أرشيف المقالات

التدرج في القرآن الكريم ( النصوص الثوابت )

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2التدرج في القرآن الكريم ( النصوص الثوابت )   وفيه ثلاثة عناصر: الأول: النصوص الثوابت. الثاني: الحقائق الجلية. الثالث: النماذج التطبيقية.   الأول: النصوص الثوابت: النص الأول: قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].   النص الثاني: قال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].   النص الثالث: قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].   وقبل الحديث عن هذه النصوص، أبدأ بأول ما نزل على رسول الله صلى الله ليه وسلم، وهو قوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]،؛ لنرى ونعلم أن التدرج سِمَة من سمات التنزيل، والسؤال: لماذا قال الله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، ولم يقل: اقرأ باسم الله؟   والجواب قاله الإمام الرازي في تفسيره: (لو قال له: اقرأ باسم ربك الذي لا شريك له، لأبَوْا أن يقبلوا ذلك منه، لكنه تعالى قدَّم لذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به، فهؤلاء عباد الأوثان، فلو أثنيت عليَّ وأعرضت عن الأوثان، لأبَوا ذلك، لكن اذكرْ لهم أنهم هم الذين خُلِقوا من العلق فلا يمكنهم إنكاره، ثم قل: ولا بد للفعل من فاعل، فلا يمكنهم أن يضيفوا ذلك إلى الوثن؛ لعلمهم بأنهم نحتوه، فبهذا التدرج يقرُّون بأني أنا المستحق للثناء دون الأوثان...)[1].   وإذا كان التدرج سمةً واضحة من ناحية ترتيب النزول في قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، فهناك لطيفة أخرى، وهي أن المصحف الشريف أوله (بسم الله) ثم (الحمد لله)، فلماذا كان في بَدْء ترتيب النزول: باسم ربك؟ وكان في بَدْء ترتيب المصحف (باسم الله) و (الحمد لله)؟   والجواب: 1- أنه في بداية النزول لم يكونوا يعرفون "الله" بعد، ولم يُقرُّوا بوحدانية الله بعد، بدليل قولهم: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، ولهذا خاطبهم بما يقرُّون به، وهو الرب الخالق.   2- أنه في بداية النزول خاطبهم بلفظ الرب؛ لأن الهدف في هذه المرحلة هو التربية على الإيمان بالله، والإقرار بالتوحيد، أمَا وقد استقر أمر التوحيد وأقروا بأنه لا معبود بحق إلا الله وحده، وأنهم خُلِقوا لطاعة الله والخضوع له، كانت هذه البراعة في الاستهلال (بسم الله)[2] (الحمد لله).   3- وكان البَدْء حسب ترتيب المصحف بالأهم (الحمد لله...
سورة الفاتحة)؛ ومن أسمائها كذلك: (أم القرآن)، والسبب كما ذكره الإمام الرازي أن أم الشيء أصله، والمقصود من كل القرآن تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر: فقوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 2، 3] يدل على الإلهيات.   وقوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] يدل على المعاد.   وقوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] يدل على نفي الجبر والقدر، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره، وعلى النبوات، وفيه كذلك بيان درجات المكاشفات، وهي محصورة في ثلاثة أمور: أولها: حصول هداية النور في القلب، وهو المراد من: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]. ثانيها: أن يتجلى له درجات الأبرار المطهَّرين من الذين أنعم الله عليهم ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]. ثالثها: أن تبقى مصونة معصومة عن الشهوات ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾، وعن أوزار الشبهات ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾[3].   لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة؟ لقد طلب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُنَزل عليه القرآن جملة واحدة، أو ينزل عليه كتاب في قرطاس فيلمسوه بأيديهم، فلم يُجِبْهم إلى طلبهم؛ لأن أمر هذه الرسالة يختلف عن الرسالات السابقة، وهذا الكتاب الأخير يختلف عن الكتب السابقة؛ فالرسالة هي الرسالة الخاتمة، وهي للعالمين إلى يوم الدين، والكتاب محفوظ بحفظ الله تعالى لا بحفظ الربانيين والأحبار، وكان من وراء عدم الاستجابة إلى مطالبهم ومقترحاتهم ما يلي: 1- أنه لو أجابهم ولم يؤمنوا، لعجَّل لهم العذاب والهلاك، وهذا لا يتفق مع سنة الإمهال والإنظار، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ﴾ [الأنعام: 7، 8].   2- أن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تختلفُ عن المعجزات السابقة، فكانت معجزة القرآن - وهو نبي أمي - معجزة عقلية، تخاطب وتتحدَّى جميع العقول إلى يوم القيامة، أما المعجزات السابقة، فكلها حسية وقتية ومحلية، تؤثِّر فقط فيمن يراها.   3- أن هذا تكريم من الله تعالى، وتفضيل لأمة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وشهادة بأنها أمة ذكية مُفكِّرة، فالقرآن الكريم يخاطب الأذكياء، وينتفع به الأتقياء، (فالحمد لله الذي جعل معجزة هذه الأمة عقلية لفرط ذكائها، وجعل معجزات الأمم السابقة حسية لفرط بلادتها)[4].   4- أن هدف القرآن الكريم هو تربية أجيال، وبناء رجال، وإقامة دولة عادلة ومجتمع نقي طاهر، وهذا لا يأتي دفعةً واحدة، ولا بقرارٍ واجب التطبيق في التوِّ والحال، ولكن الأمر يقتضي التدرج؛ ولهذا وغيره كان نزول القرآن منجمًا[5].   جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106]؛ (أي: على ترسُّل وتطاول في المدة شيئًا بعد شيء، آية آية، وسورة سورة)[6].   ولنتأمَّل الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]؛ لنقف على البعد التربوي، والحكمة الربانية من نزول القرآن مفرَّقًا في ثلاث وعشرين سنة.   البعد التربوي للآية الكريمة: 1- نزل القرآن منجمًا؛ ليكون حفظه أيسر، ولتكون الإحاطة والوقوف على دقائقه وحقائقه أقرب.   2- وفي نزوله مفرقًا تثبيتٌ لقلبِ النبي صلى الله عليه وسلم، فمشاهدته جبريل عليه السلام، وتجدُّد الوحي في كل حادثة من شأنه تقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ الداعي الأول والقدوة الحسنة، وفي قوة الداعي قوة لأتباعه، فحال الناس من حال دُعاتهم.   3- والنسخ في القرآن لا يتأتَّى إلا بنزول القرآن منجمًا، فوجود الناسخ والمنسوخ ضرورةٌ تشريعية لفرض التكاليف بالتدريج؛ مراعاةً لأحوال المكلَّفين، كما سأبيِّن إن شاء الله في الحديث عن التدرج في التشريع، كالتدرج في تحريم الخمر، وفي فرض الصلاة، وغير ذلك.   4- وفي نزول القرآن منجمًا تجديدٌ للحوافز التي قرَّرها الله تعالى للدعاة في كل العصور، قال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].   5- وفي نزول القرآن منجمًا دليلٌ لا يرقى إليه شك على أن القرآن كلام الله، وليس من كلام البشر، وأنه المعجزة البيانية والعلمية الخالدة؛ لأن السورة كانت تنزلُ بمكةَ إلا آية أو آيات منها تنزل بالمدينة، وكانت تُوضَع في موضعها بأمرٍ من الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل المثال: سورة الزمر نزلت بمكة إلا ثلاث آيات فيها نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة، وهي: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، فقد وُضِعت في موضعها في السورة لتتلاحم مع الآيات تلاحمًا عجيبًا، بتوقيف من الله تعالى، فقد نزلت سورة الزمر إلى قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الزمر: 52]، ثم بعد سنين طويلة نزل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾؛ ليكتمل المعنى، وتظهر الحكمة، ويبدو التلاحم والترابط بين الآيات، فإن بسط الرزق والتضييق فيه مظنة الإسراف على النفس، ففي حالة البسط يكون الترف وارتكاب الموبقات، وفي حالة الضيق يكون العدوان للحصول على المال، فاقتضت الرحمة الإلهية فتحَ بابِ التوبة للمسرفين، وتحذيرهم من التسويف خشيةَ حلول العذاب المفاجئ، فيندم المذنب لتفريطه وسخريته بالأمر الإلهي، فهل ترى تلاحمًا أبدع من هذا التلاحم؟[7]   6- ولكي يتم التحدي بهذا القرآن؛ حيث تحدَّاهم مجتمِعين ومتفرِّقين في مكة والمدينة، أهل مكة المشركين، وساكني المدينة من اليهود، فلا بد أن يكون التنزيل بالتنجيم والتفريق.   7- كان القرآن ينزل بحسب الأسئلة والوقائع، فكان الرد ينزل على تلك الأسئلة وبيان تلك الوقائع، كما في سورة البقرة، فقد تكرَّر لفظ (ويسألونك)، وفي وقائع معينة ينزل العتاب والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1]، وكما في قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ [عبس: 1].   ويقول الدكتور محمد حجازي: (هذه الأمة العربية التي تلقَّتِ القرآن أولاً كانت لها عقائدُ راسخة، وعاداتٌ متأصِّلة، وأخلاق موروثة، وصفات مأثورة، ثم هي مع ذلك تعتزُّ بها وتدين، وترى أنها من مفاخرها ودين آبائها وأجدادها، فليس انتزاعها بالأمر السهل الهيِّن؛ لهذا سلك القرآن معها مسلكَ الحكيم العليم، الذي خلق فسوَّى، وقدر فهدى، سلك معها مسلك التدرج، والانتقال من حال إلى حال، مع التمهل واليسر؛ حتى استطاع الإسلام أن يزحزحهم عن عقائدهم، وأن يجعلهم يتخلَّون عن عاداتهم شيئًا فشيئًا، كل هذا بما أنزل عليهم من القرآن بالتنجيم والتفريق)[8].   ويقول فضيلته في موضع آخر: (يا عجبًا كل العجب من كتاب نزل مرتبطًا بالأحداث والحوادث منجمًا، تبعًا للظروف والأحوال، ثم هو يجمع مرة ثانية على شكل آخر وبوضع آخر، وفي السورة المقروءة تجد المدهش المعجز في بيانه وتصويره، وتجد الرباط المحكم في سوره وآياته)[9]، وتلك من روائع الأعاجيب.   8- لقد كانت الغايةُ الكبرى هي تكوينَ جيل مثالٍ يحمل أمانة الدين، ويحمل عقيدة التوحيد ويناضل من أجلها، وهذا الجيل هو الذي أقام دولةً قوامها العدل والتقوى، ثم هو والذين جاؤوا من بعده قاموا بنشرِ الإسلام في أرجاء الأرض، وكانتِ الحكمةُ في نزول القرآن مفرقًا ومنجمًا تربية الجيل الأول؛ لنعلم أن تعاليم الإسلام ليست تعاليمَ نظرية يستحيلُ تطبيقها في الواقع، وليكون هذا الجيل قدوةً وأسوةً لجميع الأجيال، ومثالاً عمليًّا يُحتَذى به.   ومن هنا، فإن نزول القرآن منجمًا كان رحمةً من أحكمِ الحاكمين، وسمةً من سمات التنزيل الحكيم، كما أنه كان لحكمة بالغة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 4، 5]، وقد بينت طرفًا أو بعضًا من جوانب هذه الحكمة.   ولقد كان نزول القرآن الكريم منجمًا معجزةً تدل على علم وقدرة وتقدير محكم، وآية عظيمة القدْر، نزلت في ليلة القدر على نبي عظيم القدر، في بلد عظيم القدر، وفي شهر عظيم القدر، وبلغة عظيمة القدر، لأمة عظيمة القدر، هي خير الأمم.   ولهذا أقسم الله تعالى بهذه المعجزة، معجزة نزول القرآن منجمًا، فقال تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النجم: 1].   قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: (﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾، عن مجاهد أن المعنى: والقرآن إذا نزل؛ لأنه كان ينزل نجومًا)[10]، كما أقسم سبحانه وتعالى - وله وحده أن يقسم بما شاء؛ لبيان قدر الشيء وعِظَمه - في موضع آخر، فقال: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ [الواقعة: 75 - 77]، وذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنه: المراد بمواقع النجوم: نزول القرآن نجومًا، أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السَّفَرة الكاتبين، فنجمه السَّفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث)[11].   ويُوضِّح صاحب التفسير الواضح هذا الأمر، فيقول: (أظن أن نزول القرآن جملةً واحدةً من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا؛ حيث ينظر جبريل، وهو على ترتيب المصحف، ثم ينزل بآياته تباعًا على حسب الحوادث، فتوضع كل آية في مكانها لا تختل أبدًا قِيدَ شعرة، فكأن جبريل ينقل من كتابٍ ثابت بُيِّن فيه كل شيء، وأظن هذا من باب تقريب الفهم للبشر، وتحقيق ما أراد الله لهذا القرآن من الفخامة والإعجاز حتى في كتابتِه في المصحف، فكان نزولُه إلى سماء الدنيا جملة)[12]، ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64].   من كتاب: "خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج )"


[1] مفاتيح الغيب، جزء 16 ص 510. [2] يرى الإمام أحمد والشافعي - عليهما رحمة الله تعالى - أن التسمية آية من الفاتحة، والإمام أبو حنيفة يرى أنها ليست آية من الفاتحة؛ مفاتيح الغيب جزء 1 ص254. [3] مفاتيح الغيب جزء 1 ص 221. [4] كتاب الإتقان؛ للإمام السيوطي، دار الفكر العربي، القسم الأول، ص 1. [5] نجم الشيء: قسطه أقساطًا؛ المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، 1995 ص 604. [6] تفسير القرطبي جزء 6 ص 3955. [7] أسرار ترتيب القرآن، تحقيق عبدالقادر أحمد عطا، دار الاعتصام، طبعة ثانية 1978م، ص 29. [8] الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم؛ أ.
د.
محمد محمود حجازي، طبعة أولى 1970 م، دار الكتب الحديثة، ص 81. [9] المرجع السابق ص 83. [10] تفسير القرطبي جزء 9ص 625. [11] تفسير القرطبي جزء 9 ص 6394. [12] الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم ص 74.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن