أرشيف المقالات

الخلاف في وقوع طلاق المدخول بها ثلاثا متفرقة

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
2الخلاف في وقوع طلاق المدخول بها ثلاثا متفرقة
تقدم الكلام على طلاق المدخول بها ثلاثا بكلمة واحدة كقوله أنت طالق ثلاثا والكلام الآتي في طلاق المدخول بها ثلاثا متفرقة فإذا طلق الرجل امرأته التي دخل بها ثلاثا مفرقة لا يخلو الأمر من أن يقصد إنشاء الطلاق فينوي طلاقها ثلاثا الثاني أن يقصد توكيد الطلاق لا طلاق الثلاث الثالث أن لا يكون له نية: أولا: طلاق المدخول بها ثلاثا بكلمات متفرقة ناويا الطلاق: إذا طلق الرجل امرأته المدخول بها ثلاثا متفرقة كقوله أنت طالق أنت طالق أنت طالق في طهر أو أطهار فهل وقع الخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة وهل بعضهم يرى الثلاث واحدة كطلاق المدخول بها ثلاثا في كلمة واحدة هذا ما أحاول الإجابة عليه؟
بعض أهل العلم ينقل الإجماع على وقوع الطلاق وأن الخلاف بين أهل العلم في مسألة طلاق الثلاث المجموعة لا المفرقة: 1: قال محمد بن نصر المروزي: اختلفوا المدخول بها إذا طلقها الزوج ثلاثا بلفظ واحد...
لا اختلاف بين أهل العلم أنها إذا كانت مدخولا بها فقال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق سكت أو لم يسكت فيما بينهما عنها طالق ثلاثا إلا أن يريد تكرار الكلام بقوله الثانية الثالثة والله أعلم[1].   2: قال القاضي عبد الوهاب: لا خلاف في أن من فرق الثلاث فإنه يلزمه...
فأما إن أتى به في كلمة واحدة فإنه عاص بذلك ويلزمه وإنما قلنا يلزمه إن وقع خلافا لمن منع إيقاعه جملة [2].   3: قال ابن حزم: اتفقوا أن من طلق امرأته التي ذكرنا في الوقت الذي وصفنا طلقة واحدة رجعية لم يتبعها ولا شرطا مفسدا للطلاق أن ذلك لازم واتفقوا أنه إن اتبع الطلقة التي ذكرنا للتي وطئها طلقة ثانية بعد الأولى وقبل انقضاء عدتها أنها أيضا لازمة له وأنه قد سقط مراجعتها وحرام عليه نكاحها إلا بعد زوج[3].   فابن حزم ينقل الإجماع على أنه إذا اتبع الطلقة الأولى طلقتين متفرقتين بانت بها المرأة وهو ممن نقل الخلاف في وقوع طلاق الثلاث المجموعة[4]   4: قال ابن المنير: لزوم الثلاث إذا وقعت مفترقات لا خلاف فيه.
فإن وقعت في كلمة واحدة، فالمذاهب أيضا كذلك للزوم، ونقل عدم اللزوم شاذا عند الحجاج بن أرطاة وابن إسحاق[5]   5: قال ابن جزي: تنفذ الثلاث سواء طلقها واحدة بعد واحدة اتفاقا أو جمع الثلاث في كلمة واحدة عند الجمهور خلافا للظاهرية[6]   6: قال أبو الوليد بن رشد: إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، نسقا، فإنه يكون ثلاثا عند مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يقع واحدة، فمن شبه تكرار اللفظ بلفظه بالعدد - أعني: بقوله طلقتك ثلاثا - قال: يقع الطلاق ثلاثا.
ومن رأى أنه باللفظة الواحدة قد بانت منه قال: لا يقع عليها الثاني والثالث.
ولا خلاف بين المسلمين في ارتدافه في الطلاق الرجعي[7].   7: قال ابن قدامة: إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية، وقعت بها طلقتان بلا خلاف[8] وابن قدامة أشار إلى الخلاف في طلاق الثلاث بكلمة واحدة [9]   8: قال ابن المبرد: الفصل التاسع فى ذكر الثلاث إذا أتت متفرقه هذه المسأله لا خلاف فيها أنه يقع ثلاثاً , لا لجمال الدين [يوسف بن أحمد] ولا للشيخ تقى الدين [شيخ الإسلام ابن تيمية] ولا لابن القيم ولا لأحد من الأئمة بل الإجماع منعقد على أنه يقع وتحرم عليه إلا وتحرم عليه إلا أن تنكح زوجاً غيره بالكتاب ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ (230) سورة البقرة على ما ذكرناه والسنة أشياء كثيرة والإجماع منعقد والله أعلم بالصواب[10].   9: قال محمد بن أحمد الفاسي: لا فرق بين أن يطلقها ثلاثا في كلمة كقوله: أنت طالق ثلاثا أو يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها إلى الثلاث الحكم واحد، إلا أنه في ثلاث مرات مجمع عليه، وفي كلمة فيه خلاف ضعيف.
[11] ونفي الخلاف يحتمل أنه في المذهب ويحتمل أنه عام والله أعلم   10: قال الشيخ عبد العزيز بن باز: لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع وقال الخلاف فيما إذا قال الزوج: (أنت طالق بالثلاث) أو (هي طالق بالثلاث) ولم يكرر ذلك[12] ومن تكلم على الخلاف في مسألة الطلاق الثلاث أكثرهم ينص على الثلاث المجموعة[13] وبعضهم يطلق ولايقيد [14].   وقت ظهور الخلاف: شيخ الإسلام ابن تيمية جعل الخلاف في وقوع الثلاث في المسألتين فطلاق الثلاث واحدة إذا كانت مجموعة أو مفرقة.   قال رحمه الله: إن طلقها ثلاثا في طهر واحد بكلمة واحدة أو كلمات؛ مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا.
أو أنت طالق وطالق وطالق.
أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق.
أو يقول: أنت طالق ثم يقول: أنت طالق ثم يقول: أنت طالق.
أو يقول: أنت طالق ثلاثا.
أو عشر طلقات أو مائة طلقة أو ألف طلقة ونحو ذلك من العبارات: فهذا للعلماء من السلف والخلف فيه ثلاثة أقوال[15].   وقال البعلي: الرجعية لا يلحقها الطلاق وإن كانت في العدة بناء على أن إرسال طلاقه على الرجعية في عدتها قبل أن يراجعها محرم[16].   وقال محمد بن مفلح: لم يوقع شيخنا طلاق حائض وفي طهر وطئ فيه، وأوقع من ثلاث مجموعة أو مفرقة قبل رجعة واحدة، وقال: إنه لا يعلم أحدا فرق بين الصورتين [17].   فاشتهر الخلاف عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ثم تابعه عليه من أتى بعده فطلاق الثلاث المفرقة تقع به طلقة واحدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم [18] والشوكاني [19] وصديق حسن خان [20] وأحمد شاكر [21] والشيخ عبدالرحمن السعدي [22] وشيخنا الشيخ محمد العثيمين [23].   تنبيه: الشيخ عبدالعزيز بن باز يوافقهم في أن طلاق الثلاث واحدة إذا كانت مجموعة أما إذا كانت مفرقة فهي ثلاث تبين بها المرأة.
وبين سبب التفريق بقوله: لما كان الحديث في عدم وقوع الثلاث ليس بالصريح في عدم إيقاع الثلاث المفرقة، حملته على ما إذا وقعت بلفظ واحدة؛ لأن ذلك أقل ما يدل عليه؛ ولأن ابن عباس - رضي الله عنهما - أفتى بذلك في الرواية التي جاءت عنه في عدم إيقاع الثلاث، ولأني لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع[24].   ثانيا: طلاق الثلاث بكلمات متفرقة ناويا واحدة: إذا قال لزوجته المدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ينوى طلقة واحدة وبالزائد التوكيد أو إسماعها تقع طلقة واحدة وهو مذهب الأحناف ديانة لا قضاء [25] والمالكية [26]والشافعية[27] والحنابلة[28] وابن حزم [29]والشيخ ابن باز[30].   لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- " إنَّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "[31] وهو لم ينو إلا طلقة واحدة فيقع ما نوى.   قال شيخنا الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، وقال: أردت التوكيد فهي واحدة، ولا أعلم في هذا خلافاً بين العلماء[32].   ثالثا الطلاق ثلاثا بكلمات متفرقة و ليس له نية: تقدم أنه إذا طلق زوجته المدخول بها ثلاثا متفرقة ناويا الطلاق تقع الثلاث وبعض أهل العلم يرى أن هذه من مسائل الإجماع وإذا طلقها ثلاثا ناويا طلقة واحدة والطلقة الثانية والثالثة يقصد بها إسماع الزوجة أو توكيد الطلقة الأولى تقع طلقة واحدة.
لكن إذا لم ينو ثلاثا ولم ينو إسماع الزوجة ولا التوكيد فما الحكم: لأهل العلم في هذه المسألة قولان: القول الأول: تقع طلقة واحدة وهو قول لبعض المالكية[33] وقول للشافعية [34] واختاره ابن حزم[35]والشيخ ابن باز[36]. الدليل: التكرار يكون للتوكيد والإفهام، ويكون للإيقاع فيحمل الطلاق على المتيقن وهي الواحدة ويطرح الشك [37]. الرد: الأصل في التكرار التأسيس لا التوكيد فيحمل عليه ولا يصرف إلا بنية [38].   القول الثاني: تقع ثلاثا وهو مذهب الأحناف[39]والمالكية [40]والأصح عند الشافعية [41] ومذهب الحنابلة[42]. الدليل الأول: الطلقة الثانية والثالثة تقع لو لم يتقدمها طلقة فكذلك إذا تقدمها طلقة [43].   الدليل الثاني: مقتضى اللفظ وقوع الطلاق، وقصد الإفهام ونحوه صارف له ولم يوجد، فهو كالعام والمطلق، يعمل بهما ما لم يوجد مخصص أو مقيد [44].   الترجيح: الذي يترجح لي وقوع الثلاث المفرقة إذا لم ينو التوكيد ونحوه فالأصل أن من تلفظ بالطلاق وقع فلذا يقع طلاق الهازل فإذا لم توجد نية تصرف الثلاث عن الوقوع وقعت والله أعلم.   تنبيه: إذا قال أنت طالق طالق طالق فأعاد الخبر فقط أو أنت طالق وطالق أو ثم طالق ونحوها من مسائل الخلاف وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله.


[1] اختلاف الفقهاء ص: 133 ـ134 [2] المعونة (2/556) [3] مراتب الإجماع ص: 72 [4] انظر : المحلى (10/167) [5] المتواري على أبواب البخاري ص: 292 [6] القوانين الفقهية ص : 170 [7] بداية المجتهد (2/80) [8] المغني (8/400) [9] انظر : المغني (8/243) [10] سير الحاث ص : 182 [11] الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام (1/223) وانظر : البهجة في شرح التحفة (1/546) والصواعق المرسلة (2/622ـ623) [12] انظر : مجموع فتاوى ابن باز (21/305) [13] انظر : المحلى (10/167) و الاستذكار (6/110) و المعلم بفوائد مسلم (2/126) ومختصر اختلاف العلماء (2/ 462) و بداية المجتهد (2/61) و تفسير القرطبي (3/85) و شرح مسلم للنووي (10/103) وإعلام الموقعين (3/41) وزاد المعاد (5/247) وإغاثة اللهفان (1/326,328) وفتح الباري (9/362) وعمدة القاري (17/12) و كفاية الطالب مع حاشية العدوي (2/103) و إرواء الغليل (7/122) [14] انظر : شرح فتح القدير (3/328) [15] مجموع الفتاوى (33/7ـ8) [16] انظر : الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص : 256 [17] الفروع (5/372) . وانظر : الإنصاف (8/453) والمبدع (7/262) ومطالب أولي النهى (7/367) [18] انظر : إعلام الموقعين (3/47) تنبيه : ابن المبرد في سير الحاث ص : 182 ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أنهما لايخالفان في وقوع الثلاث المفرقة وشيخ الإسلام ينص على أنها واحدة ويفهم من كلام ابن القيم موافقته شيخه والله أعلم [19] انظر : الفتح الرباني (7/3464) [20] انظر : الروضة الندية (2/53) [21] انظر : نظام الطلاق في الإسلام ص : 37 [22] انظر : الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة ص : 90 [23] انظر : الشرح الممتع (13/41) [24] مجموع فتاوى ابن باز (21/282) [25] انظر : المبسوط (6/116) والنتف في الفتاوى ص : 218 والبحر الرائق (3/508) والجوهرة النيرة (2/166) وحاشية ابن عابدين (4/512) [26] انظر : المدونة (3/3) والبيان والتحصيل (14/78) والتوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (4/94) والقوانين الفقهية ص : 172 والشرح الصغير (2/371) وشرح الخرشي على مختصر خليل (4/478) ومواهب الجليل (5/335) [27] انظر : الحاوي الكبير (10/122) والعزيز (9/8) وروضة الطالبين (8/78) وفتح الوهاب مع حاشية الجمل (7/42) وأسنى المطالب (3/288) و مغني المحتاج (3/361) [28] انظر : الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص : 291 والكافي (3/187) والمحرر (2/120) والمغني (8/399) ومطالب أولي النهى (7/373) [29] انظر : المحلى (10/174) [30] انظر : فتاوى ابن باز (21/339ـ357) [31] رواه البخاري (1) ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- . [32] لقاءات الباب المفتوح (1/362) [33] انظر : التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (4/95) [34] انظر : الحاوي الكبير (10/122)والعزيز (9/8) وروضة الطالبين (8/78) وأسنى المطالب (3/288) [35] انظر : المحلى (10/174) [36] انظر : فتاوى ابن باز (21/341) [37] انظر : المحلى (10/174) و المغني (8/400) وفتح بالباب العناية (2/97) [38] انظر : تهذيب الفروق (4/171) والتوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (4/94) و المغني (8/400) وكشاف القناع (5/266) [39] انظر : المبسوط (6/116) والنتف في الفتاوى ص : 218 والبحر الرائق (3/508) والجوهرة النيرة (2/166) وحاشية ابن عابدين (4/512) و المغني (8/400) [40]) انظر : المدونة (3/3) والتوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (4/94) والقوانين الفقهية ص : 172 والشرح الصغير (2/371) وشرح الخرشي على مختصر خليل (4/478) ومواهب الجليل (5/335) قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل (3/446) إذا قال أنت طالق أنت طالق فهو محمول على التأسيس حتى ينوي التوكيد [41] انظر : الحاوي الكبير (10/122) والعزيز (9/8) وروضة الطالبين (8/78) وأسنى المطالب (3/288) [42] انظر : المغني (8/399) وكشاف القناع (5/266) قال الشريف محمد بن أحمد في الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص : 291 : إن لم تكن له نية في عدد ولاقصد التوكيد بالتكرار طلقت ثلاثا قولا واحدا [43] انظر : المغني (8/400) وكشاف القناع (5/266) [44] انظر : شرح الزركشي (2/477)



شارك الخبر

المرئيات-١