أرشيف المقالات

تعظيم المساجد وتوقيرها

مدة قراءة المادة : 20 دقائق .
2تعظيم المساجد وتوقيرها   المساجد بيوت الله، وقد أضافها الله إلى نفسه بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 18]، وحسبك بهذا شرفًا لها ورفعة، وقال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾ [النور: 36]، فهي أفضل بيوت الدنيا، وخير بقاع الأرض، وقد تفضل الله على بانيها بأن بنى له قصرًا في الجنة، وأجر المسجد جار لمن بناه في حياته وبعد مماته ما دام يُذكَر اللهُ فيه ويُصلَّى فيه[1].   وإنه من تعظيم الله تعظيم ما عظمه: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]، ومن مظاهر ذلك: تعظيم المساجد، وذلك بالتوقير والإجلال والتزام الآداب، وهذا جمع مبارك لبعض هذه الآداب أسأل الله تعالى أن ينفع بها، فأقول وبالله التوفيق: إنه من جملة الآداب التي تعظم بها حرمة المسجد: 1) الدخول بالرجل اليمنى والخروج باليسرى؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى[2]، والحكمة في ذلك أن الدخول إلى المسجد من أشرف الأعمال، فينبغي تقديم الرجل اليمنى فيه كتقديمها في الانتعال، والخروج منه بالعكس[3]، وقد ثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ إِذَا تَطَهَّرَ وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ وَفِي انْتِعَالِهِ إِذَا انْتَعَلَ[4].   2) الإتيان بدعاء الدخول والخروج: لحديث أسيد قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ[5])، والسر في تخصيص الرحمة بالدخول، والفضل بالخروج أن من دخل اشتغل بما يُزلفه إلى ثوابه وجنته، فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال، فناسب ذكر الفضل؛ كما قال تعالى: ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10].   3) صلاة ركعتي تحية المسجد؛ لحديث أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ)[6]، قال ابن بطال: اتفق جماعة أهل الفتوى على أن تأويل هذا الحديث محمول على الندب والإرشاد مع استحبابهم الركوع لكل من دخل المسجد وهو طاهر في وقت تجوز فيه النافلة[7]، والحكمة في البدء بتحية المسجد هي أن هذه المساجد إنما بُنيت للصلاة، وإنما تقصد للصلاة، فيستحب أن يكون أول ما يبدأ به فيها من الأعمال الصلاة ليأمن بذلك فوات ما قصد له بحدث أو غيره، وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمنا أن المنتظر للصلاة في صلاة، وأن القاعد في المسجد بعد الصلاة تصلي عليه الملائكة، فيستحب له أن يصلي ثم يجلس، فيحصل له أحد الأمرين، أو يكون منتظرًا للصلاة، فيحصلان له[8].   4) تنزيه المسجد عن الاشتغال بأحاديث الدنيا؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَحَلَّقُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَلَيْسَ هِمَّتهُمْ إِلَّا الدُّنْيَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ"[9].   5) تنزيه المسجد عن البيع والشراء؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)[10]، في هذا الحديث دلالة على تحريم البيع والشراء في المساجد، وأنه يجب على من رأى ذلك فيه أن يقول لكل من البائع والمشتري: لا أربح الله تجارتك؛ يقول جهرًا زجرًا للفاعل لذلك، والعلة هي قوله عليه الصلاة والسلام، فإن المساجد لم تبنَ لذلك[11]، وروى مالك في موطئه عن عطاء بن يسار أنه كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد، دعاه فسأله: ما معك؟ وما تريد؟ فإذا أخبره أنه يريد بيعه، قال عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة[12].   6) التحذير من إدخال ما يؤذي الناس؛ لحديث جَابِر قال: مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ بِسِهَامٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا[13]، النصال جمع نصل، وهى حدائد السهام[14]، وهذا فيه تأكيد على حرمة المسلم ألا يروع بها أو يؤذَى؛ لأن المساجد مورودة بالخلق، ولا سيما في أوقات الصلوات، فخشى عليه السلام أن يؤذَى بها أحد، وهذا من كريم خلقه، ورأفته بالمؤمنين[15].   7) النهي عن نشد الضالة؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا[16]، ينشد معناه يطلب شيئًا ضائعًا، ويدخل في هذا كل أمر لم يبن المسجد له، من البيع، والشراء، ونحو ذلك من أمور معاملات الناس، واقتضاء حقوقهم...[17].   8) النهي عن رفع الصوت: يحرم رفع الصوت في المسجد على وجه يشوِّش على المصلين ولو بقراءة القرآن، إلا ما استُثني من ذلك كدرس العلم ونحوه؛ لحديث الْبَيَاضِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِوَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ[18]؛ لأن الجهر بالقراءة فيه إيذاء بعضهم لبعض، ومنع من الإقبال على الصلاة، وتفريغ السر لها، وتأمُّل ما يناجي به ربَّه من القرآن، وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن ممنوعًا حينئذ لإذاية المصلين، فبأن يمنع رفع الصوت بالحديث وغيره أولى وأحرى[19]، قال الزرقاني: وإذا نُهي المسلم عن أذى المسلم في عمل البر وتلاوة القرآن، فإيذاؤه في غير ذلك أشد تحريمًا[20].   9) النهي عن تخطي الرقاب؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ[21]، هذا التعليل يشمل يوم الجمعة وغيره من سائر الصلوات في المساجد وغيرها، وسائر المجامع مِن حِلَقِ العلم وسماع الحديث، ومجالس الوعظ[22].   10) النهي عن المنازعة في المكان؛ لحديث ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ، قُلْتُ لِنَافِعٍ: الْجُمُعَةَ، قَالَ: الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا[23]، وإنما نُهي عن ذلك؛ لأنه لا يفعل إلا تكبرًا واحتقارًا للمقام؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، وهذا من الفساد، والإيثار ممنوع من الأعمال الأخروية، ولأن المسجد بيت الله، والناس فيه سواء فمن سبق إلى مكان فهو أحق به[24].   11) النهي عن المرور بين يدي المصلي؛ لحديث بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَأَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً[25]؛ أي لاختار وقوفه هذه المدة على ما عليه من الإثم[26]، وفي الحديث أن الإثم يكون على مَن علِم بالنهي وارتكبه مستخفًّا، ومتى لم يعلم بالنهي، فلا إثم عليه[27].   12) التحذير من عدم تسوية الصفوف؛ لحديث أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا[28].
الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرَّفها به، فإنهم أشبهوا بذلك صفوف الملائكة في السماء؛ كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴾ [الصافات: 165]، وأقسم بالصافات صفًّا وهم الملائكة[29]، قال الملا علي القاري: وفي الحديث أن القلب تابع للأعضاء، فإذا اختلفت اختلف، وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء؛ لأنه رئيسها، فالقلب ملك مطاع ورئيس متبع، والأعضاء كلها تبع له، فإذا صلح المتبوع صلح التبع، وإذا استقام الملك استقامت الرعية، ويُبين ذلك الحديث المشهور: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، ألا وهي القلب"[30]، فالتحقيق في هذا المقام أن بين القلب والأعضاء تعلقًا عجيبًا، وتأثيرًا غريبًا؛ بحيث أنه يسري مخالفة كل إلى الآخر، وإن كان القلب مدار الأمر إليه[31].   13) التحذير من عدم إتمام الصفوف: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ، قُلْنَا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدَّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ [32]؛ أي: يتمون الصف الأول ولا يشرعون في الثاني حتى يتموا الأول، ولا في الثالث حتى يتموا الثاني، ولا في الرابع حتى يتموا الثالث، وهكذا إلى آخرها[33].   14) النهي عن البصاق والتنخم؛ لحديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ، فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى[34]، فيه دليل على تنزيه المساجد من كل ما يستقذر وإن كان البصاق طاهرًا، ولو كان نجسًا، لأمَر بغسله في الحين، ودل ذلك على طهارته، ونص في الحديث على النهي عن البصاق لفضيلة تلك الأحوال، فخصها بالذكر [35].   15) النهي عن تنجيس المسجد؛ لحديث أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ، مَهْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ"، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ، لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ"، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ"[36]، يستفاد من هذا الحديث وجوب تطهير المساجد والعناية بها، وتنزيهها عن كل ما لا يليق بها[37]، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ"[38].
قال الحافظ ابن رجب: وكنس المساجد وإزالة الأذى عنها فعل شريف، لا يأنف منه من يعلم آداب الشريعة، وخصوصًا المساجد الفاضلة، وقد ثبت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى نخامة في قبلة المسجد، فحكها بيده[39].   16) التحذير من الروائح الكريهة؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ[40]؛ النهي يتعلق بكل المساجد، قال النووي: هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات مسلم: "فلا يقربنَّ مسجدنا"، وحجة الجمهور: "فلا يقربن المساجد"[41].   17) عدم العبث بلوازم المسجد: كل شيء في المسجد هو وقف عليه، وليس لأحد العبث به ولا الإسراف؛ كاستعمال المراوح لغير ضرورة، أو فوق الحاجة، أو استغلال كهرباء المسجد لغير ضورة أو فوق الحاجة كذلك، والإفراط في استعمال المياه والإسراف فيها. الحمد لله رب العالمين.


[1] شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج2، ص101. [2] السنن الكبرى - كتاب الصلاة - جماع أبواب الصلاة بالنجاسة وموضع الصلاة من مسجد وغيره - باب ما يقول إذا دخل المسجد. [3] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب، ج3، ص191. [4] صحيح مسلم - كتاب الطهارة - باب التيمن في الطهور وغيره. [5] صحيح مسلم » كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما يقول إذا دخل المسجد. [6] صحيح البخاري - كتاب الصلاة - أبواب استقبال القبلة - باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس. [7] شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج2، ص93. [8] المنتقى شرح الموطأ للباجي، ج1، ص286. [9] المستدرك على الصحيحين - كتاب الرقاق. [10] سنن الترمذي - كتاب البيوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب النهي عن البيع في المسجد. [11] سبل السلام، ج1، ص 232. [12] رواه مالك في الموطأ - باب جامع الصلاة - برقم 397. [13] صحيح مسلم - كتاب البر والصلة والآداب - باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها. [14] إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم،ج8، ص94. [15] شرح صحيح البخاري لابن بطال،ج2، ص102. [16] صحيح مسلم - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله مَن سمِع الناشد. [17] شرح الطيبي على مشكاة المصابيح،ج3، ص 936. [18] موطأ مالك - كتاب الصلاة - باب العمل في القراءة. [19] المنتقى شرح الموطأ،ج1، ص150. [20] شرح الزرقاني على الموطأ، ج1، ص310. [21] سنن ابن ماجه - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها - باب ما جاء في النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة. [22] عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني،ج6، ص208. [23] صحيح البخاري - كتاب الجمعة - باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه. [24] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن،ج7، ص511. [25] صحيح البخاري - كتاب الصلاة - أبواب سترة المصلي - باب إثم المار بين يدي المصلي. [26] إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم، ج2، ص421. [27] الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري للكرماني،ج4، ص163. [28] صحيح مسلم - كتاب الصلاة - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول. [29] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب،ج6، ص269. [30] صحيح البخاري - كتاب الإيمان - باب فضل من استبرأ لدينه. [31] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح،ج3، ص849. [32] سنن أبي داود - كتاب الصلاة - تفريع أبواب الصفوف. [33] عون المعبود شرح سنن أبي داود،ج2، ص255. [34] صحيح مسلم - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها. [35] المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك لابن العربي،ج3، ص343. [36] صحيح البخاري - كتاب الوضوء - باب صب الماء على البول في المسجد. [37] شرح النووي على مسلم، ج3، ص191و192. [38] سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور. [39] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رحب،ج3، ص352. [40] صحيح مسلم - كِتَاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ - بَاب نَهْيِ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا. [41] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج،ج5، ص48.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١