أرشيف المقالات

تفسير ربع: سيقول السفهاء من الناس (الربع التاسع من سورة البقرة)

مدة قراءة المادة : 101 دقائق .
2تفسير ربع: سيقول السفهاء من الناس (الربع التاسع من سورة البقرة)
قال الله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا ولاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ (142). إعراب مفردات الآية[1] (السين) حرف استقبال (يقول) مضارع مرفوع (السفهاء) فاعل مرفوع (من الناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من السفهاء (ما) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ (ولّى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و(هم) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن قبلة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ولّاهم)، و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه (التي) اسم موصول في محلّ جرّ نعت لقبلة (كانوا) فعل ماض ناقص مبنيّ على الضمّ..
والواو اسم كان (على) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر كانوا، على حذف مضاف أي على توجّهها.
(قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (المشرق) مبتدأ مؤخّر مرفوع (المغرب) معطوف على المشرق بحرف العطف مرفوع مثله (يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به (يشاء) مضارع مرفوع والفاعل هو أي اللّه، ومفعول يشاء محذوف تقديره "هدايته" (إلى صراط) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يهدي) (مستقيم) نعت لصراط مجرور مثله.
روائع البيان والتفسير جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي– رحمه الله - في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول - عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ فقال رجال من المسلمين وددنا لو علمنا علم من مات قبل أن نصرف إلى القبلة فأنزل الله ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ وقال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ إلى آخر الآية.ا هـ[2]
﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله - في تفسيرها: قيل المراد بالسفهاء ها هنا: المشركون؛ مشركو العرب، قاله الزجاج.
وقيل: أحبار يهود، قاله مجاهد.
وقيل: المنافقون، قاله السدي.
والآية عامة في هؤلاء كلهم، والله أعلم.اهـ[3]
﴿ مَا ولاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾- قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري- رحمه الله -: يعني بقوله جل ثناؤه:"ما ولاهم": أيُّ شيء صَرَفهم عن قبلتهم؟ وهو من قول القائل: "ولاني فلان دُبُره"، إذا حوّل وجهه عنه واستدبره، فكذلك قوله:"ما ولاهم"؟ أيّ شيء حَوَّل وُجُوههم؟
ثم قال: وأما قوله:"عن قبلتهم"، فإن "قبلة" كل شيء ما قابلَ وجهه.
وإنما هي"فِعْلة" بمنزلة "الجلسة والقِعْدة"، من قول القائل."قابلت فلانًا"، إذا صرتُ قُبالته أقابله، فهو لي "قبلة" وأنا له "قبلة"، إذا قابل كلّ واحد منهما بوجهه وجهَ صاحبه.
ثم ذكر - رحمه الله - المراد بالآية إجمالاً فقال: فتأويل الكلام إذًا -إذْ كان ذلك معناه: سيقول السفهاء من الناس لكم، أيها المؤمنون بالله ورسوله، - إذا حوّلتم وجوهكم عَن قبلة اليهود التي كانتْ لكم قبلةً قَبلَ أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شَطْر المسجد الحرام -: أيّ شيء حوّل وُجوه هؤلاء، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم؟
فأعلم الله جل ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم، مَا اليهودُ والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام، وعلّمه ما ينبغي أن يكون من ردِّه عليهم من الجواب.
فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمد، فقل لهم: "لله المشرقُ والمغرب يَهدي مَنْ يَشاء إلى صرَاط مستقيم".اهـ[4]
وأضاف السعدي – رحمه الله – في بيان بقية الآية ما مختصره: فقال تعالى: ﴿ قُلْ ﴾ لهم مجيبا: ﴿ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ أي: فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله، ليس جهة من الجهات خارجة عن ملكه، ومع هذا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من ملة أبيكم إبراهيم، فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله، لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له؟ فهذا يوجب التسليم لأمره، بمجرد ذلك، فكيف وهو من فضل الله عليكم، وهدايته وإحسانه، أن هداكم لذلك فالمعترض عليكم، معترض على فضل الله، حسدا لكم وبغيا.اهـ [5]
﴿ وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلاَّ عَلَى الَذِينَ هَدَى اللَّهُ ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ (143) إعراب مفردات الآية[6] (الواو) عاطفة (كذا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول مطلق لفعل جعلنا [7]،، و(اللام) للبعد، و(الكاف) حرف خطاب (جعلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(نا) فاعل و(كم) ضمير مفعول به أوّل (أمّة) مفعول به ثان منصوب (وسطا) نعت لأمّة منصوب مثله (اللام) لام التعليل (تكونوا) مضارع ناقص منصوب بـ (أن) مضمرة بعد لام التعليل..
والواو اسم تكون (شهداء) خبر تكونوا منصوب ومنع التنوين لأنه على وزن فعلاء.
والمصدر المؤوّل (أن تكونوا) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (جعلنا). (على الناس) جارّ ومجرور متعلّق بشهداء.
(الواو) عاطفة (يكون) مضارع منصوب بـ (أن) (الرسول) اسم يكون مرفوع (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (شهيدا) وهو خبر يكون منصوب.
والمصدر المؤوّل (أن يكون) معطوفة على المصدر المؤوّل الأول ويتعلّق بما تعلّق به الأول.
(الواو) عاطفة (ما) نافية (جعلنا) مثل الأول (القبلة) مفعول به منصوب وهو المفعول الأول.
(التي) اسم موصول في محلّ نصب نعت لقبلة [8]، (كنت) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون..
و(التاء) اسم كان (عليها) مثل (عليكم) متعلّق بمحذوف خبر كنت (إلا) أداة حصر (اللام) للتعليل (نعلم) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد اللام، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (من) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به (يتّبع) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (الرسول) مفعول به منصوب (من) حرف جرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ [والجار والمجرور] متعلّق بـ (نعلم) متضمّنا معنى نميّز (ينقلب) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (على عقبي) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ينقلب) وعلامة الجرّ الياء و(الهاء) مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن نعلم) في محلّ جرّ بلام التعليل متعلّق بـ (جعلنا).
(الواو) حاليّة أو اعتراضيّة (إن) مخفّفة من الثقيلة واجبة الإهمال (كانت) فعل ماض ناقص و(التاء) للتأنيث، واسم كان ضمير مستتر تقديره هي أي التولية إلى الكعبة (اللام) هي الفارقة بين (إن) النافية و(إن) المخفّفة وهذه اللام لازمة (كبيرة) خبر كانت منصوب (إلا) أداة حصر (على) حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (كبيرة)، وقد اعتمد الحصر على تقدير النفي المفهوم من السياق أي: لا تسهل إلا على الذين هدى اللّه [9]، (هدى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف (اللّه) فاعل مرفوع، (الواو) عاطفة (ما) نافية (كان) مثل السابق (اللّه) لفظ الجلالة اسم كان مرفوع (اللام) لام الجحود أو النكران (يضيع) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد اللام، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (إيمان) مفعول به منصوب و(كم) ضمير متّصل مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يضيع) في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف خبر كان أي: ما كان اللّه راضيا لضياع إيمانكم.
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (بالناس) جارّ ومجرور متعلّق بـ (رؤوف ورحيم)، (اللام) هي المزحلقة تفيد التوكيد (رؤوف) خبر إنّ مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي– رحمه الله - قال: قال الإمام البخاري - رحمه الله - في التفسير "ج/9- ص/237" عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا.
وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل البيت رجال قتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.اهـ[10]
﴿ وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ - قال السعدي - رحمه الله - في تفسيرها ما مختصره: أي عدلا خيارا، وما عدا الوسط، فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة، وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى.
ثم قال: فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها.
ووهبهم الله من العلم والحلم، والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا ﴿ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ ليكونوا ﴿ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان، ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول، فهو مقبول، وما شهدت له بالرد، فهو مردود.
فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم، والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين لوجود التهمة، فأما إذا انتفت التهمة، وحصلت العدالة التامة، كما في هذه الأمة، فإنما المقصود الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك العلم والعدل، وهما موجودان في هذه الأمة، فقبل قولها.
فإن شك شاك في فضلها، وطلب مزكيا لها، فهو أكمل الخلق، نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: ﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾.اهـ [11]
﴿ ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلاَّ عَلَى الَذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ - قال الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيرها: ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرًا - بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون، وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا: ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154] فقوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ بعد قوله: (لِيَبْتَلِيَ) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا؛ لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار، وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه، ومعنى (إلا لنعلم) أي: علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس.
أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لا يخفى.اهـ[12]
وذكر ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره للآية ما نصه:يقول تعالى: إنما شرعنا لك – يا محمد - التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حالُ من يَتَّبعك ويُطيعك ويستقبل معك حيثما توجهتَ مِمَّن ينقلب على عَقبَيْه، أي: مُرْتَدّاً عندينه ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾ أي: هذه الفعلة، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنُوا بتصديق الرسُول، وأنَّ كلَّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرْية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلّف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكّاً، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾ [التوبة: 124،125] وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44] وقال تعالى: ﴿ وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
ولهذا كان مَنثَبَتَ على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك، وتوجه حيثُ أمره الله من غير شك ولا رَيْب، من سادات الصحابة.
وقد ذهب بعضُهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلّوا القبلتين.اهـ[13]
﴿ ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ - قال السعدي في بيانها ما نصه: أي ما ينبغي له ولا يليق به تعالى، بل هي من الممتنعات عليه، فأخبر أنه ممتنع عليه، ومستحيل، أن يضيع إيمانكم، وفي هذا بشارة عظيمة لمن مَنَّ الله عليهم بالإسلام والإيمان، بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم، فلا يضيعه، وحفظه نوعان: حفظ عن الضياع والبطلان، بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص من المحن المقلقة، والأهواء الصادة، وحفظ له بتنميته لهم، وتوفيقهم لما يزداد به إيمانهم، ويتم به إيقانهم، فكما ابتدأكم، بأن هداكم للإيمان، فسيحفظه لكم، ويتم نعمته بتنميته وتنمية أجره، وثوابه، وحفظه من كل مكدر، بل إذا وجدت المحن المقصود منها، تبيين المؤمن الصادق من الكاذب، فإنها تمحص المؤمنين، وتظهر صدقهم، وكأن في هذا احترازا عما قد يقال إن قوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم، فدفع هذا الوهم بقوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ بتقديره لهذه المحنة أو غيرها.
ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة، فإن الله لا يضيع إيمانهم، لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها، وطاعة الله، امتثال أمره في كل وقت، بحسب ذلك، وفي هذه الآية، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، أن الإيمان تدخل فيه أعمال الجوارح.
وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم، أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن امتحنهم امتحانا، زاد به إيمانهم، وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف البيوت، وأجلها.اهـ [14]
﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وإنَّ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ (144). إعراب مفردات الآية[15] (قد) حرف تكثير أي كثرة تقلّب وجه الرسول[16]، (نرى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (تقلّب) مفعول به منصوب (وجه) مضاف إليه مجرور و(الكاف) ضمير مضاف إليه (في السماء) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تقلّب) [17].
(الفاء) عاطفة لربط المسبب بالسبب (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (نولّينّ) مضار مبنيّ على الفتح في محلّ رفع..
و(النون) نون التوكيد و(الكاف) مفعول به أوّل والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (قبلة) مفعول به ثان منصوب (ترضى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت و(ها) ضمير مفعول به.
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (ولّ) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (وجه) مفعول به منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (شطر) ظرف مكان مبنيّ على الفتح في محلّ نصب متعلّق بـ (ولّ) [18]، (المسجد) مضاف إليه مجرور (الحرام) نعت للمسجد مجرور مثله (الواو) عاطفة (حيثما) اسم شرط جازم في محلّ نصب ظرف مكانمتعلّق بـ (ولّوا) أو بـ (كنتم) [19] وهو فعل ماض تام في محل جزم..
و(تم) ضمير فاعل كان (الفاء) رابطة لجواب الشرط (ولوا) فعل أمر مبني على حذف النون..
والواو فاعل (وجوه) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (شطر) مثل الأول متعلّق بـ (ولّوا) [20] و(الهاء) مضاف إليه.
(الواو) استئنافيّة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (أوتوا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ..
والواو نائب فاعل (الكتاب) مفعول به (اللام) هي المزحلقة للتوكيد (يعلمون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (أنّ) حرف مشبه بالفعل و(الهاء) ضمير اسم أنّ (الحقّ) خبر مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الحقّ (هم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها سدّ مسدّ مفعولي يعلمون.
(الواو) عاطفة (ما) نافية عاملة عمل ليس (اللّه) لفظ الجلالة اسم ما مرفوع (الباء) حرف جرّ زائد (غافل) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما (عن) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق بغافل والعائد محذوف [21]، (يعملون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي– رحمه الله - قال الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه "ج2 ص48" عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آلهوسلميحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله عز وجل ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ فتوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ فصلى مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل ثم خرج بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة.[22]
﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ ﴾ - قال السعدي - رحمه الله - في تفسيرها ما مختصره: يقول الله لنبيه: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ أي: كثرة تردده في جميع جهاته، شوقا وانتظارا لنزول الوحي باستقبال الكعبة، وقال: ﴿ وَجْهكَ ﴾ ولم يقل: "بصرك" لزيادة اهتمامه، ولأن تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ﴾ أي: نوجهك لولايتنا إياك، ﴿ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ أي: تحبها، وهي الكعبة، وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى الله عليه وسلم، حيث إن الله تعالى يسارع في رضاه، ثم صرح له باستقبالها فقال: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ والوجه: ما أقبل من بدن الإنسان، ﴿ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ ﴾ أي: من بر وبحر، وشرق وغرب، جنوب وشمال.
﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ أي: جهته.
ففيها اشتراط استقبال الكعبة، للصلوات كلها، فرضها، ونفلها، وأنه إن أمكن استقبال عينها، وإلا فيكفي شطرها وجهتها، وأن الالتفات بالبدن، مبطل للصلاة، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، ولما ذكر تعالى فيما تقدم، المعترضين على ذلك من أهل الكتاب وغيرهم، وذكر جوابهم، ذكر هنا، أن أهل الكتاب والعلم منهم، يعلمون أنك في ذلك على حق وأمر، لما يجدونه في كتبهم، فيعترضون عنادا وبغيا، فإذا كانوا يعلمون بخطئهم فلا تبالوا بذلك، فإن الإنسان إنما يغمه اعتراض من اعترض عليه، إذا كان الأمر مشتبها، وكان ممكنا أن يكون معه صواب.اهـ [23]
﴿ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وإنَّ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾- قال أبو جعفر الطبري: يعني جل ثناؤه بذلك: فأينما كنتم من الأرض أيها المؤمنون فحوِّلوا وجُوهكم في صلاتكم نَحو المسجد الحرام وتلقاءَه.
و"الهاء" التي في"شطرَه"، عائدة إلى المسجد الحرام.
فأوجب جل ثناؤه بهذه الآية على المؤمنين، فرضَ التوجُّه نحو المسجد الحرام في صلاتهم حيث كانوا من أرض الله تبارك وتعالى.
وأدخلت"الفاء" في قوله:"فولوا"، جوابًا للجزاء.
وذلك أن قوله:"حيثما كنتم" جزاء، ومعناه: حيثما تكونوا فولوا وجوهكم شطره.اهـ[24]
وذكر القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وإنَّ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ ما نصه: يريد اليهود والنصارى" لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ" يعني تحويل القبلة من بيت المقدس.
فإن قيل: كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم؟ قيل عنه جوابان: أحدهما- أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به.
الثاني- أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم، فصاروا عالمين بجواز القبلة.
اهـ[25]
﴿ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ ومعناها يحفظ عليهم أعمالهم، ويجازيهم عليها، وفيها وعيد للمعترضين، وتسلية للمؤمنين قاله السعدي.اهـ [26]
﴿ ولَئِنْ أَتَيْتَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ومَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ومَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إنَّكَ إذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ (145). إعراب مفردات الآية[27] (الواو) عاطفة (اللام) موطئة للقسم (إن) حرف شرط جازم، (أتى) فعل ماض مبنيّ على السكون في محل جزم فعل الشرط و(التاء) ضمير متصل في محل رفع فاعل (الذين) اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به (أوتوا) فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم..
والواو نائب فاعل (الكتاب) مفعول به منصوب (بكلّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أتيت)، (آية) مضاف إليه مجرور (ما) نافية (تبعوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (قبلة) مفعول به منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الواو) اعتراضيّة (ما) نافية عاملة عمل ليس (أنت) ضمير منفصل في محلّ رفع اسم ما (الباء) حرف جر زائد (تابع) مجرور لفظا منصوب محلا خبر ما، (قبلة) مفعول به لاسم الفاعل تابع منصوب و(هم) ضمير متّصل مضاف اليه (الواو) عاطفة (ما بعضهم بتابع قبلة بعض) تعرف كنظيرتها المتقدمة (الواو) عاطفة (لئن اتّبعت) مثل لئن أتيت (أهواء) مفعول به منصوب و(هم) ضمير مضاف إليه (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اتبعت)، (ما) اسم موصول مبني في محل جر مضاف إليه (جاء) فعل ماض و(الكاف) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (من العلم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل جاء (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(الكاف) ضمير في محل نصب اسم إنّ (إذا) بالتنوين أو بنون حرف جواب لا محلّ له من الإعراب (اللام) هي لام القسم الرابطة لجواب القسم مع القسم المقدر (من الظالمين) جار ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ، وعلامة الجرّ الياء، والنون عوضمن التنوين.
روائع البيان والتفسير ﴿ ولَئِنْ أَتَيْتَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ومَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ومَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ - قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله: يخبر تعالى عن كُفر اليهود وعنادهم، ومخالفتهم مايعرفونه من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به، لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ﴾ [يونس: 96، 97] ولهذا قال هاهنا: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾.
وقوله ﴿ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ إخبار عن شدة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى به، وأنه كما هم مُسْتَمْسكون بآرائهم وأهوائهم، فهو أيضًا مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته، وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله، وما كان متوجها إلى بيت المقدس؛ لأنها قبلة اليهود، وإنما ذلك عن أمر الله تعالى.اهـ[28]
﴿ ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إنَّكَ إذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾. قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله - في بيانها ما مختصره: ولئن التمست يا محمد رضَا هؤلاء اليهود والنصارى، الذين قالوا لك ولأصحابك:"كونوا هُودًا أو نصارى تهتدوا"، فاتبعتَ قبلتهم - يعني: فرَجعت إلى قبلتهم.
ويعني بقوله:"من بَعد مَا جَاءك من العلم"، من بعد ما وصَل إليك من العلم، بإعلامي إياك أنهم مقيمون على باطل، وعلى عنادٍ منهم للحق، ومعرفةٍ منهم أنّ القبلة التي وجهتُك إليها هي القبلةُ التي فرضتُ على أبيك إبراهيم عليه السلام وسائر ولده من بعده من الرسل التوجُّهَ نحوها.اهـ[29]
وقال القرطبي في تفسير ﴿ إنَّكَ إذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ما مختصره: الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمراد أمته ممن يجوز أن يتبع هواه فيصير باتباعه ظالما، وليس يجوز أن يفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يكون به ظالما، فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقطعنا أن ذلك لا يكون منه، وخوطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعظيما للأمر ولأنه المنزل عليه..
اهـ[30]
﴿ الَذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وإنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ (146). إعراب مفردات الآية[31] (الذين) اسم موصول مبنيّ في محل رفع مبتدأ (آتينا) فعل ماض مبني على السكون..
و(نا) ضمير فاعل و(هم) ضمير متصل مفعول به (الكاف) حرف تشبيه وجرّ [32] (ما) حرف مصدري (يعرفون) مثل الأول (أبناء) مفعول به منصوب و(هم) مضاف إليه.

والمصدر المؤوّل (ما يعرفون) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمفعول مطلق محذوف والتقدير: يعرفونه معرفة - أو عرفانا - كمعرفتهم أبناءهم.
(الواو) عاطفة (إنّ) حرف مشبه بالفعل للتوكيد (فريقا) اسم إنّ منصوب (من) حرف جر و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لـ (فريقا)، (اللام) هي المزحلقة تفيد التوكيد (يكتمون) مثل يعرفون (الحقّ) مفعول به منصوب (الواو) حاليّة (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يعلمون) مثل يعرفون.
روائع البيان والتفسير ﴿ الَذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وإنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾- قال القرطبي في تفسيرها بتصرف يسير: وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس وإن كانت ألصق لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه.

وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ﴾ يعني محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاله مجاهد وقتادة وخصيف.
وقيل: استقبال الكعبة، على ما ذكرنا آنفا.
قوله تعالى:"وَهُمْ يَعْلَمُونَ" ظاهر في صحة الكفر عنادا، ومثله: "وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ" وقوله: "فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ".اهـ[33]
وذكر السعدي - رحمه الله - في تفسيرها ما نصه: يخبر تعالى: أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم، وعرفوا أن محمدا رسول الله، وأن ما جاء به، حق وصدق، وتيقنوا ذلك، كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم، فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون، ولكن فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به، كتموا هذه الشهادة مع تيقنها، وهم يعلمون ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ وفي ضمن ذلك، تسلية للرسول والمؤمنين، وتحذير له من شرهم وشبههم، وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر به جهلا فالعالم عليه إظهار الحق، وتبيينه وتزيينه، بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال، وغير ذلك، وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق، وتشيينه، وتقبيحه للنفوس، بكل طريق مؤد لذلك، فهولاء الكاتمون، عكسوا الأمر، فانعكست أحوالهم.اهـ [34]
﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ﴾ (147). إعراب مفردات الآية[35] (الحقّ) مبتدأ مرفوع [36]، (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (لا) ناهية جازمة (تكوننّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ جزم..
و(النون) نون التوكيد، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت (من الممترين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر الناقص وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير ﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ﴾- قال أبو جعفر الطبري - رحمه الله - في نفسيرها ما مختصره: يقول تعالى ذكره اعلم يا محمد أنّ الحق ما أعلمك ربك وأتاك من عنده، لا ما يقول لكَ اليهود والنصارى.
وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره خبر لنبيه عليه السلام: عن أن القبلة التي وجهه نحوها، هي القبلةُ الحقُّ التي كان عليها إبراهيم خليل الرحمن ومَنْ بعده من أنبياء الله عز وجل.
يقول تعالى ذكره له: فاعمل بالحقّ الذي أتاك من ربِّك يا محمد، ولا تَكوننَّ من الممترين.ثم قال: يعني بقوله:"فلا تكونن من الممترين"، أي: فلا تكونن من الشاكِّين في أن القبلة التي وجَّهتك نَحوها قبلةُ إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء غيره.
ثم زاد الأمر بياناً فقال - رحمه الله -: فإن قال لنا قائل: أوَ كان النبي صلى الله عليه وسلم شَاكَّا في أنّ الحق من رَبه، أو في أن القبلة التي وجَّهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره، حتى نُهي عن الشك في ذلك، فقيل له:"فلا تكونن من الممترين"؟
قيل: ذلك من الكلام الذي تُخرجه العرب مُخرَج الأمر أو النهي للمخاطب به، والمراد به غيره، كما قال جل ثناؤه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ [سورة الأحزاب: 1]، ثم قال: ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب: 2].
فخرج الكلام مخرج الأمرِ للنبي صلى الله عليه وسلم والنهيِ له، والمراد به أصحابه المؤمنون به.اهـ[37]
﴿ ولِكُلٍّ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (148). إعراب مفردات الآية[38] (الواو) استئنافيّة (لكلّ) جار ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (وجهة) مبتدأ مؤخّر (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (مولّي) خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و(ها) مضاف إليه (الفاء) لربط المسبّب بالسبب (استبقوا) فعل أمر مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (الخيرات) منصوب على نزع الخافض أي إلى الخيرات، وعلامة النصب الكسرة (أينما) اسم شرط جازم في محلّ نصب ظرف مكان متعلّق بـ(تكونوا) التام [39] أو بـ(يأت)، (تكونوا) مضارع تامّ مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (يأت) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلة (الباء) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(يأت)، (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (جميعا) حال منصوبة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم انّ منصوب (على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بقدير (شيء) مضاف إليه مجرور (قدير) خبر إنّ مرفوع.
روائع البيان والتفسير ﴿ ولِكُلٍّ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ ﴾ - قال السعدي – رحمه الله -: أي: كل أهل دين وملة، له وجهة يتوجه إليها في عبادته، وليس الشأن في استقبال القبلة، فإنه من الشرائع التي تتغير بها الأزمنة والأحوال، ويدخلها النسخ والنقل، من جهة إلى جهة، ولكن الشأن كل الشأن، في امتثال طاعة الله، والتقرب إليه، وطلب الزلفى عنده، فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية، وهو الذي إذا لم تتصف به النفوس، حصلت لها خسارة الدنيا والآخرة، كما أنها إذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة، وهذا أمر متفق عليه في جميع الشرائع، وهو الذي خلق الله له الخلق، وأمرهم به.
والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها، يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل، من صلاة، وصيام، وزكاة وحج، عمرة، وجهاد، ونفع متعد وقاصر.اهـ [40]
﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي: هو قادر على جمعكم من الأرض، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.قاله ابن كثير - رحمه الله -.اهـ[41]
﴿ ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (149). إعراب مفردات الآية[42] (الواو) عاطفة (من) حرف جرّ (حيث) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ(ولّ)..
وإذا ضمّن معنى الشرط يجوز تعليقه بـ(خرجت)، (خرج) فعل ماض..
و(التاء) ضمير في محلّ رفع فاعل [43] (الفاء) زائدة لربط ما قبلها بما بعدها، (ول) فعل أمر مبنيّعلى حذف حرف العلّة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (وجه) مفعول به منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (شطر) ظرف مكان مبنيّ على الفتح في محلّ نصب متعلّق بـ(ولّ) [44]، (المسجد) مضاف اليه مجرور (الحرام) نعت للمسجد مجرور مثله (الواو) حالية، (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(الهاء) اسم إنّ (اللام) المزحلقة تفيد التوكيد (الحقّ) خبر مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الحقّ و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الواو) استئنافيّة (ما اللّه بغافل عمّا تعملون) سبق إعراب نظيرها [45].
روائع البيان والتفسير ﴿ ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾- قال السعدي في تفسيرها إجمالاً ما نصه: أي: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ﴾ في أسفارك وغيرها، وهذا للعموم، ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي: جهته.
ثم خاطب الأمة عموما فقال: ﴿ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ وقال: ﴿ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أكده بـ"إن"واللام، لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة، ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال.
﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم، فتأدبوا معه، وراقبوه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن أعمالكم غير مغفول عنها، بل مجازون عليها أتم الجزاء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.اهـ [46]
وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيرها أقوالاً ينبغي الإحاطة بها لأهميتها قال - رحمه الله - ما نصه: هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام، من جميع أقطار الأرض.
وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات، فقيل: تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزل على أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائبًا عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجهه فخر الدين الرازي[47].اهـ[48]
وقال القرطبي: الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن خرج، في الأسفار، ورجح هذا الجواب القرطبي، وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق، فقال: أولا ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ إلى قوله: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها؛ وقال في الأمر الثاني: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ فذكر أنه الحق من الله وارتقى عن المقام الأول، حيث كان موافقًا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم، عليه السلام، إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها فخر الدين وغيره، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.اهـ[49]
﴿ ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ (150). إعراب مفردات الآية[50]: (الواو) عاطفة (من حيث خرجت...
المسجد الحرام)
سبق إعرابها في الآية السابقة.
(الواو) عاطفة (حيثما كنتم...
شطره)
سبق إعرابها [51] مفردات وجملا (اللام) للتعليل (أن) حرف مصدريّ ونصب (لا) نافية (يكون) مضارع ناقص منصوب (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر يكون (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من حجّة- صفة تقدّمت على الموصوف- (حجّة) اسم يكون مرفوع مؤخّر.
والمصدر المؤوّل (أن لا يكون..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ(ولّوا) [52].
(إلا) أداة استثناء (الذين) اسم موصول في محلّ نصب على الاستثناء [53]، (ظلموا) ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (من) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من فاعل ظلموا (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (لا) ناهية جازمة (تخشوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل و(هم) ضمير متّصلمفعول به (الواو) عاطفة (اخشوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل و(النون) للوقاية (الياء) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به (الواو) عاطفة (اللام) للتعليل (أتمّ) مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة بعد اللام، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (نعمة) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) ضمير مضاف إليه (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(أتمّ) - أو بحال من نعمتي -.
والمصدر المؤوّل (أن أتمّ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل ولّوا بالعطف على المصدر المؤوّل (لئلا يكون...).
(الواو) استئنافيّة (لعل) حرف مشبّه بالفعل للترجّي (وكم) ضمير متّصل في محلّ نصب اسم لعلّ (تهتدون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون..
والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير ﴿ ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾- قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها: يعني تعالى ذكره:"ومن حَيثُ خرجت فول وَجهك شطر المسجد الحرام": من أيّ مكان وبُقعة شَخصتَ فخرجت يا محمد، فولِّ وجهك تلقاء المسجد الحرام، وهو شَطره.
ويعني بقوله: ﴿ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ ﴾، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله، فولُّوا وجوهكم في صلاتكم تُجاهه وقِبَله وقَصْدَه.اهـ[54]
﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ قال البغوي - رحمه الله - في تفسيرها: وإنما كرر لتأكيد النسخ ﴿ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ اختلفوا في تأويل هذه الآية ووجه قوله ﴿ إِلا ﴾ فقال بعضهم: معناه حولت القبلة إلى الكعبة ﴿ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ إذا توجهتم إلى غيرها فيقولون ليست لكم قبلة ﴿ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ قريش واليهود فأما قريش فتقول رجع محمد إلى الكعبة، لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة آبائه، فكذلك يرجع إلى ديننا، وأما اليهود فتقول لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حق إلا أنه يعمل برأيه وقال قوم ﴿ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ يعني اليهود وكانت حجتهم على طريق المخاصمة على المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس أنهم كانوا يقولون ما درى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن.
اهـ [55]
﴿ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ ذكر السعدي في تفسيره لهذه الجزئية من الآية ما مختصره: أي من احتج منهم بحجة، هو ظالم فيها، وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم، فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه، وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج محلا يؤبه لها، ولا يلقى لها بال، فلهذا قال تعالى: ﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ ﴾ لأن حجتهم باطلة، والباطل كاسمه مخذول، مخذول صاحبه، وهذا بخلاف صاحب الحق، فإن للحق صولة وعزا، يوجب خشية من هو معه، وأمر تعالى بخشيته، التي هي أصلكل خير، فمن لم يخش الله، لم ينكف عن معصيته، ولم يمتثل أمره.اهـ [56]
﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ ذكر ابن عثيمين فائدة جليلة في تفسيره لقوله تعالى ﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي ﴾ قال - رحمه الله -: عنى مهما قال الذين ظلموا من كلام، ومهما قالوا من زخارف القول، ومهما ضايقوا من المضايقات فلا تخشوهم؛ و"الخشية"، و"الخوف" متقاربان؛ إلا أن أهل العلم يقولون: إن الفرق أن "الخشية" لا تكون إلا عن علم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] بخلاف "الخوف": فقد يخاف الإنسان من المخوف وهو لا يعلم عن حاله؛ والفرق الثاني: أن "الخشية" تكون لعظم المخشيّ؛ و"الخوف" لضعف الخائف وإن كان المخوف ليس بعظيم، كما تقول مثلاً: الجبان يخاف من الجبان يخاف أن يكون شجاعاً؛ وعلى كل حال إن صح هذا الفرق فهو ظاهر؛ لكن الفرق الأول واضح؛ وهو أن "الخشية" إنما تكون عن علم.
وأتى بالأمر ﴿ واخْشَوْنِي ﴾ بعد النهي؛ لأنه كما يقال: التخلية قبل التحلية؛ أزِل الموانع أولاً، ثم أثبت؛ فأولاً فرِّغ قلبك من كل خشية لغير الله، ثم مكن خشية الله من قلبك؛ فأنت أزل الشوائب حتى يكون المحل قابلاً؛ فإذا كان المحل قابلاً فحينئذٍ يكون الوارد عليه وارداً على شيء لا ممانعة فيه؛ والأمر هنا للوجوب بلا شك؛ الواجب على المرء أن يخشى الله وحده.اهـ [57]
ومعنى قوله تعالى ﴿ ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ أي: ولأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ أي: إلى ما ضَلّت عنه الأمم هديناكم إليه، وخَصصْناكم به، ولهذا كانت هذه الأمة أشرفَ الأمم وأفضلها.ذكره ابن كثير في تفسيره.اهـ[58]
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ (151). إعراب مفردات الآية[59]: (الكاف) حرف جرّ وتشبيه [60] (ما) مصدريّة (أرسلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(نا) فاعل.
والمصدر المؤوّل (ما أرسلنا) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله أتمّ.
أي: أتمّ نعمتي إتماما كإرسالنا فيكم رسولا منكم.
(في) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(أرسلنا)، (رسولا) مفعول به منصوب (منكم) مثل فيكم متعلّق بمحذوف نعت لـ (رسولا)، (يتلو) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عليكم) مثل الأول متعلّق بـ(يتلو) (آيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة و(نا) ضمير متصل مضاف إليه (الواو) عاطفة (يزكّي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة والفاعل هو و(كم) مفعول به (الواو) عاطفة (يعلّمكم) مثل يزكّيكم (الكتاب) مفعول ثان به منصوب (الحكمة) معطوف بالواو على الكتاب منصوب مثله (الواو) عاطفة (يعلّمكم) مثل يزكّيكم (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به ثان (لم) حرف نفي وقلب وجزم (تكونوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو اسم تكون، (تعلمون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ ﴾- قال العلامة ابن عثيمين- رحمه الله- في تفسيرها ما مختصره: من فوائد الآية: بيان نعمة الله تعالى علينا بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً ﴾؛ لأن هذه الآية متعلقة بقوله تعالى: ﴿ ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 150]؛ فإن هذا من تمام النعمة؛ وذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليُعبَد بما شرع؛ ولا يمكن أن نعرف أن هذا مما يرضاه الله أن نتعبده به، وهذا مما لا يرضاه إلا بواسطة الرسل؛ ولو أن الإنسان وكِل إلى عقله في العبادة ما عرف كيف يعبد الله؛ ولو وكِل إلى عقله في العبادة ما اجتمع الناس على عبادة الله: لكان كل واحد يقول: هذا هو الصواب؛ ولو أن الإنسان وكل إلى عقله في العبادة ما كانت أمتنا أمة واحدة؛ فعلى كل حال لا يمكن لنا بمجرد عقولنا أن ندرك كيف نعبد الله؛ ومَثَل يسير يبين ذلك: لو أُمرنا بالتطهر للصلاة ولم يبين لنا الكيفية لتنازع الناس في ذلك؛ وأخذ كلٌّ برأيه؛ فافترقت الأمة؛ فلولا أن الله أبان لنا كيف نعبده ما عرفنا كيف نعبده، فهذا من نعمة الله علينا من إرسال هذا الرسول محمداً (صلى الله عليه وسلم) الذي بين لنا كل شي اهـ[61]
وقال السعدي في تفسير بقية الآية وهو قوله تعالى ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ ﴾ ما نصه: وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل، والهدى من الضلال، التي دلتكم أولا على توحيد الله وكماله، ثم على صدق رسوله، ووجوب الإيمان به، ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب، حتى حصل لكم الهداية التامة، والعلم اليقيني.
﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتكم من الشرك، إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع، إلى التحاب والتواصل والتواد، وغير ذلك من أنواع التزكية.
﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ ﴾ أي: القرآن، ألفاظه ومعانيه، ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ قيل: هي السنة، وقيل: الحكمة، معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها، وتنزيل الأمور منازلها.اهـ [62]
﴿ ويُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾- فإنه يعني: ويعلمكم من أخبار الأنبياء، وقصص الأمم الخالية، والخبر عما هو حادثٌ وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها، فعلِموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأخبرهم جل ثناؤه أنّ ذلك كله إنما يدركونه برَسوله صلى الله عليه وسلم..قاله أبو جعفر الطبري - رحمه الله - في تفسيره.اهـ[63]
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ ﴾ (152). إعراب مفردات الآية[64] (الفاء) تعليلية أو رابطة لجواب شرط مقدر (اذكروا) فعل أمر مبني على حذف النون..
والواو فاعل (اذكر) مضارع مجزوم جواب الطلب و(كم) ضمير مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (الواو) عاطفة (اشكروا) مثل اذكروا (اللام) حرف جرّ و(الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(اشكروا)، (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تكفروا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل و(النون) المذكورة للوقاية (الياء) المحذوفة مفعول به..
وفي الكلام حذف مضاف أي لا تكفروا نعمتي.
روائع البيان والتفسير ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ ﴾- قال البغوي في بيانها ما مختصره: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي، وقال سعيد بن جبير اذكروني في النعمة والرخاء، أذكركم في الشدة والبلاء...
ثم قال: وقوله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ يعني واشكروا لي بالطاعة ولا تكفروني بالمعصية فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه فقد كفره.اهـ [65]
وذكر ابن عثيمين - رحمه الله - في فوائد الآية أهمية وفضل الذكر فقال: وجوب ذكر الله؛ للأمر به؛ مطلق الذكر واجب: يجب على كل إنسان أن يذكر ربه؛ بل كل مجلس يجلسه الإنسان ولا يذكر الله فيه، ولا يصلي على النبي إلا كان عليه ترة أي خسارة، وحسرة يوم القيامة؛ فالعبد مأمور بذكر الله؛ لكن ذكر الله ينقسم إلى فريضة من فرائض الإسلام؛ وإلى واجب من واجباته؛ وإلى سنة من سننه بحسب ما تقتضيه الأدلة؛ إنما مطلق الذكر حكمه أن واجب.
ثم قال: إن مَنْ ذَكر الله ذكره الله؛ لقوله تعالى: ﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾؛ وكون الله يذكرك أعظم من كونك تذكره؛ ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي؛ ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"[66].اهـ.
[67]
﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ (153). إعراب مفردات الآية[68] (يا) أداة نداء (أي) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب و(ها) حرف تنبيه (الذين) اسم موصول في محلّ نصب بدل من أي أو عطف بيان (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (استعينوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (بالصبر) جارّ ومجرور متعلّق بـ(استعينوا)، (الصلاة) معطوفة على الصبر بالواو مجرور مثله (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر إنّ (الصابرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير ﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ - قال السعدي - رحمه الله - في بيانها: أمر الله تعالى المؤمنين، بالاستعانة على أمورهم الدينية والدنيوية ﴿ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره، فهو ثلاثة أقسام: صبرها على طاعة الله حتى تؤديها، وعن معصية الله حتى تتركها، وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها، فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر، فلا سبيل لغير الصابر أن يدرك مطلوبه، خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة، فإنها مفتقرة أشد الافتقار إلى تحمل الصبر، وتجرع المرارة الشاقة، فإذا لازم صاحبها الصبر، فاز بالنجاح، وإن رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها، لم يدرك شيئا، وحصل على الحرمان، وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محل قدرة العبد، فهذه لا يمكن تركها إلا بصبر عظيم، وكف لدواعي قلبه ونوازعها لله تعالى، واستعانة بالله على العصمة منها، فإنها من الفتن الكبار.
وكذلك البلاء الشاق، خصوصا إن استمر، فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسدية، ويوجد مقتضاها، وهو التسخط، إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله، والتوكل عليه، واللجأ إليه، والافتقار على الدوام.
فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد، بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله، فلهذا أمر الله تعالى به، وأخبر أنه ﴿ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ أي: مع من كان الصبر لهم خلقا وصفة وملكة، بمعونته وتوفيقه وتسديده، فهانت عليهم بذلك المشاق والمكاره، وسهل عليهم كل عظيم، وزالت عنهم كل صعوبة، وهذه معية خاصة، تقتضي محبته ومعونته، ونصره وقربه، وهذه منقبة عظيمة للصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله، لكفى بها فضلا وشرفا، وأما المعية العامة، فهي معية العلم والقدرة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ وهذه عامة للخلق.
وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة؛ لأن الصلاة هي عماد الدين، ونور المؤمنين، وهي الصلة بين العبد وبين ربه، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة، مجتمعا فيها ما يلزم فيها، وما يسن، وحصل فيها حضور القلب، الذي هو لبها، فصار العبد إذا دخل فيها، استشعر دخوله على ربه، ووقوفه بين يديه، موقف العبد الخادم المتأدب، مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله، مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه لا جرم أن هذه الصلاة، من أكبر المعونة على جميع الأمور فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة، يوجب للعبد في قلبه، وصفا، وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر ربه، واجتناب نواهيه، هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء.اهـ[69]
وللعلامة ابن عثيمين زيادة بيان لمقصود الصبر في الآية فقال - رحمه الله -: هذه بشرى عظيمة لمن صبر؛ وقال تعالى: ﴿ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ لوجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن الصلاة من الصبر؛ لأنها صبر على طاعة الله.
الوجه الثاني: أن الاستعانة بالصبر أشق من الصلاة؛ لأن الصبر مُرّ.
ثم قال: الصبر مثل اسمه مُرٌّ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل فهو مرٌّ يكابده الإنسان، ويعاني، ويصابر، ويتغير دمه حتى من يراه يقول: هذا مريض.
الوجه الثالث: أنه إذا كان مع الصابرين فهو مع المصلين من باب أولى بدليل أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان المصلي يناجي ربه، وأن الله قِبل وجهه[70] - وهو على عرشه سبحانه وتعالى.اهـ [71]
﴿ ولا تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ولَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾ (154). إعراب مفردات الآية[72] (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تقولوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (اللام) حرف جرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ(تقولوا) [73]، (يقتل) مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (في سبيل) جارّ ومجرور متعلّق بـ(يقتل)، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (أموات) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم (بل) حرف إضراب للابتداء (أحياء) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم (الواو) حاليّة (لكن) حرف استدراك لا عمل له (لا) نافية (تشعرون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير ﴿ ولا تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ولَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾- قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها إجمالاً: يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوّكم، وترك معاصيَّ، وأداء سائر فرائضي عليكم، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله: هو ميت، فإن الميت من خَلقي مَنْ سلبته حياتَه وأعدمتُه حواسَّه، فلا يلتذّ لذة ولا يُدرك نعيما، فإنّ من قُتل منكم ومن سائر خَلقي في سبيلي، أحياءٌ عندي، في حياة ونعيم، وعيش هَنِيّ، ورزق سنيّ، فَرحين بما آتيتهم من فضلي، وَحبوتهم به من كرامتي.
ثم قال معلقاً- رحمه الله -: فإن قال لنا قائل: وما في قوله: "ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياء"، من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعمَّ به غيره؟ وقد علمت تظاهُر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبوابٌ إلى الجنة يَشمون منها رَوْحها، ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها وعن الكافرين أنهم يُفتح لهم من قبورهم أبوابٌ إلى النار يَنظرون إليها، ويصيبهم من نَتنهاومكروهها، ويُسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يَقمَعُهم فيها، ويسألون الله فيها تأخيرَ قيام الساعة، حِذارًا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها، مع أشباه ذلك من الأخبار.
وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما الذي خُصَّ به القتيل في سبيل الله، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة، وسائرُ الكفار والمؤمنين غيرُه أحياءٌ في البرزخ، أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك، وأما المؤمنون فمنعَّمون بالروح والريحان ونَسيم الجنان؟
قيل: إنّ الذي خَصّ الله به الشهداء في ذلك، وأفادَ المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في بَرْزَخِهم قَبل بعثهم، ومنعَّمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يُطعمها الله أحدًا غيرَهم في برزخه قبل بعثه.
فذلك هو الفضيلة التي فضَّلهم بها وخصهم بها من غيرهم، والفائدة التي أفادَ المؤمنين بالخبر عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [سورة آل عمران: 169-170]، وبمثل الذي قُلنا جاء الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ[74]
﴿ ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ (155). إعراب مفردات الآية[75] (الواو) استئنافيّة (اللام) رابطة لجواب قسم مقدّر (نبلونّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع..
و(النون) نون التوكيد والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم و(كم) ضمير مفعول به (بشيء) جارّ ومجرور متعلّق بـ(نبلونّ)، (من الخوف) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لشيء (الجوع) معطوف على الخوف بالواو مجرور مثله (نقص) معطوفة على شيء بالواو مجرور مثله (من الأموال) جارّ ومجرور متعلّق بنقص "1"، (الأنفس، الثمرات) اسمان معطوفان على الأموال بحرفي العطف مجروران مثله (الواو) استئنافيّة (بشّر) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (الصابرين) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء.
روائع البيان والتفسير ﴿ ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ ﴾- قال أبو جعفر الطبري - رحمه الله -: قوله:"بشيء من الخوف" يعني من الخوف من العدو، وبالجوع -وهو القحط- يقول: لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسَنه تُصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة، وتتعذر المطالب عليكم، فتنقص لذلك أموالكم، وحروبٌ تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموتُ ذراريكم وأولادكم، وجُدوب تحدُث، فتنقص لها ثماركم.
كل ذلك امتحان مني لكم، واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويُعرف أهل البصائر في دينهم منكم، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب.
كل ذلك خطابٌ منه لأتباع رَسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ثم قال- رحمه الله - بعد كلام: وإنما قال تعالى ذكره: "بشيء من الخوف" ولم يقل بأشياء، لاختلاف أنواع ما أعلم عبادَه أنه مُمتحنهم به.
فلما كان ذلك مختلفًا – وكانت "مِن" تَدلّ على أنّ كل نوع منها مُضمر"شيء"، فإنّ معنى ذلك: ولنبلونكم بشيء من الخوف، وبشيء من الجوع، وبشيء من نقص الأموال - اكتفى بدلالة ذكر "الشيء" في أوله، من إعادته مع كل نوع منها.اهـ[76]
﴿ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾- فسرها القرطبي – رحمه الله- فقال ما مختصره: أي بالثواب على الصبر.
والصبر أصله الحبس، وثوابه غير مقدر، لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).[77]
أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر، وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك، ولذلك قيل: يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث.
ثم قال - رحمه الله -: والصبر صبران: صبر عن معصية الله، فهذا مجاهد، وصبر على طاعة الله، فهذا عابد.
فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه، وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات.
وقال الخوّاص: الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة.اهـ[78]
الَ﴿ ذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ (156). إعراب مفردات الآية[79] (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت للصابرين [80]، (إذا) ظرف للمستقبل يتضمّن معنى الشرط متعلّق بالجواب (أصاب) فعل ماض و(التاء) للتأنيث و(هم) ضمير مفعول به (مصيبة) فعل مرفوع (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(نا) ضمير اسم إنّ (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ (الواو) عاطفة (إنّا) مثل الأول (إلى) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(راجعون) وهو خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير ﴿ الَذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ - قال السعدي في بيانها إجمالاً: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما.ثم قال: ﴿ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ﴾ أي:مملوكون لله، مدبَّرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجازى كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.اهـ [81]
﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ﴾ (157). إعراب مفردات الآية[82] (أولاء) اسم إشارة في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (على) حرف جرّ و(هم) ضمير متصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (صلوات) مبتدأ مؤخّر مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لصلوات و(هم) مضاف إليه (رحمة) معطوف على صلوات بالواو مرفوع مثله (الواو) عاطفة (أولئك) مثل الأول (هم) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ [83]" (المهتدون) خبر المبتدأ هم مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ ﴾- قال ابن كثير- رحمه الله -: أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.
قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب اهـ[84]
﴿ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ﴾- قال السعدي – رحمه الله - في تفسيرها: الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.ثم قال- عن مدلول هذه الآية والتي قبلها ما نصه: ودلت هذه الآية، على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها، لتخف وتسهل، إذا وقعت، وبيان ما تقابل به، إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر، بضد حال الصابر.
وأن هذا الابتلاء والامتحان، سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب..اهـ [85]


[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /287). [2] انظر الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبدالرحمن مقبل بن هادى الوادعى - رحمه الله - بتحقيقه- ص ( 21-22) قال: منقولا من لباب النقول في أسباب النزول للحافظ السيوطي ومن تفسير الحافظ ابن كثير. [3] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1/ 452 ). [4] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/ 130/ 2148). [5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /70). [6] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر : دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /289 ). [7] وإذا أعربت (الكاف) اسما بمعنى مثل كانت في محلّ نصب مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر لأنه صفته أي جعلناكم جعلا مثل هدايتنا من نشاء.
والإشارة إلى الهداية المارّة في الآية السابقة وقد عبّر عنها بالجعل. [8] يجوز أن يكون الموصول مفعولا ثانيا أو نعتا للمفعول الثاني المحذوف أي جعلنا القبلة (الآن) وهي الكعبة القبلة التي كنت عليها أي الكعبة، وقبل أن يكون بيت المقدس قبلة المسلمين.
ويجوز أن تكون القبلة المذكورة مفعولا ثانيا والاسم الموصول صفة للمفعول الأول المحذوف وهو الجهة أو القبلة أي صيّرنا الجهة التي كنت عليها أوّلا يعني قبل الهجرة، القبلة لك الآن. [9] إذا جعل المستثنى منه محذوفا كانت (إلا) أداة استثناء، والتقدير: كانت كبيرة على الناس إلا على الذين هدى اللّه، فالجار بعد إلا متعلّق بمحذوف أي إلا الكبر على الذين هدى اللّه.
وقد رفض أبو حيان أن يكون الاستثناء مفرغا. [10] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى- رحمه الله - بتحقيقه- ص(23 ) الحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب الإيمان ج1 ص103 وقال الحافظ في الفتح ج1 ص104 والمصنف في التفسير من طريق الثوري عن أبي إسحاق سمعت البراء فأمن ما يخشى من تدليس أبي إسحاق.
وأخرجه أبو داود الطيالسي ج1 ص85 وابن سعد قسم 2 من المجلد 1 ص5 وابن جرير من حديث البراء وابن عباس ج2 ص17.
ومن حديث ابن عباس أخرجه الترمذي ج4 ص70 وقال حسن صحيح وأبو داود ج4 ص354 والطيالسي ج2 ص12 والحاكم ج2 ص269 وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي. [11] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /70 ). [12] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان (1/ 46). [13] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /457). [14] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /70 ). [15] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر : دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /294). [16] أو حرف تحقيق لأن الفعل لفظه مضارع ومعناه ماض أي قد رأينا. [17] أو بمحذوف حال من الكاف في وجهك أي ناظرا في السماء. [18] يجوز أن يكون مفعولا ثانيا عامله ولّ منصوب وهو معرب. [19] أو بخبر كنتم إذا كان ناقصا، واسم كنتم الضمير المتّصل (تم). [20] يصحّ أن يكون مفعولا ثانيا ويصبح حينئذ معربا. [21] يجوز أن يكون (ما) حرفا مصدريّا أو نكرة موصوفة. [22] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعي - رحمه الله - بتحقيقه - ص( 23) الحديث أخرجه الترمذي ج4 ص79 وقال حسن صحيح وابن ماجه رقم 1010 وفيه سبب نزول ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ والإمام أحمد ج4 ص274 والدارقطني ج1 ص274 وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير وابن سعد في الطبقات مجلد 4 قسم 2 وعندهما زيادة وقال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.
وأخرجه مسلم ج5 ص11 من حديث أنس وكذا أخرجه ابن سعد قسم 2 من المجلد الأول ص4. [23] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/71). [24] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 181 / 2255). [25] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - الناشر: دارالكتب المصرية - القاهرة (2/ 161). [26] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي - الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 71). [27] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /297). [28] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /461). [29] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/ 186 / 2258). [30] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة(2 /162). [31] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر : دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 2 /299). [32] أو اسم بمعنى مثل، في محلّ نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر لأنه صفته أي يعرفونه معرفة مثل معرفة أبنائهم. [33] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة (2 /163). [34] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي - الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /72). [35] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /300). [36] أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره ما كتموه..
أو الحقّ الذي عليه الرسول..
وحينئذ يكون الجارّ والمجرور (من ربك) متعلّقا بمحذوف حال من الحقّ. [37] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 191 / 2273). [38] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر : دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2/ 301). [39] أو متعلّق بخبر (تكونوا) محذوفا إذا كان ناقصا، والواو اسم تكونوا. [40] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /72). [41] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /463). [42] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2/ 303). [43] وهو في محل جزم إذا كانت (حيث) شرطيّة. [44] أو هو مفعول به ثان منصوب خلافا للشنقيطي في الدرر اللوامع، فـ (شطر) عنده من الظروف غير المتصرفة. [45] الآية 144 من هذه السورة. [46] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/73 ). [47] محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي: الإمام المفسر.
أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل.
وهو قرشي النسب.
أصله من طبرستان، ومولده في الري وإليها نسبته، ويقال له (ابن خطيب الري) رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، وتوفي في هراة.
أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها. وكان يحسن الفارسية.
من تصانيفه (مفاتيح الغيب) ثماني مجلدات في تفسير القرآن الكريم، و (لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات) و (معالم أصول الدين) و (محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين) و (شرح أسماء الله الحسنى) و (تعجيز الفلاسفة) بالفارسية، وغير ذلك.
وله شعر بالعربية والفارسية، وكان واعظا بارعا باللغتين .انظر الأعلام للزركلي -بتصرف يسير (6/313). [48] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 463). [49] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 463). [50] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /305 ). [51] في الآية (144) من هذه السورة. [52] -يجوز تعليقه بمحذوف ..
والتقدير: فعلنا ذلك لئلا .. [53] على حذف مضاف أي: إلّا كلام الذين ظلموا، ويجوز أن يكون بدلا من الناس في محلّ جرّ ..
وابن هشام يجعل الاستثناء منقطعا ف (إلا) بمعنى لكن و(الذين) مبتدأ خبره محذوف أي لهم الحجّة الب. [54] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 199 / 2291). [55] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 165). [56] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة( 1 /73 ). [57] تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 126). [58] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 464). [59] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2/ 307). [60] يجوز أن تكون الكاف اسما بمعنى مثل في محلّ نصب مفعول مطلق ناب عن المصدر لفعل أتمّ أي: أتمّ نعمتي إتماما مثل إرسالنا رسولا منكم. [61] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 131 ). [62] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/74). [63] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/ 211 / 2311). [64] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /308). [65] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 167 ). [66] الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- برقم/4832-باب الحث علي ذكر الله –"بتبويب النووي، وهكذا في كل ما يأتي"- وتمام متنه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة", والبخاري نحوه برقم/6856- باب قوله تعالى ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾". [67] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /136). [68] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2/ 309). [69] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /74). [70] الحديث أخرجه مسلم عن نافع عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما - برقم/852- باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها - وتمام متنه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى", وروى البخاري نحوه برقم /391- باب حك البزاق باليد من المسجد. [71] تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /139). [72] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق(2/ 310). [73] ليس القول موجّها لمن يقتل، وإنما هو موجّه للأحياء عمن يقتل في سبيل اللّه. [74] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/216 / 2322). [75] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2/ 312). [76] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 /220/ 2326). [77] الحديث أخرجه البخاري برقم/1203 -باب زيارة القبور وتمام متنه " مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى ". [78] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دارالكتب المصرية - القاهرة (2 /174 ). [79] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر : دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /313 ). [80] أو في محل رفع إمّا خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هم على نية القطع للمدح ..
أو مبتدأ خبره جملة أولئك عليهم صلوات ...
ويجوز أن يكون في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره أمدح. [81] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /75). [82] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر : دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2/ 314). [83] أو ضمير فصل و (المهتدون) خبر المبتدأ (أولئك). [84] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1/ 468). [85] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي - الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /75).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن