أرشيف المقالات

شرح البيقونية: الحديث المضطرب

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2شرح البيقونية: الحديث المضطرب   وذو اختلافِ سندٍ أو متنِ *** مضطربٌ عند أُهيلِ الفنِّ لغةً: هو اسم فاعل من "الاضطراب"، وهو اختلال الأمر وفساد نظامه، وأصله من اضطراب الموج، إذا كثُرت حركتُه، وضرب بعضه بعضًا.   واصطلاحًا: هو الحديث الذي يُروى من قبل راوٍ أو رواة متعددين على أوجه مختلفة متساوية القوة، لا يمكن الترجيح بينها، ولا الجمع وهذا الاختلاف مشعرٌ بعدم ضبط الراوي أو الرواة؛ إذ يشترط في قبول الحديث كون الراوي ضابطًا[1].   ممن يقع الاضطراب: "قد يقع الاضطراب من راو واحد، بأن يروي الحديث على أوجه مختلفة. وقد يقع الاضطراب من جماعة، بأن يروي كل منهم الحديث على وجه يخالف رواية الآخرين"[2].   شروط تحقق الاضطراب: "يتبين من النظر في تعريف المضطرب أنه لا يسمى الحديث مضطربًا إلا إذا تحقَّق فيه شرطان وهما: أ- اختلاف روايات الحديث؛ بحيث لا يمكن الجمع بينها. ب- تساوي الروايات في القوة؛ بحيث لا يمكن ترجيح رواية على أخرى.   أما إذا ترجحت إحدى الروايات على الأخرى، أو أمكن الجمع بينها بشكل مقبول، فإن صفة الاضطراب تزول عن الحديث، ونعمل بالرواية الراجحة في حالة الترجيح، أو نعمل بجميع الروايات في حالة إمكان الجمع بينها"[3].   قال القاسمي: "والاختلاف إما من راو واحد بأن رواه مرة على وجهٍ، ومرة على وجه آخر مخالف له، أو أزيد من واحد، بأن رواه كل من جماعة على وجه مخالف للآخر"[4].   قال ابن الصلاح: "وإنما سميتُه مضطربًا إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت إحداهما؛ بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظَ أو أكثر صحبةً للمروي عنه، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه،   ثم يقع الاضطراب في متن الحديث، وقد يقع ذلك من راو واحد، وقد يقع من رواة له جماعة، والاضطراب موجب ضَعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط"[5].   "والاختلاف إما أن يقع من عدد من الرواة؛ كأن يروي الحديث بعض الرواة على وجه والبعض الآخر على وجه مخالف له، وإما أن يقع من راو واحد، فيختلف في الحديث على نفسه، وذلك بأن يحدث بالحديث مرة على وجه، ومرة أخرى على وجه آخر مخالف له.   وإذا كان الاختلاف من راو واحد، فلا بد وأن يتحد المخرج؛ لأن هذا الراوي هو مخرج الحديث الذي تلتقي عنده الأسانيد. وأما إذا كان الاختلاف من عدد من الرواة، فقد يتحد المخرج، كأن يقع الخلاف بينهم على شيخ واحد وهو مخرج هذا الحديث. وقد يتعدد بمعنى أن كل راو من هؤلاء الرواة روى الحديث نفسه بإسناد آخر يختلف عن الإسناد الذي ذكره غيره.   وهذا نوعان: الأول: لا يضر، ولا يعتبر خلافًا، بل يحمل على أن للحديث أكثر من إسناد. وذلك حيث يجيء كل إسناد من قبل من يعتمد على تفرُّده، وحيث يرى النقاد صحة الوجهين جميعًا، وهو حينئذ يكون تقوية للحديث وليس إعلالًا له.   الثاني: لا يضر، ويعتبر علة في الحديث تفضي إلى القدح في الوجه الخطأ. وذلك حيث يرى نقاد الحديث أن هذه المخارج وإن تعدَّدت في الظاهر، إلا أنها ترجع إلى مخرج واحد، وعليه يعتبرون تلك الأسانيد المتعددة مختلفة، ويعلون بعضها ببعض، ويحكمون على من غير المخرج، بالخطأ والوهم.   وقد يطلق على بعض صور الاختلاف اسم "الاضطراب"، وأكثر ما يطلقونه فيما كان الخلاف فيه مع اتحاد المخرج، وأكثره فيما كان الاختلاف فيه من راو واحد.   ومن الاختلاف ما ظهر فيه وجه ترجيح، ومنه ما لم يظهر فيه ترجيح، وغالبًا ما يكون ذلك فيما كان الخلاف فيه من واحد؛ لأنه هو المتفرد بالأوجه كلها.   وإذا كان الاختلاف من عدد من الرواة، فعند الترجيح تقدم الرواية الأقوى على الرواية الأدنى بقوة، بالنظر في حفظ الرواة وعددهم، وما يحتف بالرواية من قرائن، كأن يكون راويها أكثر صحبةً للمروي عنه، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة، والحكم حينئذ للرواية الراجحة، ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب، ولا له حكمه"[6].   أقسام الاضطراب: قد يكون الاضطراب في السند، وقد يكون في المتن[7]. "وغالبًا ما يكون الاضطراب في السند، وقد يقع في المتن أيضًا"[8].   قال ابن حجر: "وهو يقع في الإسناد غالبًا وقد يقع في المتن، لكن قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون الإسناد"[9].   مثال مضطرب السند: كحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إذا صلى أحدُكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد، فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا، فليخطط بين يديه خطًّا، ثم لا يضره ما مرَّ أمامه"[10].   فهذا الحديث من رواية إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده حُريث عن أبيه عن أبي هريرة، فاختلف فيه على راويه إسماعيل بن أمية اختلافًا كثيرًا.   فقيل: عنه عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة. وقيل: عنه عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن أبي هريرة. وقد اختلف فيه على أكثر من عشرة وجوه، وقد حكم عليه بالاضطراب غير واحد من الحفاظ منهم النووي وابن عبدالهادي[11].   مثال مضطرب المتن: ما رواه الترمذي عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزكاة، فقال: (إن في المال لحقًّا سوى الزكاة).   ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ: "ليس في المال حق سوى الزكاة"؛ قال العراقي: "فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل"[12].   سبب ضَعف المضطرب: "سبب ضعف المضطرب أن الاضطراب يشعر بعدم ضبط رواته"[13].   أشهر المصنفات في الأحاديث المضطربة: كتاب "المقترب في بيان المضطرب"؛ للحافظ ابن حجر. قول الناظم رحمه الله: "عند أهيل الفن".   "قد يقول قائلٌ: لماذا صغر كلمة (أهل)، فنقول: إن المؤلف اضطره النظم إلى التصغير، ولهذا يعتبر التصغير من تمام البيت فقط، وإلا كان عليه أن يقول: عند أهل الفن. قد يقول قائل: الفن عندنا غير محمود عُرفًا. فنقول: المراد بالفن عند العلماء هو الصنف والنوع"[14].


[1] "تدريب الراوي" (1/ 262). [2] "تيسير مصطلح الحديث" ص (114). [3] "تيسير مصطلح الحديث" ص (112-113). [4] "قواعد التحديث" للقاسمي ص (132). [5] "مقدمة ابن الصلاح" ص (44). [6] "إصلاح الاصطلاح" ص (299-301). [7] انظر: "اختصار علوم الحديث" لابن كثير ص (68). [8] "تدريب الراوي" (1/ 262). [9] "نزهة النظر مع النكت" (ص117). [10] أخرجه أحمد (2/ 249)، وأبو داود (690)، وابن ماجه (943)، وابن خزيمة (811)، والبيهقي (2/ 271)، وابن حبان (2361) كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن أبي محمد عمرو بن حريث عن جده عن أبي هريرة، وينظر "علل الدارقطني" (2010)، و"علل الحديث" لابن أبي حاتم (1/ 186)، و"النكت على ابن الصلاح" (2/ 772)، و"التلخيص الحبير" (1/ 286)، و"نصب الراية" (2/ 80). [11] انظر: "فتح المغيث" للسخاوي (1/ 222). [12] "تيسير مصطلح الحديث" ص (113). [13] "تيسير مصطلح الحديث" ص (114). [14] انظر: "شرح البيقونية"؛ للشيخ ابن عثيمين ص (124).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١