أرشيف المقالات

مجالسنا إلى أين؟

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2مجالسنا إلى أين؟
على مرِّ الأيام والسنين منذ العصر الجاهلي، ومرورًا بأفضل القرون، قرنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرون المفضَّلة بعده، ماذا كان واقع المجالس في ذلك الزمن؟ وعلى ماذا تحتوي؟ وماذا يقال فيها؟   كانت تمتازُ تلك المجالس بالأدب الكبير، والاحترام الجمِّ بإقامة كبير القوم في صدر المجلس، والتفسح في المجلس، والانتظام في طريقة الجلوس، وقد كان الأحنف إذا أتاه إنسانٌ أوسع له، فإن لم يجد موضعًا تحرَّك ليُرِيَه أنه يوسِّع له، وكان يحترمون الضَّيف، ويقدّمون له الجميل من حسن الاستقبال والضيافة والإنصات.
قال ابن عباس: "لِجليسي عليَّ ثلاثٌ: أن أرميَه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسِّع له إذا جلس، وأُصغِي إليه إذا تحدَّث".

وعن جَرِير بن عبدِالله - رضي الله عنه - قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداع: ((استَنْصِتِ الناسَ))".

وفي طلاقة الوجه والبشاشة جاء في السنة أيضًا عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلقَى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ))؛ رواه مسلم.
وذكر رجلٌ عبدَالملك بن مَرْوان، فقال: إنه لآخذٌ بأربعٍ تاركٌ لأربع: آخذ بأحسن الحديث إذا حدَّث، وبأحسن الاستماع إذا حدَّث، وبأحسن البِشْر إذا لَقِي، وبأيسرِ المؤونة إذا خولف، وكان تاركًا لمحادثة اللئيم، ومنازعة اللجوج، ومماراة السفيه، ومصاحبة المأبون.
وكان الحديث فيها يتناول حل مشكلات القبيلة، والتعاون والتشاور على دفع نوائب الدهر، وكانت تقال فيها الخطب الفصيحة والشعر العربي الجميل، لكن واقعنا الآن يشكل عكس هذه الأمور غالبًا، فماذا يكون فيها؟!   تجد صغار السن يجلسون في أي مكان شاؤوا، ويتحدثون متى أرادوا، ويقاطعون الكبير حديثه، بعكس ما ورد في عُرْف العرب وبما جاءت به السنة؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كَبِّر كبِّر))، ابدأ بالأكبر، وربما قدَّم صاحب المال في صدر المجلس لماله، ولو لم يكن صاحب إحسان ومبادرة في حل المشكلات ومساعدة المحتاج، إضافة إلى ما يدور فيها من سوء الكلام والغِيبة التي نهانا الله عنها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتدرون ما الغِيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرُك أخاك بما يكرهُ))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه))؛ رواه مسلم.   والسخرية من بعضهم البعض، والتفوُّه بأية كلمة دون مراعاة ما تحملُ من معنى، وعدم مراعاة حق الله فيها،وقد جاء في السنة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سَمِع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلُّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب))؛ متفق عليه.   وانعدام ذكر الله، ناهيك عن وجود المعاصي والمنكرات الأخرى من التدخين، والقنوات الفضائية الماجنة، إلى أن وصل الحال بنا إلى عدم الكلام، وقد يظن الداخل إلى المجلس أن الموجودين من الصُّمِّ! فلا تسمع صوتًا، بل جميع الحضور مشغولون - والعياذ بالله - بالنقَّال، ومحادثة أناس بعيدين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي ابتلي بها كثيرٌ من الناس، وأنا أعتبرُ ذلك - من وجهة نظري - فعلاً مذمومًا، ومن خوارم المروءة؛ لانشغالك بالبعيد وإهمالك لمَن هو مقابلك وبجانبك، إضافة إلى ما سبَّبته تلك التطبيقات الإلكترونية من ضياع الأبناء وانحرافهم وهدم الأسر في المجتمع.   فيجب أن ننتبهَ من غفلتنا، ونبادر في ترك هذا الأسلوب الشائن في الجلوس في المجالس العامة، وننصح مَن وقع منه هذا الفعل، ونعود بمجالسنا إلى مجالس ذكرٍ وأدبٍ وحوار بنَّاء، مجالس شائقة تعودُ على مُرتَادِيها بالنفع والفائدة.   وفَّق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١