أرشيف المقالات

إن يصبك غبارها تحرقك نارها؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2إن يصبك غبارها تحرقك نارها؟   قال الله - تعالى -: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].   الله - سبحانه وتعالى - يُجْرِي في الفتن أَقْضِية وأحكامًا لا يعلمها إلا هو. ويَبْتَلِي بها العباد ليَمِيزَ الخبيثَ من الطيب، والصادقَ من الكاذب، والأمينَ من الخائنِ. وينظر إلى القلوب التي قال أصحابها: آمَنَّا بالله؛ فيمحص ما بها، ويخرج ما فيها. فتُبْلَى في الفتن السرائر، وتُخْتَبر ما في الضمائر. فالذهب لا يكون خالصًا حتى يُصْهَر في النار. والناس معادِنُ كمعادن الذهب والفِضَّة. فالفتنة مدارُها على التصفية والترقية.   فأما الزَّبَد فيذهب جفاءً: فكم من أناسٍ كنتَ تعدُّهم من التُّقَاة النُّقَاة، سقطوا في الفتنة من أعين الناس سقوطًا حرًّا على أمِّ قَفَاهم، وأصبحوا كالفراش المتهاوي في النار.   وآخرون انكشف أمرهم، فما لهم من قوة على ستر ما يُضْمِرون وما يُخْفُون؛ فترى وجوهَهم مسودَّة كقِطَع الليل المظلم، من العار والشنار، ناكسي رؤوسهم أمام الناس، تزدريهم الأعين، وتسخر منهم الألسُن، فهؤلاء موتهم خيرٌ مِن حياتهم، وهذا خِزْي الدنيا - عياذًا بالله.   وآخرون مُذَبْذَبين بين ذلك، فكل ريح هبَّت مالوا حيث تَمِيل، فلا أصل لهم يَرْكَنون إليه، ولا أساس يَثْبُتُون عليه؛ فهؤلاء هم مَن تَهْوِي بهم الريح في مكان سَحِيق، وهي نهايةُ كثيرٍ منهم.   وآخرون أمرهم عَجَب: تُشْوَى ظهورهم، وتُكْوَى جنوبهم بنار الفِتنة، وهم لا يُحَرِّكون فيها ساكنًا، بل يَظُنُّون بأنفسهم خيرًا، فما أصبرَهم على النار!   وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض: وأما الذين كتَب الله في قلوبهم الإيمان وأيَّدهم بنصره وحاطهم بحفظه، فلا تحرِّكهم الزلازل ولا النوازل؛ فهم كالجبل الأَشَمِّ في شموخه وعزه وكبريائه، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.   قومٌ خافوا من الفتن، وفَرُّوا منها إلى الله؛ فَوَقاهم الله من نارها السموم. إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطَنَا ♦♦♦ طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الفِتَنا   إنها الكياسة والفِطْنَة التي منَّ الله بها عليهم بخوفهم ووَرَعِهم، وهذه المِنَّة بعيدة من الذين لا يخافون مكر الله ولا شدة عقابه.   عجبًا! كيف لا يخاف الناس اليوم من فتنٍ، حذَّرهم منها رسولنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الكثير من المرَّات: ((فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح فيها الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا)).   بل ترى كثيرًا من الناس يَفِرُّ إلى الفتن لا منها، ويَهْوِي إليها بقلبِه إن بَعُدَت عليه الشُّقَّة والمسافة التي تأجَّجت فيها نار الفتنة، فينالُه من وِزْرِها.   فانتبه! واحذر أن يصيبَك من غُبَارها. نَاهِيك أن تقدم عليها، فتَحْتَرِق بنارها.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣