أرشيف المقالات

الحيطة والحذر في آيات من القرآن الكريم

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الحيطة والحذر في آيات من القرآن الكريم   الخير والشر موجودان منذ وجود الإنسان على وجه الأرض، وقصة هابيل وقابيل التي حكاها القرآن الكريم في سورة المائدة تؤكد ذلك وتوضحه؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، كما أن اختلاف الثقافات، والاهتمامات، والتوجهات، والتصورات، وقبلها اختلاف الفِكَرِ والأفهام بين الناس - كثيرًا ما يؤدي إلى عداوات بين الأفراد والجماعات، وهذا يحدث في أي مجتمع إنساني.
لذلك يجب على الإنسان العاقل الحكيم أن يحتاطَ من الناس على وجه العموم عند تعامله معهم، بل عليه أن يراعيَ ذلك أيضًا مع أقرب الناس إليه كالزوجة والأولاد؛ ولذا قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 14، 15].
وقد ذكر الشيخ السعدي رحمه الله كلامًا جميلًا حول معنى هاتين الآيتين؛ حيث قال: "وهذا تحذير من الله تعالى للمؤمنين من الاغترار بالأزواج والأولاد؛ فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، ووظيفتك الحذر ممن هذه وصفه، والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، فنصح تعالى عباده، وحذرهم من الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد التي فيها ما فيها من المحذورات الشرعية، ورغَّبهم في امتثال أوامره جل وعلا، وتقديم مرضاته على رضا الأزواج والأولاد عند التعارض؛ لِما عنده جل وعلا من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية، والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية".
وأضاف رحمه الله: بأنه "لما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد فيما هو ضرر على العبد والتحذير مـن ذلك، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم - أمر تعالى بالحذر منهم، والصفح والعفو عنهم؛ فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره؛ فقال: ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فمن عفا عفا الله سبحانه عنه، ومن صفح صفح الله جل وعلا عنه، ومن عامل الله عز وجل بما يحب، وعامل عباده بما يحبون، نال محبة الله تعالى ومحبة عباده"[1].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو قدوتنا الحسنة - يحذر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطويَ عن أحد منهم بِشْره ولا خُلقه[2].
ومن أبرز الآيات التي تؤكد أهمية أخذ الحيطة والحذر: قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 102]، وتكرر ذكر الحذر في الآية الكريمة المشار إليها مرتين؛ ما يؤكد أشد التأكيد على أهمية الحذر منهم وعدم الغفلة عنهم، ومن أقوال علماء التفسير في ذلك ما يلي: قال البغوي رحمه الله: "﴿ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾: أي: راقبوا العدو كي لا يتغفلوكم، والحذر ما يُتقَى به من العدو"[3]، وقال السعدي رحمه الله: "الحذر من الأعداء الحريصين غاية الحرص على الإيقاع بالمسلمين، والميل عليهم وعلى أمتعتهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾"[4]، وقال البيضاوي رحمه الله: "جُعل الحذر آلة يتحصن بها الغازي، فجمع بينه وبين الأسلحة في وجوب الأخذ، ونظيره قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ ﴾ [الحشر: 9]، ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾؛ تمنَّوا أن ينالوا منكم غِرة في صلاتكم، فيشدون عليكم شدة واحدة، وهو بيان ما لأجله أُمروا بأخذ الحذر والسلاح"[5].
والحمد لله رب العالمين.



[1] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج: 1، ص: 868. [2] انظر: القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ط: 3، ص: 81. [3] البغوي، معالم التنزيل، ج: 2، ص: 280. [4] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج: 1، ص: 198. [5] البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ج: 1، ص: 493.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١