أرشيف المقالات

الله لا يحب المعتدين

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
2الله لا يحبُّ المعتدين
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، والاعتداء هو إلحاق الضرر بالآخرين من غير وجه حق، أو هو تجاوز الحد المقرر في أخذ الحق، وهو نوع من أنواع الظلم، وإنَّ ما مارسه فرعون مع موسى عليه السلام وبني إسرائيل من هذا النوع، قال تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ﴾ [يونس: 90]، وعدوًا: أي اعتداءً، وقال الأنباري في الزاهر في معاني كلام الناس: وقولهم: قد اعتدى فلانٌ على فلانٍ، قال أبو بكر: معناه قد ظلمه، واعتدى من العَداء والعُدوان، وهو الظلم، قال الشاعر: بَكَتْ إبلي وحُقَّ لها البكاءُ وأحرَقَها.المحابِسُ.والعَداءُ[1]   والمعتدون الذين ذكر القرآن الكريم أن الله جل جلاله لا يحبهم، هم الذين يمارسون الاعتداء على الآخرين، ويكون الاعتداء على ثلاثة أنواع: الأول: الاعتداء مع الله جل جلاله، قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55]، ونقول هاهنا: مع الله جل جلاله، وليس الاعتداء على الله جل جلاله؛ لأنه كلام مجازي، فالعبد الضَّعيف لا يمكن له أنْ يعتدي على الله جل جلاله؛ لأنه لن يستطيع أنْ يلحق شيئًا من الضُّـر بالله جل جلاله - حاشا لله - لأنه عبدٌ ضعيف، والله جل جلاله هو خالقه، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي أنَّ الله جل جلاله قال: ((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضـري فتضـروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا....))[2].   وإنما حقيقة هذا النوع من الاعتداء يكون في أنَّ العبد لا يمارس حقوق العبودية لله جل جلاله التي خُلق من أجلها كما يجب عليه، والآية قالت: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ ﴾ [الأعراف: 55]، والدعاء هو رمز العبودية؛ ولهذا فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدُّعاء هو العبادة))، ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60][3].   وإنَّ الصلاة بمعناها العام تعني الدُّعاء، وتُقرر الآية أنْ يكون دعاء المؤمن لله جل جلاله الذي لا عدوان فيه تضرُّعًا وخُفية؛ لما في ذلك من علامات الذُّل والخنوع والإخلاص لله جل جلاله، قال الشنقيطي: "وإنما كان الإخفاء أفضل من الإظهار؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرِّياء"[4]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه مَنْ لم يَسألِ الله يغضب عليه))[5]، ولأنَّ في الدُّعاء تحقيقًا لتوحيد الألوهية، فالدُّعاء هو العبادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن في الدعاء توحيدًا للربوبية؛ لأنَّ الله جل جلاله هو من يستجيب للدعاء فيغفر، ويستر، ويرزق، ويشفي، ويحمي، ويُدخِل الجنة، ويُنجِّي من النار، فإنَّ المؤمن إن دعا الله جل جلاله بأسمائه الحسنى، وبصفاته العُلى، يكون قد حقق توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات في ذات الوقت، من هنا كان الدعاء هو العبادة كلها، ومن لم يفعلْه فإنه من المعتدين، ولكي يكون الدعاء موافقًا لمراد الله جل جلاله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس فيه عدوان، لزم أنْ يتصف بمجموعة من الصفات، وهي: 1- أنْ يُبدأ بحمد الله جل جلاله والثناء عليه، ثمَّ بالصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويُختم بذلك؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق...))[6].   2- استقبال القِبلة في الدعاء، والتَّدبر وذلك بحضور القلب، والتضـرُّع، واستشعار الخشوع والرهبة، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشـركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشـر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القِبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلِك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض))، فما زال يهتف بربه مادًّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كذاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك...."[7]، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: "وفيه استحباب استقبال القبلة في الدعاء، ورفع اليدين فيه"[8].   3- اليقين بإجابة الدعاء؛ فإنَّ المؤمن يعلم علم اليقين أنَّ من بيده ملك السموات والأرض، لن يعجزه أنْ يجيب دعاء عبد فقير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء لا مكرِه له))[9]، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل - أيها الناس - فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة؛ فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل))[10].   4- الابتعاد عن تكلُّف السجع في الدعاء، فعن عامر بن شراحيل الشعبي، عن أبي السائب الأنصاري - وكان قاصًّا - قال: "أرسَلَتْ إليه عائشة، فقالت: حدِّث في كلِّ جمعة يومًا، فإنْ أبيتَ فيومين، فإنْ أبيتَ فثلاثة، وإياك أنْ تأتي القوم وهم يتحدثون فتقُصَّ عليهم فتُملَّهم، وإياك والسَّجع في الدعاء؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يكرهونَهُ"[11]، إلا ما ورد بدليل ثابت في كتاب وسنة.   5- عدم الاستعجال في إجابة الدعاء، بل الاستمرار بالتَّوسل إلى الله جل جلاله، والدُّعاء بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أو بعمل صالح، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، ولعل التأخير في إجابة الدعاء لحكمة يراها الله جل جلاله ولا يراها العبد، وقد يَدفع الله جل جلاله بالدُّعاء شرًّا محدقًا، وقد يكتنزه للعبد ليوم القيامة، والأمر على كل حال من الأحوال هو خير للعبد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل))، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء))[12].   6- خفض الصَّوت بالدُّعاء بين المخافتة والجهر، قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110]، فعن هشام بن عروة بن الزبيـر، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، في قوله جل جلاله: ﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ﴾ [الإسراء: 110]، قالت: أُنزلَ هذا في الدُّعاء[13].   7- تحري أوقات الإجابة، ومنها: • في الثلث الأخير من الليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ينزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟))[14].
• وعند الأذان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثنتان لا تردان - أو قلَّما تردان -: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلتحم بعضهم بعضًا))[15].
• وبين الأذان والإقامة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة))[16].
• وفي السجود، فعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء))[17].
• وفي ساعة من يوم الجمعة، وهي على الأرجح آخر ساعة من ساعات العصـر قبل الغروب، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها))[18].
8- ألا يكون في الدُّعاء إثم، أو قطيعة رحم، أو الدُّعاء على الأهل والمال والولد والنفس. ويُفضَّل أنْ يكون الدُّعاء بأسماء الله جل جلاله الحُسنى وبصفاته العُلى التي أثبتها جل جلاله لنفسه، ويُستحب أنْ يكون الدعاء من القرآن أو من سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز الدعاء بما لم يَردْ في القرآن ولا في السنة، ولكن على ألا يتقاطع مع أصل من أصول الدين، أو ابتكار أسماء لله جل جلاله لم تثبت له جل جلاله، فقد سمع الأصمعي رجلاً يدعو ربه، ويقول في دعائه: يا ذو الجلال[19] والإكرام، فقال له الأصمعي: ما اسمك، قال: ليث، فقال الأصمعي: يُناجِي رَبَّهُ باللَّحنِ لَيثٌ لذاكَ إذا دَعاهُ لا يُجابُ[20]   الثاني: الاعتداء على النَّفس: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، وهذا النوع من الاعتداء الذي أثبتته الآية، هو أنْ يحرم المرء على نفسه شيئًا أحله الله جل جلاله له؛ لأنَّ الحلال والحرام بيد الله جل جلاله يحلُّ ما يشاءُ ويحرِّمُ ما يشاء، له الملك والخلق والأمر، فإنْ نازعه في هذا مخلوق ولو على نفسه التي بين جنبيه، فهو معتدٍ، ولنا أنْ نتدبر لطف الله جل جلاله في هذا الموضع في أنَّ الله جل جلاله قد أحل لنا طيبات نقضي بها شهواتنا، ثم إنْ لم نفعل وحرَّمناها على أنفسنا فإننا من المعتدين، فسبحان ربنا اللطيف الرحيم! وجاءت ضوابط الامتناع عن الاعتداء في هذا الموضع في تفسير اللباب، حيث قال ابن عادل: "فقوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 87] يحتمل وُجُوهًا: الأول: ألا تعتقدوا تحريم ما أحل الله لكم.   وثانيها: لا تظهروا باللسان تحريم ما أحل الله لكم.   وثالثها: لا تجتنبوها اجتنابًا يشبه الاجتناب عن المحرمات، فهذه الوجوه الثلاثة محمولة على الاعتقاد والقول والعمل.   ورابعها: لا تحرموا على غيركم بالفتوى.   وخامسها: لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين، ونظيره قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1].   وسادسها: أن يخلط المغصوب بالمملوك اختلاطًا لا يمكنه التمييز، وحينئذٍ يحرم الكل، فذلك الخلط سبب لتحريم ما كان حلالاً، وكذلك إذا خلط النجس بالطاهر، فالآية محتملة لكل هذه الوجوه، ولا يبعد حملها على الكل"[21].
الثالث: الاعتداء على الخلق: قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، وجاء المثل القرآني هنا في القتال في سبيل الله جل جلاله، الذي هو ذروة سنام الإسلام، ففي ساحة الوغى وتحت قراع السيوف قد يُباح للمقاتل ما لا يُباح لغيره؛ لشدَّة الهول، وظروف الموقف، ونيات الأعداء الخبيثة، فإذا كان القرآن يأمر الناس ألا يعتدوا حتى في القتال في سبيل الله جل جلاله، فإنه من باب أَولى أنَّ الناس لا يعتدون في الأمر الأقل شأنًا من أمور الدين والحياة، قال الماوردي في تفسيره: "وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أنَّ الاعتداء قتالُ مَن لم يُقاتل. والثاني: أنه قَتْلُ النِّساء والولدان. والثالث: أنه القتال على غير الدِّين"[22].   ولكن يحق للإنسان أن يأخذ حقه إذا اعتُدي عليه، بقدر الاعتداء الواقع، من غير زيادة، قال تعالى: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، فمن أنواع الاعتداء على الخلق التي وردت في القرآن الكريم: أ- أنَّ عقوبة القصاص في القتل تكون للشبيه، فإن تجاوز ذلك كان اعتداءً، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178].   ب- الاعتداء على المرأة في أمر الطلاق، من حيث عدم التطليق، سواء بأخذ ما دفع الرجل صداقًا لها، أو إمساك المرأة من أجل الإضـرار بها، وكل ذلك وصفه القرآن على أنه اعتداء، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 231].   ت- خيانة الكفَّار للمؤمنين اعتداء سافر، فالكفار يستمرئون الغدر، وليس عندهم أدنى اعتبار لصلة القرابة التي بينهم وبين المؤمنين، أو عهد الذمة الذي يتحاكمون إليه مع المسلمين، قال تعالى: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾ [التوبة: 10]، قال البقاعي في نظم الدرر: "ولما أخبر تعالى بعراقتهم في الفسق، دلَّ عليه بأن خيانتهم ليست خاصة بالمخاطبين، بل عامة لكلِّ من اتصف بصفتهم من الإيمان، فمدار خيانتهم على الوصف ، فقال جل جلاله: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا ﴾؛ أي: قرابة وأصلاً ثابتًا، ﴿ وَلَا ذِمَّةً ﴾؛ أي: عهدًا أكيدًا، ﴿ وَأُولَئِكَ ﴾؛ أي: البُعَداء من كلِّ خير، ﴿ هُمُ ﴾؛ أي: خاصَّة لتناهي عدوانهم، ﴿ الْمُعْتَدُونَ ﴾؛ أي: عادتهم المبالغة في حمل أنفسهم على أنْ يعدوا الحدود؛ لعدم وجود ما يَردُّهم عن ذلك من وازع إلهي، ورادع شرعي"[23].


[1] الزاهر في معاني كلمات الناس، الأنباري، ج1، ص 364. [2] صحيح مسلم، باب تحريم الظلم، ج4، ص 1994، حديث: 2577. [3] صحيح ابن حبان - كتاب الرقائق - باب: الأدعية، ج3، ص 172، حديث: 890. [4] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، ج3، ص539. [5] سنن الترمذي الجامع الصحيح - الذبائح - ج5، ص 456، حديث: 3373. [6] صحيح البخاري - كتاب الجمعة، أبواب التهجد ، ج1، ص377، حديث: 1069. [7] صحيح مسلم، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، ج3، ص1383- 1384، حديث: 1763. [8] المنهاج شـرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا النووي، ج12، ص84. [9] صحيح مسلم، باب العزم بالدعاء، ج4، ص 2063،حديث: 2679. [10] مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص177، حديث: 6655. [11] الدعاء، ابن فضيل، ص 206. [12] صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ج4، ص 2096، حديث: 2735. [13] صحيح مسلم، باب التوسط في القراءة، ج1، ص329، حديث: 447. [14] صحيح البخاري، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل، ج1، ص384، حديث: 1094. [15] صحيح ابن خزيمة - كتاب الصلاة، باب استحباب الدعاء عند الأذان ورجاء إجابة الدعوة عنده، ج1، ص 219، حديث: 419. [16] سنن الترمذي الجامع الصحيح - أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، ج5، ص 577، حديث: 3595. [17] صحيح مسلم - كتاب الصلاة - باب ما يقال في الركوع والسجود، ج1، ص350، حديث: 482. [18] صحيح البخاري، باب الساعة التي في يوم الجمعة، ج1، ص 316، حديث: 893. [19] الصواب أنْ يقول: يا ذا الجلال والإكرام. [20] الأمالي في لغة العرب، ابن القاسم البغدادي، ج3، ص32. [21] اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الدمشقي، ج7، ص491-492. [22] النكت والعيون (تفسير الماوردي)، أبو الحسن الماوردي، ج1، ص 251. [23] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين البقاعي، ج3، ص276.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن