أرشيف المقالات

تفسير آية: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2تفسير آية ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾
قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].
سبب النزول: أن أهل الجاهلية كانوا يُحرمون أشياء وينسبون تحريمها لله تعالى، فأنزل الله هذه الآية لبيان ما حرمه.
والغَرَض الذي سِيقَتْ له: هو الردُّ على المشركين الذين حرموا البحيرة والسائبة ونحوهما، وبيان ما ثبت عن الله تحريمه.

ومناسبتها لما قبلها: أنه لما بيَّن فيما سبق أن ما زعمه المشركون مِن تحريم البَحيرة ونحوها هو افتراء على الله، بَيَّن في هذه الآية ما حرمه الله حقًّا.
والتعبير بقوله: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ ﴾، وبقوله: ﴿ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ ﴾ للإيذان بأنَّ مناط الحل والحرمة هو الوحي.
وقوله: ﴿ مُحَرَّمًا ﴾ صفة لموصوف محذوف تقديرُه: لحم حيوان أو طعامًا، والسياقُ يدُلُّ على الأول.

وقوله: ﴿ طَاعِمٍ ﴾؛ أي آكل، وهو يشمل الذكَر والأنثى، ففيه ردٌّ على قولهم: (محرم على أزواجنا)، والتقييدُ بقوله: ﴿ يَطْعَمُهُ ﴾ لزيادة التقرير.
وقوله: ﴿ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ الاستثناء مِن مَوصوف (محرمًا) المحذوف، والتقدير: لا أجد حيوانًا محرمًا أو طعامًا محرمًا إلا حيوانًا متصفًا بالموت...
إلخ، أو إلا مطعومًا متصفًا بالموت...
إلخ، وعلى هذا فالاستثناء متصل.
وقيل: ليس في الكلام حذف، كما أن الاستثناء منقطعٌ؛ لأنه كون، وما قبله عين، وقد قُرئ بنصب (ميتة) وبرفعها، فعلى النصب هي خبر يكون، وما بعدها عطف عليها، وعلى الرفع هي فاعل (تكون) التامة، وما بعدها عطف على محل (أن تكون) الواقعة مُستثناة، والتقدير: إلا أن تكون ميتة، وإلا وما...
إلخ، و(المسفوح) السائل.
والتقييدُ بـ(اللحم) في قوله: ﴿ أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ ﴾ للإشارة إلى أنه نجس العين لا تحله الذكاة، والضمير في قوله: ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ للحم الخنزير، والجملة اعتراضية لتعليل التحريم لا محل لها من الإعراب، والرجس: الخبيث النجس، والخنزير خبيث لذاته وضرره وأكله النجاسات.

وقوله: ﴿ أَوْ فِسْقًا ﴾ عطف على لحم خنزير.
وقوله: ﴿ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ صفة ﴿ فِسْقًا ﴾، والمراد به ما ذبح على الأصنام، وسمي فسقًا لتوغله في باب الفسق.
وأصلُ الإهلال رفعُ الصوت، ثم استعمل في رفع الصوت بالذكر على الذبيحة، ثم استعمل في الذبح مطلقًا.

وقوله: ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ ﴾؛ أي أصابته الضرورة الداعية إلى أكل شيء مما ذكر، والفاء تفريعية، والمراد بـ(الباغي) هنا: المعتدي على مضطر آخر، والمراد بـ(العادي): المتجاوز قدر الضرورة، والتقييد بالحال الأولى للتحذير من حرام آخر، هو أخذ حق مضطر آخر، والتقييد بالحال الثانية للتحذير من تجاوز القدر الذي يُسد به الرمق، وجواب الشرط محذوف؛ أي: فلا مؤاخذة عليه.
وقوله: ﴿ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ تعليل لجواب الشرط المحذوف، وقد حصرت الآية المحرَّمات في هذه الأشياء الأربعة، كما أفاد ذلك أيضًا آية النحل: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [النحل: 115]، وكذا آية البقرة: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 173]، مع أنه قد صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم الحُمُر الأهلية، وغير ذلك.

ولهذا اختلف العلماء: فقال قوم: الآية منسوخة بهذه الأحاديث.
وقال قوم: الآية مُحكَمة، وما نَهَتْ عنه الأحاديث مكروه، وليس بحرام.
وقال قوم: الآية مُحكمة، والحصرُ بالنسبة إلى المحرم وقت نزولها، فلا ينافيه تحريم شيء آخر بعدها، وهذا هو المختار.

الأحكام: 1- إباحة البحائر والسوائب ونحوها.
2- تحريم الميتة وما ذكر بعدها.
3- إباحة الكبد والطحال وما يبقى في العروق مِن الدم.
4- إباحة المحرمات للمضطر حالة كونه غير باغٍ ولا عادٍ.
5- لا تحليل ولا تحريم إلا بالوحي.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١