أرشيف المقالات

أمنية هرقل

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2أمنية هرقل
أصبحت مدافع أمريكا الهَرِمة لا تكتفي بإخراج قذائفها النارية تُجاه صدور المسلمين لقتْلهم في بعض البقاع، واستضعافهم في بقاع أخرى، بل يُصر أُناس منهم على التعبير عما لا يُسمى إلا "بحرية الكُفر"، إذا ما تكلَّمنا عن الفيلم المسيء الذي شارَك فيه بعض أقباط المهجر، وعلى رأسهم "موريس صادق"، مع القس الأمريكي المتطرِّف "تيري جونز"، هؤلاء الذين لم يريدوا لمصرنا الحبيبة خيرًا أبدًا، فهم يتبنَّون فكرة "مصر دولة قبطية مُحتلة من المسلمين، وعليهم تحريرها"، وعليه؛ فهم دائمو التحريض ضد مصر وأهلها، ودائمو افتعال وإشعال الفتن الطائفية.   انطلق هؤلاء اللُّقطاء الذين لم يعد لهم وطنٌ بعد إسقاط الجنسية المصرية عنهم، يتسوَّلون جنسية أخرى، فآوتْهم أمريكا، ثم نتيجة لتسوُّلهم وحِقدهم، كتبوا وأنتجوا بما يُقارب خمسة ملايين دولار فيلمًا مسيئًا للرسول -صلى الله عليه وسلم.   وكأني بهِرَقْل عظيم الروم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح في هؤلاء، يُخبرهم عن أُمنيته التي تمنَّاها لَمَّا أتاه دِحية الكلبي -رضي الله عنه- بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوه إلى الإسلام قائلاً: "لو أني أعلم أني أَخلصُ إليه، لتجشَّمْتُ لقاءَه، ولو كنت عنده، لغَسلتُ عن قَدَمه".   وكأني بهؤلاء جوابهم كما فعَل أساقفة الرومان حينها لَمَّا خاروا عليه خُوار الحُُمر المستنفرة، فضنَّ بمُلكه وفُتِن به، حتى مات على كفره، فكل ما يُفعل الآن من استهزاء بالإسلام أو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو القرآن الكريم، هو استهزاء بنا كمسلمين في الأصل، وما ذلك إلا توابع هذا الخُوار.   قال هذا هرقل، وهو مَن هو في هذا الوقت، فمن حيث المُلْك، كان يبلغ مُلكه نصف الأرض تقريبًا، ومن حيث التديُّن، فقد كان هرقل ممن يتديَّنون بالنصرانية، وكان دائمًا يذكر أن الله يُساعده في حروبه ليَنتصر، وذُكِر أنه نذَر أن يحجَّ ماشيًا من حمص إلى القدس؛ شكرًا لله على تحقُّق نصْر دولة الرومان على دولة الفرس، فلم يقل كلامه هذا خوفًا أو حرصًا على مُجاملة.   وحاوَل هرقل أن يدفع بأحدٍ يُسمع له ويُطاع؛ ليكون في الصدارة، حتى إن سمِع الناس رأيه، استطاع حينها أن يجمع بين مُلكه وبين أن يُسلم، فقال لدِحية الكلبي -رضي الله عنه-: والله، إني لأعلم أن صاحبك نبي مُرسل، وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتَّبَعته، فاذهب إلى ضغاطر الأُسْقُفِّ، فاذكر له أمر صاحبكم، فهو أعظم في الروم مني، وأجْوَز قولاً مني عندهم، فانظر ما يقول، فجاء دِحية -رضي الله عنه- فأخبره بما جاء به من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له ضغاطر: صاحبك والله نبيٌّ مرسَل، نعرفه في صفته، ونجده في كتابنا باسمه، ثم ألقى ثيابًا كانت عليه سودًا، ولبس ثيابًا بيضًا، ثم أخذ عصاه، ثم خرج على الروم وهم في الكنيسة، فقال: يا معشر الروم، إنه قد جاءنا كتاب أحمد يدعونا فيه إلى الله، وإنني لأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن أحمد رسول الله، فوثبوا عليه وثْبة رجل واحدٍ، فضرَبوه فقتَلوه، فرجع دِحية -رضي الله عنه- إلى هِرَقْل فأخبره الخبر، فقال: قد قلت لك: إنا نخافهم على أنفسنا، وضغاطر كان والله أعظمَ عندهم مني.   فهذا عظيم الروم في زمن النبي وأُمنيته التي تمنَّاها ومات دون أن تتحقَّق؛ لأنه حرَص على مُلكه: "لو أني أعلم أني أخلصُ إليه، لتجشَّمْتُ لقاءَه، ولو كنت عنده، لغَسلتُ عن قَدَمِه"، ولكن كم في زماننا من أسافل وثَبوا بأنيابهم؛ لينالوا من الجبال العاليات خدشًا، فكُسِرت الأنياب وبَقِيت الجبال شامخة.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢