أرشيف المقالات

المسلمون والمسؤولية الإنسانية العالمية

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2المسلمون والمسؤولية الإنسانية العالمية
من أكبر آياتِ التسامح الإسلامي، والشعور بالمسؤولية الإنسانية العالمية: أن علماءَ المسلمين ودُعاتهم عندما يَعرِضُون لقضايا الخلل الإنساني لا يَصدُرون عن شعور عنصري يحصر عرضَهم في المحيط الإسلامي أو القومي، بل يعملون على حل المشكلات الحضارية المعاصرة كلها.   وانطلاقًا من التصور الإسلامي، أدرك المسلمون أن هناك خللاً وَقَعَ في المسيرة الإنسانية؛ نتيجةَ التحيز للعقل والمادة تارة، والتحيز للروح والغيب تارة أخرى.   وهذا التحيز يصيب الحضارةَ الإنسانية والبشرية بالشلل النصفي؛ لأن الروح أو الغيب المطلَقَ لا ينفصل عن العقل والمادة والنِّسبية.   لقد كان الإسلام - كما يصفه أحدهم - حافزًا على تشكيل كيان متميز لم تستطعْ تقلباتُ الزمن والاحتكاك بالحضارات المختلفة أن تفتَّ في عَضُده على مرِّ العصور، فإن كل شيء في الإسلام يشكِّل وحدة، ويعبر في الوقت نفسه عن وحدة؛ ففروض العبادة تعبِّر بطريقة ظاهرة - بل بطريقة مادية - عن التماسُك والالتحام، فالمسلمون يسجدون في صلواتهم خمس مرات يوميًّا في ساعات متماثلة تقريبًا، وفي اتجاه واحد نحو مكة.   • ويقول الكاتب والصحافي السويسري الكبير - الذي هداه الله إلى الإسلام (روجيه دي باسكيه) - في كتابه "إظهار الإسلام"[1]: "لقد جاء الإسلام إلى الناس لمساعدة الإنسانية على عبور هذه المرحلة الأخيرة من التاريخ العالمي، دون أن يتعرضوا للضياع، وباعتباره الوحيَ الأخير في سلسلة النبوات؛ فإنه يقدِّم وسائل لمقاومة الفَوْضَى التي تسود العالمَ حاليًّا، وإقرار النظام والنقاء في داخل الإنسان، وإيجاد التآلُف والانسجام في العَلاقات الإنسانية، وتحقيق الهدف الأسمى الذي من أجله دعانا الخالق إلى هذه الحياة".   إن الإسلام يخاطب الإنسان الذي يعرفه معرفةً عميقة ودقيقة، ويعرف وضعه بين المخلوقات وموقفه أمام الله.   بينما الفكر الحديث - على العكس من ذلك - ليس لديه معلومات دقيقة متَّفق عليها تتعلَّق بعلم الإنسان، ولم يحدثْ في غير الحضارة الأوروبية أنْ حَدَثَ تجاهُل بطريقة منظَّمة وشاملة للتساؤل عن الأسباب التي من أجلها نولد ونعيش ونموت.   إن الحضارة الأوروبية التي أُرِيدَ لها أن تكون إنسانية - (أي عالمية ولو بالقهر) - إنما تقود البشرية إلى نظام يحتقر الإنسان، ويخدعه، ثم يدمِّره في نهاية المطاف! وذلك بالطبع على العكس من الحضارة الإسلامية، حضارة بناء الإنسان، كل إنسان.


[1] نشر مكتبة الشروق - القاهرة.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣