أرشيف المقالات

مفهوم الذكر

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2مفهوم الذكر
الذكر لغة: تدور مادة (ذ ك ر) حول معنيين: الأول الذكورة ضد الأنوثة وما شابهها، والثاني: الذكر ضد النسيان، يقول ابن فارس: (الذال والكاف والراء) أصلان عنهما يتفرع كلم الباب، فالمُذْكِر التي وَلَدَت ذكراً، والمذكار: التي تلد الذكران عادة والأصل الآخر: ذكرت الشيء، خلاف نسيته، ثم حمل عليه الذكر باللسان، ويقولون: اجعله منك على ذكر أي: لا تنسه [1].   والذكر والذكرى خلاف النسيان، وكذلك الذكرةُ، يقول الشاعر: أني ألم بك الخيال يطيف ومطافه لك ذكرة وشعوف[2]   والذكر يأتي بمعنى الحفظ للشيء، وهو أيضاً الشيء يجري على اللسان، ومنه قولهم ذكرت لفلان حديث كذا وكذا، أي: قلته له.
تقول: ذكره يذكره ذِكراً وذُكراً.   ومن المجاز: الذكر: الصيت يكون في الخير والشر، والذكر: الثناء ويكون في الخير فقط...
ورجل مذكور أي: يثنى عليه بخير، ومن المجاز: الذكر: الشرف، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾، أي: القرآن شرف لك ولهم، وقوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾، أي: شرفك.   كما يطلق الذكر على معان أخر منها: الصلاة لله تعالى، والدعاء إليه، ويطلق أيضاً على الطاعة، والشكر ، والدعاء، والتسبيح، وقراءة القرآن، وتمجيد الله وتهليله وتسبيحه والثناء عليه بجميع محامده، والذكر أيضاً: الكتاب الذي فيه تفصيل الدين ووضع الملل، وكل كتاب من الأنبياء ذكر، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾، وحمل على خصوص القرآن وحده أيضاً [3].   وقيل: الذكر: ما ذكرته بلسانك وأظهرته، والذكر بالقلب، يقال: ما زال مني على ذكر: أي لم أنسه [4]، والذكرى: كثرة الذكر، وهو أبلغ من الذكر، قال تعالى: ﴿ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾، وقال أيضاً: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، والتذكرة: ما يتذكر به الشيء وهو أعم من الدلالة والأمارة، قال تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ﴾[5]، والاستذكار: الدراسة للحفظ، والتذكر: طلب شيء فات [6]، واستذكر الرجل ربط في إصبعه خيطاً ليذكر به حاجته، وذكرت الشيء بعد النسيان، وتذكرته، وأذكرته غيري وذكرته بمعنىً، قال الله تعالى: ﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾، أي: ذكر بعد نسيان، وأصله اذتكر فأدغم [7].   واصطلاحاً: التخلص من الغفلة والنسيان [8]، ويقول الراغب: ((الذكر تارة يقال ويراد به هيئةٌ للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان))[9].   منزلة الذكر: يبين ابن القيم منزلة الذكر وأهميته فيقول: وهي منزلة القوم الكبرى التي منها يتزودون، وفيها يتجرون، وإليها دائماً يترددون.   والذكر منشور الولاية الذي من أُعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل، والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.   إذا مرضنا تداوينام بذكركم فنترك الذكر أحياناً فننتكس   به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون...
يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً، ويوصل الذاكر إلى المذكور، بل يدع الذاكر مذكوراً.   وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة، والذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، بل هو يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها وأساسها.   وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلاها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقاً، ازداد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقاً،...
به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظلمة عن الأبصار، زين الله به ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللسان الغافل كالعين العمياء ، والأذن الصماء، واليد الشلاء، وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، مالم يغلقه العبد بغفلته [10].  


[1] ((المقاييس)) (2/358). [2] ((الصحاح)) (2/664)، وانظر: ((اللسان: ذكر))، والشعوف: الولوع بالشيء حتى لا يعدل عنه. [3] ((تاج العروس)) للزبيدي (6/376 - 378) وقارن ((باللسان: ذكر))، ((والقاموس المحيط)) (2/36). [4] ((اللسان: ذكر)) (4/308) (ط.
بيروت)
. [5] ((المفردات)) (180). [6] ((المحيط في اللغة)) (6/235). [7] ((اللسان: ذكر)) (4/309) (ط.
بيروت)
. [8] ((مدارج السالكين)) (2/451). [9] ((المفردات)) (179). [10] ((مدارج السالكين)) (2/440 - 441).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن