن الجوزي: هذه الهيئة نصَّ الأطباء على أنها أصلحُ للبدن، قالوا: يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعةً، ثم ينقلب إلى الأيسـر؛ لأن الأول سببٌ لانحدار الطعام، والنومُ على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة[3].
الفوائد المستنبطة من الحديث: • أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائصُ لا يدخلها القياس، فتجب المحافظةُ على اللفظ الذي وردتْ به. • استحباب الدُّعَاء بهذا الذِّكر عند النوم. • استحباب النوم على الجانب الأيمن. • وجوب التوكل على الله في كل الأمور. • قصد الله وحده لا شريك له بالعبادة. • الانقياد لقدر الله وشرعه. • الاعتماد على الله في الأمور كلِّها؛ ليُعين العبد على خيارها، ويَحميه من شرارها. • ضرورة السير في طريق الله بين جناحي الخوف والرجاء. • حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه رضي الله عنهم كلَّ ما ينفعهم من أمور دينهم ودنياهم. • تقرير توحيد الربوبية؛ إذ من مفردات توحيد الربوبية أن الله يحيي ويميت. • استحباب الوضوء عند النوم. • المؤمن يتقلَّب في أموره كلها بين الرغبة والرهبة. • تقرير مبدأ البعث والنشور. • تقرير مبدأ الإيمان بالرسل. • من وسائل التعليم الناجحة: الترديد؛ ليعلَمَ المعلِّمُ هل المتعلِّم فَهِم ما قيل له، أو لا؟  

[1] البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي رضي الله عنه، شهِد غزوة أُحد وما بعدها، وسافر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرًا، ولم يحضُر غزوة بدر لصِغَره، نزل الكوفة ومات فيها سنة اثنتين وسبعين. [2] متفق عليه: رواه البخاري (239)، ومسلم (4884). [3] انظر: فتح الباري (11 /110).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١