أرشيف المقالات

فمن رغب عن سنتي فليس مني

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2فمن رغب عن سنتي فليس مني   عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))[1].   وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا، مِمَّا بِي مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ، مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟ قَالَتْ: خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ، مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا، وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَعَذَمَنِي، وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: ((أَتَصُومُ النَّهَارَ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ((وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ((لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))[2].   بيان غريب الحديث: ♦ ((رغب)): الرَّغبة في الشيء: إيثاره، والميل إليه، والرغبة عنه: تركه، والصدوف عنه.   ♦ ((فَلَيْسَ مِنِّي)): أي ليس ممن اهتدى بهديي واتبع سنتي، فهي براءة من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لصنيعهم، وكثيرًا ما يستعملها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في المخالفات الشرعية التي تخالف هديه وسنته، وفي ذلك تحذير وتهديد ووعيد لمن يصنع ذلك مصرًّا عليه.   أهم ما يستفاد من الحديثين: النَّاظر في الحديث الأول يجد أنَّ هؤلاء النَّفر الثلاثة قصدوا من صنيعهم في ترك الزواج وصوم الدَّهر وقيام الليل كله زيادةَ التَّعبد، وكذا حديث عبدالله بن عمرٍ رضي الله عنهما، فلامَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وسمَّى صنيعهم هذا رغبة عن سنته، على الرغم أنَّهم قصدوا الزيادة في العبادة، فكيف بمن يردُّ سنته كلَّها مقتصرًا بزعمه على القرآن فقط؟! لذا نقول: ♦ لا شكَّ أنَّ المعرض عن صحيح السنة يعدُّ راغبًا عن هديِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذْ كيف يصل إلى هدي رسول الله بغير السنة التي اجتهد المحدثون في نقلها ضاربين لنا أروع الأمثلة في ذلك، حتى قال المستشرق مرجيليوث: (ليفتخر المسلمون بعلم حديثهم ما شاؤوا).   ♦ فيها دلالة قاطعة الدلالة على حجية السنة النبوية، فلو لم تكن حجة، لَما شدَّد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في نكيره على هؤلاء الرهط.



[1] أخرجه: البخاري (5063)، واللفظ له، ومسلم (1401).
قَالَ الحافظ ابن رجب في فتح الباري 1 /89: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم يأمر أصحابه بما يطيقون من الأعمال، وكانوا لشدَّة حرصهم على الطاعات، يريدون الاجتهاد في العمل، فربَّما اعتذروا عن أمر النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم بالرفق، واستعماله له في نفسه؛ أنَّه غير محتاج إلى العمل؛ بضمان المغفرة له، وهم غير مضمون لهم المغفرة، فهم يحتاجون إلى الاجتهاد ما لا يحتاج هو إلى ذلك، فكان صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم يغضب من ذلك، ويخبرهم أنَّه أتقاهم وأعلمهم به، فكونه أتقاهم لله، يتضمن شدَّة اجتهاده في خصال التقوى، وهو العمل، وكونه أعلمهم به، يتضمن أنَّ علمه بالله أفضل من علمهم بالله، وإنَّما زاد علمه بالله لمعنيين: أحدهما: زيادة معرفته بتفاصيل أسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، وعظمته وكبريائه، وما يستحقه من الجلال والإكرام والإعظام، والثاني: أنَّ علمه بالله مستند إلى عين اليقين، فإنَّه رآه إمَّا بعين بصره، أو بعين بصيرته، كما قَالَ ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: رآه بفؤاده مرتين، وعلمهم به مستند إلى علم يقين، وبين المرتين تباين، ولهذا سأل إبراهيم عليه السلام ربَّه أنْ يرقيه من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين بالنسبة إلى رؤية إحياء الموتى). [2] أخرجه: أحمد (6477)، واللفظ له، وأصله في البخاري (1975)، ومسلم (1159).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢