أرشيف المقالات

موضوعات سورة الأنفال

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
2موضوعات سورة الأنفال   ليس هناك خلاف في أن سورة الأنفال نزلت في أعقاب غزوة بدر، كما سبق بيانُه وذِكره؛ فالسورة الكريمة نزلت تتحدثُ عن الغزوة المباركة.   وتتلخص موضوعاتُها في خمسة أمور، كلها عتاب وتذكير وتوجيه، وهي: 1- عتاب الأصحاب رضوان الله عليهم. 2- تذكيرهم بما تم لهم في المعركة. 3- تذكيرهم بالحال التي كانوا عليها من قبل، وبما كان عليه المشركون مِن مكر وكيد. 4- نداءات للأصحاب رضوانُ الله عليهم. 5- توجيه للأصحاب يتصل بشؤون الحربِ وأمور القتال[1].   ومما يُستأنَس به في أن السورة نزلت في وصفِ أحداث الغزوة المباركة وبعد انتهائها: تكرار لفظ (إذ) أكثر من عشر مرات، وهو كما جاء في المعجم: "كلمة تدلُّ على ما مضى من الزمان، وهو اسم مبنيٌّ على السكون، وحقه أن يكونَ مضافًا إلى جملة.."[2]، وقد جاء في الآيات: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 7].   ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].   ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11].   ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12].   ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].   ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32].   ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الأنفال: 43].   ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44].   ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48].   ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 49].   ومن خلال وصف السورةِ الكريمة لأحداث الغزوة المباركة، فقد تناولت كثيرًا من الأحكام فيما يتعلقُ بالحرب والسلام فيما وقع وما قد يقع.   هذا، وتمثل السورة الكريمة - حسب تاريخ نزولها - المرحلة الأولى من مراحل القتال، وهي كما يسميها البعض: "مرحلة الحرب الدفاعية"[3]، وقد جاء فيها قول الله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 39]، قال ابن كثير: "حتى لا تكون فتنة: حتى لا يُفتَن مُسلِم عن دينه، وقوله: ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ عن ابن عباس: قال: يُخلص التوحيد لله...
قال الحسن وقتادة وابن حريج: (أن يقال: لا إله إلا الله)، وقال عبدالرحمن بنُ زيد بن أسلم: لا يكون مع دينكم كُفر، ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصَموا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله))[4]، وقوله: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا ﴾؛ أي: بقتالكم عمَّا هم فيه من الكفر، فكَفُّوا عنه، وإن لم تعلَموا بواطنهم ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 39]"[5].   وقد سبق هذه الآيةَ التي فيها الأمر بالقتال آيةٌ يجب الانتباه إليها والنظر فيها؛ لأن الأمر بالقتال له مقدمات ومبررات، وهو آخرُ الطريق وليس أوله، وهي قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنفال: 38]، ثم جاء قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾ [الأنفال: 39]، يقول الإمام القرطبي: قال ابن العربي: (هذه لطيفة مِن الله سبحانه، مَنَّ بها على الخَلْق؛ وذلك أن الكفارَ يقتحمون الكفرَ والجرائم، ويرتكبون المعاصيَ والآثام، فلو كان ذلك يوجبُ مؤاخذة لهم، لَمَا استدركوا أبدًا توبة، ولا نالتهم مغفرة، فيسَّر الله تعالى عليهم قَبول التوبة عند الإنابة، وبذل المغفرة بالإسلام، وهدم جميع ما تقدم؛ ليكون ذلك أقربَ للدخول في الدين، وأدعى إلى قَبولهم لكلمة المسلمين، ولو علِموا أنهم يؤاخَذون، لَمَا تابوا ولا أسلَموا..)[6]، ويقول الإمام الألوسي: "﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾ عطف على ﴿ قُلْ ﴾، وعم الخطاب لزيادة ترغيب المؤمنين في القتال لتحقيق ما يتضمنه قوله سبحانه: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ﴾ مِن الوعيد"[7].   ومن هنا اتَّضح أن منهج السورة في فرض القتال والأمر به جاء مناسبًا لمقتضى الحال؛ فقد سبَقه الكلمة والقول، والقول وسيلةٌ مِن وسائل الدعوة، وفي القول ترغيب وترهيب؛ ترغيبٌ في التوبة، والانتهاء عن الكفر وعداوة المسلمين، ولنيل المغفرة، وترهيب من الإصرار على العناد، وإلا ستعمل فيهم سُنَن السابقين، حينما يكون الإصرارُ والعناد على الكفر، فليس إلا القتال لتحقيق أسمى الغايات، وهي القضاء على الفِتنة، والفتنة هي الشرك، ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾، ولتكون كلمةُ الله هي العليا.   تقسيم موضوعات السورة المباركة (سورة الأنفال): بعد هذا الجهد المتواضع، ومحاولة الفهم والتدبُّر لهذه السورة الكريمة، أستطيع القول: إنني لم أوفِّ السورة حقها، وودت لو أني بذلت المزيد من الوقت والجهد؛ لفهم المزيد من أسرارها، واستخراج كنوزها التي لا نهاية لها؛ ذلك لأن السورة الكريمة نزلت تتويجًا لجهاد طويل، وصبر واحتمال لمشاقِّ الطريق؛ حيث لاقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم والأصحاب الكرام الكثيرَ من الأذى والتعذيب والطرد والحصار الذي دام خمسة عشر عامًا، حتى كان انتصار بَدْرٍ هدية ومنحة تفضَّل الله تعالى بها على المؤمنين الذين تحقَّق فيهم الإيمانُ الكامل الحق، بعد أن تحققت إرادةُ الله تعالى بالتقاء الجَمعين.   إن طريق النصر طريق طويل وشاق، ومليءٌ بالعطاء والتضحيات، وإن طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورود، ولكنه محفوفٌ بالأشواك، مليءٌ بالمخاطر، لكن عاقبته حَسنة وطيِّبة.   تميَّزت سورة الأنفال بالجانب العملي في التربية؛ فالإيمان لا ينحصر في صلوات وتسبيحات، ولا في صيام ودعوات، ولكن - أيضًا - في وَجَلِ القلب وتوكُّلِه على الله تعالى، وفي الاستجابة القوية للتكاليف الشاقة.   هذا ويمكن تقسيم موضوعات السورة كما يلي: 1- موضوعات دعوية. 2- موضوعات تربوية. 3- أحكام وتشريعات. 4- السنن الاجتماعية.   أولاً: الموضوعات الدعوية: 1- ظاهرة: "يسألونك" ودلالاتها، ووسيلة "القول" آية 1.   2- صفات المؤمنين وأصنافهم؛ أما الصفات: الآيات من 2 - 4، وأما الأصناف من 72 - 75.   3- النداءات (يأيها الذين آمنوا) الآيات: 15، 20، 24، 27، 29، 45.   4- الترغيب والترهيب، وهو من الأساليب الدعوية، كما في الآيات: 38، 45، 46، 47، 48.   5- القتال كوسيلة لتأمين الدعوة (آية 39).   6- عدم التولِّي يوم الزحف، والثبات والصبر والدعاء، وإعداد العُدَّة، وكلها وسائل دعوية، كما في الآيات: 15، 20، 45، 60.   ثانيًا: الموضوعات التربوية: 1- الاستجابة القوية والفورية، واتقاء الفتنة (بالاستجابة)، واتقاء فتنة المال والولد، وتذكر نِعم الله عز وجل، والتحذير من الخيانة، والتحذير من التشبُّه بالمشركين وباليهود والمنافقين، كما في الآيات: 24، 25، 26، 27، 28، 22، 25، 55، 56.   2- الإعداد الإيماني قبل المواجهة؛ لأن الله تعالى لا ينصر إلا المؤمنين حقًّا، وأهمية التقوى، وإصلاح ذات البين: الآيات من 1 - 4.   3- تأخير الإجابة عن حُكم الأنفال إلى ما بعد أربعين آية؛ وذلك لبيان الأهم، وهو ليس حكم الأنفال، ولكنه الإيمان والتقوى، وإصلاح ذات البَيْن، وتحقق الإيمان الكامل، آية 1، 40.   ثالثًا: الأحكام والتشريعات: 1- تشريع القتال؛ كيلا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله: آية 39، 45. 2- الجنوح إلى السَّلْم، وقَبوله مِن طالبه: آية 61. 3- احترام العهود، والالتزام بها مع العدو، والنبذ على سواء: آيات 56، 58. 4- النسبة العددية في القتال وشروطها (وحكم الفرار): الآيات 65، 66. 5- أحكام الأسرى: آيات 76 - 71. 6- أحكام الولاء (النصرة والتوارث): آيات 72 - 75. 7- إعداد القوة لتحقيق السلم المسلح: آية 60.


[1] من هدي سورة الأنفال؛ د محمد أمين المصري، دار الأرقم، ص 8. [2] مختار الصحاح، ص 9. [3] انظر فقه السيرة أ.
د/ محمد سعيد البوطي، دار الفكر، ط 7، 167. [4] مختصر صحيح البخاري 24/ 25، ص 20. [5] تفسير ابن كثير، جزء 2، ص 309. [6] تفسير القرطبي، جزء 4، ص 2838. [7] روح المعاني، المكتبة التوفيقية، جزء 5، ص 521.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢