أرشيف المقالات

الانتحار: أسبابه وعلاجه

مدة قراءة المادة : 27 دقائق .
2الانتحار: أسبابه وعلاجه   الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.   أما بعد: فإن الانتحار من الأمور الخطيرة التي تسرَّبت إلى بلاد المسلمين؛ من أجل ذلك أحببتُ التذكير بأسباب الانتحار وعلاجه، فأقول وبالله تعالى التوفيق: تعريف الانتحار: الانتحار: هو قتل الإنسان نفسه عمدًا.   أسباب الانتحار: نستطيع أن نوجز بعض أسباب الانتحار في الأمور التالية: (1) ضعف الإيمان بالله تعالى أو انعدامه عند كثير من الناس، وبخاصة في الدول غير الإسلامية. (2) المعاناة من بعض الأمراض النفسية المزمنة والشديدة. (3) الخسارة المالية الكبيرة التي تُسبِّب الصدمة العنيفة لصاحبها، أو تراكم الديون ومطالبة أصحابها بها والخوف من عواقب ذلك. (4) استعمال المخدِّرات والمسكرات؛ فإنها تسبب تلف خلايا المخ، فيصبح الإنسان المدمن عرضة للانتحار في أي وقت. (5) المرض: قد يتمكن مرض خطير من الإنسان، فيصعب شفاؤه ولا يحتمل المريض أوجاع الجسد؛ فيفكر المريض في الانتحار.
(6) امتناع المريض عن أخذ دواء ضروري. (7) الاعتقاد الخاطئ عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره حدًّا لما يعيشه أو يعانيه من مشكلات، وهذا مفهوم خاطئ وبعيد عن الحقيقة. (8) فِقدان الوظيفة أو عدم الحصول عليها بعد البحث والانتظار لسنوات عديدة، والبقاء عاطلًا بلا عمل.   كثرة الانتحار في بعض البلاد: لقد ارتفعت نسبة الانتحار في بعض البلاد حتى وصلت إلى نسبة عالية كل عام، وكانت أكبر الزيادات في نسبة الانتحار بين شباب العَقدِ الثالث، وعزوا ذلك إلى ازدياد الاضطرابات النفسية بينهم بشكل عام، وإلى مرض الاكتئاب النفسي والعقلي بشكل خاص، ولم تستطعِ الثورة الجنسية ولا الانغماس في المسكرات والمخدرات - لم تستطع أن تأتيَ بالسعادة النفسية المنشودة.
وهكذا أصبحت الحياة في ديار الغرب لا تُطاق؛ فالأسرة في حالة اضطراب ونزاع، وكذا الشارع والمصنع، والملعب والملهى؛ حيث انتشرت الاضطرابات العقلية والنفسية، وعمَّ القلق وساد الاكتئاب واليأس والملل من الحياة، رغم أن تلك الشعوب تعيش حرية كاملة ومع هذا فمرض الاكتئاب يدبُّ في أوصالهم، ويأكل قلوبهم.   ومن الأشياء التي استحدثوها لمحاربة التخفيف من الانتحار المتزايد إنشاءُ مركز يتلقى مكالمات المقدمين على الانتحار، أو من لديهم مشكلة عاطفية، أو الذين يعانون من ضيق الصدر، وهذه الخدمات تقدم ليلًا ونهارًا وبالمجان، وصدق الله تبارك وتعالى حيث يقول في كتابه العزيز: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124 - 126].   التحذير من الانتحار: لا يجوز للمسلم الإقدام على جريمة الانتحار؛ لأن قتل النفس عمدًا محرمٌ وكبيرةٌ من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]؛ قال الإمام السعدي رحمه الله: "فعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس"؛ [تفسير السعدي، ص: 90].   قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30]؛ قوله: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾: قال الإمام السعدي رحمه الله: "لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه، ويدخل في ذلك الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾: ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود"؛ [تفسير السعدي، ص: 175].   اليأس ليس من صفات المؤمنين: قال تعالى حكاية عن خطاب نبيه يعقوب عليه السلام لأبنائه: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56]، وقال جل جلاله: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53].   نبينا عليه السلام يحذرنا من الانتحار: • روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تردَّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سُمًّا فقتل نفسه، فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ [البخاري حديث: 5778، مسلم حديث: 109].   • روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار))؛ [البخاري حديث: 1365].   • روى الشيخان عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة))؛ [البخاري حديث: 6047، مسلم حديث: 110].   • روى البخاري عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جُرحٌ، فجزِع، فأخذ سكِّينًا فحزَّ بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه؛ حرمتُ عليه الجنة))؛ [البخاري حديث: 3463].   الصلاة على المسلم المنتحر: تجوز صلاة الجنازة على كل مسلم منتحر قال كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولكن تغلَّب عليه الشيطان فجعله يقتل نفسه متعمدًا.   قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "أجمع الفقهاء وأهل السنة أن من قتل نفسه أنه لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه يصلَّى عليه، وإثمه عليه كما قال الإمام مالك بن أنس، ويُدفن في مقابر المسلمين"؛ [شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج: 3، ص: 349].
وقال القاضي عياض رحمه الله: "مذهب العلماء كافةً الصلاةُ على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا"؛ [صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 7، ص: 47].
وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله: "المنتحر الذي لم يُعلَم استحلاله للانتحار مؤمن، فيصلَّى عليه صلاة الجنازة"؛ [فتاوى دار الإفتاء المصرية، ج: 8، ص: 277].
وقال الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "يصلي على المنتحر بعض المسلمين كسائر العصاة؛ لأنه لا يزال في حكم الإسلام عند أهل السنة"؛ [مجموع فتاوى ابن باز، ج: 13، ص: 162].   وسائل علاج التفكير في الانتحار: نستطيع أن نوجز وسائل علاج التفكير في الانتحار في الأمور التالية: (1) الإيمان بالقدر: معنى الإيمان بالقدر: الإيمان بالقدر: هو التصديق الجازم بأن الله سبحانه قد علِمَ مقادير الأشياء قبل حدوثها، فكتب ذلك عنده في اللوح المحفوظ، فكل ما يحدث في الكون من خير أو شر، إنما هو بتقديره سبحانه، فهو الفعَّال لما يريد، ولا يخرج شيءٌ عن مشيئته؛ [التوحيد، ص: 100].   1- قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].   2- قال سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].   3- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان))؛ [مسلم حديث: 2664].   4- روى الترمذي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((كنتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظِ الله يحفظْكَ، احفظ الله تجدْه تُجاهك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفتِ الصحف))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2043].   (2) الإكثار من ذكر الله تعالى: 1- قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43].   2- قال سبحانه: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني تعالى ذكره بذلك: فاذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم"؛ [تفسير الطبري، ج: 2، ص: 695].   3- قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾: أي: تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولًى ونصيرًا؛ ولهذا قال: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾: أي: هو حقيق بذلك"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 4، ص: 455].   4- روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [البخاري حديث: 4205، مسلم حديث: 2704]. • قوله: ((لا حول)): أي: لا يستطيع العبد أن يتحول عن المعاصي إلا بعصمة الله تعالى له.   • قوله: ((ولا قوة)): أي: لا قوة للعبد على الطاعات إلا بتوفيق الله تعالى؛ [التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ابن الملقن، ج: 29، ص: 378].   (3) حسن الظن بالله تعالى: روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً))؛ [البخاري حديث: 7405، مسلم حديث: 2675].   • قوله: ((أنا عند ظن عبدي بي)): أي: أني عند يقينه بي في الاعتماد على فضلي، والاستيثاق بوعدي، والرهبة من وعيدي، والرغبة فيما عندي، أعطيه إذا سألني، وأستجيب له إذا دعاني.   • قوله: ((وأنا معه)): أي: بالتوفيق والحفظ والمعونة. • قوله: ((ملأ خير منهم)): أي: الملائكة؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 4، ص: 1541].   (4) تلاوة القرآن الكريم: 1- قال سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].   2- قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].   3- قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29].   4- قال سبحانه: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].   (5) الصبر على المصائب: قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].   معنى الاسترجاع: الاسترجاع: هو قول المسلم عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون. • روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلِف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [مسلم حديث: 918].   • روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمنِ عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه - إلا الجنة))؛ [البخاري، حديث: 6824] قوله: ((صفيه)): أي: محبوبه من الولد أو الوالد أو غيرهما. قوله: ((احتسبه)): أي: صبر راضيًا بقضاء الله راجيًا فضله؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 3، ص: 119].   (6) الرضا برزق الله تعالى: من وسائل الابتعاد عن التفكير في الانتحار الرضا برزق الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].   1- روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كَفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه))؛ [مسلم حديث: 1054].   • قوله: ((قد أفلح)): أي: فاز وظفر بالمقصود، ((من أسلم)): أي: انقاد لربه المعبود، ((ورُزق)): أي: من الحلال، ((كفافًا)): أي: ما كفاه في أمر دنياه، وكفَّه عما سواه، ((وقنَّعه الله)): أي: جعله قانعًا ((بما آتاه)): أي: بما أعطاه إياه، بل جعله شاكرًا لما أعطاه راضيًا بكل ما قدره وقضاه؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 8، ص: 3234].   2- روى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الغِنى عن كثرة العَرَضِ، ولكن الغنى غنى النفس))؛ [البخاري حديث: 6446، مسلم حديث: 1051]. • قوله: ((العرض)): أي: متاع الدنيا. • قوله: ((الغِنى غِنى النفس)): أي: الغِنى الحقيقيُّ هو قناعة النفس بما أعطاه المولى، والتجنب عن الحرص في طلب الدنيا.   (7) المحافظة على إقامة الصلاة: إن محافظة المسلم على إقامة الصلاة من وسائل التغلب على التفكير في الانتحار؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].   قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله: "أمر الله عباده أن يفزعوا إلى الصلاة، والاستعانة بالصلاة على كل أمرهم من أمر دنياهم وآخرتهم، ولم يخصَّ بالاستعانة بها شيئًا دون شيء"؛ [تعظيم قدر الصلاة للمروزي، ج: 1، ص: 218].   لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا نزل به كرب، استعان بالصلاة؛ رجاءَ أن يكشف الله تعالى عنه هذا الكرب؛ روى أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ - أصابه أو نزل به - أمرٌ - همٌّ أو غمٌّ - صلَّى))؛ [حديث حسن، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 1171].   • قوله: ((صلَّى)): أي: تسهيلًا للأمر وامتثالًا للأمر الذي في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45]؛ أي: بالصبر على البلايا والالتجاء إلى الصلاة؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 3، ص: 990].   • قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((لقد رأيتُنا ليلةَ بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح))؛ [تعظيم قدر الصلاة، للمروزي، ج: 1، ص: 231، رقم 213].   (8) الدعاء: معنى الدعاء: الدعاء: هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 11، ص: 98].   1- قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].   2- قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "ينبه تعالى أنه هو المدعوُّ عند الشدائد، المرجوُّ عند النوازل"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 6، ص: 203]، وقال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله: "قوله: (المضطر): هو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى التضرع إلى الله تعالى"؛ [تفسير القاسمي، ج: 7، ص: 500].   3- روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2766].   • قوله: ((وأنتم موقنون بالإجابة)): أي: وأنتم معتقدون أن الله لا يخيِّبكم لسَعَةِ كرمه، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، لتحقق صدق الرجاء وخلوص الدعاء؛ لأن الداعيَ ما لم يكن رجاؤه واثقًا، لم يكن دعاؤه صادقًا.   • قوله: ((قلب غافل لاهٍ)): أي: قلب معرض عن الله تعالى؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 4، ص: 1531].   (9) حضور مجالس العلم: حضور مجالس العلم النافع من الوسائل المهمة التي تساعد المسلم على تصحيح عقيدته، وتساعده في التغلب على الشعور بالوحدة والاكتئاب، وتصرفه عن التفكير في الانتحار؛ لأنها مجالس مباركة تحفُّها الملائكة، ويباهي الله تعالى بالحاضرين فيها الملائكةَ.   1- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفَّتهم - تظلهم - الملائكة بأجنحتها وغشِيَتْهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذَكَرَهم الله فيمن عنده))؛ [مسلم حديث: 2700].   • قوله: ((إلا حفتهم الملائكة)): أي: أحاطت بهم الملائكة الذين يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر.   • قوله: ((وغشيتهم الرحمة)): أي: غطتهم الرحمة الإلهية الخاصة بالذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.   • قوله: ((ونزلت عليهم السكينة)): أي: الطمأنينة والوقار؛ ولقوله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].   • قوله: ((وذَكَرَهم الله)): أي: مباهاةً وافتخارًا بهم بالثناء الجميل عليهم، وبوعد الجزاء الجزيل لهم ((فيمن عنده)): أي: من الملائكة المقربين؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 4، ص: 1540].   2- روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادَوا: هلمَّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا))؛ [البخاري، حديث: 6408].   (10) حملات التوعية في المجتمع: يجب الاهتمام بعمل التوعية اللازمة لأفراد المجتمع عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة؛ لتوضيح أخطار جريمة الانتحار على الفرد أو المجتمع، وعمل برامج علاجية تتشارك فيها الأسرة والمدرسة مع المعالج النفسي؛ للنهوض بشخصية المصاب والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه، ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع، ومتابعته وتحسين ما يمكن تحسينه في محيطه الاجتماعي.   أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢