أرشيف المقالات

تفسير ربع: ما ننسخ من آية أو ننسها (الربع السابع من سورة البقرة)

مدة قراءة المادة : 103 دقائق .
2تفسير ربع ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها (الربع السابع من سورة البقرة)
﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106].
إعراب مفردات الآية [1]: (ما) اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول به مقدّم (ننسخ) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (من آية) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من اسم الشرط، (أو) حرف عطف (ننس) مضارع مجزوم معطوف على ننسخ و(ها) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (نأت) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة، والفاعل نحن للتعظيم (بخير) جارّ ومجرور متعلّق ب (نأت)، (من) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (خير)، (أو) مثل الأول (مثل) معطوف على خير مجرور مثله و(ها) مضاف إليه.
الهمزة للاستفهام التقريريّ (لم) حرف نفي وجزم وقلب (تعلم) مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (قدير)، (شيء) مضاف إليه مجرور (قدير) خبر مرفوع.
اهـ   روائع البيان والتفسير: -﴿ ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ﴾ قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ ما ننسخ من آية ﴾: ما ننقل من حكم آية، إلى غيره فنبدله ونغيره.
وذلك أن يحول الحلال حراما، والمباح محظورا، والمحظور مباحا.
ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة.
فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ.اهـ[2]   • وقال السعدي- رحمه الله- مامختصره: النسخ: هو النقل، فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع، إلى حكم آخر، أو إلى إسقاطه، وكان اليهود ينكرون النسخ، ويزعمون أنه لا يجوز، وهو مذكور عندهم في التوراة، فإنكارهم له كفر وهوى محض. فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ، وأنه ما ينسخ من آية ﴿ أَوْ نُنْسِهَا ﴾ أي: ننسها العباد، فنزيلها من قلوبهم، ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ﴾ وأنفع لكم ﴿ أَوْ مِثْلِهَا ﴾.   فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل.   ثم قال: ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ، عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده، وإيصالهم إلى مصالحهم، من حيث لا يشعرون بلطفه.اهـ[3]   -وذكر ابن عثيمين في تفسيره لهذه الجزئية من الآية بياناً وافياً لمعناها اللغوي والشرعي..قال - رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ ننسخ من آية أو ننسها ﴾ بضمير الجمع للتعظيم؛ وليس للتعدد؛ لأن الله واحد؛ و"النسخ" معناه في اللغة: الإزالة؛ أو ما يشبه النقل؛ فالأول كقولهم: "نسخت الشمس الظل" يعني أزالته؛ والثاني كقولهم: "نسخت الكتاب"؛ إذ ناسخ الكتاب لم يزله، ولم ينقله؛ وإنما نقش حروفه، وكلماته؛ لأنه لو كان "نسخ الكتاب" يعني نقله كان إذا نسخته انمحت حروفه من الأول؛ وليس الأمر كذلك؛ أما في الشرع: فإنه رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل شرعي؛ و﴿ مِن ﴾ لبيان الجنس؛ لأن ﴿ ما ﴾ اسم شرط جازم مبهم؛ والمراد بـ "الآية" الآية الشرعية؛ لأنها محل النسخ الذي به الأمر والنهي دون الآية الكونية..   وقوله: ﴿ ننسها ﴾ من النسيان؛ وهو ذهول القلب عن معلوم؛ وأما ﴿ ننسأها ﴾ فهو من "النسأ"؛ وهو التأخير؛ ومعناه: تأخير الحكم، أو تأخير الإنزال؛ أي أن الله يؤخر إنزالها، فتكون الآية لم تنزل بعد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى أبدلها بغيرها؛ وأما على قراءة ﴿ ننسها ﴾ فهو من النسيان؛ بمعنى نجعل الرسول صلى الله عليه وسلم ينساها، كما في قوله تعالى: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعلى: 6، 7]؛ والمراد به هنا رفع الآية؛ وليس مجرد النسيان؛ لأن مجرد النسيان لا يقتضي النسخ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قد ينسى بعض الآية؛ وهي باقية كما في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه فقال له رجل: تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلَّا أذكرتنيها[4] "..اهـ[5]   • ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ قال ابن العثيمين في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ ألم تعلم ﴾ الهمزة هنا للاستفهام؛ والمراد به التقرير؛ وكلما جاءت على هذه الصيغة فالاستفهام فيها للتقرير، مثل: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1]؛ فقوله تعالى: ﴿ ألم تعلم ﴾ يقرر الله المخاطَب.
سواء قلنا: إنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أو كل من يتأتى خطابه.
بالاستفهام بأنه يعلم ﴿ أن الله على كل شيء قدير ﴾؛ يعني أنك قد علمت قدرة الله على كل شيء؛ ومنها القدرة على النسخ..   وقوله تعالى: ﴿ قدير ﴾: لما أريد بها الوصف جاءت على صيغة "فعيل"؛ لكن إذا أريد بها الفعل تكون بصيغة "الفاعل"، كما في قوله تعالى:  ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65]؛ و "القدرة" صفة تقوم بالقادر بحيث يفعل الفعل بلا عجز؛ و"القوة" صفة تقوم بالقوي بحيث يفعل الفعل بلا ضعف؛ إذاً المقابل للقدرة: العجز؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]؛ والمقابل للقوة: الضعف، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾ [الروم: 54]؛ والفرق الثاني بينهما: أن "القوة" يوصف بها من له إرادة، وما ليس له إرادة؛ فيقال: رجل قوي؛ وحديد قوي؛ وأما "القدرة" فلا يوصف بها إلا ذو إرادة؛ فلا يقال: حديد قادر..
اهـ[6]   ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107]
إعراب مفردات الآية [7] ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ ﴾ مر إعرابها في الآية السابقة مفردات وجملا ومصدرا مؤوّلا اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم ﴿ مُلْكُ ﴾ مبتدأ مؤخّر مرفوع ﴿ السَّمَاوَاتِ ﴾ مضاف إليه مجرور ﴿ الْأَرْضِ ﴾ معطوف بالواو على السموات مجرور مثله.
الواو استئنافيّة ( مَا ) نافية مهملة ( لَكُمْ ) مثل له متعلّق بمحذوف خبر مقدّم ( مِنْ دُونِ ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من وليّ- نعت تقدّم على المنعوت- ( اللَّهِ ) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور ( مِنْ ) حرف جرّ زائد ( وَلِيٍّ ) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر الواو عاطفة ( لَا ) زائدة لتأكيد النفي ( نَصِيرٍ ) معطوف بلفظه على وليّ تبعه في الجرّ.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ذكر ابن كثير في تفسيره للآية مانصه: يرشد تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه.
ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها تعالى، ثم ينهى عنه لما يعلمه تعالى..
فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا.
وامتثال ما أمروا.
وترك ما عنه زجروا.
وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم- لعنهم الله- في دعوى استحالة النسخ إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا.
اهـ[8]   • وقال ابن العثيمين في تفسير الآية أجمالاً ما نصه: قوله تعالى: ﴿ ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ﴾ أي أن الله وحده الذي له ملك السموات، والأرض: ملك الأعيان، والأوصاف، والتدبير؛ فأعيان السموات، والأرض، وأوصافها ملك لله؛ و"التدبير" يعني أنه تعالى يملك التدبير فيها كما يشاء: لا معارض له، ولا ممانع؛ و﴿ السموات ﴾ جمع سماء؛ ويُطلق على العلو، وعلى السقف المحفوظ.
وهو المراد هنا.؛ وهي سبع سموات كما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية؛ و﴿ الأرض ﴾ أي جنس الأرضين، فيشمل السبع كلها..   قوله تعالى: ﴿ وما لكم من دون الله ﴾ أي من سواه؛ ﴿ من ولي ﴾: فعيل بمعنى مفعل؛ أي ما من أحد يتولاكم فيجلب لكم الخير؛ ﴿ ولا نصير ﴾ أي ولا ناصر يدفع عنكم الشر؛ و﴿ مِن ﴾: حرف جر زائد إعراباً؛ ولكنه أصلي المعنى؛ إذ إن الغرض منه التنصيص على العموم؛ يعني ما لكم أيّ ولي ..اهـ[9]   ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة: 108]
إعراب مفردات الآية [10]: (أم) حرف ابتداء وهو المنقطع بمعنى بل والهمزة والاستفهام على معنى الإنكار (تريدون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون..
والواو فاعل (أن) حرف مصدريّ ونصب (تسألوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون..
والواو فاعل (رسول) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل من (أن) والفعل في محلّ نصب مفعول به عامله تريدون.
الكاف حرف جرّ، (ما) حرف مصدري (سئل) فعل ماض مبنيّ للمجهول (موسى) نائب فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف.
والمصدر المؤوّل (ما سئل) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق، أي: تسألوا رسولكم سؤالا كسؤال قوم موسى نبيّهم موسى.
(من) حرف جرّ (قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق ب (سئل).
الواو استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (يتبدّل) مضارع مجزوم فعل الشرط، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الكفر) مفعول به منصوب (بالإيمان) جارّ ومجرور متعلّق ب (يتبدّل)، الفاء رابطة لجواب الشرط (قد) حرف تحقيق (ضلّ) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (سواء) مفعول به منصوب (السبيل) مضاف إليه مجرور، من إضافة الصفة إلى الموصوف.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ ﴾ قال السعدي- رحمه الله: ينهى الله المؤمنين، أو اليهود، بأن يسألوا رسولهم ﴿ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ﴾ والمراد بذلك، أسئلة التعنت والاعتراض، كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [النساء: 153].   وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ فهذه ونحوها، هي المنهي عنها.   وأما سؤال الاسترشاد والتعلم، فهذا محمود قد أمر الله به كما قال تعالى ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ ويقررهم عليه، كما في قوله ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ و﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾ ونحو ذلك.اهـ   وزاد الشنقيطي بياناً فقال: لم يبين هنا هذا الذي سئل موسى من قبل ما هو؟ ولكنه بينه في موضع آخر، وذلك في قوله: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [النساء: 153].
اهـ[11]   • ﴿ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ﴾ فسرها ابن العثيمين -رحمه الله- فقال: قوله تعالى: ﴿ ومن يتبدل الكفر بالإيمان ﴾ أي يأخذ الكفر بديلاً عن الإيمان؛ ﴿ فقد ضل ﴾ أي تاه ﴿ سواء السبيل ﴾ أي وسط الطريق؛ يعني يخرج عن وسط الطريق إلى حافات الطريق، وإلى شعبها؛ وطريق الله واحد؛ وعليك أن تمشي في سواء الصراط.
أي وسطه.
حتى لا تعرض نفسك للضلال..اهـ[12]   ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109]
إعراب مفردات الآية [13]: (ودّ) فعل ماض (كثير) فاعل مرفوع (من أهل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لكثير (الكتاب) مضاف اليه مجرور (لو) حرف مصدري (يردّون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل و(كم) ضمير مفعول به.
والمصدر المؤوّل من (لو) والفعل في محلّ نصب مفعول به عامله (يودّ).   (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (يردّون)، (إيمان) مضاف اليه مجرور و(كم) مضاف إليه (كفارا) مفعول به ثان عامله يردّون بمعنى يصيّرون، (حسدا) مفعول لأجله منصوب عامله يردّون أو ودّ، (من عند) جارّ ومجرور متعلّق ب (حسدا)، (أنفس) مضاف إليه مجرور و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (ودّ)، (ما) مصدريّة (تبيّن) فعل ماض اللام حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تبيّن)، (الحقّ) فاعل مرفوع.
والمصدر المؤول (ما تبيّن) في محلّ جرّ مضاف إليه.
الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (اعفوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل، الواو عاطفة (اصفحوا) مثل اعفوا (حتّى) حرف غاية وجرّ (يأتي) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة وجوبا بعد حتى (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (بأمر) جارّ ومجرور متعلّق ب (يأتي)، والهاء مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يأتي..) في محلّ جرّ ب (حتى) متعلّق ب (اعفوا واصفحوا).
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بقدير (شيء) مضاف اليه مجرور (قدير) خبر إنّ مرفوع.اهـ
روائع البيان والتفسير: -سبب نزول هذه الآية ما روي عن عروة عن أسامة بن زيد أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ركب على حمار فقال لسعد: "ألم تسمع ما قال أبو الحباب -يريد عبدالله بن أبي- قال كذا وكذا" فقال سعد بن عبادة اعف عنه واصفح فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يعفون عن أهل الكتاب والمشركين فأنزل الله عز وجل ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.[14]   • ﴿ ود كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ قال ابن العثيمين- رحمه الله-في تفسير هذه الجزئية من الآية: قوله تعالى: ﴿ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً ﴾؛ ﴿ ود ﴾ بمعنى أحب؛ بل إن "الود" خالص المحبة؛ والمعنى: أن كثيراً من أهل الكتاب يودون بكل قلوبهم أن يردوكم كفاراً؛ أي يرجعوكم كفاراً؛ وعلى هذا فـ﴿ يردونكم ﴾ تنصب مفعولين؛ الأول: الكاف في ﴿ يردونكم ﴾؛ والثاني: ﴿ كفاراً ﴾؛ و﴿ أهل الكتاب ﴾ هم اليهود، والنصارى؛ والمراد بـ﴿ الكتاب ﴾ التوراة، والإنجيل؛ و﴿ لو ﴾ هنا مصدرية؛ وضابطها أن تقع بعد "ود" ونحوها؛ و﴿ من بعد إيمانكم ﴾ أي من بعد أن ثبت الإيمان في قلوبكم..   قوله تعالى: ﴿ حسداً ﴾ مفعول لأجله عامله: ﴿ ود ﴾؛ أي ودوا من أجل الحسد؛ يعني هذا الود لا لشيء سوى الحسد؛ لأن ما أنتم عليه نعمة عظيمة؛ وهؤلاء الكفار أعداء؛ والعدو يحسد عدوه على ما حصل له من نعمة الله؛ و "الحسد" تمني زوال نعمة الله على الغير سواء تمنى أن تكون له، أو لغيره، أو لا لأحد؛ فمن تمنى ذلك فهو الحاسد؛ وقيل: "الحسد" كراهة نعمة الله على الغير..   قوله تعالى: ﴿ من عند أنفسهم ﴾ أي هذه المودة التي يودونها ليست لله، ولا من الله؛ ولكن من عند أنفسهم..اهـ[15]   • ﴿ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ قال ابن كثير في تفسيره مانصه: قال أبو العالية: ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ من بعد ما تبين لهم أن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فكفروا به حسدا وبغيًا؛ إذ كان من غيرهم.
وكذا قال قتادة والربيع والسدي.   وقوله: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ مثل قوله تعالى: ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].   قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ نسخ ذلك قوله: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ وقوله: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29] فنسخ هذا عفوه عن المشركين.
وكذا قال أبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضًا قوله: ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾.اهـ[16]   • ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها مانصه: فمعنى الآية ههنا: إن الله- على كل ما يشاء بالذين وصفت لكم أمرهم من أهل الكتاب وغيرهم- قدير، إن شاء انتقم منهم بعنادهم ربهم، وإن شاء هداهم لما هداكم الله له من الإيمان، لا يتعذر عليه شيء أراده، ولا يتعذر عليه أمر شاء قضاءه، لأن له الخلق والأمر.اهـ[17]   ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾[البقرة: 110]
إعراب مفردات الآية [18]: الواو استئنافية (أقيموا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.
والواو فاعل (الصلاة) مفعول به منصوب الواو عاطفة (آتوا) مثل أقيموا (الزكاة) مفعول به منصوب.
الواو استئنافيّة (ما) اسم شرط جازم مبني في محلّ نصب مفعول به مقدّم (تقدّموا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (لأنفس) جارّ ومجرور متعلّق ب (تقدّموا) و(كم) ضمير مضاف إليه (من خير) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من ما، (تجدوا) مضارع مجزوم جواب الشرط، وعلامة الجزم حذف النون...
والواو فاعل والهاء مفعول به (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (تجدوا)، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
(إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) سبق إعراب نظيرها..
و(ما) اسم موصول أو حرف مصدري أو نكرة موصوفة.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ﴾ قال ابن العثيمين -رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ وأقيموا الصلاة ﴾ يعني أدوا الصلاة على وجه الكمال؛ لأن إقامة الشيء جعله قيماً معتدلاً مستقيماً؛ فمعنى ﴿ أقيموا الصلاة ﴾ أي ائتوا بها كاملة بشروطها، وواجباتها، وأركانها، ومكملاتها.   قوله تعالى: ﴿ وآتوا الزكاة ﴾ أي أعطوها؛ وهنا حذف المفعول الثاني؛ والتقدير: وآتوا الزكاة مستحقيها؛ و﴿ الزكاة ﴾ المفعول الأول؛ ومستحقوها قد بينهم الله في سورة براءة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ...
﴾ إلخ [التوبة: 60]..   و"الزكاة" في اللغة النماء، والزيادة؛ ومنه قولهم: "زكا الزرع" إذا نما، وزاد؛ وفي الشرع هي دفع مال مخصوص لطائفة مخصوصة تعبداً لله عز وجل؛ وسميت زكاة؛ لأنها تزكي الإنسان، كما قال الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]؛ فهي تزكي الإنسان في أخلاقه، وعقيدته، وتطهره من الرذائل؛ لأنها تخرجه من حظيرة البخلاء إلى حظيرة الأجواد، والكرماء؛ وتكفِّر سيئاته..اهـ[19]   • ﴿ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ قال البغوي في تفسيرها إجمالاً ما نصه: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا ﴾ تسلفوا ﴿ لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ﴾ طاعة وعمل صالح ﴿ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ وقيل: أراد بالخير المال كقوله تعالى ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾ [البقرة: 180] وأراد من زكاة أو صدقه ﴿ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ حتى الثمرة واللقمة مثل أحد ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.اهـ[20]   وزاد أبو جعفر الطبري في بيان الجزئية الأخيرة من الآية بقوله: وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنهم مهما فعلوا من خير وشر سرا وعلانية، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرا، وبالإساءة مثلها.   وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدا ووعيدا، وأمرا وزجرا.
وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم، ليجدُّوا في طاعته، إذْ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه، كما قال: ﴿ وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ﴾، وليحذروا معصيته، إذْ كان مطلعا على راكبها، بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها، وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهي عنه، وما وعد عليه فمأمور به.   ثم قال-رحمه الله:وأما قوله:(بصير)، فإنه"مبصر" صُرِف إلى"بصير"، كما صرف"مبدع" إلى"بديع"، و"مؤلم" إلى"أليم".
اهـ[21]   ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]
إعراب مفردات الآية [22]: الواو استئنافيّة (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (لن) حرف نفي ونصب (يدخل) مضارع منصوب (الجنّة) مفعول به منصوب (إلا) أداة حصر (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (كان) فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (هودا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف للتفصيل (نصارى) معطوف على (هودا) منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف.
(تي) اسم إشارة مبنيّ على السكون الظاهر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب (أمانيّ) خبر مرفوع و(هم) ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه (قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (هاتوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل، (برهان) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (إن) حرف شرط جازم (كنتم) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط...
و(تم) ضمير اسم كان في محلّ رفع (صادقين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.اهـ   روائع البيان والتفسير: • قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها إجمالاً مامختصره: يعني جل ثناؤه بقوله:(وقالوا)، وقالت اليهود والنصارى:(لن يدخل الجنة).   فإن قال قائل: وكيف جمع اليهود والنصارى في هذا الخبر مع اختلاف مقالة الفريقين؛ واليهود تدفع النصارى عن أن يكون لها في ثواب الله نصيب، والنصارى تدفع اليهود عن مثل ذلك؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه.
وإنما عنى به: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا النصارى.
ولكن معنى الكلام لما كان مفهوما عند المخاطبين به معناه، جُمع الفريقان في الخبر عنهما، فقيل:( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) الآية أي قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.   ثم قال:عن قتادة: (هاتوا برهانكم)، هاتوا بينتكم.
وقال عن السدي:(هاتوا برهانكم)، هاتوا حجتكم.
وقال عن مجاهد:(قل هاتوا برهانكم)، قال: حجتكم.   ثم قال-رحمه الله: وهذا الكلام، وإن كان ظاهره ظاهر دعاء القائلين:(لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)- إلى إحضار حجة على دعواهم ما ادعوا من ذلك، فإنه بمعنى تكذيب من الله لهم في دعواهم وقيلهم، لأنهم لم يكونوا قادرين على إحضار برهان على دعواهم تلك أبدا.
وقد أبان قوله:( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)، عن أن الذي ذكرنا من الكلام، بمعنى التكذيب لليهود والنصارى في دعواهم ما ذكر الله عنهم.اهـ[23]   • وذكرابن العثيمين في تفسيره فائدة جليلة لهذه الآية قال-رحمه الله: إن ما ادعوه كذب؛ لقوله تعالى: ﴿ تلك أمانيهم ﴾؛ فعلى قول هؤلاء اليهود يكون النصارى والمسلمون لن يدخلوا الجنة؛ وقد سبق أن قالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ثم تخلفوننا فيها؛ وعلى قول النصارى لا يدخل اليهود ولا المسلمون الجنة؛ أما اليهود فصحيح: فإنهم كفروا بعيسى، وبمحمد؛ ومن كفر بهما فإنه لن يدخل الجنة؛ وأما بالنسبة للمسلمين فغير صحيح؛ بل المسلمون هم أهل الجنة؛ وأما اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أهل النار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"[24]؛ فالحاصل أن هذا القول- وهو قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى- كذب من الطرفين؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ تلك أمانيهم ﴾.
اهـ [25]   ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]
إعراب مفردات الآية [26]: (بلى) حرف جواب لإثبات ما نفوه (من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ (أسلم) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (وجه) مفعول به منصوب والهاء مضاف إليه (اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (أسلم)، الواو حاليّة (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (محسن) خبر مرفوع الفاء رابطة لجواب الشرط اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أجر) مبتدأ مؤخّر مرفوع والهاء مضاف إليه (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف حال من أجر (ربّ) مضاف إليه مجرور والهاء مضاف إليه الواو عاطفة (لا) نافية مهملة، (خوف) مبتدأ مرفوع (على) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر الواو عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يحزنون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ قال ابن العثيمين في تفسيرها مانصه: قوله تعالى: { بلى }: هذا إبطال للنفي في قولهم: { لن يدخل...
}
إلخ؛ وإن كان بعض المفسرين يقول: إن { بلى } هنا بمعنى "بل"؛ ولكن نقول: { بلى } هنا حرف جواب تفيد إبطال النفي؛ يعني لما قالوا: { لن يدخل الجنة...
}
إلخ قال الله تعالى: { بلى } أي يدخل الجنة من ليس هوداً، أو نصارى؛ وبينه بقوله تعالى: { من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره }؛ { من } شرطية؛ وهي مبتدأ؛ وجواب الشرط قوله تعالى: { فله أجره }؛ والمراد بـ "الوجه" القصد، والنية، والإرادة؛ "أسلمه لله" أي جعل اتجاهه، وقصده، وإرادته خالصاً لله عز وجل؛ وعبر بـ "الوجه" لأنه الذي يدل على قصد الإنسان؛ ولهذا يقال: أين كان وجه فلان؟ يعني: أين كان قصده، واتجاهه..   وقوله تعالى: { وهو محسن }: الجملة في محل نصب على الحال من فاعل { أسلم }؛ يعني: أسلم والحال أنه محسن.
أي متبع لشريعة الله ظاهراً، وباطناً...   قوله تعالى: { فله أجره } أي ثوابه؛ وشبَّهه بالأجر؛ لأن الله التزم به للعامل..   قوله تعالى: ﴿ عند ربه ﴾: أضاف العندية إليه لفائدتين: الفائدة الأولى: أنه عظيم؛ لأن المضاف إلى العظيم عظيم؛ ولهذا جاء في حديث أبي بكر الذي علمه الرسولُ صلى الله عليه وسلم إياه أنه قال: "فاغفر لي مغفرة من عندك[27] "..   والفائدة الثانية: أن هذا محفوظ غاية الحفظ، ولن يضيع؛ لأنك لا يمكن أن تجد أحداً أحفظ من الله؛ إذاً فلن يضيع هذا العمل؛ لأنه في أمان غاية الأمان..   وأضافه إلى وصف الربوبية ليبين كمال عناية الله بالعامل، وإثابته عليه؛ فالربوبية هنا من الربوبية الخاصة.
اهـ[28]   • ﴿ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وفسرها السعدي-رحمه الله فقال: فحصل لهم المرغوب، ونجوا من المرهوب.
ويفهم منها، أن من ليس كذلك، فهو من أهل النار الهالكين، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول.اهـ[29]   • وزاد ابن كثير في تفسيره في بيانها فقال- رحمه الله- بتصرف: فإن للعمل المتقبل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقا للشريعة.
فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يتقبل؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[30].   رواه مسلم من حديث عائشة[31]، عنه، عليه السلام.   ثم قال: فعمل الرهبان ومن شابههم- وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله-فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ [النور: 39].   • ثم قال بعد كلام: وأما إن كان العمل موافقًا للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضًا مردود على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء: 142]، وقال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4- 7] ثم قال: وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾.   وقوله: ﴿ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافونه من المحذور فـ ﴿ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ فيما يستقبلونه، ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما مضى مما يتركونه، كما قال سعيد بن جبير[32]: فـ ﴿ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني: في الآخرة ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ يعني: لا يحزنون للموت.اهـ[33]   ﴿ وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [البقرة: 113].
إعراب مفردات الآية [34]: الواو استئنافيّة (قالت) فعل ماض..
والتاء للتأنيث (اليهود) فاعل مرفوع (ليس) فعل ماض ناقص..
والتاء للتأنيث (النصارى) اسم ليس مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة (على شيء) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر ليس.
الواو عاطفة (قالت النصارى ليست اليهود على شيء) مثل نظيرتها المتقدّمة.
الواو حاليّة (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يتلون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (الكتاب) مفعول به منصوب.
الكاف حرف جرّ (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي قال الذين لا يعلمون قولا كذلك، (قال) فعل ماض (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (لا) نافية (يعلمون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (مثل) مفعول به عامله قال، منصوب، (قول) مضاف اليه مجرور و(هم) متّصل مضاف إليه الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (يحكم) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (يحكم) بتضمينه معنى يفصل، و(هم) متّصل مضاف إليه (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (يحكم)، (القيامة) مضاف اليه مجرور (في) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم)، (كانوا) ماض ناقص مبنيّ على الضمّ..
والواو اسم كان (في) حرف جرّ والهاء في محلّ جرّ متعلّق ب (يختلفون) وهو مضارع مرفوع..
والواو فاعل.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ ﴾ قال ابن العثيمين-رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ﴾ يعني على شيء من الدين.. وإنما قالت اليهود ذلك؛ لأنهم يكفرون بعيسى، ولا يرون شريعته ديناً؛ وقالت النصارى: ﴿ ليست اليهود على شيء ﴾؛ لأنهم يرون أن الدين الحق ما كانوا عليه، واليهود قد كفروا به؛ أما عن دعوى اليهود فإنها باطلة على كل تقدير؛ لأن النصارى بلا شك على دين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأما دعوى النصارى في اليهود فحق؛ لأن دينهم نسخ بما جاء به عيسى؛ إذ إنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بعيسى؛ فإذا كذبوه لم يكونوا على شيء من الدين؛ بل هم كفار..   قوله تعالى: ﴿ وهم يتلون الكتاب ﴾: الجملة هذه حالية؛ والضمير { هم } يعود على اليهود، والنصارى؛ يعني: والحال أن هؤلاء المدعين كلهم ﴿ يتلون الكتاب ﴾ يعني يقرؤونه؛ والمراد بـ﴿ الكتاب ﴾ الجنس، فيشمل التوراة، والإنجيل؛ و "كتاب" فعال بمعنى مفعول؛ لأن الكتب المنزلة من السماء تكتب وتُقرأ؛ ولا سيما أن التوراة كتبها الله بيده سبحانه وتعالى.اهـ[35]   • ﴿ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ • ﴿ كذلك قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ قال الشوكاني -رحمه الله في تفسيرها: قوله: المراد بهم: كفار العرب، الذين لا كتاب لهم قالوا: مثل مقالة اليهود اقتداءً بهم؛ لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم.
وقيل: المراد بهم طائفة من اليهود، والنصارى، وهم الذين لا علم عندهم، ثم أخبرنا سبحانه بأنه المتولى لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه، فيعذب من يستحق التعذيب، وينجي من يستحق النجاة.
اهـ[36]   • ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ وذكر ابن العثيمين في تفسيره فائدة جليلة قال-رحمه الله-: إثبات الحكم لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فالله يحكم بينهم ﴾؛ وحكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعي، وكوني، وجزائي؛ فالشرعي: مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ [الممتحنة: 10]؛ والكوني: مثل قوله تعالى عن أخي يوسف: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يوسف: 80]؛ والجزائي: مثل هذه الآية: ﴿ فالله يحكم بينهم يوم القيامة ﴾؛ والحكم الجزائي هو ثمرة الحكم الشرعي؛ لأنه مبني عليه: إن خيراً فخير؛ وإن شراً فشر؛ هذا الحكم يوم القيامة بين الناس إما بالعدل؛ أو بالفضل؛ ولا يمكن أن يكون بالظلم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، وقوله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً"[37]؛ هذا بالنسبة لحقوق الله؛ أما بالنسبة لحقوق الخلق فيما بينهم فيقضى بينهم بالعدل..   فإذا قال قائل: إذا كان الله تعالى يجزي المؤمنين بالفضل، فما الجواب عن قوله تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ﴾ [يونس: 4].   فالجواب: أن هذا هو الذي أوجبه الله على نفسه؛ والفضل زيادة؛ والمقام مقام تحذير..
اهـ[38]   • وفسر ابن كثير بقية الآية إجمالاً فقال:قوله تعالي: ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أي: أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة.
وهذا كقوله تعالى في سورة الحج: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [الحج: 17]، وكما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ:26].اهـ[39]   ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: 114].
إعراب مفردات الآية [40]: الواو استئنافيّة (من) اسم استفهام مبني في محلّ رفع مبتدأ (أظلم) خبر مرفوع (من) حرف جرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (أظلم)، (منع) فعل ماض والفاعل هو وهو العائد (مساجد) مفعول به منصوب (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (أن) حرف مصدريّ ونصب (يذكر) مضارع مبنيّ للمجهول منصوب (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يذكر)، (اسم) نائب فاعل مرفوع والهاء ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يذكر...) في محلّ نصب مفعول به ثان ل (منع)، الواو عاطفة (سعى) ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (في خراب) جارّ ومجرور متعلّق ب (سعى)، و(ها) ضمير مضاف إليه.
(أولاء) اسم اشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب (ما) نافية (كان) فعل ماض ناقص اللام حرف جرّ و(هم) متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أن) مثل الأول (يدخلوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون...
والواو فاعل و(ها) ضمير مفعول به (إلا) أداة حصر (خائفين) حال منصوبة من فاعل يدخلوها، وعلامة نصبه الياء.
والمصدر المؤوّل (أن يدخلوها) في محلّ رفع اسم كان مؤخّر.
اللام حرف جرّ (هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (في الدنيا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من خزي- نعت تقدّم على المنعوت-، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (خزي) مبتدأ مؤخّر مرفوع، الواو عاطفة (لهم في الآخرة عذاب) تعرب كنظيرتها...
(عظيم) نعت لعذاب مرفوع مثله.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ﴾ قال أبو جعفر الطبري بتصرف يسير: و"المساجد" جمع مسجد: وهو كل موضع عبد الله فيه.
ثم قال-رحمه الله- فمعنى"المسجد": الموضع الذي يسجد لله فيه، كما يقال للموضع الذي يجلس فيه:"المجلس"، وللموضع الذي ينزل فيه:"منزل"، ثم يجمع:"منازل ومجالس" نظير مسجد ومساجد.اهـ[41]   • وذكر السعدي في تفسيرها- رحمه الله- مامختصره: أي: لا أحد أظلم وأشد جرما، ممن منع مساجد الله، عن ذكر الله فيها، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات.   ﴿ وَسَعَى ﴾ أي: اجتهد وبذل وسعه ﴿ فِي خَرَابِهَا ﴾ الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة، فيدخل في ذلك أصحاب الفيل، وقريش، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس، وغيرهم من أنواع الظلمة، الساعين في خرابها، محادة لله، ومشاقة، فجازاهم الله، بأن منعهم دخولها شرعا وقدرا.اهـ[42]   • ﴿ أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ﴾ قال ابن العثيمين- رحمه الله في تفسيرها مانصه: قوله تعالى: ﴿ أولئك ﴾ اسم إشارة يعود إلى الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها؛ ﴿ ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ﴾ يحتمل ثلاثة معان: الأول: ما كان ينبغي لهؤلاء أن يدخلوها إلا خائفين فضلاً عن أن يمنعوا عباد الله؛ لأنهم كافرون بالله عز وجل؛ فليس لهم حق أن يدخلوا المساجد إلا خائفين.   الثاني: أن هذا خبر بمعنى النهي؛ يعني: لا تدعوهم يدخلوها - إذا ظهرتم عليهم- إلا خائفين.   الثالث: أنها بشارة من الله عز وجل أن هؤلاء الذين منعوا المساجد- ومنهم المشركون الذين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام- ستكون الدولة عليهم، ولا يدخلونها إلا وهم ترجف قلوبهم.   قوله تعالى: ﴿ لهم في الدنيا خزي ﴾ أي ذل، وعار ﴿ ولهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾ أي عقوبة عظيمة.اهـ[43]   ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 115]
إعراب مفردات الآية [44]: الواو استئنافيّة (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (المشرق) مبتدأ مؤخّر مرفوع، (المغرب) معطوف على المشرق بالواو مرفوع مثله الفاء عاطفة لربط المسبّب بالسبب (أينما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب على الظرفيّة المكانية متعلّق بالجواب (تولّوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل الفاء رابطة لجواب الشرط (ثمّ) ظرف مكان مبنيّ على الفتح في محلّ نصب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (وجه) مبتدأ مؤخّر مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إن منصوب (واسع) خبر مرفوع (عليم) خبر ثان مرفوع.اهـ
روائع البيان والتفسير: سبب نزول هذه الآية ماأخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج5 ص209 عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه وفيه نزلت ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾[45].   • ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها: يعني جل ثناؤه بقوله:(ولله المشرق والمغرب)، لله ملكهما وتدبيرهما، كما يقال:"لفلان هذه الدار"، يعني بها: أنها له، ملكا.
فذلك قوله:(ولله المشرق والمغرب)، يعني أنهما له، ملكا وخلقا.   و"المشرق" هو موضع شروق الشمس، وهو موضع طلوعها، كما يقال: لموضع طلوعها منه"مطلع" بكسر اللام.   فإن قال قائل: أو ما كان لله إلا مشرق واحد ومغرب واحد، حتى قيل:(ولله المشرق والمغرب)؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه، وإنما معنى ذلك: ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم، والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم.
فتأويله إذْ كان ذلك معناه: ولله ما بين قطري المشرق، وما بين قطري المغرب، إذ كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده، وكذلك غروبها كل يوم.   فإن قال: أو ليس وإن كان تأويل ذلك ما ذكرت، فلله كل ما دونه [46] الخلق خلقه! قيل: بلى!   فإن قال: فكيف خص المشارق والمغارب بالخبر عنها أنها له في هذا الموضع، دون سائر الأشياء غيرها؟
قيل: قد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله خص الله ذكر ذلك بما خصه به في هذا الموضع.
ونحن مبينو الذي هو أولى بتأويل الآية بعد ذكرنا أقوالهم في ذلك.
فقال بعضهم: خص الله جل ثناؤه ذلك بالخبر، من أجل أن اليهود كانت توجه في صلاتها وجوهها قبل بيت المقدس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مدة، ثم حولوا إلى الكعبة.
فاستنكرت اليهود ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال الله تبارك وتعالى لهم: المشارق والمغارب كلها لي، أصرف وجوه عبادي كيف أشاء منها، فحيثما تُوَلوا فثم وجه الله.اهـ[47]   • وقال السعدي-رحمه الله في تفسير بقية الآية: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا ﴾ وجوهكم من الجهات، إذا كان توليكم إياها بأمره، إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس، أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها، فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة، فيتحرى الصلاة إليها، ثم يتبين له الخطأ، أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك، فهذه الأمور، إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا.   وبكل حال، فما استقبل جهة من الجهات، خارجة عن ملك ربه.   ﴿ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ص 64] فيه إثبات الوجه لله تعالى، على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه، وهو- تعالى- واسع الفضل والصفات عظيمها، عليم بسرائركم ونياتكم.   فمن سعته وعلمه، وسع لكم الأمر، وقبل منكم المأمور، فله الحمد والشكر.اهـ[48]   • ﴿ إن الله واسع عليم ﴾ قال ابن العثيمين في بيانها مانصه: «الواسع» يعني واسع الإحاطة، وواسع الصفات؛ فهو واسع في علمه، وفي قدرته، وسمعه، وبصره، وغير ذلك من صفاته؛ و﴿ عليم ﴾ أي ذو علم؛ وعلمه محيط بكل شيء.اهـ[49]   ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ [البقرة: 116]
إعراب مفردات الآية [50]: الواو استئنافيّة (قالوا) فعل وفاعل (اتّخذ) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (ولدا) مفعول به منصوب- وهو المفعول الثاني، أمّا الأول فمحذوف تقديره بعض مخلوقاته- (سبحان) مفعول مطلق لفعل محذوف منصوب والهاء مضاف إليه (بل) حرف إضراب وابتداء اللام حرف جرّ الهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر (في السموات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة ما (الأرض) معطوف على السموات بالواو مجرور مثله (كلّ) مبتدأ مرفوع (له) مثل الأول متعلّق ب (قانتون) وهو خبر المبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ ﴾ قال السعدي-رحمه الله في تفسيرها: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي: اليهود والنصارى والمشركون، وكل من قال ذلك: ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ فنسبوه إلى ما لا يليق بجلاله، وأساءوا كل الإساءة، وظلموا أنفسهم.   وهو- تعالى- صابر على ذلك منهم، قد حلم عليهم، وعافاهم، ورزقهم مع تنقصهم إياه.   ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ أي: تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون مما لا يليق بجلاله، فسبحان من له الكمال المطلق، من جميع الوجوه، الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه.اهـ[51]   • ﴿ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ﴾ قال ابن العثيمين مامختصره: قال تعالى مبطلاً هذه الدعوى: ﴿ بل له ما في السموات والأرض ﴾؛ ومن له ملك السموات والأرض، لا يحتاج إلى ولد؛ ولأنه لو كان له ولد لكان الولد مماثلاً له؛ والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.اهـ[52]   قلت: وفسر أبو جعفر الطبري المقصود بالقنوت في قوله تعالي(كل له قانتون) ببيان شافي جلي وهذا نص كلامه-رحمه الله تعالي-قال: "وأولى معاني "القنوت" في قوله:(كل له قانتون)، الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة، والدلالة على وحدانية الله عز وجل، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها.
وذلك أن الله جل ثناؤه أكذب الذين زعموا أن لله ولدا بقوله:(بل له ما في السموات والأرض)، ملكا وخلقا.
ثم أخبر عن جميع ما في السموات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها، وأن الله تعالى بارئها وصانعها.
وإن جحد ذلك بعضهم، فألسنتهم مذعنة له بالطاعة، بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك، وأن المسيح أحدهم، فأنى يكون لله ولدا وهذه صفته؟"   قوله تعالى: ﴿ كل له قانتون ﴾ أي كل له خاشع ذليل؛ لأنه مملوك؛ والله تبارك وتعالى هو المالك؛ وهذا من الاستدلال بالعقل على كذب دعوى هؤلاء أن له سبحانه وتعالى ولداً.اهـ[53]   ﴿ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [سورة البقرة: 117].
إعراب مفردات الآية [54]: (بديع) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو (السموات) مضاف إليه مجرور (الأرض) معطوف بالواو على السموات مجرور مثله، الواو عاطفة (إذا) ظرف للمستقبل يتضمّن معنى الشرط متعلّق بالجواب (قضى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (أمرا) مفعول به منصوب الفاء رابطة لجواب الشرط (إنّما) كافّة ومكفوفة (يقول) مضارع مرفوع والفاعل هو اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جر متعلّق ب (يقول)، (كن) فعل أمر تام والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت الفاء عاطفة لربط المسبّب بالسبب (يكون) مضارع مرفوع تام، والفاعل هو.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ﴾ قال ابن كثير في تفسيرها مامختصره: أي: خالقهما على غير مثال سبق، قال مجاهد والسدي: وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدث: بدعة.
كما جاء في الصحيح لمسلم: "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة [55]..اهـ.   • ﴿ وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ﴾ ذكر ابن العثيمين في تفسيرها مانصه: أي إذا أراد أن يقضي أمراً؛ والفعل يأتي بمعنى إرادته المقارنة له، مثل قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98] أي إذا أردت قراءته؛ والدليل على تأويل ﴿ قضى ﴾ بمعنى «أراد أن يقضي» هو قوله تعالى في آية أخرى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]؛ على أنه يصلح أن يكون ﴿ إذا قضى أمراً...
﴾ بمعنى إذا فعل شيئاً فإنما يقول تعالى له عند فعله: ﴿ كن فيكون ﴾؛ يعني أن فعله سبحانه وتعالى للشيء يكون بعد قوله عز وجل: ﴿ كن ﴾ من غير تأخر؛ لأنه ليس أمراً شاقاً عليه؛ و﴿ أمراً ﴾ واحد الأمور؛ يعني الشؤون؛ أي إذا قضى شأناً من شؤونه سبحانه وتعالى فإن ذلك لا يصعب عليه: ﴿ فإنما يقول له كن ﴾؛ أي لا يقول له إلا «كن» مرة واحدة بدون تكرار؛ و﴿ كن ﴾ هنا تامة من «كان» بمعنى حدث؛ ﴿ فيكون ﴾ أي فيحدث كما أمره الله سبحانه وتعالى على ما أراد الله عز وجل.اهـ[56]   ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 118]
إعراب مفردات الآية [57]: الواو عاطفة (قال) فعل ماض (الذين) اسم موصول فاعل (لا) نافية (يعلمون) فعل مضارع مرفوع..
والواو فاعل (لولا) حرف تحضيض (يكلّم) مضارع مرفوع و(نا) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (أو) حرف عطف (تأتي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة و(نا) مفعول به (آية) فاعل مرفوع (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) مرّ إعراب نظيرها، (تشابه) فعل ماض والتاء للتأنيث (قلوب) فاعل مرفوع و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه (قد) حرف تحقيق (بيّنا) فعل ماض مبنيّ على السكون..
ونا فاعل (الآيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (لقوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (بيّنا)، (يوقنون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ ﴾ ذكر السعدي -رحمه الله-في تفسيره مامختصره: أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم: هلا يكلمنا، كما كلم الرسل، ﴿ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ﴾ يعنون آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الكاسدة، التي تجرأوا بها على الخالق، واستكبروا على رسله كقولهم: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ﴾ الآية، وقالوا: ﴿ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾ الآيات وقوله: ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا ﴾ الآيات.   فهذا دأبهم مع رسلهم، يطلبون آيات التعنت، لا آيات الاسترشاد، ولم يكن قصدهم تبين الحق، فإن الرسل، قد جاءوا من الآيات، بما يؤمن بمثله البشر..اهـ[58]   • ﴿ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ قال ابن العثيمين في تفسيرها: أي مثلَ هذا القول قال الذين من قبلهم؛ وعلى هذا يكون ﴿ مثل قولهم ﴾ توكيداً لقوله تعالى: ﴿ كذلك ﴾؛ أي مثل هذا القول الذي اقترحوه قد اقترحه من قبلهم: قوم موسى قالوا: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة: 55]؛ فهذا دأب المكذبين للرسل ينكرون، ويقترحون؛ وقد أُتوا من الآيات بأعظم مما اقترحوه.   قوله تعالى: ﴿ تشابهت قلوبهم ﴾: الأولون، والآخرون قلوبهم متشابهة في رد الحق، والعناد، والتعنت، والجحود؛ من أول ما بعثت الرسل إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم بل وإلى يوم القيامة فقلوب أهل الكفر، والعناد متشابهة؛ إنما يختلف الأسلوب؛ قد يقترح هؤلاء شيئاً؛ وهؤلاء شيئاً آخر؛ لكن الكلام على جنس الاقتراح، وعدم قبولهم للحق.اهـ[59]   قلت: وزاد أبو جعفر الطبري في تفسيره لقوله تعالي ﴿ وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ بياناً شافياً فقال -رحمه الله:   معنى الآية وقالت النصارى، الجهال بالله وبعظمته: هلا يكلمنا الله ربنا، كما كلم أنبياءه ورسله، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه: فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم، قال من قبلهم من اليهود، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة، ويؤتيهم آية، واحتكموا عليه وعلى رسله، وتمنوا الأماني.
فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها.اهـ[60].   • ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ قال ابن كثير في تفسيره مانصه: أي: قد وضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر وزيادة أخرى، لمن أيقن وصدق واتبع الرسل، وفهم ما جاؤوا به عن الله تبارك وتعالى.
وأما من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة فأولئك الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ﴾ [يونس: 96، 97].اهـ[61]   ﴿ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ﴾ [سورة البقارة: 119].
إعراب مفردات الآية [62]: (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(نا) ضمير متّصل في محلّ نصب اسم إنّ (أرسلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(نا) فاعل والكاف ضمير مفعول به (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الفاعل أو المفعول (بشيرا) حال منصوبة من المفعول (نذيرا) معطوف بالواو على (بشيرا) منصوب مثله.
الواو عاطفة (لا) نافية (تسأل) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (عن أصحاب) جارّ ومجرور متعلّق ب (تسأل)، (الجحيم) مضاف إليه مجرور.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ قال السعدي في تفسيرها- رحمه الله-مانصه: فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها، وهي ترجع إلى ثلاثة أمور: الأول: في نفس إرساله، والثاني: في سيرته وهديه ودله، والثالث: في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة.   فالأول والثاني، قد دخلا في قوله: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ﴾ والثالث دخل في قوله: ﴿ بِالْحَقِّ ﴾.   وبيان الأمر الأول وهو- نفس إرساله- أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران، والصلبان، وتبديلهم للأديان، حتى كانوا في ظلمة من الكفر، قد عمتهم وشملتهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، قد انقرضوا قبيل البعثة.   وقد علم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدى، ولم يتركهم هملا لأنه حكيم عليم، قدير رحيم، فمن حكمته ورحمته بعباده، أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم، يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له، فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه، وهو آية كبيرة على أنه رسول الله، وأما الثاني: فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال، ثم من بعد ذلك، قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسبر أحواله، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأن الله تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم.   وأما الثالث: فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم، والقرآن الكريم، المشتمل على الإخبارات الصادقة، والأوامر الحسنة، والنهي عن كل قبيح، والمعجزات الباهرة، فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة.   قوله: ﴿ بَشِيرًا ﴾ أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية، ﴿ نَذِيرًا ﴾ لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي..
اهـ[63]   قلت: وذكر ابن العثيمين فائدة جليلة عن هذه الجزئية من الآية فقال- رحمه الله: "إن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم متضمنة لأمر، ونهي، وتبشير، وإنذار؛ لقوله تعالى: ﴿ بشيراً ونذيراً ﴾؛ والحكمة من ذلك ظاهرة؛ وذلك لأن الإنسان قد يهون عليه فعل الأوامر، ويشق عليه ترك المنهيات؛ أو بالعكس؛ فلو كانت الشريعة كلها أوامر ما تبين الابتلاء في كفّ الإنسان نفسه عن المحارم، ولو كانت كلها نواهي ما تبين ابتلاء الإنسان بحمل نفسه على الأوامر؛ فكان الابتلاء بالأمر، والنهي غاية الحكمة؛ فالشيخ الكبير يهون عليه ترك الزنى؛ ولذلك كانت عقوبته على الزنى أشد من عقوبة الشاب؛ المهم أن الابتلاء لا يتم إلا بتنويع التكليف؛ فمثلاً الصلاة تكليف بدني؛ والزكاة بذل للمحبوب؛ والصيام ترك محبوب؛ والحج تكليف بدني، ومالي.
"اهـ[64]   • ﴿ وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها مامختصره: قرأت عامة الْقَرَأَة: ﴿ ولا تسئل عن أصحاب الجحيم ﴾، بضم"التاء" من"تسئل"، ورفع"اللام" منها على الخبر، بمعنى: يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغت ما أرسلت به، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسئولا عمن كفر بما أتيته به من الحق، وكان من أهل الجحيم.   وقرأ ذلك بعض أهل المدينة:(ولا تَسألْ) جزما.
بمعنى النهي، مفتوح"التاء" من"تسأل"، وجزم"اللام" منها.
ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا لتبلغ ما أرسلت به، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، فلا تسأل عن حالهم.اهـ[65]   ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]
إعراب مفردات الآية [66]: الواو عاطفة (لن) حرف نفي ونصب (ترضى) مضارع منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة على الألف (عن) حرف جرّ والكاف ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ترضى)، (اليهود) فاعل مرفوع الواو عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (النصارى) معطوف على اليهود بالواو مرفوع مثله وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة (حتّى) حرف غاية وجرّ (تتّبع) فعل مضارع منصوب ب (أنّ) مضمرة بعد حتّى، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (ملّة) مفعول به منصوب و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن تتّبع) في محلّ جرّ ب (حتّى) متعلّق ب (ترضى).
(قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (انّ) حرف مشبّه بالفعل (هدى) اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (هو) ضمير فصل، (الهدى) خبر إن مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة.
الواو استئنافيّة اللام موطئة للقسم (ان) حرف شرط جازم (اتّبع) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط..
والتاء فاعل (أهواء) مفعول به منصوب و(هم) ضمير متّصل مضاف اليه (بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (اتّبعت)، الذي اسم موصول في محلّ جرّ مضاف إليه (جاء) فعل ماض والكاف ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من العلم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل جاء (ما) نافية اللام حرف جرّ والكاف ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من وليّ- نعت تقدّم على المنعوت- (من) حرف جرّ زائد (وليّ) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر الواو عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (نصير) معطوف على لفظ (وليّ) مجرور مثله.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها: وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم.
ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية في شخص واحد في حال واحدة، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك، إلا أن تكون يهوديا نصرانيا، وذلك مما لا يكون منك أبدا، لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة.
وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل.
وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجمع الخلق إلى الألفة عليه سبيل.اهـ[67]   • ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ ذكرالسعدي في تفسيره مانصه:   يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى، إلا باتباعه دينهم، لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى، فقل لهم: ﴿ إِنَّ هُدَى اللَّهِ ﴾ الذي أرسلت به ﴿ هُوَ الْهُدَى ﴾.   وأما ما أنتم عليه، فهو الهوى بدليل قوله ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾.   فهذا فيه النهي العظيم، عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.اهـ[68]   وذكر ابن العثيمين -رحمه الله- في تفسيره للآية فائدة جليلة قال: "أن ما عليه اليهود والنصارى ليس ديناً؛ بل هو هوى؛ لقوله تعالى: ﴿ أهواءهم ﴾؛ ولم يقل ملتهم كما في الأول؛ ففي الأول قال تعالى: ﴿ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ﴾؛ لأنهم يعتقدون أنهم على ملة، ودين؛ ولكن بيَّن الله تعالى أن هذا ليس بدين، ولا ملة؛ بل هوى؛ وليسوا على هدًى؛ إذ لو كانوا على هدى لوجب على اليهود أن يؤمنوا بالمسيح عيسى بن مريم؛ ولوجب عليهم جميعاً أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لكن دينهم هوى، وليس هدًى؛ وهكذا كل إنسان يتبع غير ما جاءت به الرسل عليهم الصلوات والسلام، ويتعصب له؛ فإن ملته هوى، وليست هدًى.اهـ[69]   ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 121]
إعراب مفردات الآية [70]: (الذين) موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (آتينا) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(نا) فاعل (هم) ضمير متصل مفعول به (الكتاب) مفعول به ثان منصوب (يتلون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل والهاء مفعول به (حقّ) مفعول مطلق نائب عن المصدر لأنه صفة المصدر في الأصل (تلاوة) مضاف إليه مجرور والهاء مضاف إليه في محلّ جرّ.
(أولاء) اسم إشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب (يؤمنون) مضارع مرفوع.
والواو فاعل الباء حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يؤمنون).
الواو عاطفة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (يكفر) مضارع مجزوم فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (به) مثل الأول متعلّق ب (يكفر) الفاء رابطة لجواب الشرط (أولاء) مثل الأول والكاف حرف خطاب (هم) ضمير فصل، (الخاسرون) خبر المبتدأ أولئك مرفوع وعلامة الرفع الواو.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ﴾ قال السعدي في تفسيره للآية مانصه: يخبر تعالى أن الذين آتاهم الكتاب، ومنَّ عليهم به منة مطلقة، أنهم ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ﴾ أي: يتبعونه حق اتباعه، والتلاوة: الاتباع، فيحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، وهؤلاء هم السعداء من أهل الكتاب، الذين عرفوا نعمة الله وشكروها، وآمنوا بكل الرسل، ولم يفرقوا بين أحد منهم..
اهـ[71]   • ﴿ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ﴾ قال ابن العثيمين في فوائد تفسيره لهذه الجزئية من الآية مانصه: أن الكافر بالقرآن مهما أصاب من الدنيا فهو خاسر؛ لقوله تعالى: ﴿ ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ﴾؛ يكون خاسراً ولو نال من الدنيا من أموال، وبنين، ومراكب فخمة، وقصور مشيدة؛ لأن هذه كلها سوف تذهب، وتزول؛ أو هو يزول عنها، ولا تنفعه؛ واذكر قصة قارون، واتل قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]؛ فإذاً يصدق عليهم أنهم هم الخاسرون، كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: 9]؛ ولما كان الذي يتلهى بذلك عن ذكر الله يظن أنه يربح قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9] يعني: ولو ربحوا في دنياهم.اهـ[72]  

[1]- انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /226 ) [2]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 471 /1744 ) [3]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1/ 61 ) [4]- قال الألباني في صحيح أبو داود حديث حسن برقم/163- باب الفتح على الامام في الصلاة- الناشر: مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت [5]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 259) [6]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 260 ) [7]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /228 ) [8]- تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /378 ) [9]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 /263 ) [10]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /229 ) [11]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 /62 ) [12]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 266) [13]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /231 ) [14]- قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- بتحقيقه- ص(19 )-الطبعة الرابعة- الحديث رجاله ثقات فابن أبي عاصم حافظ كبير ترجمته في تذكرة الحفاظ ج2 ص640 والباقون في تهذيب والتهذيب والحديث في الصحيح من طريق شعيب بن أبي حمزة بهذا السند لكن ليس في الصحيح سبب النزول هكذا في تفسير ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ج1 ص135 [15]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين ( 3 /268 ) [16]- تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /383 ) [17]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 /504 / 1800 ) [18]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /133 ) [19]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 273 ) [20]- معالم التنزيل للبغوي- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /136 ) [21]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 506 /1801 ) [22]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /234 ) [23]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 507 / 1800 ) [24]- أخرجه مسلم برقم/ 218-بَاب وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ [25]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 275 ) [26]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /237 ) [27]- أخرجه مسلم برقم/4876-بَاب اسْتِحْبَابِ خَفْضِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ والبخاري برقم/790- باب الدعاء قبل السلام وتمام متنه" عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا وَقَالَ قُتَيْبَةُ كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [28]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 277 ) [29]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 62 ) [30]- سبق تخريجه [31]- عائشة بنت الصديق أبي بكر التيمية أم المؤمنين بنت الإمام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية، التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي- صلى الله عليه وسلم- أفقه نساء الأمة على الإطلاق. وأمها: هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة الكنانية. هاجر بعائشة أبواها، وتزوجها نبي الله بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا، وقيل: بعامين. ودخل بها في شوال سنة اثنتين، منصرفه- عليه الصلاة والسلام- من غزوة بدر، وهي ابنة تسع. فروت عنه: علما كثيرا، طيبا، مباركا فيه. وكانت امرأة بيضاء جميلة، يقال لها: الحميراء، ولم يتزوج النبي- صلى الله عليه وسلم- بكرا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- بل ولا في النساء مطلقا امرأة أعلم منها. سير أعلام النبلاء بتصرف (4 /102) [32] سعيد بن جبير الاسدي، بالولاء، الكوفي، أبو عبدالله (45- 95 هـ = 665- 714 م) تابعي، كان أعلمهم على الاطلاق. وهو حبشي الأصل، أخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر.
ثم كان ابن عباس، إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، قال: أتسألونني وفيكم ابن أم دهماء؟ يعني سعيدا.
ولما خرج عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث، على عبد الملك بن مروان، كان سعيد معه إلى أن قتل عبد الرحمن، فذهب سعيد إلى مكة، فقبض عليه واليها (خالد القسري) وأرسله إلى الحجاج، فقتله بواسط.
قال الإمام أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيدا وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه.
–الأعلام للزركلي بتصرف(3 /993) [33]- تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(1 /385 ) [34]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /238 ) [35]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 279) [36]- فتح القدير للشوكاني- مصدر الكتاب: موقع التفاسير( 1 / 164 ) [37]- أخرجه مسلم برقم/ 4674- بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ-رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. [38]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 381) [39]- تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(1 / 387 ) [40]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /240 ) [41]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 519 /1819 ) [42]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 63) [43]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 1 ) [44]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /243 ) [45]- قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- بتحقيقه- ص( 20)-الطبعة الرابعة- الحديث أخرجه الترمذي في التفسير ج4 ص68، والنسائي ج1 ص196، وأحمد في المسند ج2 ص20، وابن جرير ج1 ص503، وقال الترمذي حديث حسن صحيح. [46]- قوله: "فلله كل ما دونه"، أي كل ما سواه من شيء. [47]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 526 / 1832 ) [48]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 / 63 ) [49]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 8 ) [50]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /244 ) [51]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة( 1 / 64) [52]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /10 ) [53]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 539 /1857 ) [54]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /245 ) [55]- صحيح مسلم برقم (1435) من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنه - بَاب تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِأ - وأنظر تفسير القرآن العظيم لأبن كثير - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(1 / 398 )   [56]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 11 ) [57]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /247 ) [58]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي - الناشر: مؤسسة الرسالة(1 /54 ) [59]- تفسير العلامة محمد العثيمين - مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 15) [60]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 556 / 1874 ) [61]- تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(1 / 400 ) [62]- انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /248 ) [63]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1 /64 ) [64]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 21 ) [65]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 558 /1874 ) [66]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /249) [67]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 /562 /1877 ) [68]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /64) [69]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 24 ) [70]- أنظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1/251 ) [71]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 / 65 ) [72]- تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /28 )



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن