أرشيف المقالات

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
سبحانك ربي جل شأنك، وتعالَت حكمتُك، أودعتَ هذه الصلاةَ - وهي الصِّلة التي بينك وبين عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك - سرًّا قويًّا، وروحًا أمينًا يَحرُسه ويكلؤه ويرعاه بعنايتك، ويَحوطه برعايتك، ويحول بينه وبين حدودك أن تُقرَب، ومحارمك أن تُنتهَك، حارس رُوحيّ دونه كل حارس، وحصن معنوي دونه كل مانع، وكيف لا وأنت تُقْبِل عليه وتَمُده بنصرك وتأييدك؟ حينما يُقبِل عليك يُناجِيك بين الفترة والفترة، ويَضرَع إليك ويدعوك ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، وأنت المجيب دعوة الداعي إذا دعاك بقلب ملؤه الرهبة والجلال، ونَفْس عامرة بالإخلاص والتقوى، ألم تَقُل وقولك الحق فيما يرويه عنك نبيك صلى الله عليه وسلم: ((قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال العبد: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))؟ فهو يحمدك ويثني عليك ويَخُصك بالعبادة وطلب المعونة على نفسه وهواه، ودينه ودنياه، في ضراعة وذِلَّة، وأنت تُجيبه وتَنْصُره كرمًا منك وفضلًا، ومَن هديتَه فهو المهتدي، ومن نَصْرته فلا غالب له أبدًا، وأين جند الشيطان من جند الرحمن؟   الله أكبر: ما أجلَّها وما أفخمها! يفتتح بها العبد صلاته، مستشعرًا كبرياء ربه وعظمته، مرتديًا رجاءه وخشيته، ومتى حلَّتْ في العبد خشية مولاه، فقد أَمِن الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن، وحيل بينه وبين المعاصي والآثام.   أَلا إن الصلاة نورٌ يَشِع فيضيء لصاحبه طريق الخير والرشد فلا يجد طريقًا سواه، وهي جُنة قوية لا تَخرِقها سهام الشهوات، ولا تؤثِّر فيها نِبالُ المنكرات، ثم هي عهد الله الذي مَن استمسك به نجا، ومن وفَّى به وفَّى الله له ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111]، مسكين أيها العبد؛ إنك تقيم الصلاة وأنت فيها غافل لاهٍ؛ لا تُحضِر قلبَك، ولا تَفْقه قولَك، ولا تتأدَّب مع ربك، ولا توفي بعهدك، أفتريد بعد ذلك أن تَحفظك صلاتك وقد ضيَّعْتَها، وأن ترعاك وقد ظلمتها؟! أجدرْ بصلاتك هذه - إن سُمِّيت صلاة - أن تُلَف كما يُلَف الثوب الخَلِق فيضرب بها وجهك وتقول وهي مستجابة الدعوة: ضيَّعك الله كما ضيَّعتني، عكس ما قالت صلاة الخاشع لصاحبها وهي مستجابة الدعوة أيضًا: حفظك الله كما حفظتني.   بمقدار إقامتك للصلاة يكون خوفك من الله، وبمقدار خوفك من الله يكون اجتنابك لمحارم الله، مقياس لا يَختلُّ، وميزان لا يَعتلُّ؛ ألم تر إلى الأخيار الأبرار، هل عَلِمت أن أحدهم اقترف إثمًا أو ارتكب جرمًا؟ اللهم لا.   ترى المجرم أحد رجلين: إمَّا تارك الصلاة رأسًا، وهذا هو الأعم الأغلب، وإما مصلِّيًا ليس له من قيامه وصلاته إلا التعب والنَّصب، من أولئك الذين يُصلُّون محاكاة وتقليدًا، كما يُقلِّد الطفل أبويه ولا يعي ما يقول.   إن الصلاة عصمة من الغَواية، وطريق الهداية، ومَن خالَجه في ذلك شكٌّ، فليؤدِّ الصلاةَ حقَّ أدائها، وليُحافِظ على أوقاتها وركوعها وسجودها وخشوعها، وسيجد ثمارَها قريبة الجنى، دانية القطوف.   المصدر: الإيمان عدد 9 م2 رمضان سنة 1354هـ



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن