أرشيف المقالات

زهرة شباب الفصول

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2زهرة شباب الفصول
اكتست الأرض بحُلَّة خضراءَ، تناثرت عليها الزهور والرياحين، تداعبها نسمات هادئة؛ فيفوح شذاها في كل الميادين، فبعدَ بَرْد قارس، وأمطار، وثلوج، ورياح عاصفة، وليالٍ حالكة، ومكابدة في طلب الدفء، أطلَّ الربيع؛ ليبعث الأمل في النفوس التي أعياها البرد؛ فكان الجميع باستقبال الزائر الأخضر - وكأنه غائب عاد بعد طول انتظار.   إن إشراقة الشمس في أيامه كأن لها لونًا آخر، وكأن ساعاتِ نهاره فيها وقت أكثر، بل إن نسماتِه كيدِ طفل رضيع امتدَّت إلينا تُدَاعِبُنا، فلم نضجر.   إن البذور التي تُلقى في الأرض، وتنتظر قطرات الماء من رب السماء، فتحيا الأرض بإذن ربها بما نرجوه من ثمار وأزهار، حالها يشبه أعمالنا الصالحة، متنوِّعة الجهات كمساعدة الفقير، أو إغاثة الملهوف، أو إحسان إلى الجار، أو بناء مسجد مثلاً.   وأعمال الخير كثيرة، ما هي إلا كالبِذار التي رُويت بقطرات الماء الغائرة في باطن الأرض؛ فروت عطشها؛ فأينعت، وأعطت الثمار (كعطاء الربيع)، وأقلُّها كلمة شكر وعرفان من المنتفع، وتكافل اجتماعي، وتحسين أوضاع الكثيرين، بدلاً من أن يُتركوا تحت رحمة البشر، وهذا غير مضاعفة الأجر والثواب الذي ننتظره من رب البشر؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]، وأيُّنا يريد أكثر، في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون؟   نفتح نوافذ بيوتنا؛ لنستنشق الهواء العليل، أو نجلس نتسامر برفقة أحبَّتنا، أو نذهب في نزهة برفقة أهالينا، كل ذلك للاستمتاع بأجواء الربيع؛ ولإدخال السرور على قلوبنا وقلوب من لهم حق علينا؛ فيثمر الألفة، والمحبة، والبر، والإحسان.   إن لنفوسنا حقًّا علينا؛ فما نقدِّمه لها من: الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، وأعمال الخير المتنوعة الخالصة لوجه الله عز وجل - لا بد لها وأن تثمر من الصفاء، والنقاء، والبهجة، والسرور، الشيءَ الكثير؛ مما يجعل أيَّامها، وفصولها كلَّها ربيعًا لا ينقطع أبدًا، حتى لو أقبل الخريف!   في طفولة كل منا ذكريات مع الفراشات، وملاحقتها أثناء انتقالها من زهرة لأخرى؛ فجمالها وعمرها القصير يشبه مرحلة الطفولة، وشغَبها وسرعة انقضائها، أما الأشجار المثمرة فتشبه مرحلة الشباب الذي انتظره صاحبه وأهله بفارغ الصبر؛ أملاً في العطاء، لا أحد منا يدري كم سيعيش، فهناك من يموت طفلاً: كالفراشات، وهناك من يموت شابًّا: كالأشجار الصغيرة، والشجيرات، وهناك من يُقدَّر له البقاء؛ فيشتد عوده، ويبلغ مبلغ الرجال؛ فيعطينا من الحِكَم والعبر كشجر الصيف التي تجود علينا بأحلى الثمر.   ربيع بحُلة خضراء، يقابله خريف تتساقط فيه الأوراق بعد جفافها، وذَهاب نضرتها، ومع ذلك فهناك من يطول عمره ويقدَّر له البقاء فيبذر الأرض، ويحرثها؛ لتُسقى بماء المطر، معلنة استمرار الحياة إلى أن يشاء الله عز وجل.   بذار الخير بحاجة إلى سقيا من الإخلاص لتثمر. أهلاً بك يا زهرة شباب الفصول. أسأل المولى عز وجل أن يجعل حياتكم ربيعًا دائمًا.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١