أرشيف المقالات

معنى: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2معنى: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب   قال وهب بن منبه: إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك؛ فلا تأمن أن يقول فيك من الشرّ ما ليس فيك.   عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ -وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا- فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ»[1].   وعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بَعَثَ وَفْدًا مِنْ الْعِرَاقِ إِلَى عُثْمَانَ فَجَاءُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ وَقَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثُوَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ»[2].   قَالَ ابْن حجر: لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال: أَحَدهَا: هَذَا وَهُوَ حَمْله عَلَى ظَاهِره وَاسْتَعْمَلَهُ الْمِقْدَاد رَاوِي الْحَدِيث.   وَالثَّانِي: الْخَيْبَة وَالْحِرْمَان كَقَوْلِهِمْ لِمَنْ رَجَعَ خَائِبًا رَجَعَ وَكَفّه مَمْلُوءَة تُرَابًا.   وَالثَّالِث: قُولُوا لَهُ بِفِيك التُّرَاب، وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ لِمَنْ تَكْرَه قَوْله.   وَالرَّابِع: أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّق بِالْمَمْدُوحِ كَأَنْ يَأْخُذ تُرَابًا فَيَبْذُرهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَذَكَّر بِذَلِكَ مَصِيره إِلَيْهِ فَلَا يَطْغَى بِالْمَدْحِ الَّذِي سَمِعَهُ.   وَالْخَامِس: الْمُرَاد بِحَثْوِ التُّرَاب فِي وَجْه الْمَادِح، إِعْطَاؤُهُ مَا طُلِبَ؛ لِأَنَّ كُلّ الَّذِي فَوْق التُّرَاب تُرَاب، وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَيْضَاوِيّ وَقَالَ: شَبَّهَ الْإِعْطَاء بِالْحَثْيِ عَلَى سَبِيل التَّرْشِيح وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْلِيل وَالِاسْتِهَانَة، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد رَفْعُهُ عَنْهُ وَقَطْع لِسَانه عَنْ عِرْضه بِمَا يُرْضِيه مِنْ الرَّضْخ، وَالدَّافِع قَدْ يَدْفَع خَصْمه بِحَثْيِ التُّرَاب عَلَى وَجْهه اِسْتِهَانَة بِهِ [3].   قال المناوي: فالحثو كناية عن الردّ والحرمان أو أعطوهم ما طلبوا فإن كل ما فوق التراب تراب، ومن حمله على ظاهره ورماهم بالتراب فما أصاب[4].   قلت حمله على ظاهره أولى من تأويل ذلك بالإعطاء، بل إعطاؤهم بعد المدح تشجيع لهم، ثم ما هو الفرق بين مكافأتهم على المدح ومنعهم من المدح على هذا القول، أيضا لا يدل الحثو للتراب في وجوههم على مجرد المنع لبينه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبقى إلا حمله على الظاهر لا سيما وهو فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أدرى بالحديث ممن بعدهم كما فعله المقداد رضي الله عنه، وأيضاً لأنه ليس مأموناً فكما قال لك قد يقول عليك.   عدم الاغترار بكلام المداحين: يجب على من مدح في وجهه أن يتواضع ولا يغتر، وأن يذكر ما عنده من عيوب سترها الله تعالى عن الناس، قَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ: مَنْ عَرَفَ نَفْسه لَمْ يَضُرّهُ الْمَدْح.   عن نافع أو غيره أن رجلاً قال لابن عمر يا خير الناس وابنَ خير الناس.
قال لست بخير الناس ولكني من عباد الله أرجو الله وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه»[5].   قَالَ بَعْض السَّلَف: إِذَا مُدِحَ الرَّجُل فِي وَجْهه فَلْيَقُلْ: (اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَلَا تُؤَاخِذنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ) [6].


[1] رواه مسلم- كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح، حديث: ‏5434‏. [2] رواه أحمد- حديث: ‏23215‏، والترمذي- أبواب الزهد، باب ما جاء في كراهية المدحة والمداحين، حديث: ‏2374‏، والطبراني في الكبير-حديث: ‏17364. [3] فتح الباري لابن حجر - 17 / 225. [4] التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي - 1 / 84. [5] رواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى- باب ما يكره لأهل العلم وغيرهم من التكبر والتجبر وإلزام الناس، حديث: ‏426‏- ورواه معمر بن راشد في جامعه- باب المدح، حديث: ‏1131‏. [6] رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب- باب في حفظ اللسان، حديث: ‏4666‏.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢