أرشيف المقالات

ما يباح من الكذب

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2ما يباح من الكذب
يقول الإمام النووي رحمه الله كما في كتابه "رياض الصالحين" (ص: 586): "اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرَّمًا، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب، جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، كان الكذب مباحًا، وإن كان واجبًا، كان الكذب واجبًا.   فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها، وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الحال.   واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيَنمي خيرًا[1] أو يقول خيرًا))[2].   • زاد مسلم في رواية: "قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يُرخِّص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث"؛ تعني: "الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".
اهـ   • وفي رواية عند الإمام أحمد من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: "رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وقول الرجل لامرأته"[3].   تنبيه مهم: كذب الزوج على زوجته أو العكس ليس على إطلاقه: يقول الإمام النووي رحمه الله كما في "شرح مسلم" (5 /465): "وأما كذبه لزوجته، وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم...
ونحو ذلك. فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين، والله أعلم".
اهـ   • ويقول ابن حزم رحمه الله كما في "المحلى" (10 /75): "ولا بأس بكذب أحد الزوجين للآخر فيما يستجلب به المودة..." ثم ذكر الحديث.   • ويقول الخطابي رحمه الله كما في "عون المعبود" (13 /263): "كذب الرجل على زوجته: أن يعدها ويمنِّيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه؛ يستديم بذلك صحبتها، ويصلح به خُلقها".
اهـ   • ويقول صاحب "تحفة العروس" (ص: 188): "وأرى أن جواز الكذب هنا بين الزوجين يكون في تظاهر كل منهما بالحب، في حال عدم ميل أحدهما للآخر، ولعل هذا الميل المتصنع ينقلب إلى حب حقيقي بعد ذلك، وما عدا ذلك فينبغي أن يسود الصدق بينهما، وإلا زالت الثقة التي تتعذر الحياة الزوجية بدونها".
اهـ   والتعريض والتورية أولى من الكذب: لما رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أَمَا في المعاريض ما يكفي المسلم الكذبَ؟"؛ (قال الألباني: صحيح موقوف).   • وروى البخاري أيضًا عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "إن في معاريض الكلام[4] لمندوحة[5] عن الكذب".   • وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم"[6].   • ويقول ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ ...
بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ [الأنبياء: 63]: المعاريض لا تُذمُّ، خصوصًا إذا احتيج إليها".
اهـ   والتعريض بالكلام بدلاً من التصريح، يكون لمصلحة شرعية تستدعي ذلك، ويُشترَط أن يكون صدقًا، ولو استوى التعريض والتصريح امتنع التعريض.


[1] ينمي خيرًا: بفتح أوله، أي يبلغ خيرًا على وجه الإصلاح. [2] متفق عليه. [3] السلسلة الصحيحة: 545 [4] المعاريض: من "التعرض"، وهو كلام له وجهان: من صدق وكذب، أو ظاهر وباطن. [5] مندوحة: أي: فسحة ومتسع، ومعنى الحديث: "إن في المعاريض من الاتساع ما يغني عن الكذب" (الفتح:10 /610). [6] إغاثة اللهفان: 1 /381.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣