أرشيف المقالات

مضى رمضان (خطبة)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2مضى رمضان   إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.   ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].   ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].   ﴿ يَا أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَيَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً ﴾[الأحزاب: 70-71].   أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، وبعدُ: مضى رمضان، وفاز فيه من فاز، وخسر فيه من خسر. فاز من صام وقام إيماناً واحتساباً، وخسر من قضى شهره في الملذات والشهوات المحرمة. فيا غافلاً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عن قريبٍ ستندمُ أفق قد دنا اليوم الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تضرمُ وبالسنة الغراء كن مستمسكاً هي العروة الوثقى التي ليس تُفصمُ
يا معشر المسلمين: إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل
روى الترمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ»[1].   ومعنى: «رغم أنف»: خاب وخسر، ولحقه غاية الذل والهوان بسبب تقصيره في هذه الأمور ذات العمل اليسير.   فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيمه، فمن عظمه عظمه اللهُ وأعلى شأنه.   وبر الوالدين عند كبرهما وضعفهما بالخدمة والنفقة وغير ذلك سبب لدخول الجنة، فمن قصر في ذلك كان عرضة للخسارة والعذاب.   وشهر رمضان شهرٌ تغفر فيه الخطيئات وتضاعف فيه الطاعات، فمن أدرك هذه الفرصة العظيمة الموجبة للفلاح، ولم يسعَ لمغفرة ذنوبه فقد خسر.   وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[2].   وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»[3].   يا من حافظت على الصلاة، والقيام في رمضان. يا من حافظت على صلاة الفجر. ماذا ستصنع بعد رمضان؟ هل ستداوم على الطاعة بعد رمضان؟ أم ستتكاسل لمّا ذهب رمضان؟ وهل كنتَ تتعبد في رمضانَ حقًّا؟   إن من علامات العبد الرباني الذي يعبد ربه أنه يداوم على العبادة في رمضان، وغير رمضان..   أما من لا يفعل الطاعة إلا في رمضان، فإذا انقضى رمضان ترك الطاعة.   لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف أبو بكر رضي الله عنه، وقال: «أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ»[4].   إن من ذاق حلاوة الطاعة لا يتركها أبداً، ومن علامات قبول العمل المداومة عليه.   قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه: «يَا عَبْدَاللهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ»[5].  


[1] صحيح: رواه الترمذي (3545)، وأحمد (7451)، وصححه الألباني. [2] متفق عليه: رواه البخاري (37، 1901)، ومسلم (759، 760)، من حديث أبي هريرة. [3] حسن: رواه الترمذي (3598)، وحسنه، وابن ماجه (1752)، وأحمد (9743). [4] صحيح: رواه البخاري (3668). [5] متفق عليه: رواه البخاري (1152)، ومسلم (1159).



شارك الخبر

المرئيات-١