أرشيف المقالات

الأصل في البيع الحل

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2الأصل في البيع الحل   الأصل في عقود المعاملات هو الحِل والإباحة، وكل من قال بحرمة بيعٍ ما فعليه الدليل.   دليل القاعدة: 1- قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275]. وجه الدلالة: "البيع" اسم جنس محلى بـ"الـ" الاستغراقية التي تفيد العموم[1].   2- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29]. وجه الدلالة: أباح الشارع المتاجرة المشروعة، وأطلق هذه التجارات دون أنْ يقيدها بتجارة دون تجارة، وقد تقرر في الأصول أنَّ المطلق يجب إبقاؤه على إطلاقه حتى يرد المقيد[2].   ومن السنة: نقول: لَمَّا جاءت الأحاديث الصحيحة في تحريم بعض أفراد البيوع، دل ذلك على أنَّ الأصل في البيوع هو الحل، إلا ما خصَّه دليل التحريم[3].   وأقوال الأئمة تؤيد القاعدة: قال ابن تيمية: فالنَّاس يتبايعون كيف شاؤوا ما لم تُحَرِّم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاؤوا ما لم تُحَرِّم الشريعة.
وقال: لا يحرم على الناس من المعاملات إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه[4].   قال ابن عثيمين: الأصل في البيوع الحل للآية، فكل صورة من صور البيع يدعي أنها حرام فعلى المدعي البيِّنة، ومن طالبنا بالدليل على حل معاملة ما قلنا له: أين الدليل على التحريم؟[5].   فوائد: 1- إذا كان الأصل في البيوع الحل كما سبق ذكره في الأدلة، فقد دلت السنة على أفراد محرمة من البيوع، ومن هنا نعلم أنَّ العموم الوارد في قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ﴾، هو عام مخصوص بما حُرِّم من الرِّبا، وما نُهي عنه كبيع الخمر والميتة وحبَل الحبَلَة وغير ذلك[6].   قال النووي: وأظهر معاني الآية أنَّها عامة، إلا ما خصَّه الدليل[7].   قال الآمدي: عموم ﴿ وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ﴾ مخصوص بالنهي عن بيع الدرهم بالدرهمين[8].   2- ذكر ابن حجر في الفتح خلافًا أصوليًّا حول الآية: ﴿ وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ﴾، هل هي من العام المخصوص أم من العام الذي أُريد به الخصوص؟   والراجح والله أعلم أنَّها من العام المخصوص؛ وذلك لما صح من أحاديثٍ تحرم أفرادًا من البيوع المخالفة للشرع[9].   3- إذا كان الأصل في المعاملات هو الحل، فالأصل في المال هو الحرمة، لقوله تعالى: ﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل ﴾ [النساء: 29]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه"[10]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"[11].
فمال المسلم حق له لا ينازعه فيه أحد إلا بحق، كدين أو نفقة واجبة أو زكاة، ونحو ذلك من الحقوق التي يُجبَرُ عليها[12].


[1] وانظر فتح الباري (4 /408)، وتيسير الوصول إلى علم الأصول (ص/200). [2] انظر بدائع الصنائع (7 /57)، والاستذكار (6 /540). [3] وقد ذكر ابن العربي أنواع البيوع المحرمة في السُنة فبلغت ما يقرب من ستة وخمسين بيعًا محرمًا؛ انظر: أحكام القرآن (1 /240). [4] وانظر السياسة الشرعية (ص/433) ، وقال رحمه الله: فلا يحظر من المعاملات إلا ما حظره الله، وإلا دخلنا في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59]. [5] انظر تعليقات العثيمين على السياسة الشرعية (ص/433). [6] ذكره القرطبي في تفسيره (3 /231). [7] انظر المجموع (9 /136). [8] انظر الإحكام (2 /395). [9] فإن قيل: وما الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص؟ قلنا: أما الأول: فهو عام عمومه مراد من أول الأمر، ولكن أتاه ما يخصصه ويخرجه من هذا العموم، أما الثاني: فلم يكن عمومه مرادًا من أول الأمر، وعليه فلا نحتاج إلى دليل على إخراج ما لم يتناوله؛ لأنه لم يدخل من الأصل. [10] حم (20695)، وصححه الألباني في الإرواء (1459)، والحديث لا مفهوم له، فالذمي ماله معصوم، مثل مال المسلم. [11] م (2564) د (4882) حم (7727). [12] انظر القواعد الفقهية؛ لمحمد بكر إسماعيل (ص/310).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١