أرشيف المقالات

ملخص أحكام المسح على الخفين من "تمام المنة"

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
2ملخص أحكام المسح على الخفين من "تمام المنة" من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله [·]   أوَّلاً: مَشروعِيّتِه (أي الدليل على أنه من الشَرع): ثبَتتْ مَشروعيَّة المَسْح على الخُفيْن بالسُنّة .
ثانيًا: المَسْح على الجَورَبَيْن (الشراب) ، والنَعليْن (الحِذاء) ، واللفائف: يَجُوز المَسْح على الخُفيْن، والجوربَيْن (الشَّراب)، والنَعليْن (الحِذاء)، ويجوز أيضًا المَسْح على اللفائف (وهي أي خِرقة تُلَفُّ على القدم).
ثالثًا: شروط المَسْح على الخُفيْن والجَورَبَيْن والنَعليْن واللفائف:   يُشترَط لِجَوَاز المَسْح على ما سبَق من خُفٍّ وجَورَب ونَحْوِه أنْ يَلبَسَهُ على طهارةٍ كاملة، وهذا هو الشَّرط الوحيد الذي وَرَدَ به الدَّليل؛ وأمَّا ما عَدَا ذلكُ من الشُّروط الَّتي اشترطَها بعض العلماء كأنْ يكون من جلد، أو مِمَّا يُمكن تَتابُع المَشي فيهما، أو سلامتها من الخروق ونحوها، أو كَوْنِهمَا ثَخِينَيْن لا يَنْفُذ الماءُ خلالَهما، فكلُّ هذه الشروط لا اعتبار لها؛ لأنه لم يَرِِد في ذلك نَصّ يُقيِّد المَسْح بهذه الشروط.
قال ابن حَزْم رحمه الله: "فإنْ كان في الخُفيْن، أو فيما لُبِسَ على الرِّجْلَيْن خرقٌ - صغير أو كبير، طُولاً أو عَرضًا -  فظهر منه شيء من القدَم - أقلُّ القدَم، أو أكثَرُه - فكل ذلك سَوَاء، والمَسْح على كلِّ ذلك جائز، ما دامَ يتعلَّق بالرِّجلين منه شيء"[1].
وأفاد الشيخُ ابن عُثَيْمِين شرطًا آخَر في الخُفِّ ليَصِحَّ المَسْح عليه، وهو أنْ يكونَ طاهرَ العَيْن؛ أيْ: لا يكون مصنوعًا مِن شيء نجس كجلد الحمار مثلاً[2]، وأمَّا إذا كان متنجِّسًا - أيْ: أصابته نَجاسة لكنه طاهر العين - فإنَّه يَصحُّ المَسْح عليه، لكن لا تصلُح الصلاة به حتَّى يُزيل ما عليه من نَجاسة.
رابعًا: اختصاص المَسْح بِظَهر الخُف:   المشروع في المَسْح على الخُفيْن هو أنْ يَمسح على ظاهرهما دون باطنهما (أي: يمسح أعلى الخُفيْن ولا يمسح أسفلهما)؛ فعن عَلِيّ رضي الله عنه قال: "لو كان الدِّينُ بالرَّأي، لكان أسفَلُ الخُفِّ أوْلَى بالمَسْح من أعلاه، لقد رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمسح على ظاهرِ خُفَّيْه"[3].
وذلك بأن يُمَرِّر يده بعد بَلِّها بالماء على أعلَى الخفِّ مرة واحدة، ولا يُشترَط الاستِيعاب - (أي لا يُشترَط مَسْح ظهر الشراب كله) - بل متَى مَسَحَ بعضَهُ أجزأه.

خامسًا: مُدَّة المَسْح (يعني إلى متى أظل أمسح على الخُفيْن)؟ يَمسح الْمُقِيم على الخُفيْن يومًا وليلة، بينما يَمسح المسافر ثلاثة أيام وليالِيَهن ، والظاهر أن المقصود من "اليوم والليلة": خَمْس صلوات، فعن أبي عثمان النَهدِيِّ رضي الله عنه قال: "حضرتُ سَعدًا وابن عمر يَخْتصِمان إلى عمر في المَسْح على الخُفيْن، فقال عمر: "يَمْسح عليهما إلى مِثل ساعته مِن يَومِهِ وليلتِه"[4].
    سادسًا: متى نبدأ في حساب مُدَّة المَسْح؟ هناك قوْلان لأهل العلم لابتداء مُدَّة المَسْح: الأول: أنّ المُدَّة تبدأ بِمُجرَّد أن يُحدث بعد أن يَلبَس الخف وإنْ لَم يَمْسح عليه، وعلى هذا: إذا لبس الخُفيْن ثم أحدَث..
بدأ في حساب المُدَّة، وإنْ لم يُرِد الوضوء.
الثاني: أنّ المُدَّة تبدأ مِن أول مَسْح بعد الحَدَث وهو الراجح.

فمثلاً: إذا كان مُقِيماً ، وكانت أول مَسْحَة له على الخُف عند أذان فجر يوم الجمعة، فإنه يظل يمسح ويصلي إلى أذان فجر يوم السبت (بحيث إنه لا يصلي فجر السبت إلا بعد أنْ يتوضأ وضوءاً كاملاَ يغسل فيه رجليه) (ولكنْ يُلاحَظ أنه يجوز له أنْ يصلي فجر السبت بآخِر مَسْحة مَسَحَهَا قبل الأذان، طالما أنه لم يُنتقض وضوءه) كما سيتضح في النقطة التالية: • وأما عن انتهاء مُدَّة المَسْح، أو بمعنى آخر: لو انتهت مُدَّة المَسْح، وكان ما زالَ محتفظاً بوضوئه (مِن آخِر مَسحَة مَسَحَها قبل انتهاء المُدَّة) ، فهل يُعَدُّ انتهاء المُدَّة ناقِضًا لوضوئه هذا؟
هناك أقوالٌ، أصَحُّهَا: أنه ما زال على طهارته يصلِّي بوضوئه ما لَم يُحْدِث؛ وذلك لأنَّه متوضِّئ طاهر بيقين، ولم يَأْت دليل صحيح يَدُلُّ على أنَّ انقضاء المُدَّة ناقِض للوضوء، وإنَّما دَلَّت الأحاديث على أن انقضاء المُدَّة مَانِعٌ من استمرار المَسْح - (أي لا يجوز له المَسْح على الخُفيْن مرَّة أخرى) - حتَّى يلبسهما على طهارة كاملة (أي بعد أنْ يتوضأ وضوءاً كاملاَ يغسل فيه رجليه أو بعد أنْ يغتسل من الجنابة) (وسواء لبس نفس الخُفيْن مرة أخرى أو لبس غيرهما).
ملحوظة: لو خَلَعََ الخُفيْن أثناء المُدَّة، فإنَّه لا يُنتقض وضوءُه، ولا يُمنَع مِنْ أنْ يَستكمِل مُدَّة المَسْح - (إذا لبسهما مرة أخرى بعد الخَلع) - ما دام أنَّه لم يُحْدِث قبل الخلع أو أثنائه، فإنْ كان مُحْدِثًا قبل الخلع ، أو أحْدَث وهُما مَخلوعتان، فإنَّه لا يَمسح عليهما إلاَّ بعد لِبسهما على طهارة كاملة(بغَسْل الرِّجلين).   وقد قاسَ ابنُ تَيْمِيَة رحمه الله نَزْع الخُفِّ بحَلْق شعر الرأس بعد الوضوء ، فرغم أنك أزَلتَ شعر الرأس الممسوح عليه أثناء الوضوء إلا أنه لا يَلزَمُك إعادة الوضوء بعد إزالة الشعر، فكذلك لا تُعِيد الوضوء إذا خلعتَ الخُفيْن الممسوح عليهما أثناء الوضوء.[5].
• لكنْ يُلاحَظ أنه لو مَسَحَ على الخُفيْن ثم خلعهما أثناء المُدَّة - وهو مازال على وضوئه - ثم أراد أنْ يستبدلهما بخفين آخرين فإنه لا يصِحّ أنْ يمسح على الخُفيْن الجديديْن إلا بعد أنْ يلبسهما على طهارة كاملة (أي بعد أنْ يتوضأ وضوءاً كاملاَ يغسل فيه رجليه أو بعد أنْ يغتسل من الجنابة).
 سابعًا: ما يُبطِل المَسْح:   يَبْطُل المَسْح على الخُفيْن بسبب الجَنَابَة؛ وأمَّا ما ذكَرَه البعض أنَّ انقضاء المُدَّة، أو نَـزْع الخفِّ ينقض الوضوء، فلا دليلَ عليه، وقد بيَّنْتُ ذلك في المباحث السابقة[6]، والله أعلم.
  تنبيه: أيُّهما أفضل: المَسْح على الخُفيْن، أو غسْل الرِّجلَيْن؟ قال ابن تَيْمِيَة رحمه الله: "والأفضل في حقِّ كلِّ أحدٍ بِحَسَب قدَمِه، فلابِسُ الخفِّ: أنْ يَمسح عليه، ولا ينـزع خُفَّيْه؛ اقتداء بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه، ولِمَنْ قدَماه مكشوفتان: الغسل، ولا يتحرَّى لبسه لِيَمسحَ عليه"[7].
قال الشيخ عادل العزّازي: هذا مِن حيث الأفضليَّة، لكنه لو لَبِسه متعمِّدًا ليمسح عليه صَحَّ مَسْحُه.[8].
ملاحظات: 1- إذا لبس الخُفَّ في الحَضَر ثم سافر، فإنَّه يمسح مَسْح المسافر (يعني يمسح ثلاثة أيام بلياليهن، يَحسبهُنّ مِن أول مَسحَة مَسَحَها في الحَضَر).
2- إنْ مَسَحَ في السفر ثم أقام - (أي عادَ إلى بلده) - أتَمَّ مَسْحَ مُقِيم، فإنْ كانت المُدَّة مَضَى منها أقلُّ مِن يوم وليلة أتَمَّها، وإنْ كانت مضى منها أكثرُ مِن يوم وليلة انقطعت المُدَّة[9].
3- يَجُوز لِبْس الخفِّ لِمَن لا يَحتاج إليه، ولا يُشترَط أن يكون لِبْسُهُ لِبَردٍ ونَحْوِه.
4- إذا لَبس الخُفَّ وهو يُدافع الحَدَث، لم يُكْرَه له ذلك ، بِمعنى أنه إذا كان متوضِّئًا، وشَعَرَ بِمُدافعَة الحَدَث (يعني شعر بأن وضوءه سيُنتقض بسبب مُدافعَة خروج الريح أو البول أو الغائِط له) - ، فأرادَ أنْ يَلبس الخُفَّ قبل بُطلان وضوئه ليتمكَّن مِن المَسْح عليه، جازَ له ذلك.
5- لا مانع مِن لبس خُفَّيْن أو جوربين فأكثر يلبسهما جَميعًا بعد الطَّهارة الكاملة (أي بعد أنْ يتوضأ وضوءاً كاملاَ يغسل فيه رجليه أو بعد أنْ يغتسل من الجنابة (، ويكون المَسْح على الخفِّ الأعلى، والجورب الأعلى.

6- إذا لبس أحد الخُفيْن على طهارة كاملة (بغسل الرِّجلين(، ثم لبس الخفَّ الثاني قبل الحَدَث، فإنَّه يَجُوز له أنْ يمسح على الأعلى كما تقدَّم.
لكنَّه لو أحدَث بعد أنْ لبس الخُفَّ الأول - أو كانَ قد مَسَحَ على الخف الأول - وأراد أنْ يلبس الثاني فوقه، فالرَّاجح أنَّه لا يَصِحُّ المَسْح على الخف الأعلى؛ لأنَّه لَم يلبسه على طهارة كاملة (أي بعد أنْ يتوضأ وضوءاً كاملاَ يغسل فيه رجليه أو بعد أنْ يغتسل من الجنابة) ، والله أعلم.
7- قال ابن حَزْم: "والمَسْح على كلِّ ما لُبِس في الرِّجلين، مما يَحِلُّ لِباسُه مما يَبلُغ فوق الكعبيْن سُنَّة، سواء كانا خفَّيْن مِن جلد أو لبُود أو جوربين مِن كِتان، أو صُوف، أو قطن، كانا عليهما جلدٌ أو لم يكن، أو جرموقَيْن، أو خُفَّين على خفَّين، أو جوربين على جوربين أو ما أكثر من ذلك...
وكذلك إن لَبِسَت المرأة ما ذُكِر من الحرير، فكلُّ ما ذكرْنا إذا لبس على وضوء، جازَ المَسْح عليه"[10].
8- قال الشيخ عادل العزّازي: وترى اللجنة الدائمةُ عدم جواز المَسْح على الجوارب الشَّفافة التي تكون الرِّجلان فيها في حُكم العاريتَيْن، والله أعلم[11]، ثم قال الشيخ عادل العزّازي: وقد نقلْتُ ذلك من باب الأمانة العِلمية، وإلا فإنَّهم لم يَذكُرُوا دليلاً تطمئنُّ إليه النَّفس بعدم الجَوَاز، والراجح عِندي جَوَازُ المَسْح عليهما وهذا الرأي هو الذي يَظْهر من كلام ابن حَزْم السابق...
وقال النوويُّ: "وحَكَى أصحابنا عن عمر وعليٍّ رضي الله عنهما جَوَاز المَسْح على الجورب وإنْ كان رقيقًا".[12] .   "التلخيص على مسؤولية الكاتب"  

[·] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل. [1] "المُحلَّى"، (2/ 136). [2] هذا بناءً على ما رجحه الشيخ بنجاسة جلد الحمار ولو بعد الدبغ، وفي المسألة خلاف. [3] صحيح: رواه أبو داود (162)، والدار قطني (1/ 204)، والبيهقي (1/ 292)، وصححه الألباني في "الإرواء" (103). [4] رواه عبد الرزاق (1/ 209/ 807)، وصححه الألباني على شرط الشيخين في "تمام النصح" (ص91). [5] انظر" الاختيارات الفقهية" ص.37 [6] وتأمَّل: أن انقضاء المُدَّة "يَمنع المَسْح"؛ لكنه إن كان ماسحًا قبل انقضاء المُدَّة فإنَّه لا يبطل المَسْح. [7] الاختيارات الفقهية(ص33) [8] راجع في ذلك "أحكام المَسْح على الحائل"لأبي عمر دبيان بن محمد، ص 149. [9] الفتاوى الكبرى" (5/ 303) [10] المُحلَّى" (2/ 110)، "المسألة" (212) [11] فتاوى اللجنة الدائمة"، (5/ 266)، رقم (2/ 55)، ترتيب الدويش. [12] "المَجموع" (1/ 500).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢