أرشيف المقالات

تفسير ربع: إن الصفا والمروة من شعائر الله (الربع العاشر من سورة البقرة)

مدة قراءة المادة : 130 دقائق .
2تفسير ربع إن الصفا والمروة من شعائر الله (الربع العاشر من سورة البقرة)
﴿ إنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ومَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ (158) إعراب مفردات الآية[1]: (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (الصفا) اسم إنّ منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف وفي الكلام حذف مضاف أي.
إنّ سعي الصفا (المروة) معطوف على الصفا بالواو تبعه في النصب (من شعائر) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ (اللّه) مضاف إليه مجرور (الفاء) استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (حجّ) فعل ماض مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (البيت) مفعول به منصوب (أو) حرف عطف للإباحة (اعتمر) فعل ماض والفاعل هو (الفاء) رابطة لجواب الشرط (لا) نافية للجنس (جناح) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (على) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر لا «[2]»، (أن) حرف مصدريّ ونصب (يطّوّف) مضارع منصوب والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الباء) حرف جرّ و(هما) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ(يطّوّف).   والمصدر المؤوّل (أن يطّوّف) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف أي في التطوّف بهما، والجارّ والمجرور متعلّق بالخبر المحذوف «[3]».   (الواو) عاطفة (من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ «[4]»، (تطوّع) فعل ماض في محلّ جزم فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (خيرا) مفعول به منصوب «[5]»، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) اسم إنّ منصوب (شاكر) خبر إنّ مرفوع (عليم) خبر ثان مرفوع.   روائع البيان والتفسير: سبب نزول هذه الآيةما ذكره صاحب كتاب "الصحيح المسند من أسباب النزول" قال أخرج الإمام البخاري في صحيحه "ج4 ص244" عن عروة سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها أرأيت قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة.
فقالت: بئس ما قلت يا ابن أختي؛ إن هذه الآية لو كانت كما أولتها عليه، كانت لا جناح عليه ألا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار؛ كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها بالمشلل، فكان من أَهَلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ الآية.
قالت عائشة رضي الله عنها وقد سن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا العلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة - كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا والمروة فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ الآية.
قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.اهـ[6].   • ﴿ إنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا - قال البغوي -رحمه الله- في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ الصفا جمع صفاة وهي الصخرة الصلبة الملساء، يقال: صفاة وصفا، مثل: حصاة وحصى ونواة ونوى، والمروة: الحجر الرخو، وجمعها مروات، وجمع الكثير مرو، مثل تمرة وتمرات وتمر.
وإنما عنى بهما الجبلين المعروفين بمكة في طرفي المسعى، ولذلك أدخل فيهما الألف واللام، وشعائر الله أعلام دينه، أصلها من الإشعار وهو الإعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلما لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة فالمطاف والموقف والنحر كلها شعائر الله ومثلها المشاعر، والمراد بالشعائر هاهنا: المناسك التي جعلها الله أعلاما لطاعته، فالصفا والمروة منها حتى يطاف بهما جميعا.اهـ [7].   • وقال السعدي - رحمه الله- في بيان قول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما، لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام، فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم.
ثم قال - رحمه الله -: ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة، أنه لا يتطوع بالسعي مفردا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة، بخلاف الطواف بالبيت، فإنه يشرع مع العمرة والحج، وهو عبادة مفردة.   فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة، ورمي الجمار فإنها تتبع النسك، فلو فعلت غير تابعة للنسك، كانت بدعة، لأن البدعة نوعان: نوع يتعبد لله بعبادة، لم يشرعها أصلا ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة، فتفعل على غير تلك الصفة، وهذا منه.اهـ [8].   • ﴿ ومَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ قال ابن كثير في بيانها ما مختصره: قيل: يطوف بينهما في حجة تطوع، أو عمرة تطوع.
وقيل: المراد تطوع خيرًا في سائر العبادات.
حكى ذلك فخر الدين الرازي، وعزي الثالث إلى الحسن البصري، والله أعلم.
وقوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ أي: يثيب على القليل بالكثير ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه و﴿ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40].اهـ[9].   ﴿ إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ﴾ (159) إعراب مفردات الآية[10]: (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (الذين) اسم موصول في محلّ نصب اسم إنّ (يكتمون) فعل مضارع مرفوع..
والواو فاعل (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (أنزلنا) فعل ماض وفاعل، ومفعوله محذوف أي أنزلناه (من البيّنات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول أنزلنا (الواو) عاطفة (الهدى) معطوف على البينات مجرور مثله وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بـ(يكتمون)، (ما) حرف مصدري «[11]» (بيّنا) مثل أنزلنا و(الهاء) مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بـ(بيّنا).   والمصدر المؤوّل (ما بيّناه) في محلّ جرّ مضاف إليه.   (في الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول بيّناه..
أو بـ(بيّنا)، (أولاء) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (يلعن) مضارع مرفوع و(هم) متّصل مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (يلعنهم) مثل الأول (اللاعنون) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ ﴾ - قال أبو جعفر الطبري: يعني بقوله: "إنّ الذين يَكتمون مَا أنزلنا منَ البينات"، علماءَ اليهود وأحبارَها، وعلماءَ النصارى، لكتمانهم الناسَ أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم، وتركهم اتباعه وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.   ثم قال: و"البينات" التي أنزلها الله: ما بيّن من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وصفته، في الكتابين اللذين أخبر الله تعالى ذكره أنّ أهلهما يجدون صفته فيهما.اهـ[12].   • ﴿ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ﴾ - قال ابن كثير في تفسيرها ما مختصره: قال عطاء بن أبي رباح[13]:كل دابة والجن والإنس.
وقال مجاهد: إذا أجدبت الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عُصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.   وقال أبو العالية[14]، والربيع بن أنس، وقتادة ﴿ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ﴾ يعني تلعنهم ملائكة الله، والمؤمنون.اهـ[15].   • وذكر ابن عثيمين فائدة جليلة في تفسيره لهذه الجزئية من الآية قال- رحمه الله-: جواز الدعاء باللعنة على كاتم العلم؛ لقوله تعالى: ﴿ يلعنهم اللاعنون ﴾؛ لأن من معنى ﴿ يلعنهم اللاعنون ﴾ الدعاء عليهم باللعنة؛ تقول: اللهم العنهم؛ ولا يلعن الشخصالمعين؛ بل على سبيل التعميم؛ لأن الصحيح أن لعن المعين لا يجوز - ولو كان من المستحقين للعنة؛ لأنه لا يُدرى ماذا يموت عليه؛ قد يهديه الله، كما قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ﴾ [آل عمران: 128]؛ وأما لعنه بعد موته أيجوز، أم لا يجوز؟ فقد يقال: إنه لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»[16]؛ وهذا عام؛ ثم إنه قد يثير ضغائن، وأحقاد من أقاربه، وأصحابه، وأصدقائه؛ فيكون في ذلك مفسدة؛ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»[17]؛ وأيّ خير في كونك تلعن واحداً كافراً قد مات؛ وأما طريقته فالواجب التنفير عنها، والقدح فيها، وذمها؛ أما هو شخصياً فإنه لا يظهر لنا جواز لعنه - وإن كان المعروف عند جمهور أهل العلم أنه يجوز لعنه إذا مات على الكفر.اهـ [18].   ﴿ إلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وأَصْلَحُوا وبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وأَنَا التُّوَّابُ الـرَّحِيم ﴾ (160) إعراب مفردات الآية[19]: (إلا) أداة استثناء (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء (تابوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (الواو) عاطفة (أصلحوا) مثل تابوا (الواو) عاطفة (بيّنوا) مثل تابوا (الفاء) تعليليّة (أولاء) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (أتوب) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (على) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ(أتوب)، (الواو) حاليّة أو استئنافيّة (أنا) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (التوّاب) خبر مرفوع (الرحيم) خبر ثان مرفوع.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وأَصْلَحُوا وبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وأَنَا التُّوَّابُ الـرَّحِيم ﴾ قال أبو جعفر الطبري -رحمه الله-: يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله واللاعنين يَلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبَيَّنه للناس، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم؛ ورَاجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، والإقرار به وبنبوّته، وتصديقه فيما جاء به من عند الله، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه، من الأمر باتباعه؛ وأصلح حالَ نفسه بالتقرب إلى الله من صَالح الأعمال بما يُرضيه عنه؛ وبيَّن الذي عَلم من وَحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه، وأظهرَه فلم يُخفِه.اهـ[20].   • وذكر السعدي- رحمه الله- في تفسيره للآية: ﴿ إِلا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ أي رجعوا عما هم عليه من الذنوب، ندما وإقلاعا، وعزما على عدم المعاودة ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ ما فسد من أعمالهم، فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن.   ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضا، حتى يبين ما كتمه، ويبدي ضد ما أخفى، فهذا يتوب الله عليه، لأن توبة الله غير محجوب عنها، فمن أتى بسبب التوبة، تاب الله عليه، لأنه ﴿ التَّوَّابُ ﴾ أي: الرجاع على عباده بالعفو والصفح، بعد الذنب إذا تابوا، وبالإحسان والنعم بعد المنع، إذا رجعوا، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ الذي اتصف بالرحمة العظيمة، التي وسعت كل شيء ومن رحمته أن وفقهم للتوبة والإنابة فتابوا وأنابوا، ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم، لطفا وكرما، هذا حكم التائب من الذنب.اهـ [21].   • وفي فوائد الآية لابن عثيمين بين شروط التوبة ومعناها فقال –رحمه الله- ما نصه: والتوبة هي الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته؛ فيرجع من الشرك إلى التوحيد؛ ومن الزنى إلى العفاف؛ ومن الاستكبار إلى الذل والخضوع؛ ومن كل معصية إلى ما يقابلها من الطاعة؛ وشروطها خمسة: الإخلاص لله سبحانه وتعالى؛ والندم على الذنب؛ والإقلاع عنه في الحال؛ والعزم على أن لا يعود؛ وأن تكون التوبة في وقت تقبل فيه. الشرط الأول: الإخلاص لله بأن يكون قصده بالتوبة رضا الله، وثواب الآخرة، وألا يحمله على التوبة خوف مخلوق، أو رجاء مخلوق، أو علو مرتبة، أو ما أشبه ذلك.   الشرط الثاني: الندم على ما جرى منه من الذنب؛ ومعنى «الندم» أن يتحسر الإنسان أن وقع منه هذا الذنب.   الشرط الثالث: الإقلاع عن المعصية؛ وهذا يدخل فيه أداء حقوق العباد إليهم؛ لأن من لم يؤد الحق إلى العباد فإنه لم يقلع؛ فهو ليس شرطاً مستقلاً كما قاله بعض العلماء؛ ولكنه شرط داخل في الإقلاع؛ إذ إن من لم يؤد الحق إلى أهله لم يقلع عن المعصية.   الشرط الرابع: أن يعزم ألا يعود؛ فإن لم يعزم فلا توبة، وليس من الشرط ألا يعود فإذا صحت التوبة، ثم عاد إلى الذنب لم تبطل توبته الأولى؛ لكنه يحتاج إلى تجديد التوبة.   الشرط الخامس: أن تقع التوبة في الوقت الذي تقبل فيه؛ يعني أن تكون في وقت قبول التوبة؛ وذلك بأن تكون قبل حضور الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها؛ فإذا كان بعد حضور الموت لم تقبل؛ لقوله تعالى: ﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ﴾ [النساء: 18]؛ وإذا كانت بعد طلوع الشمس من مغربها لم تقبل؛ لقوله تعالى: ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ﴾ [الأنعام: 158]؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة؛ ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».   ثم ذكر- رحمه الله- مبيناً لصحة توبة العبد من عدمه فقال: وهل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟ للعلماء في هذا ثلاثة أقوال؛ الأول: أنها تصح؛ والثاني: أنها تصح إن كان الذنب من غير الجنس؛ و الثالث: لا تصح؛ والصحيح أنها تصح من ذنب مع الإصرار على غيره؛ لكن لا يستحق اسم التائبين على سبيل الإطلاق؛ فلا يستحق وصف التائب، ولا يدخل في مدح التائبين؛ لأن توبته مقيدة من هذا الذنب المعين؛ ومثال ذلك: إذا تاب رجل من الزنى لكنه يتتبع النساء بالنظر المحرم فإن توبته من الزنى تصح على القول الراجح؛ لكن لا يستحق وصف التائب على سبيل الإطلاق؛ وعلى القول بأنها تصح إذا كانت من غير الجنس: فإنها لا تصح؛ وإذا تاب من الزنى مع الإصرار على الربا فإنها تصح؛ لأن الربا ليس من جنسه؛ إلا على القول الثالث الذي يقول لا تصح إلا مع الإقلاع عن جميع الذنوب.اهـ [22].   ﴿ إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا ومَاتُوا وهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ والْمَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ (161) إعراب مفردات الآية[23]: (إن) حرف مشبّه بالفعل (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (كفروا) فعل وفاعل ومثله (ماتوا)، (الواو) حاليّة (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (كفار) خبر مرفوع (أولئك) اسم إشارة مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (على) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (لعنة) مبتدأ مؤخّر مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الملائكة، الناس) اسمان معطوفان على لفظ الجلالة بحرفي العطف مجروران مثله (أجمعين) توكيد معنوي لما سبق مجرور مثلها وعلامة الجرّ الياء..
والنون عوض من التنوين.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا ومَاتُوا وهُمْ كُفَّار ﴾ - قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها ما مختصره: يعني تعالى ذكره بقوله:"إنّ الذين كفروا"، إن الذين جَحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل، والمشركين من عَبدة الأوثان "وماتوا وهم كفار"، يعني: وماتوا وهم على جُحودهم ذلك وتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم.اهـ[24].   • ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ والْمَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ - قال السعدي- رحمه الله في تفسيرها: وأما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع إلى ربه، ولم يُنِب إليه، ولم يتب عن قريب فأولئك ﴿ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ لأنه لما صار كفرهم وصفا ثابتا، صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا لا تزول، لأن الحكم يدور مع علته، وجودا وعدما.اهـ [25].   • وفي تفسير الحافظ ابن كثير بيان لماهية اللعن في الآية فقال -رحمه الله-: لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومن بعده من الأئمة، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره؛ فأما الكافر المعين، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له، واستدل بعضهم بهذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين.
واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره بقوله، عليه السلام، في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده، فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" [26] قالوا: فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم.اهـ[27].   ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ ولا هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ (162). إعراب مفردات الآية[28]: (خالدين)، حال منصوبة مئن الضمير في (عليهم)- الآية السابقة- وعلامة نصبه الياء (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخالدين، والضمير يعود إلى اللعنة أو النار المدلول بها عليها (لا) نافية (يخفّف) فعل مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع (عنهم) مثل فيها متعلّق بـ(يخفّف)، (العذاب) نائب فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (لا) نافية مكرّرة لتأكيد النفي (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (ينظرون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع..
والواو نائب فاعل.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ ولا هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ قال البغوي- رحمه الله-: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ مقيمين في اللعنة وقيل في النار ﴿ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ لا يمهلون ولا يؤجلون وقال أبو العالية: لا ينظرون فيعتذروا كقوله تعالى ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾ ( 36- المرسلات ).اهـ [29].   • وزاد ابن عثيمين في بيان قوله تعالى: ﴿ ولا هم ينظرون ﴾ فقال- رحمه الله: أي لا يمهلون؛ بل يؤخذون بالعقاب؛ من حين ما يموتون وهم في العذاب؛ ويحتمل أن المراد لا ينظرون بالعين؛ فلا ينظرون نظر رحمة، وعناية بهم؛ وهذا قد يؤيَّد بقوله تعالى: ﴿ قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾ [المؤمنون: 108]؛ فإن هذا من احتقارهم، وازدرائهم أنهم يوبخون بهذا القول..اهـ [30].   ﴿ وإلَهُكُمْ إلَهٌ واحِدٌ لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ (163). إعراب مفردات الآية[31]: (الواو) استئنافيّة (إله) مبتدأ مرفوع و(كم) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه (إله) خبر مرفوع (واحد) نعت لإله مرفوع مثله (لا) نافية للجنس (إله) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب والخبر محذوف تقديره موجود أو معبود بحقّ (إلّا) أداة استثناء (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع بدل من الضمير المستكنّ في الخبر أو بدل من محلّ لا واسمها لأن محلّه الرفع (الرحمن) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو «[32]»، (الرحيم) خبر ثان للمبتدأ المحذوف.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وإلَهُكُمْ إلَهٌ واحِدٌ لاَّ إلَهَ إلاَّ هُو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ - قال السعدي- رحمه الله: يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ أي: متوحد منفرد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فليس له [ص 78] شريك في ذاته، ولا سمي له ولا كفو له، ولا مثل، ولا نظير، ولا خالق، ولا مدبر غيره، فإذا كان كذلك، فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة، ولا يشرك به أحد من خلقه، لأنه ﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ المتصف بالرحمة العظيمة، التي لا يماثلها رحمة أحد، فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي، فبرحمته وجدت المخلوقات، وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات، وبرحمته اندفع عنها كل نقمة، وبرحمته عرّف عباده نفسه بصفاته وآلائه، وبيَّن لهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب.   فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة، فمن الله، وأن أحدا من المخلوقين، لا ينفع أحدا، علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة، وأن يفرد بالمحبة والخوف، والرجاء، والتعظيم، والتوكل، وغير ذلك من أنواع الطاعات.   وأن من أظلم الظلم، وأقبح القبيح، أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد، وأن يشرك المخلوقمن تراب، برب الأرباب، أو يعبد المخلوق المدبَّر العاجز من جميع الوجوه، مع الخالق المدبِّر القادر القوي، الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء.   ففي هذه الآية، إثبات وحدانية الباري وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين وبيان أصل الدليل على ذلك وهو إثبات رحمته التي من آثارها وجود جميع النعم، واندفاع جميع النقم، فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى.اهـ[33].   ﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ الَليْلِ والنَّهَارِ والْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ومَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (164).   إعراب مفردات الآية[34]: (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (في خلق) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (السموات) مضاف إليه مجرور (الأرض) معطوف على السموات بالواو مجرور مثله (الواو) عطفه (اختلاف) معطوف على خلق مجرور مثله (الليل) مضاف إليه مجرور (النهار) معطوف على الليل بالواو مجرور مثله (الواو) عاطفة (الفلك) معطوف على خلق مجرور مثله (التي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ نعت للفلك (تجري) مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة على الياء والفاعل ضمير مستتر تقديره هي (في البحر) جارّ ومجرور متعلّق بـ(تجري) «[35]» (الباء) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من فاعل تجري أي متلبّسة بما ينفع الناس (ينفع) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الناس) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (ما) اسم موصول معطوف على خلق في محلّ جرّ (أنزل) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (من السماء) جارّ ومجرور متعلّق بـ(أنزل)، (من ماء) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول أنزل أي ما أنزله اللّه من السماء حال كونه ماء، (الفاء) عاطفة (أحيا) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي: اللّه (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(أحيا)، (الأرض) مفعول به (بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ(أحيا)، (موت) مضاف إليه مجرور و(ها) مضاف إليه (الواو) عاطفة (بث) فعل ماض والفاعل هو (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(بث)، (من كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لمفعول بث (دابّة) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (تصريف) معطوف على خلق مجرور مثله (الرياح) مضاف إليه مجرور (السحاب) معطوف على الرياح بالواو مجرور مثله (المسخّر) نعت للسحاب مجرور مثله (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق بـ(المسخّر) فهو اسم مفعول (السماء) مضاف إليه مجرور (الأرض) معطوف على السماء بالواو مجرور مثله (اللام) لام الابتداء للتوكيد (آيات) اسم انّ مؤخّر منصوب وعلامة النصب الكسرة (لقوم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لآيات أي: آيات بيّنات لقوم..
(يعقلون) مضارع مرفوع والواو فاعل.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ الَليْلِ والنَّهَارِ والْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ﴾- قال العلامة ابن عثيمين- رحمه الله- في بيانها: قوله تعالى: ﴿ إن في خلق السموات والأرض ﴾؛ ﴿ السموات ﴾ جمع سماء، وتقدم أنها سبع؛ و﴿ الأرض ﴾ مفرد يراد به الجنس؛ فيشمل السبع؛ و﴿ خلق السموات والأرض ﴾ أي إيجادهما من عدم؛ ويشمل ذلك بقاءهما، وكيفيتهما، وكل ما يتعلق بهما من الشيء الدال على علم الله سبحانه وتعالى، وقدرته، وحكمته، ورحمته.   وقوله تعالى: ﴿ والأرض ﴾ يشمل ما أودع الله فيها من المنافع، حيث جعلها متضمنة، ومشتملة على جميع ما يحتاج الخلق إليه في حياتهم، وبعد مماتهم، كما قال تعالى: ﴿ ألم نجعل الأرض كفاتاً * أحياءً وأمواتاً ﴾ [المرسلات: 25، 26] إلى آخر الآيات؛ ما ظنك لو جعل الله هذه الأرض شفافة كالزجاج، فدفن فيها الأموات ينظر الأحياء إلى الأموات فلا تكون كفاتاً لهم! وما ظنك لو جعل الله هذه الأرض صلبة كالحديد، أو أشد فلا يسهل علينا أن تكون كفاتاً لأمواتنا، ولا لنا أيضاً في حياتنا! ثم هذه الأرض أودع الله فيها من المصالح، والمعادن شيئاً لم نستطع الوصول إليه حتى الآن.اهـ [36].   • وأضاف السعدي -رحمه الله- في بيان قوله تعالى ﴿ واخْتِلافِ الَليْلِ والنَّهَارِ ﴾ -ما نصه: وهو تعاقبهما على الدوام، إذا ذهب أحدهما، خلفه الآخر، وفي اختلافهما في الحر، والبرد، والتوسط، وفي الطول، والقصر، والتوسط، وما ينشأ عن ذلك من الفصول، التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم، وجميع ما على وجه الأرض، من أشجار ونوابت، كل ذلك بانتظام وتدبير، وتسخير، تنبهر له العقول، وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول، ما يدل ذلك على قدرة مصرفها، وعلمه وحكمته، ورحمته الواسعة، ولطفه الشامل، وتصريفه وتدبيره، الذي تفرد به، وعظمته، وعظمة ملكه وسلطانه، مما يوجب أن يؤله ويعبد، ويفرد بالمحبة والتعظيم، والخوف والرجاء، وبذل الجهد في محابه ومراضيه.اهـ [37].   • ﴿ ومَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ - قال البغوي -رحمه الله-: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ ﴾ يعني المطر قيل: أراد بالسماء السحاب، يخلق الله الماء في السحاب ثم من السحاب ينزل وقيل أراد به السماء المعروفة يخلق الله تعالى الماء في السماء ثم ينزل من السماء إلى السحاب ثم من السحاب ينزل إلى الأرض ﴿ فَأَحْيَا بِهِ ﴾ أي بالماء ﴿ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ أي بعد يبوستها وجدوبتها.اهـ [38].   • ﴿ وبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾- قال ابن عثيمين- رحمه الله في تفسيره: وفي تصريف هذه الرياح آيات: لو بقيت الريح في اتجاه واحد لأضرت بالعالم؛ لكنها تتقابل، فيكسر بعضها حدةَ بعض، ويذهب بعضها بما جاء به البعض الآخر من الأذى، والجراثيم، وغيرها؛ كذلك أيضاً في تصريفها آيات بالنسبة للسحاب فبعضها يجمع السحاب؛ وبعضها يفرقه؛ وبعضها يلقحه؛ وبعضه يدره، فيمطر، كما قال تعالى: ﴿ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ﴾ [الروم: 48]، وقال تعالى: ﴿ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ﴾ [الحجر: 22]؛ قال المفسرون: تلقح في السحاب؛ وفي تصريف الرياح أيضاً آيات للسفن الشراعية؛ وفيه أيضاً آيات في إهلاك الناس، وإنجاء آخرين: أهلك الله به عاداً، وطرد به الأحزاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأنجى الله رسول الله –صلي الله عليه وسلم- بهذه الريح من شر الأحزاب؛ ومن تدبر هذا عرف ما فيها من قدرة الله، ورحمته، وعزته، وحكمته؛ لو أن جميع مكائن الدنيا كلها اجتمعت، وصارت على أقوى ما يكون من نَفْث هواء لا يمكن أن تحرك ساكناً إلا فيما حولها فقط؛ لكن أن تصل من أقصى الشمال إلى الجنوب، أو بالعكس فلا؛ والله - جل وعلا - يقول للشيء إذا أراده: ﴿ كن فيكون ﴾ [البقرة: 117]؛ فتجد الرياح شديدة شمالية؛ وفي لحظة تنعكس، وتكون جنوبية شديدة؛ هذه تمام القدرة العظيمة، حيث يدبر الله هذه الرياح بأمر لا يستطيعه البشر؛ ولهذا صار تصريف الرياح آية من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته؛ ثم إن في تصريفها أيضاً مصالح للسفن الجوية؛ لأن لها تأثيراً على الطائرات - كما يقولون؛ وكذلك بالنسبة للسيارات لها تأثير.   ثم قال: قوله تعالى: ﴿ والسحاب المسخر بين السماء والأرض ﴾ أي وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض آيات لقوم يعقلون؛ و﴿ السحاب ﴾ هو هذا الغمام، والمزن؛ وسمي سحاباً؛ لأنه ينسحب انسحاباً في الجو بإذن الله؛ و﴿ المسخر ﴾ أي المذلل بأمر الله لمصالح الخلق؛ ومن الآيات فيه أنه دال على القدرة، والرحمة، والحكمة: أما دلالته على القدرة: فلأنه لا يستطيع أحد أن يفرقه إلا الله؛ ولا يستطيع أحد أن يوجهه إلى أي جهة إلا الله؛ ثم من يستطيع أن يجعل هذا السحاب أحياناً متراكماً حتى يكون مثل الجبال السود يوحش من يراه؛ وأحياناً يكون خفيفاً؛ وأحياناً يكون سريعاً؛ وأحياناً يكون بطيئاً؛ وأحياناً لا يتحرك؛ لأنه يسير بأمر الله.   وأما دلالته على الحكمة: فلأنه يأتي من فوق الرؤوس حتى يكون شاملاً لما ارتفع من الأرض، وما انهبط منها؛ ويأتي قطرات حتى لا ينهدم البنيان، ولا تشقق الأرض.   وأما دلالته على الرحمة: فلما يحصل من آثاره من نبات الأرض المختلف الذي يعيش عليه الإنسان، والبهائم.اهـ [39].   ﴿ ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ ولَوْ يَرَى الَذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ ﴾ (165). إعراب مفردات الآية[40]: (الواو) عاطفة (من الناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (من) اسم موصول مبنيّ في محل رفع مبتدأ مؤخّر «[41]»، (يتّخذ) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من دون) جارّ ومجرور متعلّق بـ(يتّخذ) «[42]»، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (أندادا) مفعول به منصوب (يحبّون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل و(هم) ضمير متّصل مفعول به (كحبّ) جار ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول مطلق (اللّه) مثل الأول.
(الواو) اعتراضيّة (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (آمنوا) فعل ماض وفاعله (أشد) خبر مرفوع (حبّا) تمييز منصوب (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بـ(حبّا).
(الواو) عاطفة (لو) شرط غير جازم (يرى) مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة (الذين) اسم موصول في محلّ رفع فاعل (ظلموا) مثل آمنوا (إذ) ظرف لما يستقبل من الزمان أستعير من المضيّ في محلّ نصب متعلّق بـ(يرى)، (يرون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون..
والواو فاعل (العذاب) مفعول به منصوب (أنّ) حرف مشبّه بالفعل (القوّة) اسم أنّ منصوب (للّه) مثل السابق متعلّق بمحذوف خبر أنّ (جميعا) حال منصوبة من الضمير المستكنّ في الخبر.   والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها سدّ مسدّ مفعولي علموا المحذوف..
وهو جواب لو.
أي: لو يرى الذين ظلموا العذاب لعلموا أنّ القوّة للّه جميعا (الواو) عاطفة (أنّ اللّه) مثل أنّ القوة (شديد) خبر مرفوع (العذاب) مضاف إليه مجرور.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ ﴾- قال السعدي في بيانها- رحمه الله-: ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها، فإنه تعالى، لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة، وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين، المزيلة لكل شك، ذكر هنا أن ﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾ مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أندادا لله أي: نظراء ومثلاء، يساويهم في الله بالعبادة والمحبة، والتعظيم والطاعة.   ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة، وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله، مشاق له، أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته، فليس له أدنى عذر في ذلك، بل قد حقت عليه كلمة العذاب.   وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد / مع الله، لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، وإنما يسوونهم به في العبادة، فيعبدونهم، ليقربوهم إليه، وفي قوله: ﴿ اتخذوا ﴾ دليل على أنه ليس لله ند وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا له، تسمية مجردة، ولفظا فارغا من المعنى، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ﴾.   ﴿ إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ ﴾ فالمخلوق ليس ندا لله لأن الله هو الخالق، وغيره مخلوق، والرب الرازق ومن عداه مرزوق، والله هو الغني وأنتم الفقراء، وهو الكامل من كل الوجوه، والعبيد ناقصون من جميع الوجوه، والله هو النافع الضار، والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء، فعلم علما يقينا، بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأندادا، سواء كان ملكا أو نبيا، أو صالحا، صنما، أو غير ذلك، وأن الله هو المستحق للمحبة الكاملة، والذل التام، فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ أي: من أهل الأنداد لأندادهم، لأنهم أخلصوا محبتهم له، وهؤلاء أشركوا بها، ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة، الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا، ومحبته عين شقاء العبد وفساده، وتشتت أمره.اهـ [43].   •﴿ ولَوْ يَرَى الَذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ العَذَابَ ﴾ - قال ابن عثيمين- رحمه الله في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ﴾ فيها قراءات: أولاً: ﴿ ولو يرى الذين ظلموا إذ يَرون العذاب ﴾ بياء الغيبة في ﴿ يرى ﴾، وبفتح الياء في ﴿ يَرون ﴾. ثانياً: ﴿ ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ﴾ بتاء الخطاب في ﴿ ترى ﴾، وبفتح الياء في ﴿ يَرون ﴾؛ وبضمها: ﴿ يُرون ﴾؛ فالقراءات إذاً ثلاث.   قوله تعالى: ﴿ الذين ظلموا ﴾؛ الظلم في الأصل هو النقص؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً ﴾ [الكهف: 33] أي لم تنقص؛ ولكنه يختلف بحسب السياق؛ فقوله تعالى: ﴿ الذين ظلموا ﴾ هنا: أي الذين نقصوا الله حقه، حيث جعلوا له أنداداً؛ وهم أيضاً ظلموا أنفسهم - أي نقصوها حقها -؛ لأن النفس أمانة عندك يجب أن ترعاها حق رعايتها؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ﴾ [الشمس: 9، 10]؛ فالنفس أمانة عندك؛ فإذا عصيت ربك فإنك ظالم لنفسك.
اهـ [44].   •﴿ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ ﴾ قال بعضهم: تقدير الكلام: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعًا، أي: إن الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ كما قال: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر: 25، 26] يقول: لو علموا ما يعاينونه هنالك، وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم، لانتهوا عما هم فيه من الضلال.اهـ- قاله ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره.
[45].   ﴿ إذْ تَبَرَّأَ الَذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَذِينَ اتَّبَعُوا ورَأَوُا العَذَابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ (166). إعراب مفردات الآية[46]: (إذ) ظرف للزمن المستقبل بدل من إذ الأول من الآية السابقة (تبرأ) فعل ماض (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (اتّبعوا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ..
والواو نائب فاعل (من) حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ(تبرّأ)، (اتّبعوا) فعل ماض وفاعله (الواو) حاليّة (رأوا) فعل ماض وفاعله (العذاب) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (تقطّع) فعل ماض و(التاء) تاء التأنيث (الباء) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ(تقطّع) والباء للمجاوزة بمعنى عن أو للسببية أي بسبب (الأسباب) فاعل مرفوع.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إذْ تَبَرَّأَ الَذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ -قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها ما مختصره: تبرأت منهم الملائكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم في دار الدنيا، فتقول الملائكة: ﴿ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ [القصص: 63] ويقولون: ﴿ سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ﴾ [سبأ: 41] والجن أيضًا تتبرأ منهم، ويتنصلون من عبادتهم لهم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5، 6] وقال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82] وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].
اهـ[47].   • وزاد العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - بياناً فقال: ﴿ الذين اتَّبعوا ﴾: وهم الاتباع، والضعفاء، وما أشبههم؛ فمن ذلك مثلاً: رؤساء الكفر يدعون الناس إلى الكفر، مثل فرعون: فقد دعا إلى الكفر؛ فهو متَّبَع؛ وقومه متَّبِعون؛ وكذلك غيره من رؤساء الكفر، والضلال، فإنهم أيضاً متَّبَعون؛ ومن تبعهم فهو متّبِع، فهؤلاء يتبرأ بعضهم من بعض؛ وقد ذكر الله سبحانه وتعالى مناقشة بعضهم لبعض، ومحاجة بعضهم بعضاً في عدة آيات.   ولا يشمل قوله تعالى: ﴿ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ﴾ من اتبع أئمة الهدى؛ فالمتبعون للرسل لا يتبرأ منهم الرسل؛ والمتبعون لأئمة الهدى لا يتبرأ منهم أئمة الهدى؛ لقوله تعالى: ﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴾ [الزخرف: 67]؛ فالأخلاء، والأحبة يوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض إلا المتقين..اهـ [48].   • ﴿ ورَأَوُا العَذَابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ أي: عَاينوا عذاب الله، وتقطَّعت بهم الحيَلُ وأسباب الخلاص ولم يجدوا عن النار مَعْدلا ولا مَصْرفا.اهـ [49]قاله ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره.   ﴿ وقَالَ الَذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ومَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ (167). إعراب مفردات الآية[50]: (الواو) عاطفة (قال) فعل ماض (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (اتّبعوا) فعل ماض وفاعله (لو) حرف تمنّ تضمّن معنى الشرط (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللام) حرف جرّ (نا) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر أنّ مقدّم (كرة) اسم أنّ منصوب.   والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت أي: لو ثبت حصول الكرّة لنا..
وجواب لو محذوف تقديره لتبرّأنا.   (الفاء) فاء السببيّة (نتبرّأ) مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة بعد الفاء، وقد اعتمد النصب على التمنّي المشربة به لو، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن.   والمصدر المؤوّل (أن نتبرّأ) في محلّ رفع معطوف على المصدر الأول المسبوك من الكلام السابق أي: لو ثبت حصول كرّة لنا فتبرئتنا منهم.   (من) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ(نتبرّأ)، (الكاف) حرف جرّ وتشبيه (ما) حرف مصدريّ (تبرّؤوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (منا) مثل منهم متعلّق بـ(تبرّؤوا).   والمصدر المؤوّل من (ما) والفعل في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق لفعل نتبرّأ.   (الكاف) مثل الأول (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلق بمحذوف مفعول مطلق و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب..
أي: يريهم رؤية أو يحشرهم حشرا أو يجزيهم جزاء كذلك.
(يري) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة و(هم) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به أوّل (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (أعمال) مفعول به ثان منصوب و(هم) مضاف إليه (حسرات) مفعول به ثالث منصوب وعلامة النصب الكسرة «[51]»، (عليهم) مثل منهم متعلّق بمحذوف نعت لحسرات «[52]»، (الواو) عاطفة أو حاليّة (ما) نافية عاملة عمل ليس (هم) ضمير منفصل في محل رفع اسم ما (الباء) حرف جرّ زائد (خارجين) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما، وعلامة الجرّ الباء (من النار) جارّ ومجرور متعلّق بـ(خارجين).   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وقَالَ الَذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴾ فسرها ابن كثير -رحمه الله- فقال ما مختصره: أي: لو أن لنا عَوْدة إلى الدار الدنيا حتى نَتَبَرَّأ من هؤلاء ومن عبادتهم، فلا نلتفت إليهم، بل نوحد الله وحده بالعبادة.
وهم كاذبون في هذا، بل لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه.
كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك؛ ولهذا قال: ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ أي: تذهب وتضمحل كما قال الله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].اهـ[53].   • ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ومَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ - قال البغوي -رحمه الله-: ﴿ كَذَلِك ﴾ أي كما أراهم العذاب كذلك ﴿ يُرِيهِمُ اللَّهُ ﴾ وقيل:كتبري بعضهم من بعض يريهم الله ﴿ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ ﴾ ندامات ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ جمع حسرة قيل يريهم الله ما ارتكبوا من السيئات فيتحسرون لِمَ عملوا، وقيل يريهم ما تركوا من الحسنات فيندمون على تضييعها وقال ابن كيسان: إنهم أشركوا بالله الأوثان رجاء أن تقربهم إلى الله عز وجل، فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسروا وندموا.
قال السدي: ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله فيقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله، ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يندمونويتحسرون ﴿ وَمَاهُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار ﴾.اهـ [54].   • وزاد أبو جعفر الطبري بياناً شافياً وهو يبين المقصود بقوله تعالى (يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) فقال- رحمه الله- ما مختصره: فإن قال لنا قائل: فكيف يَرَون أعمالهم حَسرات عليهم، وإنما يتندم المتندم عَلى تَرْك الخيرات وفوتها إياه؟ وقد علمت أنّ الكفار لم يكن لهم من الأعمال ما يتندّمون على تركهم الازديادَ منه، فيريهم الله قليلَه! بل كانت أعمالهم كلها معاصيَ لله، ولا حسرةَ عليهم في ذلك، وإنما الحسرة فيما لم يَعملوا من طاعة الله؟ قيل: إن أهل التأويل في تأويل ذلك مختلفون، فنذكر في ذلك ما قالوا، ثم نخبر بالذي هو أولى بتأويله إن شاء الله.   فقال بعضهم: معنى ذلك: كذلك يريهم الله أعمالهم التي فرضها عليهم في الدنيا فضيَّعوها ولم يعملوا بها، حتى استوجب ما كان الله أعدَّ لهم، لو كانوا عملوا بها في حياتهم، من المساكن والنِّعم غيرُهمْ بطاعته ربَّه.
فصار ما فاتهم من الثواب - الذي كان الله أعدَّه لهم عنده لو كانوا أطاعوه في الدنيا، إذ عاينوهعند دخول النار أو قبل ذلك- أسًى وندامةً وحسرةً عليهم.   وذكر - رحمه الله - من أصحاب هذا التأويل السدي- رحمه الله - ثم قال: وقال آخرون: كذلك يُريهم الله أعمالهم السيئة حسرات عليهم، لم عَملوها؟ وهلا عملوا بغيرها مما يُرضي الله تعالى ذكره؟ وذكر ممن قال بذلك الربيع وابن زيد - رحمهما الله - ثم رجح الأصح عنده فقال: وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال: معنى قوله:"كذلك يُريهم الله أعمالهمْ حَسرات عليهم"، كذلك يُرِي الله الكافرين أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم، لم عملوا بها؟ وهلا عملوا بغيرها؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرديئة، إذ رأوا جزاءها من الله وعقابها، لأن الله أخبر أنه يريهم أعمالهم ندمًا عليهم.اهـ[55].   ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ (168). إعراب مفردات الآية[56]: (يا) أداة نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب بالنداء (ها) حرف تنبيه (الناس) بدل من أي تبعه في الرفع لفظا (كلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (من) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ(كلوا) «[57]»، (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة ما (حلالا) في إعرابه أوجه: الأول: مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته أي أكلا حلالا.   الثاني: حال من ما أي: كلوا الذي تنتجه الأرض حلالا.
الثالث: مفعول به لـ (كلوا)، وهي صفة لموصوف محذوف أي كلوا إنتاجا حلالا.
(طيبا) فيه وجهان: الأول: أن يكون نعتا لـ (حلالا) إذا أعرب مفعولا به أو حالا.
الثاني: أن يكون مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر إذا أعرب حلالا مفعول به أي: كلوا الحلال ممّا في الأرض أكلا طيّبا.
(الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تتّبعوا) مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون..والواو فاعل (خطوات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (الشيطان) مضاف إليه مجرور (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(الهاء) ضمير اسم إنّ (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من عدو- نعت تقدّم على المنعوت- (عدوّ) خبر مرفوع (مبين) نعت لعدوّ مرفوع مثله.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ قال السعدي - رحمه الله - في تفسيرها إجمالاً: هذا خطاب للناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض، من حبوب، وثمار، وفواكه، وحيوانات، حالة كونها ﴿ حَلالا ﴾ أي: محللا لكم تناوله، ليس بغصب ولا سرقة، ولا محصلا بمعاملة محرمة أو على وجه محرم، أو معينا على محرم.   ﴿ طَيِّبًا ﴾ أي: ليس بخبيث، كالميتة والدم، ولحم الخنزير، والخبائث كلها، ففي هذه الآية، دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة، أكلا وانتفاعا، وأن المحرم نوعان: إما محرم لذاته، وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب، وإما محرم لما عرض له، وهو المحرم لتعلق حق الله، أو حق عباده به، وهو ضد الحلال.   وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب، يأثم تاركه لظاهر الأمر، ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به - إذ هو عين صلاحهم - نهاهم عن اتباع ﴿ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ أي: طرقه التي يأمر بها، وهي جميع المعاصي من كفر، وفسوق، وظلم، ويدخل في ذلك تحريم السوائب، والحام، ونحو ذلك، ويدخل فيه أيضا تناول المأكولات المحرمة، ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ أي: ظاهر العداوة، فلا يريد بأمركم إلا غشكم، وأن تكونوا من أصحاب السعير.
اهـ [58].   • وقال ابن عثيمين-رحمه الله- عن تفسير قوله تعالى: ﴿ ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ في بيانه لفوائد هذه الجزئية من الآية ما نصه: "تحريم اتباع خطوات الشيطان؛ لقوله تعالى:؛ ومن ذلك الأكل بالشمال، والشرب بالشمال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله»[59]؛ ومن اتباع خطوات الشيطان القياس الفاسد؛ لأن أول من قاس قياساً فاسداً هو إبليس؛ لأن الله لما أمره بالسجود لآدم عارض هذا الأمر بقياس فاسد: قال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [76-ص]؛ يعني: فكان الأولى هو الذي يسجد؛ فهذا قياس في مقابلة النص؛ فاسد الاعتبار؛ ومن اتباع خطوات الشيطان أيضاً الحسد؛ لأن الشيطان إنما قال ذلك حسداً لآدم؛ وهو أيضاً دأب اليهود، كما قال تعالى: ﴿ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم ﴾ [البقرة: 109]؛ وكل خُلق ذميم، أو عمل سوء، فإنه من خطوات الشيطان.اهـ[60].   ﴿ إنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ والْفَحْشَاءِ وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ (169). إعراب مفردات الآية[61]: (إنما) كافّة ومكفوفة لا عمل لها (يأمر) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو و(كم) ضمير متّصل مفعول به (بالسوء) جارّ ومجرور متعلّق بـ(يأمر)، (الفحشاء) معطوف على السوء بحرف العطف مجرور مثله (الواو) عاطفة (أن) حرف مصدريّ ونصب (تقولوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون..
والواو فاعل.   والمصدر المؤوّل (أن تقولوا..) في محلّ جرّ معطوف على السوء والفحشاء أي بأن تقولوا على اللّه.
(على اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بـ(تقولوا) بتضمينه معنى تتقوّلوا.   (ما) اسم موصول «[62]» مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (لا) نافية (تعلمون) مضارع مرفوع...
والواو فاعل.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ والْفَحْشَاءِ وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ -قال ابن كثير في تفسيرها إجمالاً ما نصه: أي إنما يأمركم عدوّكم الشيطان بالأفعال السيئة، وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه، وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم، فيدخل في هذا كل كافر وكل مبتدع أيضًا.اهـ[63].   • وأضاف الشنقيطي-رحمه الله في تقسيره لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ما نصه: لم يبين هنا هذا الذي يقولونه عليه بغير علم، ولكنه فصله في مواضع أخر، فذكر أن ذلك الذي يقولونه بغير علم؛ هو أن الله حرم البحائر والسوائب ونحوها، وأن له أولادا، وأن له شركاء - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - فصرح بأنه لم يحرم ذلك بقوله: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [المائدة: 103]، وقوله: ﴿ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 140]، وقوله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ﴾ [يونس: 59]، وقوله: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ﴾ [النحل: 116] إلى غير ذلك من الآيات، ونزه نفسه عن الشركاء المزعومة بقوله: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18] ونحوها من الآيات ونزه نفسه عن الأولاد المزعومة بقوله: ﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ﴾ [يونس: 68] ونحوها من الآيات فظهر من هذه الآيات تفصيل (ما) أجمل في اسم الموصول الذي هو (ما) من قوله: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.اهـ[64].   -وللعلامة ابن عثيمين فوائد جليلة في بيان هذه الجزئية من الآية: ﴿ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ﴾ فقالما مختصره: والقول على الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقول على الله ما يعلم أن الله قاله؛ هذا جائز؛ ويصل إلى حد الوجوب إذا دعت الحاجة إليه. القسم الثاني: أن يقول على الله ما يعلم أن الله قال خلافه؛ فهذا حرام؛ وهذا أشد الأقسام لما فيه من محادة الله. القسم الثالث: أن يقول على الله ما لا يعلم أن الله قاله؛ وهذا حرام أيضاً.   فصار القول على الله حراماً في حالين؛ إحداهما: أن يقول على الله ما لا يعلم أن الله قاله، أم لم يقله؛ والثانية: أن يقول على الله ما يعلم أن الله قال خلافه. وقوله تعالى: ﴿ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ﴾ يشمل القول على الله في ذاته، كالقائلين أنه سبحانه وتعالى ليس بداخل العالم، ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا فوق العالم، ولا تحت؛ هؤلاء قالوا على الله بلا علم؛ بل بما يُعلم أن الأمر بخلافه.   ويشمل القول على الله في أسمائه، مثل أن يقول: إن أسماء الله سبحانه وتعالى أعلام مجردة لا تحمل معاني، ولا صفات: فهو سميع بلا سمع؛ وبصير بلا بصر؛ وعليم بلا علم؛ فهو عليم بذاته لا بعلم هو وصفه.   ويشمل أيضاً من قال في صفات الله ما لا يعلم، مثل أن يثبتوا بعض الصفات دون بعض، فيقولون فيما نفوه: أراد به كذا، ولم يرد به كذا؛ فقالوا على الله بلا علم من وجهين: الوجه الأول: أنهم نفوا ما أراد الله بلا علم. والثاني: أثبتوا ما لم يعلموا أن الله أراده؛ فقالوا مثلاً: ﴿ استوى على العرش ﴾ [الأعراف: 54] بمعنى استولى عليه؛ قالوا على الله بلا علم من وجهين؛ الوجه الأول: نفيهم حقيقة الاستواء بلا علم؛ والثاني: إثباتهم أنها بمعنى الاستيلاء بلا علم.
كذلك يشمل القول على الله بلا علم في أفعاله، مثل أن يثبتوا أسباباً لم يجعلها الله أسباباً، كمثل المنجمين، والخرَّاصين، وشبههم؛ هؤلاء قالوا على الله بلا علم في أفعاله، ومخلوقاته؛ فيقولون: سبب وجود هذا وهذا كذا؛ وهو لا يُعلم أنه سبب له، كوناً، ولا شرعاً.   ويشمل أيضاً القول على الله بلا علم في أحكامه؛ مثل أن يقول: «هذا حرام» وهو لا يعلم أن الله حرمه؛ أو «واجب» وهو لا يعلم أن الله أوجبه؛ وهم كثيرون جداً؛ ومنهم العامة، ومنهم أدعياء العلم الذي يظنون أنهم علماء وليس عندهم علم.   ثم ذكر-رحمه الله - خلاصة كلامه فقال: فالقول على الله بلا علم في ذاته، أو أسمائه، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه، كل ذلك من أوامر الشيطان؛ والغالب أنه لا يحمل على ذلك إلا محبة الشرف، والسيادة، والجاه؛ وإلا لو كان عند الإنسان تقوى لالتزم الأدب مع الله عز وجل، ولم يتقدم بين يدي الله ورسوله، وصار لا يقول على الله إلا ما يعلم.اهـ [65].   ﴿ وإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُونَ ﴾ (170). إعراب مفردات الآية[66]: (الواو) عاطفة (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بـ(قالوا) (قيل) فعل ماض مبنيّ للمجهول (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ(قيل).
(اتّبعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون...
والواو فاعل (ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به (أنزل) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (قالوا) فعل ماض وفاعله (بل) حرف إضراب وابتداء (نتّبع) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (ما) مثل الأول (ألفى) فعل ماض مبنيّ على السكون و(نا) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (على) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول به ثان (آباء) مفعول به أول منصوب و(نا) مضاف إليه (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (الواو) عاطفة تقدّمت عليها الهمزة للصدارة (لو) حرف شرط غير جازم (كان) فعل ماض ناقص (آباء) اسم كان مرفوع و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه (لا) نافية (يعقلون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (شيئا) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (لا يهتدون) مثل لا يعقلون.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُونَ ﴾ -قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها إجمالاً ما نصه: قول تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ ﴾ لهؤلاء الكفرة من المشركين: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ ﴾ على رسوله، واتركوا ما أنتم فيه من الضلال والجهل، قالوا في جواب ذلك: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا ﴾ أي: وجدنا ﴿ عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ أي: من عبادة الأصنام والأنداد.
قال الله تعالى منكرًا عليهم: ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ ﴾ أي: الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم ﴿ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ أي: ليس لهم فهم ولا هداية!!.اهـ[67].   • وقال السعدي -رحمه الله- مضيفاً: فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعا، واتبعه إن كان منصفا.اهـ [68].   ﴿ ومَثَلُ الَذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلاَّ دُعَاءً ونِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ (171). إعراب مفردات الآية[69]: (الواو) استئنافيّة (مثل) مبتدأ مرفوع (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (كفروا) فعل ماض وفاعله (كمثل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (ينعق) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وهو العائد (الباء) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق بـ(ينعق)، (لا) نافية (يسمع) مثل ينعق (إلا) أداة حصر (دعاء) مفعول به منصوب (نداء) معطوف على دعاء بالواو منصوب مثله (صمّ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم مرفوع (بكم) خبر ثان مرفوع (عمي) خبر ثالث مرفوع (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (لا) نافية (يعقلون) مضارع مرفوع.والواو فاعل.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ ومَثَلُ الَذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلاَّ دُعَاءً ونِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾-قال أبو جعفر الطبري:اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، وبين- رحمه الله- هذا الاختلاف في قوله: فقال بعضهم: معنى ذلك: مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يُتلى عليه في كتابه، وسُوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به مثلُ البهيمة التي تسمع الصوتَ إذا نُعق بها، ولا تعقلُ ما يقال لها.   وذكر ممن قال بذلك مثل عكرمة وابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم..ثم قال: وقال آخرون: معنى ذلك: ومَثل الذين كفروا في دُعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل، كمثل الذي يَنعق بما لا يسمع إلا دُعاءً ونداءً، وذلك الصدى الذي يسمع صوته، ولا يفهم به عنه الناعقُ شيئًا،وذكر ممن قال ذلك أبا زيد ، ولكنه- رحمه الله- رجح القول الأولوقال: وإنما اخترنا هذا التأويل، لأن هذه الآية نزلت في اليهود، وإياهم عَنى الله تعالى ذكره بها، ولم تكن اليهود أهل أوثان يَعبدونها، ولا أهل أصنام يُعظمونها ويرجون نَفعها أو دَفع ضرها.
ولا وجه -إذ كان ذلك كذلك- لتأويل من تأوّل ذلك أنه بمعنى: مَثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودُعائهم إياها.اهـ[70].   • وقال السعدي- رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه: لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل، وردهم لذلك بالتقليد، علم من ذلك أنهم غير قابلين للحق، ولا مستجيبين له، بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم، أخبر تعالى، أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها، وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت، الذي تقوم به عليهم الحجة، ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم، فلهذا كانوا صما لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول، عميا لا ينظرون نظر اعتبار، بكما فلا ينطقون بما فيه خير لهم.   والسبب الموجب لذلك كله، أنه ليس لهم عقل صحيح، بل هم أسفه السفهاء، وأجهل الجهلاء.   فهل يستريب العاقل، أن من دعي إلى الرشاد، وذِيدَ عن الفساد، ونهي عن اقتحام العذاب، وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه، وفوزه، ونعيمه، فعصى الناصح، وتولى عن أمر ربه، واقتحم النار على بصيرة، واتبع الباطل، ونبذ الحق - أن هذا ليس له مسكة من عقل، وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء، فإنه من أسفه السفهاء؟! اهـ[71].   ﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ واشْكُرُوا لِلَّهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ (172). إعراب مفردات الآية[72]: (يأيّها) سبق إعرابها «[73]»، (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من أيّ (آمنوا) فعل ماض وفاعله (كلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (من طيّبات) جارّ ومجرور متعلّق بـ(كلوا) «[74]»، (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (رزقنا) فعل ماض مبنيّ على السكون و(نا) فاعل و(كم) مفعول به (الواو) عاطفة (اشكروا) مثل كلوا (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بـ(اشكروا)، (إن) حرف شرط جازم (كنتم) فعل ماض ناقص مبني على السكون في محلّ جزم فعل الشرط..
و(تم) ضمير اسم كان (إياه) ضمير بارز منفصل مبنيّ على الضم في محلّ نصب مفعول به مقدّم (تعبدون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ واشْكُرُوا لِلَّهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾. • قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله- في تفسيرها إجمالاً: يعني: اطعَموا من حَلال الرزق الذي أحللناهُ لكم، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم، مما كنتم تحرِّمونَ أنتم، ولم أكن حرمته عليكم، من المطاعم والمشارب."واشكروا لله"، يقول: وأثنوا على الله بما هو أهله منكم، على النعم التي رزقكم وَطيَّبها لكم."إن كنتم إياه تعبدون"، يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيَّبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان.
اهـ[75].   • وزاد السعدي- رحمه الله-في تفسيرها بياناً شافياً فقال:هذا أمر للمؤمنين خاصة، بعد الأمر العام، وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي، بسبب إيمانهم، فأمرهم بأكل الطيبات من الرزق، والشكر لله على إنعامه، باستعمالها بطاعته، والتقوي بها على ما يوصل إليه، فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾.   فالشكر في هذه الآية، هو العمل الصالح، وهنا لم يقل "حلالا"لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة، ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له.   وقوله ﴿ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ أي: فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله، لم يعبده وحده، كما أن من شكره، فقد عبده، وأتى بما أمر به، ويدل أيضا على أن أكل الطيب سبب للعمل الصالح وقبوله، والأمر بالشكر عقيب النعم؛ لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة، كما أن الكفر ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة..اهـ[76].   ﴿ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنزِيرِ ومَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (173). إعراب مفردات الآية[77]: (إنّما) كافّة ومكفوفة لا عمل لها (حرّم) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي اللّه (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(حرّم)، (الميتة) مفعول به منصوب (الدم، لحم) اسمان معطوفان على الميتة بحرفي العطف منصوبان مثله (الخنزير) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (ما) اسم موصول «[78]» مبنيّ في محلّ نصب معطوف على الميتة (أهلّ) فعل ماض مبنيّ للمجهول (الباء) حرف جرّ و(الهاء) في محلّ جرّ والجارّ والمجرور ناب مناب الفاعل (لغير) جارّ ومجرور متعلّق بـ(أهلّ)، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الفاء) استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (اضطرّ) فعل ماض مبنيّ للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (غير) حال منصوبة من نائب الفاعل (باغ) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الياء المحذوفة (الواو) عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (عاد) معطوفة على باغ مجرور مثله وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الياء المحذوفة (الفاء) رابطة لجواب الشرط (لا) نافية للجنس (إثم) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (عليه) مثل عليكم متعلّق بمحذوف خبر لا (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (غفور) خبر إنّ مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنزِيرِ ومَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ - بين ابن عثيمين تفسيرها إجمالاً فقال -رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ إنما حرم عليكم الميتة ﴾؛ ﴿ إنما ﴾ أداة حصر؛ و«الحصر» إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه؛ فالتحريم محصور في هذه الأشياء؛ والمعنى: ما حرم عليكم إلا الميتة...؛ و «التحريم» بمعنى المنع؛ ومعنى ﴿ حرم عليكم ﴾ أي منعكم أي حرم عليكم أكلها؛ والدليل أنه حرم أكلها الآية التي قبلها: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ﴾ [البقرة: 172]؛ ثم قال تعالى: ﴿ إنما حرم عليكم الميتة ﴾؛ فكأنه قال: «كلوا» ثم استثنى فقال: ﴿ إنما حرم عليكم الميتة...
﴾ أي فلا تأكلوها؛ و﴿ الميتة ﴾ في اللغة ما مات حتف أنفه يعني بغير فعل من الإنسان، أما في الشرع: فهي ما مات بغير ذكاة شرعية، كالذي مات حتف أنفه؛ أو ذبح على غير اسم الله؛ أو ذبح ولم ينهر الدم؛ أو ذكاه من لا تحل تذكيته، كالمجوسي، والمرتد.   قوله تعالى: ﴿ والدم ﴾ يعني: وحرم عليكم الدم؛ و «الدم» معروف؛ والمراد به هنا الدم المسفوح دون الذي يبقى في اللحم، والعروق، ودم الكبد، والقلب؛ لقوله تعالى: ﴿ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس ﴾ [الأنعام: 145].   قوله تعالى: ﴿ ولحم الخنزير ﴾ أي: وحرم عليكم لحم الخنزير؛ و «الخنزير» حيوان معروف قذر؛ قيل: إنه يأكل العذرات.   قوله تعالى: ﴿ وما أهلَّ به لغير الله ﴾ يعني: وحرم عليكم ما أهلَّ به لغير الله؛ و«الإهلال» هو رفع الصوت؛ ومنه الحديث: «إذا استهل المولود ورث»[79]؛ والمراد به هنا ما ذكر عليه اسم غير الله عند ذبحه مثل أن يقول: «باسم المسيح»، أو «باسم محمد»، أو «باسم جبريل»، أو «باسم اللات»، ونحو ذلك.اهـ [80].   • وللعلامة الشنقيطي في تفسيره لبيان قوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم) فائدة جليلة نذكرها هنا..
قال - رحمه الله – ما مختصره: ظاهر هذه الآية أن جميع أنواع الميتة والدم حرام، ولكنه بين في موضع آخر أن ميتة البحر خارجة عن ذلك التحريم وهو قوله: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾ الآية [المائدة: 96]، إذ ليس للبحر طعام غير الصيد إلا ميتته.
وما ذكره بعض العلماء من أن المراد بطعامه قديده المجفف بالملح مثلا، وأن المراد بصيده الطري منه، فهو خلاف الظاهر; لأن القديد من صيده فهو صيد جعل قديدا، وجمهور العلماء على أن المراد بطعامه ميتته منهم: أبو بكر الصديق، وزيد بن ثابت [81]، وعبد الله بن عمر، وأبو أيوب الأنصاري[82] - رضي الله عنهم - أجمعين وعكرمة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري وغيرهم، كما نقله عنهم ابن كثير، وأشار في موضع آخر إلى أن غير المسفوح من الدماء ليس بحرام وهو قوله: ﴿ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ [6 : 145] فيفهم منه أن غير المسفوح كالحمرة التي تعلو القدر من أثر تقطيع اللحم ليس بحرام، إذ لو كان كالمسفوح لما كان في التقييد بقوله: (مسفوحا) فائدة.اهـ[83].   • ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قال ابن كثير في تفسيرها ما مختصره: أي في غير بغي ولا عدوان، وهو مجاوزة الحد ﴿ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ أي: في أكل ذلك ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. ثم قال– رحمه الله-: وقال مجاهد: فمن اضطر غير باغ ولا عاد، قاطعًا للسبيل، أو مفارقًا للأئمة، أو خارجًا في معصية الله، فله الرخصة، ومن خرج باغيًا أو عاديًا أو في معصية الله فلا رخصة له، وإن اضطر إليه، وكذا روي عن سعيد بن جبير.   وقال سعيد - في رواية عنه - ومقاتل بن حيان: غير باغ: يعني غير مستحله.
وقال السدي: غير باغ يبتغي فيه شهوته، وقال عطاء الخراساني[84] في قوله: ﴿ غَيْرَ بَاغٍ ﴾ قال لا يشوي من الميتة ليشتهيه، ولا يطبخه، ولا يأكل إلا العُلْقَة، ويحمل معه ما يبلغه الحلال، فإذا بلغه ألقاه وهو قوله: ﴿ وَلا عَادٍ ﴾ يقول: لا يعدو به الحلال.   وعن ابن عباس: لا يشبع منها.
وفسره السدي بالعدوان.
وعن ابن عباس ﴿ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ﴾ قال: ﴿ غَيْرَ بَاغٍ ﴾ في الميتة ﴿ وَلا عَادٍ ﴾ في أكله.
وقال قتادة: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فيأكله: أن يتعدى حلالا إلى حرام، وهو يجد عنه مندوحة.
اهـ[85].   • وأضاف السعدي - رحمه الله: وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.اهـ [86].   ﴿ إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ ويَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلاَّ النَّارَ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (174). إعراب مفردات الآية[87]: (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (الذين) اسم موصول في محلّ نصب اسم إنّ (يكتمون) مضارع مرفوع..
والفاعل هو الواو (ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به «[88]»، (أنزل) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (من الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول أنزل (الواو) عاطفة (يشترون) مثل يكتمون (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(يشترون) بتضمينه معنى يستبدلون (ثمنا) مفعول به منصوب (قليلا) نعت لـ (ثمنا) منصوب مثله (أولاء) اسم إشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (ما) نافية (يأكلون) مثل يكتمون (في بطون) جارّ ومجرور متعلّق بـ(يأكلون) بتضمينه معنى يضعون (إلا) أداة حصر (النار) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (لا) نافية (يكلّم) مضارع مرفوع (وهم) ضمير متّصل مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ(يكلّمهم)، (القيامة) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (لا يزكّيهم) مثل لا يكلّمهم (الواو) عاطفة (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (عذاب) مبتدأ مؤخّر مرفوع (أليم) نعت لعذاب مرفوع مثله.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ ويَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ - قال ابن كثير في تفسيرها ما مختصره: يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم، مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم، فخشوا - لعنهم الله - إن أظهروا ذلك أن يَتَّبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك، وهو نزرٌ يسير، فباعوا أنفسهم بذلك، واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله بذلك النزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة؛ أما في الدنيا فإن الله أظهر لعباده صِدْقَ رسوله، بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات والدلائل القاطعات، فصدقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه، وصاروا عونًا له على قتالهم، وباؤوا بغضب على غضب، وذمهم الله في كتابه في غيرموضع.اهـ [89].   • وأضاف القرطبي في تفسير بقية الآية بتصرف يسير: ﴿ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ﴾ أي بالمكتوم ﴿ ثَمَناً قَلِيلًا ﴾ يعني أخذ الرشا.
وسماه قليلا لانقطاع مدته وسوء عاقبته.
وقيل: لان ما كانوا يأخذونه من الرشا كان قليلا.   ثم قال: وهذه الآية وإن كانت في الأخبار فإنها تتناول من المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها.اهـ[90].   • وبين ابن عثيمين في تفسيره لهذه الآية فائدة فقال-رحمه الله- ما مختصره: الناس في كتمان ما أنزل الله ثلاثة أقسام: القسم الأول: من يكتم العلم بخلاً به، ومنعاً لانتفاع الناس به. والقسم الثاني: من يكتم العلم ولا يبينه إلا لغرض دنيوي من مال، أو جاه، أو رئاسة، أو غير ذلك. والقسم الثالث: من يكتم العلم بخلاً به، ولا يبينه إلا لغرض دنيوي؛ فيجمع بين الأمرين؛ وهذا شر الأقسام؛ وهو المذكور في الآية التي نحن بصدد تفسيرها.   ثم قال: أما من أظهر العلم لله، وتعلم لله، فهذا هو خير الأقسام؛ وهو القسم الرابع الذي يبين بلسانه، وحاله، وقلمه، ما أنزل الله عز وجل؛ والذي يكتم خوفاً إذا كان سيبين في موضع آخر فلا بأس؛ أما الذي يكتم مطلقاً فهذا لا يجوز؛ فيجب أن يبين ولو قُتل إذا كان يتوقف بيان الحق على ذلك، كما جرى لبعض أهل السنة الذين صبروا على القتل في بيانها لتعينه عليهم.اهـ [91].   •﴿ أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلاَّ النَّارَ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. قال القرطبي ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ فِي بُطُونِهِمْ ﴾ ذكر البطون دلالة وتأكيدا على حقيقة الأكل، إذ قد يستعمل مجازا في مثل: أكل فلان أرضي ونحوه.
وفي ذكر البطون أيضا تنبيه على جشعهم وأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له ،ومعنى" إِلَّا النَّارَ" أي إنه حرام يعذبهم الله عليه بالنار، فسمي ما أكلوه من الرشا نارا لأنه يؤديهم إلى النار، هكذا قال أكثر المفسرين.
وقيل: أي إنه يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة.
فأخبر عن المآل بالحال، كما قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ﴾ [النساء: 10] أي أن عاقبته تؤول إلى ذلك.   ثم قال- رحمه الله:.
قوله تعالى: ﴿ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ﴾ عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم، يقال: فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه.
وقال الطبري: المعنى ﴿ وَلا يُكَلِّمُهُمُ ﴾ بما يحبونه.
وفي التنزيل: ﴿ اخْسَؤُوا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108].
وقيل: المعنى ولا يرسل إليهم الملائكة بالتحية." وَلا يُزَكِّيهِمْ" أي لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم.
وقال الزجاج: لا يثني عليهم خيرا ولا يسميهم أزكياء.
و﴿ أَلِيمٌ ﴾ بمعنى مؤلم، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ ولا ينظر إليهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر)[92].   وإنما خص هؤلاء بأليم العذاب وشدة العقوبة لمحض المعاندة والاستخفاف الحامل لهم على تلك المعاصي، إذ لم يحملهم على ذلك حاجة، ولا دعتهم إليه ضرورة كما تدعو من لم يكن مثلهم.اهـ[93].   ﴿ أُوْلَئِكَ الَذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى والْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ (175) إعراب مفردات الآية[94]: (أولاء) اسم إشارة مبتدأ (الذين) اسم موصول خبر (اشتروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (الضلالة) مفعول به منصوب (بالهدى) جارّ ومجرور متعلّق بـ(اشتروا) بتضمينه معنى استبدلوا وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (الواو) عاطفة (العذاب) مفعول به لفعل محذوف تقديره اشتروا (بالمغفرة) مثل بالهدى ومتعلّق بالفعل المحذوف (الفاء) استئنافيّة (ما) تعجّبيّة نكرة تامّة بمعنى شيء في محلّ رفع مبتدأ «[95]»، (أصبر) فعل ماض جامد لإنشاء التعجّب مبنيّ على الفتح و(هم) ضمير في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يعود على ما (على النار) جارّ ومجرور متعلّق بـ(أصبر).
وجمود الفعل غير مانع من التعليق لأنه جمود طارئ.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ أُوْلَئِكَ الَذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى والْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في تفسيرها: قال تعالى مخبرا عنهم: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ﴾ أي: اعتاضوا عن الهدى، وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء واتباعه وتصديقه، استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه بالضلالة، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم ﴿ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ﴾ أي: اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب وهو ما تعاطَوْه من أسبابه المذكورة.   وقوله تعالى: ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ يخبر تعالى أنَّهم في عذاب شديد عظيم هائل، يتعجَّبُ من رآهم فيها من صبرهم على ذلك، معشدة ما هم فيه من العذاب، والنكال، والأغلال عياذًا بالله من ذلك.   وقيل معنى قوله: ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ أي: ما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار.اهـ[96].   ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وإنَّ الَذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾(176) إعراب مفردات الآية[97]: (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ والاشارة إلى أكلهم النار لكتمانهم ما أنزل اللّه و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (الباء) حرف جر (أنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (نزّل) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الكتاب) مفعول به منصوب (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الكتاب.   والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (ذا).   (الواو) استئنافيّة (إنّ) مثل أنّ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إن (اختلفوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (في الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بـ(اختلفوا)، (اللام) هي المزحلقة تفيد التوكيد (في شقاق) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ (بعيد) نعت لشقاق مجرور مثله.
جملة: «ذلك بأنّ اللّه...» لا محلّ لها استئنافيّة.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وإنَّ الَذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ قال السعدي – رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه: ﴿ ذَلِكَ ﴾ المذكور، وهو مجازاته بالعدل، ومنعه أسباب الهداية، ممن أباها واختار سواها ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ ومن الحق، مجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.   وأيضا ففي قوله: ﴿ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه، وتبيين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فمن صرفه عن مقصوده، فهو حقيق بأن يجازى بأعظم العقوبة.
اهـ[98].   • وفسر ابن عثيمين قوله تعالى ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ فقال- رحمه الله- ما مختصره: أي اختلفوا في الكتاب الذي نزله الله عز وجل بحق؛ وهذا الاختلاف يشمل الاختلاف في أصله: فمنهم من آمن؛ ومنهم من كفر، والاختلافَ فيما بينهم أي فيما بين أحد الطرفين: فمنهم من استقام في تأويله؛ ومنهم من حرف في تأويله على غير مراد الله سبحانه وتعالى.   قوله تعالى: ﴿ لفي شقاق بعيد ﴾ أي: لفي جانب بعيد عن الحق؛ وهذا البعد يختلف: فمنهم من يكون بعيداً جداً؛ ومنهم من يكون دون ذلك. .ثم ذكر-رحمه الله- في بيانه لفوائد الآية فائدة جليلة في بيان خطورة الاختلاف بين علماء الأمة والقول بأن اختلافهم رحمة على إطلاقه دون سبب يقتضي ذلك فقال: أن الاختلاف ليس رحمة؛ بل إنه شقاق، وبلاء؛ وبه نعرف أن ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اختلاف أمتي رحمة»[99] لا صحة له؛ وليس الاختلاف برحمة؛ بل قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ﴾ [هود: 118] أي فإنهم ليسوا مختلفين؛ نعم؛ الاختلاف رحمة بمعنى: أن من خالف الحق لاجتهاد فإنه مرحوم بعفو الله عنه؛ فالمجتهد من هذهالأمة إن أصاب فله أجران؛ وإن أخطأ فله أجر واحد؛ والخطأ معفو عنه؛ وأما أن يقال هكذا على الإطلاق: «إن الاختلاف رحمة» فهذا مقتضاه أن نسعى إلى الاختلاف؛ لأنه هو سبب الرحمة على مقتضى زعم هذا المروي!!! فالصواب أن الاختلاف شر.اهـ[100]


[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/316). [2] أجاز العكبري أن يكون الخبر محذوفا تقديره في الحج، و(عليه) متعلّق بخبر مقدّم والمصدر المؤوّل مبتدأ. [3] هذا عند الخليل، وأمّا سيبويه فالمصدر المؤوّل في محل نصب على نزع الخافض. [4] يجوز اعتباره اسم موصول مبتدأ خبره (إنّ اللّه.)، على زيادة الفاء على رأي العكبري. [5] جاء في اللسان تطوّع للشيء وتطوّعه: كلاهما حاوله..
ويجوز أن يكون منصوبا على نزع الخافض أي تطوّع بخير في الأصل..
ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر فهو صفته أي تطوّعا خيرا. [6] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى - رحمه الله - بتحقيقه- ص(24) الحديث أخرجه أيضا البخاري ج4 ص364 ولم يذكر فيه أبا بكر بن عبد الرحمن وما قاله وج10 ص236 مختصرا وأخرجه مسلم ج9 ص21 و22 و23و 24 وأخرجه الترمذي وفيه التصريح بأن قائل فأخبرت هو الزهري ج4 ص70 وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود ج2 ص121 وليس فيه ما قاله الزهري لأبي بكر بن عبد الرحمن، والنسائي ج5 ص190 بمثل ما عند أبي داود وابن ماجه رقم 2986 وأخرجه الإمام أحمد ج6 ص144 وص162 وص227 والإمام مالك في الموطأ ج1 ص338 والحميدي ج1 ص107. وأخرج البخاري في صحيحه ج9 ص242 ومسلم ج9 ص24 والترمذي وصححه ج4 ص71 عن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن الصفا والمروة فقال كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ ولا مانع من أن الآية نزلت في الجميع. [7] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /172). [8] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/76) [9] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 472). [10] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/318). [11] أو اسم موصول في محلّ جر مضاف إليه والجملة صلة. [12] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 249 / 2369). [13] عطاء بن أبى رباح مولى آل أبى خيثم الفهري القرشي واسم أبى رباح اسلم كان مولده بالجند من اليمن ونشأ بمكة وكان اسود أعور اشل اعرج ثم عمى في آخر عمره وكان من سادات التابعين وكان المقدم في الصالحين مع الفقه والورع كان مولده سنة سبع وعشرين ومات بمكة سنة أربع عشرة ومائة كنيته أبو محمد.-انظر مشاهير علماء الأمصار لمحمد بن حبان (1 /134). [14] هو الإمام، المقرئ، الحافظ، المفسر، أبو العالية الرياحي، البصري، أحد الأعلام.
كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع، ثم من بني تميم.
أدرك زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو شاب، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق، ودخل عليه. وسمع من: عمر، وعلي، وأبي، وأبي ذر، وابن مسعود، وعائشة، وأبي موسى، وأبي أيوب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعدة. وحفظ القرآن، وقرأه على: أبي بن كعب، وتصدر لإفادة العلم، وبعد صيته. قال قتادة: قال أبو العالية: قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين، وقال أبو بكر بن أبي داود: وليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده: سعيد بن جبير. وقد وثق أبا العالية: الحافظان؛ أبو زرعة، وأبو حاتم،وقال أبو خلدة: مات أبو العالية في شوال، سنة تسعين. وقال البخاري وغيره: مات سنة ثلاث وتسعين.
- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (4 /213) بتصرف يسير. [15] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 473). [16] الحديث أخرجه البخاري برقم/1306- باب ما ينهى من سب الأموات. [17] الحديث أخرجه البخاري برقم/5560-باب لا تحقرن جارة لجارتها عن أبي هريرة – رضي الله عنه-، ولفظه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وأخرج مسلم نحوه. [18] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/155) [19] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/ 320). [20] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 259 / 2389). [21] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/77 ) [22] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /160). [23] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/321). [24] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 261/ 2391). [25] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/77). [26] الحديث أخرجه البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب برقم/ 6282- باب ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة وتمام متنه" أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك". [27] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/474 ). [28] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 322) [29] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 176). [30] تفسير العلامة محمد العثيمين - مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 164). [31] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/323). [32] أو هو خبر ثالث للمبتدأ (إلهكم)..
و(رحيم) خبر رابع..
وحينئذ فلا جملة. [33] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /77). [34] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /324). [35] يجوز تعليقه بمحذوف حال من فاعل تجري. [36] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 169). [37] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1/87). [38] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 177). [39] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /177) [40] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /328). [41] يجوز أن يكون نكرة موصوفة، والجملة بعده في محلّ رفع نعت له. [42] يجوز تعليق الجارّ والمجرور بمحذوف نعت للمفعول الثاني أي يتّخذ أصناما آلهة معدودة من غير اللّه، وما أثبتناه أعلاه جاء على جعل فعل (يتّخذ) متعدّيا لواحد. [43] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/79-80). [44] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 182). [45] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 1/477). [46] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق(2/331). [47] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 477). [48] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/186) [49] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /477) [50] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق(2 /332). [51] أو هو حال إذا اعتبرت الرؤية بصريّة. [52] ويجوز تعليقه بحسرات لأنه اسم مصدر [53] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1/ 478). [54] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /180). [55] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 298 / 2437 ) [56] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/235). [57] يجوز تعليقه بمحذوف حال من (حلالا) إذا أعربت مفعولا به عامله كلوا. [58] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1/80 ) [59] الحديث أخرجه مسلم بسنده عن ابن عمر برقم/3764-باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما. [60] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /193 ) [61] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 336). [62] أو نكرة، موصوفة، والجملة بعدها في محلّ نصب نعت لها. [63] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(1/ 479 ) [64] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان(1 / 48) [65] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 196 ) [66] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/338 ) [67] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /480) [68] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1 /81 ) [69] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق(2 /340 ) [70] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 3 / 312 / 2461 ) [71] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /81 ) [72] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق(2 /341 ) [73] انظر الآية 168 من هذه السورة. [74] أو بمحذوف حال من مفعول كلوا أي: كلوا رزقكم حال كونه بعض طيّبات ما رزقناكم. [75] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 317 / 2467). [76] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/81). [77] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/343) [78] أو نكرة موصوفة..
والجملة بعدها نعت لها. [79] قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 234 " رواه أبوداود (2920) عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبدالله بن قسيط عن أبي هريرة مرفوعا، وذكره- رحمه الله- في صحيح الجامع برقم: 328 [80] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 204). [81] هو ابن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري وأمه النوار بنت مالك بن معاوية بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار يكنى أبا سعيد وقيل يكنى أبا عبد الرحمن قاله الهيثم بن عدي وقيل: يكنى أبا خارجة بابنه خارجة، يقال: إنه كان في حين قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ابن إحدى عشرة سنة وكان يوم بعاث ابن ست سنين وفيها قتل أبوه.
وقال الواقدي استصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر جماعة فردهم منهم زيد بن ثابت فلم يشهد بدراً. قال أبو عمر: ثم شهد أحداً وما بعدها من المشاهد.
وقيل: إن أول مشاهده الخندق.
وكان زيد يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وغيره، وكانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بالسريانية فأمر زيداً فتعلمها في بضعة عشر يوماً. وقال نافع، عن ابن عمر قال: كان عمر يستخلف زيداً إذا حج وكان عثمان يستخلفه أيضاً على المدينة إذا حج.
وكان أبو بكر الصديق قد أمره بجمع القرآن في الصحف فكتبه فيها فلما اختلف الناس في القراءة زمن عثمان واتفق رأيه ورأي الصحابة على أن يرد القرآن إلى حرف واحد وقع اختياره على حرف زيد فأمره أن يملي المصحف على قوم من قريش جمعهم إليه فكتبوه على ما هو عليه اليوم بأيدي الناس والأخبار بذلك متواترة المعنى وإن اختلفت ألفاظها وكانوا يقولون: غلب زيد بن ثابت الناس على اثنين: القرآن والفرائض. • اختلف في وقت وفاة زيد بن ثابت.
فقيل: مات سنة خمس وأربعين وقيل سنة اثنتين وقيل سنة ثلاث وأربعين وهو ابن ست وخمسين.
وقيل: ابن أربع وخمسين وقيل بل توفي سنة إحدى أو اثنتين وخمسين.
وقيل: سنة خمسين.
وقيل: سنة خمس وخمسين، وصلى عليه مروان.
وقال المدائني: توفي زيد بن ثابت سنة ست وخمسين.
انظر الاستيعاب في معرفة الأصحاب لعبد البر- بتصرف يسير (1 /160). [82] خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري وهو: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم، وقيل: ابن عبد عوف بن جشم بن غنم بن مالك بن النجار بن عمرو بن الخزرج شهد بدرا والعقبة، والمشاهد كلها وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي منزله إلى أن بنى مسجده وحجرته لم يزل غازيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي في بعض غزواته بالقسطنطينية، ودفن في أصل سورها، ووالي تلك الغزوة يزيد بن معاوية سنة إحدى وخمسين وقيل: اثنين وخمسين، دخل البصرة، وأنزله عبد الله بن عباس منزله، وقاسمه ماله وقيل: إن الروم إذا أجدبوا استسقوا بقبره فيسقون، بنى الروم على قبره بناء، وعلقوا عليها أربعة قناديل سرج حدث عنه من الصحابة: أبو أمامة، والبراء بن عازب، وزيد بن خالد الجهني، والمقدام بن معدي كرب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وجابر بن سمرة، وابن عمر، وابن عباس، رضي الله عنهم ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يزيد الليثي، وعطاء بن يسار وغيرهم.نظر معرفة الصحابة لأبو نعيم الأصبهاني (2/933). [83] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان(1/ 49). [84] هو عطاء بن أبي مسلم المحدث، الواعظ، نزيل دمشق والقدس.أرسل عن: أبي الدرداء، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة وطائفة ،وروى عن: ابن المسيب، وعروة، وعطاء بن أبي رباح، وابن بريدة، ونافع، وعمرو بن شعيب، وعدة روى عنه: معمر، وشعبة، وسفيان، ومالك، وحماد بن سلمة، وإسماعيل بن عياش، وعدد كثير. وثقه: ابن معين.وقال الدارقطني: هو في نفسه ثقة، لكن لم يلق ابن عباس -يعني: أنه يدلس، وقال أحمد: ثقة.وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، معروف بالفتوى والجهاد، وقال أبو حاتم: لا بأس به.وذكره البخاري في (الضعفاء)، والعقيلي، وابن حبان. وقال الترمذي في (علله): قال محمد -يعني البخاري-: ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني. قلت: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة، وقال سعيد بن عبد العزيز: توفي بأريحا، ودفن ببيت المقدس. وقال ابنه عثمان: مات أبي سنة خمس وثلاثين ومائة.وقيل: مولده سنة خمسين.انظر سير أعلام النبلاء –بتصرف يسير (6/143). [85] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 482 ) [86] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /81). [87] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (2 /246) [88] يجوز أن يكون (ما) نكرة موصوفة..
والجملة بعده نعت له. [89] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 483 ) [90] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة( 2/ 134 ) [91] تفسير العلامة محمد العثيمين- مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 214 ) [92] الحديث أخرجه مسلم برقم/156-بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية. [93] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة(2 / 235 ) [94] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/348 ) [95] هذا أوضح الأعاريب..
وثمّة آراء أخرى ذكرها الفرّاء والأخفش والعكبري فيها كثير من التأويل لا ضرورة له..
والتعجب هنا هو الاعلام بحالهم أنّها ينبغي أن يتعجّب منها.. [96] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/484 ) [97] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/350) [98] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /82) [99] هذا الحديث الذي ذكره المصنف قال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 141 ) لا أصل له. ثم قال-رحمه الله-:ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا، حتى قال السيوطي في" الجامع الصغير": ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا !. وهذا بعيد عندي، إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم، و هذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده.اهـ [100] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين ( 4/223 )



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢