أرشيف المقالات

لفتة مختصرة: البدعة الحسنة والسنة الحسنة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2لفتة مختصرة البدعة الحسنة والسنة الحسنة!
أخرج مسلم في (صحيحه): عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتْهم حاجة؛ فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه حتى رُئِيَ ذلك في وجهه.   قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصُرَّةٍ من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عُرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمِلَ بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعُمِلَ بها بعده، كتب عليه مثلُ وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء)).
تعلَّق بعض من يدَّعي تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة بهذا الحديث، وزعموا أن معنى سنَّ: أحدَثَ وابتدَع؛ وهو - عندهم - يدور حول التشريع، لا الإحياء؛ وعلى ضوء ذلك قرَّروا بأن البدعة في الدين قسمان: حسنة، وسيئة.   والجواب على ذلك أن نقول - كما قرره العلماء الأخيار -: إن هذا الحديث جاء في سياق الكلام عن الصدقة، وهي من الأمور المشهورة المعلومة لدى الصحابة، شُرِعَتْ بنص القرآن؛ فليس في الحديث اختراع - في الدين - لشيء جديد في وقت الحادثة، ووقت ورُود الحديث.   وإليك تسلسل وقائع الحديث: فبعد أن وعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الصدقات...
(والوعظ لا يكون إلا من غفلة). وأبطؤوا في الاستجابة...
(تنبه لذلك). جاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ من ورق...
(المبادرة إلى إحياء الصدقة). ثم تَبِعَه الصحابة كل بحسب استطاعته...
(ساروا على طريقته في إحياء الصدقة).
فلما كان ذاك الصحابي أول من استجاب، وأظهر هذا السلوك، وجاء بما استطاع، سار الصحابة على سيرته (سنته) في المسابقة إلى التصدق بعد تباطؤٍ - منهم - وإغفال، وهي سنة استحسنها الشرع (ليس العقل)؛ لأنها أدَّتْ إلى معروف (ضد المنكر) معلوم غير مجهول!
وبذلك يمكن لنا أن نستخلص من هذا الحديث أن: 1- السُّنَّة الحسنة: هي كل ما أدَّى إلى إحياء معروف أُغفِلَ في لحظة ما. 2- والسُّنَّة السيئة: هي كل ما أدَّى إلى إحياء منكر في لحظة ما.   والمقصود من هذه المقالة القصيرة أن على المستدل ألا يقتطع الدليل من سياقه؛ لأن معرفة السياق سبب من أسباب فهم النصوص واستنباط الأحكام الشرعية، ولا سيما في فهم الألفاظ المشكلة، وهذا أصل متى أغفله المستفيد أتى بالعجائب!   ثم هناك أمر آخر: فلو سلَّمنا بصحة هذا التقسيم: فمن الذي سيحكم على هذه البدعة بأنها حسنة أو سيئة؟! ومن سيحكم بقدر الثواب والعقاب؟!
فلا ريب أنهم بحاجة إلى نصٍّ في المسألة؛ وبما أن المسألة مُحدَثة - أي: ليس لها أصل لا في الكتاب ولا في السنة - فهي بذلك تفتقر إلى نص جديد مُحْدَث؛ وهذا أمر ممتنع - شرعًا -؛ لأنه من جنس الاستدراك على الشرع؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة))؛ فتأمله -رحمك الله!   وبذلك يتبين لك أن تقسيم البدعة - في الشرع - إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة: تقسيم باطل؛ لأنه يفتح باب الابتداع في الدين، ونشر الشبهات، والعبث بالثوابت الشرعية!   وصلِّ اللهم وبارك وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣