أرشيف المقالات

أذكار الصباح والمساء - طرفي النهار ( الحلقة الأولى )

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
2أذكار الصباح والمساء - طرفي النهار (الحلقة الأولى)
الحمد لله حمدًا مباركًا طيبًا كثيرًا، القائل في كتابه الكريم: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المبعوث للعالمين بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبه أجمعين المطهرين تطهيرًا..
أما بعد: فلقد أمر الله - عز وجل - المؤمنين بالإكثار من ذكره، وأخبرهم أن ذلك أكبر، وأثنى على مجالس فيها يذكر، فقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: 41].
وقال عز وجل: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72].
وبين أنه سبب لاطمئنان القلوب فقال - عز وجل -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
وامتدح الله - عز وجل - أقوامًا من المؤمنين لأنهم: ﴿ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]؛ ولذلك لا بد أن نعلم أن الأذكار الشرعية فيها غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، والخيرات الواسعة، والثمرات اليانعة، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد.
تحري الأذكار الثابتة: ولما كانت الأذكار ولا سيما المؤقتة بزمن من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، كانت من أفضل ما يتحرّاه المتحرِّي؛ ليقف منها على الثابت الصحيح، والنافع السليم، الذي ينفعه في دينه ودنياه، ومعاشه ومعاده.
وأما ما سواها من الأذكار التي لا تثبت ولا تصح، فمن الواجب عليه، الإعراض عنها، وإهمالها، وعدم ذكر الله - عز وجل - بها؛ ذلك أن منها ما قد يكون محرَّمًا، أو قد يكون مكروهًا، وقد يكون فيها شرك ممَّا لا يهتدي إليه أكثرُ الناس، وأقل أحوال فاعل هذا - أي: الذي أعرض عن الثابت الصحيح إلى غيره - أقل أحواله، أنه استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾؟! فالمشروع للمسلم هو أن يذكرَ الله بما شُرع وسنَّ، وأنْ لا يعدل عن ذلك إلى غيره، وأن يعلم من حاد عنه، أن أشدِّ الناس عيبًا، وأعظمهم على الله جرأة، وأكثرهم ظلمًا لنفسه، من يتّخذ حزبًا، ويشرع وردًا ليس بمأثور عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كان حتى حزبًا أو وردًا لبعض علمائه أو مشايخه، فضلًا عن غيرهم، ويَدَعُ الأحزاب النبوية والتي عليها ختم النبوة وعلامته، وخرجت من مشكاة الوحي، التي كان يقولها سيِّد بني آدم، وإمام الخلق وحجّة الله على عباده، محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأعرف الناس بمراد الله - عز وجل - وما يحبه، وما هو النافع والضار.
فالخير كلُّه في اتباعه، والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته، وترسُّم خطاه، والسير على نهجه، فهو القدوة والأسوة - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد كان أكملَ الناس ذِكرًا لله - عز وجل - وأحسنَهم قيامًا به.
فكن منقادًا مطيعًا لأمره، وإياك وأن تكون منقادًا مطيعًا لغيره.
ويكفي أن نعرف أن سالكها - أعني الأوراد الثابتة الصحيحة - على سبيل أمان وسلامة، وخير وهداية، وأن الفوائد والنتائج التي تحصل عنها لا يعبِّر عنها لسان، ولا يحيط بها إنسان.
فضل أذكار الصباح والمساء: وإنَّ من الأذكار الجليلة والأوراد المهمة، والتي تَمسُّ إليها حاجةُ كلِّ مسلم ما يتعلَّق بيومه وليلته، وقيامه وقعوده، وحركته وسكونه، ودخوله وخروجه، وسائر شؤونه، وكيفية توظيف ذلك كله في طاعة الله - عز وجل - واستعماله فيما يرضيه؛ فيكون في ذلك كلِّه ذاكرًا لربِّه، مستعينًا به وحده، مفوِّضًا أمورَه كلها إليه، متوكلًا عليه، كما كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كما في صحيح مسلم[1]: "كان يذكر ربَّه في كلِّ أحيانه".
وهذا معناه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن يدع ذكرَ الله - عز وجل - في أيِّ حالٍ من الأحوال، في الليل والنهار، والبر والبحر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، والصباح والمساء، والسفر والحضر، والقيام والقعود، والغنى والفقر، وسائر أحواله.
وقد جاءت الأذكار على نوعين: الأولى: مطلقة.
والثانية: مقيدة.

وما يهمنا هنا هو الثاني منها، والذي رتب الشارع على كثير من أذكار هذا النوع، وفي أحوال مختلفة، الكثير من الأمور: فمنها: أذكار مرتبة بحسب الزمان، كأذكار الصباح والمساء والظهيرة ودخول الشهر ورؤية الهلال، وهكذا. ومنها: أذكار بحسب المكان. ومنها: أذكار في العبادات، كأذكار الصلاة.
وهكذا.
ومن هنا أردنا أن تحدث في هذا المقال على قسم واحد، يرجع إلى أحد هذه الأنواع، ألا وهو أحد أهمها والذي يشكل جزء كبيرًا وأساسيًا، يتكرر دومًا ويتجدد، وهو أذكار الصباح والمساء، وسيكون عبر مقالتين أو حلقتين، الأولى: هي هذه، والأخر: هي سرد كل ما صح منها عن رسولنا - صلى الله عليه وآله وسم - مما وقفت عليه - وبيان صحته وثبوته من كلام أئمة الحديث المعتبرين، من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، بصورة مختصرة نوعًا ما، مع جملة من الأمور يأتي التنبيه إليها في محله، لكنني أحببت الإشارة إليها هنا؛ لتعلقها به، وهي شبه جاهزة؛ فنظرة إلى ميسرة.
وأما في مقالتنا هذه فسنعرض شيئًا من الأمور والجوانب المتعلقة: بأذكار الصباح والمساء؛ لأهميتها - كما ذكرنا - ولا سيما إذا علمنا أنها اشتملت على غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العليَّة، وأن فيها من الذِّكر العظيم، والجمع بين التسبيح والحمد، تسبيح الله - عز وجل - وتَنْزيهه عن النَّقائص والعيوب، وحمده بإثبات الكمال المطلق له - سبحانه، وفيها إلى ذلك من الحكم التي أرادها الشارعُ الكثير، والتي يخفى الكثير من وجوهها علينا.
وهي - أيضًا - تعد من الأذكار والأدعية التي شرعها الله - عز وجل - للمسلم في يومه وليلته، والتي عرفت بأذكار طرفي النهار، وتعد أوسع الأذكار المقيدة وأكثرها؛ ولذلك نرى فيها: جملة كبيرة - لا تجدها في غيرها - من الأدعية العظيمة والجامعة لمعان كثيرة: كالتوبةِ والتَّذَلُّلِ لله - عز وجل - والإنابة إليه، والخضوع والخشوع، والذل والافتقار له - عز وجل - ما يفوق سائرَ صيغِ الأذكار، كما أن فيها من الفضيلة، وعلو الرتبة، ورفعة المنزلة، ما لا يعلمه إلا الواحد القهار، وتجمع من الخير والنفع والبركة، والفوائد الحميدة، والنتائج العظيمة ما لا يمكن وصفه أو تخيله، ولها أثر عظيم في حفظ الإنسان من العين؛ فإنها حصن له بإذن الله - عز وجل - وهي سبب من الأسباب التي ترعاه وتكلاه، وتحفظه وتصونه بإذن الله - عز وجل - كما أن المداومة على أذكار الصباح والمساء تحصن العبد المسلم بفضل الله - عز وجل - من شر شياطين الجن والإنس، وتزيده قوة حسية ومعنوية، ولا سيما إذا قالها مستشعرًا لمعانيها، مستحضرًا للبها، موقنًا بثمارها ونتاجها، وهي كما ذكر بعض أهل العلم، أعظم وأنجح، وأفضل وأنجع ما يكون للموسوس، الذي ابتلي بداء الوسواس؛ ومتى أخطى صاحبها هذا؛ فليعلم أن ذكره مدخول، وأنه ينقصه استحضار عظمة الله وقدرته - عز وجل - وتعلقه به، وحضور قلبه، وقوة يقينه، ولذلك - إن صح لنا هذا - فيمكن أن نقول - لكل متهاون فيها ومزهد منها -: صدق وعد الله بها وكذب قولك وعملك، فليراجع كل ذاكر منا نفسه، فإنه إنما أتي من نفسه، وليحرص كل الحرص على أن يأتي بها على الوجه الذي ينبغي عليه.
وحذار أن يبلغ إلى درجة اليأس، وتسلط شياطين الجن والأنس عليه، وعلى قلبه عياذًا بالله؛ وليتذكر - دومًا أنها وحي من الله - عز وجل - وهو أكبر وأعظم من أن يرتب عليها كل تلك الثمار، دون جدوى - حاشاه سبحانه، فتنبه أخي المسلم وأنت أختي المسلمة؛ فإن الله - عز وجل - سيجعل لك ولا بد بسببها - تحقيقًا لا تعليقًا - فرجًا قريبًا، ومخرجًا جميلًا.
فلتحرص يا رعاك الله على تلك الأذكار.
وقت أذكار الصباح والمساء: ولقد حثنا عليها ورغب فيها الشارع الحكيم وجعلها في وقتين فاضلين مختلفين.
يقول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]. فقوله - عز وجل -: ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾.
معطوف على ﴿ اذْكُرُوا ﴾ وهذا إرشاد للعباد إلى تعظيم الله - عز وجل - وإجلاله بذكره، والتسبيح له، وأنه يجب عليهم أن يشغلوا ألسنتهم وقلوبهم بذكر الله - عز وجل - وتسبيحه، ثم إذا ذكرتموه؛ فينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء، كما أنه - عز وجل - أراد أن يكون ذكره في كل الأوقات؛ ولذلك جاء مجددًا الزمان بطرفي نهاره وليله؛ فقال - عز وجل -: ﴿ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ إشارة إلى المداومة؛ وذلك لأن مريد العموم قد يذكر الطرفين، ويفهم منهما الوسط تبع لهما، كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( لو أن أولكم وآخركم))[2] ولم يذكر (وسطكم) ففهم منه المبالغة في العموم[3].
وفي هذه الآية الكريمة الحث على الإكثار من ذكر الله - عز وجل، والتهييج له؛ لأن كثرة ذكره - عز وجل - تعلق القلوب به؛ ولهذا أمر الله - عز وجل - بالذكر الكثير.

قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تبارك وتعالى المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب، وجميل المآب"[4].
فمن أراد الفرج من البلاء، فليذكر الله، ومن أراد رضا الحق، فليذكر الله، ومن أراد الخلاص من النار، فليذكر الله، بل إن الذكر والتسبيح من أعظم الأسباب لمعرفة الله - عز وجل - وعبادته وعظمته ومحبته، علمًا وقصدًا، وإجلالًا وإكرامًا.
وقال السعدي: "يأمر تعالى المؤمنين، بذكره ذكرًا كثيرًا، من تهليل، وتحميد، وتسبيح، وتكبير وغير ذلك، ومن كل قول فيه قربة إلى اللّه، وأقل ذلك، أن يلازم الإنسان، أوراد الصباح والمساء، وأدبار الصلوات الخمس، وعند العوارض والأسباب"[5].
وقوله: ﴿ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ أي: أول النهار وآخره، لفضلها، وشرفها، وسهولة العمل فيها،[6] والأصيل: هو ما بين العصر وغروب الشمس[7].
وقد خص هذين الوقتين؛ لشرفهما ولتيسر ذكر الله فيهما وسهولته.
ويدخل في ذلك، ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء وأورادهما عند الصباح والمساء.
قال البيضاوي: " أول النهار وآخره خصوصًا، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات؛ لكونهما مشهودين، كأفراد التسبيح من جملة الأذكار؛ لأنه العمدة فيها"[8].
ويقول - عز وجل - أيضًا: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ ﴾، والإبكار: أول النهار، والعشي: آخره.
كما قال ابن القيم[9].
ويقول - عز وجل -: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق:39]، ويقول - عز وجل -: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومَحلُّ هذه الأذكار كما يتجلى من هذه الآيات هو الصباح الباكر، أي: من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، والمساء ويقال: العشي والآصال، وهو من بعد صلاة العصر إلى قبل الغروب، هذا وقد اختلف العلماء في تحديده، على أن الأمر في ذلك واسع إن شاء الله - عز وجل - فيما لو نسي العبد ذلك في وقته أو عرض له عارض فلا بأس أن يأتي بأذكار الصباح بعد طلوع الشمس، إلى نهاية وقت الضحى وهو قبل صلاة الظهر بوقت يسير، وأذكار المساء بعد غروبها، إلى ثلث الليل، والدليل على هذا التفضيل ما ورد في الآيات السابقة[10].
قال ابن القيم: قال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق:39]، وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث: من قال: كذا وكذا حين يصبح، وحين يمسي، أن المراد به: قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها وأن محل ذلك ما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب، وقال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر:55]، والإبكار أول النهار، والعشي آخره.
وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح، وبعد العصر[11].
العناية بأذكار الصباح والمساء: وإن من المتقرر أنَّ هذه الأذكار المتعلقة بالمسلم في يومه وليلته تحظى باهتمام المسلمين البالغ وعنايتهم الكبيرة، غير أنَّ الكثير منهم قد لا يميزون في ذلك بين الصحيح الثابت عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين الضعيف الذي لا يثبت عنه، وقد لا يعرفون - أيضًا - معاني هذه الأذكار العظيمة ولا مقاصدها الجليلة، فيفوتُهم بذلك نفعُها العظيم وتأثيرُها البالغ؛ ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وأفضلُ الذِّكر وأنفعُه ما واطأ القلبُ اللِّسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده".
ولقد حظي هذا الموضوع الجليل باهتمام العلماء الفائق وعنايتهم الكبيرة، فألَّفوا فيه المؤلفاتِ الكثيرة، وبسطوا القول فيه في كتب عديدة نفع الله بها من شاء من عباده؛ ككتاب عمل اليوم والليلة لأبي عبد الرحمن النسائي - صاحب السنن، وكتاب عمل اليوم والليلة لتلميذه أبي بكر المعروف بابن السُّني، وكتاب الدعاء الكبير لأبي بكر البيهقي، وكتاب الأذكار لأبي زكريا النووي، وكتاب الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب الوابل الصيب لتلميذه ابن القيم، وكتاب تحفة الذاكرين للشوكاني، وكتاب تحفة الأخيار لعبد العزيز بن باز - رحم الله الجميع - إلى غير ذلك من الكتب القيمة والمؤلفات النافعة التي كتبها أهل العلم قديماً وحديثاً في هذا الباب العظيم.

قال ابن كثير: "وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما.
ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله"[12].
كما لقيت كل هذه الكتب - وغيرها - عناية بالغة ممن جاء بعدهم شرحًا وتحريرًا، ودراسة وتحقيقًا، وتعليقًا ونظمًا.
وفي الختام: فإن أذكار الصباح والمساء أدعية نافعة وأذكار عظيمة وأورد مبارَكة، يَحسنُ بالمسلم أن يُحافِظَ على تلك الأذكار العظيمة، كلَّ صباح ومساء تأسيًا بالنبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - واقتداءً بهديه القويم، ولما لها من الأثر المبارك البالغ، والنفع العظيم، في كلِّ ما يهمّ المسلم من أمر الدنيا والآخرة؛ ولتَتحقق له تلك الأفضالُ العظيمة والمعاني الكريمة.
رزقنا الله وإياكم التمسكَ بسنَّته، ولزومَ نَهجِه، واقتفاءَ آثاره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تنبيهات: أذكار الصباح والمساء لا يجوز روايتها بالمعنى؛ لأننا نتعبد الله بذكرها، ويدل على ذلك الحديث الوارد في الذكر عند النوم، وقال في آخره: ((....
آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت فلما قال الراوي من الصحابة - رضي الله عنهم -: ((وبرسولك الذي أرسلت))، قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( قل: وبنبيك الذي أرسلت))[13].
أذكار الصباح والمساء أو غيرها من الأذكار المقيدة بوقت أو سبب لا يعمل بها إذا رويت بأحاديث ضعيفة، وفيما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفاية.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:" ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء - فضلًا عن العامة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثًا صحيحًا، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد"[14].
أذكار الصباح والمساء لا يشترط في الإتيان بها ترتيب معين؛ لأنها لم ترد مرتبة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم.
أذكار الصباح والمساء - وغيرها من الأذكار - وردت السنة بهيئات وصيغ متعددة لها ومتنوعة؛ وهذا التنويع في الصيغ بما يوافق السنة الصحيحة له أثر في طرد ما قد يطرأ على العبادة من صفة العادة والرتابة والتي قد تضعف تأثير العبادة على القلب، وحسب المسلم أن يضع هذه القضية نصب عينيه وكلما عمد إلى هذه الأذكار فلينأَ بها أن تكون جوفاء أو أن تكون ميتة.
أذكار الصباح والمساء لا يشترط لها الطهارة، فيجوز أن تقال على غير طهارة - ولا فرق بين الحدث الأصغر والأكبر -؛ بدليل حديث عائشة - رضي الله عنها -: (( أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يذكر الله على كل أحيانه))[15] وغيره.
على أننا تقول: بأنها لو كانت على طهارة فهو الأفضل والأكمل.
والله أعلم.


[1] ذكره البخاري (1/116) من غير إسناد، وأخرجه مسلم رقم: (373) عن عائشة - رضي الله عنها. [2] أخرجه مسلم رقم: (2577) عن عن أبي ذر - رضي الله عنه. [3] انظر: مفاتيح الغيب (25/172) للرازي.
بزيادة وتصرف.
[4] تفسير القرآن العظيم (3/597). [5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(ص: 667).
[6] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(ص: 667).
[7] انظر: تفسير القرآن (4/292) للسمعاني، [8] أنوار التنزيل وأسرار التأويل (4/233). [9] الوابل الصيب (ص: 127). [10] وبنحوه قال العلامة العثيمين - رحمه الله.
في غير ما موضع من أشرطته.
وزاد في بعضها: " كلما قرب من الفجر مثلاً فهو أدنى إلى الإصابة، وكلما قرب إلى المساء فهو أدنى إلى الإصابة". [11] الوابل الصيب (ص: 200) مختصرًا، ويراجع شرح الأذكار النووية لابن علان (3 / 74 ، 75 ، 100 ).
وهذا نحو ما أفتت به اللجنة الدائمة (24/ 178). [12] تفسير القرآن العظيم (3/598).
[13] أخرجه البخاري رقم: (244) وغيره، ومسلم رقم: (2710) عن البراء بن عازب.
[14] تمام المنة (ص:36). [15] تقدم.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢