أرشيف المقالات

أنواع الصفات الإلهية

مدة قراءة المادة : 39 دقائق .
2أنواع الصفات الإلهية   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن أصل الأصول كلها، وأعظمها وأهمهما، وعليه تنبني جميع الأصول والعقائد: الإيمان بالله - عز وجل - ثم ما من شك أن من الإيمان بالله - عز وجل -: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل كما قال الله - عز وجل -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11][1].       وقد تكلم أهل العلم كثيرًا - قديمًا وحديثًا - حول تقرير هذا الباب العظيم - أعني: باب الأسماء والصفات - ولا سيما في كتب الإلهيات والعقائد، تأصيلًا وتفريعًا، وكذا التدليل له، والتنظير لأصوله وضوابطه وقواعده...، بما لا مزيد عليه، ولكني أردت في هذا المقال أن أذكر جملة مما ذكره العلماء في باب: أنواع الصفات الإلهية، وبيانها وتقسيماتها، وجملة من الأمور المتعلقة بهذا الباب.       فأقول: أنواع الصفات الإلهية[2]:   بادئ ذي بدء فإن العلماء المتأخرين - رحمهم الله - قد ذكروا جملة من التقسيمات للصفات الإلهية، وقد شغب عليهم البعض بغير هدى من الله، وبلا حجة وبرهان، وبكلام ما أنزل الله به من سلطان - وهو كثير - لكن ما يهمنا هنا - مما له صلة بموضوعنا - قولهم - تشويهًا وتلبيسًا - وبكلام فيه نوع مغالطة: أن هذا التقسيم حادث، ومخترع، ولم يقل به أحد من القرون المفضلة، ...إلى آخر هذا الكلام.       ونحن وإن كنا نسلم لشيء من هذا الكلام - إجمالًا - لكننا لا نتفق معهم على هذا الإطلاق بالنسبة للنتيجة في مثل هذا المقام؛ لأن فيه حقًّا أريد به باطل، ونقول - كما قال علماؤنا -: إننا وإن كنا نسلم بأن هذا التقسيم حادث من حيث هو، وليس بالمعنى الذي تريدونه أنتم، فإننا لا نقول - أبدًا -: بأنه غير مسلم به، أو أنه مردود؛ لأمور:   أولًا: أن أهل العلم - ولا سيما الأصوليين منهم - قد ذكروا أن طريقة البحث والنظر، والتتبع والاستقراء التام، أو ما يحلو للبعض أن يسميه: السبر والتقسيم، هو أحد مسالك العلة المعتمدة، والحجج الشرعية - في مثل هذا - وهي تثبت به.[3]       ثانيًا: أنك لو ذهبت تستقرئ كل نصوص الوحيين المتعلقة بصفات الله - عز وجل - الاستقراء الشرعي التام، لوجدتها لا تخرج عن هذه الأنواع التي قال بها علماؤنا - رحمهم الله - وذكرناه هنا، وهي مستقيمة ومطردة فيه اطرادًا عجيبًا.       ثالثًا: وهو أنه لما خاض أهل الأهواء والبدع في هذا الباب - أعني: باب صفات الله عز وجل - وأوَّلوها وعطلوها، وقسموها في ذلك ومن أجله إلى جملة من الأقسام، ما أنزل الله بها من سلطان، من مثل قولهم: صفات نفسية، وصفات معنوية...، إلى غير ذلك[5]، وكان هذا بالطبع عقب القرون المفضلة، ويريدون منها - أعني: تقسيماتهم - غير ما أراده الله - عز وجل - ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وغير ما قرره - وفقًا لذلك - سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم أجمعين -: اضطر أهل السنة والجماعة إلى مثل هذه التقسيمات، واصطلحوا عليها؛ تبيانًا للحق، ونصرة له، هذا من جهة.[4]       وأما من جهة أخرى: فإن طول المناقشات والألفاظ والمصطلحات التي تراكمت في تلك الأبواب، خرجت بالأمور عن حدها، وتعسر معه عدها وضبطها؛ فعمد أهل السنة والجماعة إلى هذه التقاسيم، واصطلحوا عليها، بيانًا وتسهيلًا، واختصارًا وتقريبًا، وضبطًا وتحريرًا لهذا الأمر الجلل، والله أعلم.       رابعًا: أن هذا الاستقراء - كما قال بعض أهل العلم في نحو ما نحن فيه - كاستقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف مثلًا، ومع هذا فإن العرب لم تَفُهْ بهذا أو بنحوه ألبتة، ولم نرَ أحدًا يعتب على النحاة في ذلك، وهكذا في أنواع الاستقراء الأخرى.   وأمر آخر وأخير: وهو أن العلماء المتبعين - ولا سيما المحققين منهم -: قد اتفقوا على هذا، بل يكادون يكونون مجتمعين عليه؛ ولذلك نراهم: يقولونه ويقررونه ويعتمدونه ويسطرونه في كتبهم، من غير تعقب ولا نكير.       فبكل هذا يعلم يقينًا: أن هذا التقسيم مستمد من النصوص الشرعية، وهو معتمد ومرتكز على الحقائق والبينات، فليس أمرًا اصطلاحيًّا حادثًا - على المعنى الذي يريده المخالفون.       وإذا ما اتضح هذا: أعود إلى ما كنت أريد الكلام فيه، وهو أنه يمكننا من هنا - ومن خلال كلام أهل العلم - في هذه الأبواب، أن نذكر أنواع الصفات الإلهية، مع مراعاة جملة من الاعتبارات المختلفة فيها، والمذكورة في تلك الأبواب، ونجملها فيما يلي:   أولًا: أنواع الصفات الإلهية من حيث إثباتها أو نفيها.   ثانيًا: أنواع الصفات الإلهية من حيث تعلقها بذاته - عز وجل - وأفعاله.   ثالثًا: أنواع الصفات الإلهية من حيث أدلتها، وثبوتها أو عدمه.       فنشرع أولًا: في أنواع الصفات الإلهية من حيث إثباتها أو نفيه؛، فإن أهل العلم قالوا: بأنها بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين[6]:   1- ثبوتية.   2- وسلبية (منفية).  
  أما الصفات الثبوتية - وهي الأكثر - أو ما يعبر عنه البعض: بالصفات المثبتة، فإنهم يعنون بها: تلك الصفات التي أثبتها الله - عز وجل - لنفسه، أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ من مثل: صفة العلم، والحياة، والقدرة ...
وهكذا، وكصفة الاستواء، والنزول، والوجه، واليد...، وغيرها، وهذه الصفات الإلهية صفات مدح وكمال، والغالب فيها التفصيل؛ لأنه كلما كثرت وتنوعت دلالتها، ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.[7]       وأما الصفات السلبية - وهي قليلة جدًّا - أو ما يعبر عنها البعض بالصفات المنفية، فيعنون بها[8]: الصفات التي نفاها الله - عز وجل - عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، من مثل: نفي السِّنَة، والعجز، والند، والسَّمِيِّ، والكفء، والمثيل، والشريك، والولد، وأنبه على أن هذه الصفات السلبية لم تذكر على التفصيل إلا في حدود ضيقة، وفي الأحوال التالية:[9]   الأولى: بيان عموم كماله - عز وجل - كما في قوله - تعالى -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4].       الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون؛ كما في قوله - عز وجل -: ﴿ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 91، 92].       الثالثة: دفع توهُّم نقص كمال الله - تعالى - فيما يتعلق بأمر معين؛ كما في قوله - عز وجل -﴿ : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ [الدخان: 38]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38].[10]       الرابع: تهديد الكافرين في مثل قوله - عز وجل -: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140]؛ كما قال العثيمين - رحمه الله - أيضًا في شرح الواسطية.       الخامس: لتوسيع دائرة الإثبات، بإثبات أضدادها من صفات الكمال؛ فنفي السِّنَة والنوم إثبات لكمال حياته وإحاطة علمه وكمال قدرته، ونفي الصاحبة والولد إثبات لصَمَديَّتِه وعظمته، وهكذا.[11]       ويمكن أن يقال: إن هذه الصفات السلبية المنفية عن الله - عز وجل - نوعان:[12]   الأول: سلب المتصل.   والثاني: سلب المنفصل.       فالسلب أو النفي المتصل: هو أن ينفي عن الله - عز وجل - ما يناقض ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من كل ما يضاد الصفات الكمالية، مثل تنزيه الله - عز وجل -: عن السِّنَة، والنوم، واللُّغوب، والنُّعاس.       وأما السلب أو النفي المنفصل: فهو أن ينفي عن الله - عز وجل - الشريك في خصائصه التي لا تكون لغيره، من التوحيد والتفرد كالكمال، مثل: تنزيه الله - عز وجل - عن أن يكون له صاحبة، أو ولد، أو شريك في الملك.       تنبيه:   ويجب مع ذلك مراعاة أمرين مهمين في هذا النوع - الصفات السلبية - يجدر التنبيه عليهما، والإشارة إليهما:   الأول: أن شأن الشارع في الصفات السلبية أو المنفية هو الإجمال دون الاستفصال، وهو عكس الشأن في الصفات الثبوتية القائمة على الاستفصال دون الإجمال؛ ولذلك فالقاعدة تقول: الإثبات المفصل والنفي المجمل، وهذه القاعدة في النفي هي طريقة القرآن الكريم؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وقال - عز وجل -: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، وقال - عز وجل -: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنعام: 100]، وقال - عز وجل -: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 180]، وقال - عز وجل -: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، وهكذا.[13][14]       وأما الإثبات فهو من الكثرة والشهرة بمكان، وقد سار على هذه القاعدة الرسل والأنبياء - عليهم السلام؛ فإن الرسل جاؤوا بالإثبات المفصل في صفات الله، وبالنفي المجمل؛ ولذلك كانت هذه هي طريقة أتباعهم، وهي - يقينًا - الطريق الموصلة إلى الحق دون طرائق من خالفهم، وهي الأليق؛ ولذلك قيل - في هذا الباب - وأضرابه: إذا أجملت في النفي، أجملت في الأدب.       والثاني[15]: أن من لوازم نفي هذه الصفات عن الله - عز وجل - إثبات ما يضادها من صفات الكمال؛ لأنه من المعلوم: "أن المدح إنما يكون بالصفات الثبوتية، وأما العدم المحض فليس بكمال؛ فلا يمدح به، وإنما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمرًا وجوديًّا؛ كمدحه بنفي السِّنَة والنوم: المتضمن كمال القيومية، ونفي الموت: المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء: المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير: المتضمن كمال الربوبية والألوهية وقهره، ونفي الأكل والشرب: المتضمن كمال صمديته وغناه، ونفي الشفاعة عنده إلا بإذنه: المتضمن كمال توحده وغناه عن خلقه، ونفي الظلم: المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه: المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل: المتضمن لكمال ذاته وصفاته؛ ولهذا لم يتمدح - عز وجل - بعدم محض لم يتضمن أمرًا ثبوتيًّا؛ فإن المعدم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه"؛ ولذلك فإن القاعدة - في هذا الباب - تقول[17]: إن كل سلب فهو متضمن للثبوت؛ لأن السلب المحض لا مدح فيه.[16]       وأما الثاني من تلك الاعتبارات في أنواع الصفات الإلهية: فأنواعها من حيث تعلقها بذاته - عز وجل - وأفعاله، ونستطيع - من خلال كلام المحققين من أهل العلم[18] - أن نجعلها على ثلاثة أنواع[19]:   1- الصفات الذاتية.
2- الصفات الفعلية.
3- الصفات الذاتية والفعلية.       أما الصفات الذاتية: فيعنون بها الصفات التي لم يزل ولا يزال الله - عز وجل - متصفًا بها منذ القدم، أزلًا وأبدًا، أو بتعبير آخر: الصفات الدائمة أو الملازمة أو اللازمة لذاته - عز وجل - والتي لا تعلق لها بالإرادة والمشيئة، ولا تنفك بحال عنه - عز وجل - من مثل: صفة العلم، والعز، والعلو، والعظمة، والقدرة...، وأمثال ذلك، وكذلك: صفة الحياة، والوجه، واليدين، والعينين،..
ونحو ذلك من الصفات.       وهذا النوع عند التحقيق يمكن أن نقول بأنه ينقسم - أيضًا - إلى قسمين[20]:   الأول: الصفات الذاتية المعنوية: وسميت بالمعنوية؛ لأنها اسم للمعنى، فيمكن أن يقال: إن ضابطها - كما يقول بعض أهل العلم -[21]: أنها ما يرجع إلى صفات معنوية؛ كالعليم والقدير والسميع، ...       والثاني: الصفات الذاتية الخبرية، ويمكن أن يقال: إن ضابطها - كما يقول بعض أهل العلم -[23]: أنها ما ترجع إلى نفس ذات الله - عز وجل - أو أفعاله؛ كالوجه واليدين، والعينين، ...
إلى آخر هذه الصفات.[22]       وأما الصفات الفعلية، فيريدون بها[24]: الصفات المتعلقة بالإرادة، أو المتعلقة بمشيئة الله - عز وجل - وقدرته، وضابطها - كما يقول البعض -: أنها الصفات التي إن شاء - عز وجل - فعلها، وإن شاء لم يفعلها، فهي صفات فعل يفعلها - عز وجل - متى شاء بإرادته، وهي ليست ملازمة لذاته[25]، ومعنى عدم ملازمتها للذات: أنها قد تكون في حال دون حال، أو إن شئت قلت[27]: ليست لازمة لذاته، لا باعتبار نوعها، ولا باعتبار آحادها؛ فهو - عز وجل -: يتصف بها حيث تقتضيها حكمته، وإن كان أصل هذه الصفات الفعلية ثابتًا له أزلًا، وأبدًا، فإن الله تعالى لم يزل ولا يزال فعالًا لما يريد.[26][28]       وهي عند التحقيق تنقسم إلى نوعين:[29]   الأول: صفات فعلية متعدية.   والثاني: صفات فعلية لازمة.       قال شيخ الإسلام: "فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة؛ كالاستواء، وبالأفعال المتعدية؛ كالخَلْق ..." .[30]   وقال - أيضًا -: "إن الفعل ينقسم إلى: متعد، ولازم".[31]   قال ابن القيم: "فأفعاله نوعان: لازمة، ومتعدية، كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين".[32]       فالنوع الأول: الصفات الفعلية المتعدية، وهي ما تعدت لمفعولها بلا حرف جر، أو التي تتعدى إلى معمولها بدون واسطة، وسميت الصفات الفعلية المتعدية؛ لأنها تتعدى إلى الغير.   إذًا فضابطها[33]: أنها ما لها تعلق بالمخلوق، من مثل: صفة القدرة، والمشيئة، والرحمة، والعلم، والسمع، والبصر...
ونحو ذلك من الصفات.       وأما النوع الثاني: الصفات الفعلية اللازمة، وهي فهي ما تتعدى لمفعولها بحرف جر، وهي التي تتعلق بالذات الإلهية، أو التي لا تتعدى إلى الغير.   إذًا فضابطها: ما لا تتعلق بالمخلوق، من مثل: الصفات اللازمة كالحياة، وغيرها.[34]       هذا مع التنبيه إلى أن: "الفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم؛ فإن الفعل لا بد له من فاعل، سواء كان متعديًا إلى مفعول أو لم يكن، والفاعل لا بد له من فعل، سواء كان فعله مقتصرًا عليه أم متعديًا إلى غيره، والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله؛ إذ كان لا بد له من الفاعل، وهذا معلوم سمعًا وعقلًا"، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام - رحمه الله - ودلل له، فارجع إليه غير مأمور.[35]       وقسَّمها - أعني الصفات الفعلية - العلامة ابن عثيمين باعتبار آخر إلى قسمين:[36]   الأول: صفات لها سبب معلوم، مثل: الرضا؛ فالله - عز وجل - إذا وجد سبب الرضا، رضي؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7].       والثاني: صفات ليس لها سبب معلوم، مثل: النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر،   ويمكننا في ختام هذين النوعين الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، أن نجمل أهم الفروق بينهما؛ كما في الجدول التالي:       الصفات الذاتية الصفات الفعلية لا تتعلق بالمشيئة ولا الإرادة. متعلقة بالمشيئة والإرادة. لا تنفك عن الذات. تنفك عن الذات، فيفعلها متى شاء، وفي أي وقت شاء. لا تعود إلى صفات الفعل. عائدة إلى الصفات الذاتية.       وأما الصفات الذاتية والفعلية: فيراد بها: تلك الصفات التي ينظر إليها من حيث قيامها بالذات، وهي بهذا الاعتبار من الصفات الذاتية، وأما بالنظر إليها من حيث تعلقها بالمشيئة[37]، فهي من الصفات الفعلية، أو من صفات الأفعال بهذا الاعتبار.       وبعبارة أخرى[38]: هي التي إذا نظرت إلى نوعها وجدت أن الله - عز وجل - لم يزل ولا يزال متصفًا بها؛ فهي لازمة لذاته، وإذا نظرت إلى آحادها وجدت أنها تتعلق بمشيئته، وليست لازمة لذاته، ومن الصفات التي تكون ذاتية وتكون فعلية باعتبارين، صفة الكلام - مثلًا - فإن كلام الباري - عز وجل - باعتبار أصله: صفة ذاتية؛ لأن الله - عز وجل - لم يزل ولا يزال متكلمًا، وأما باعتبار آحاد الكلام فهو صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته؛ فهو - عز وجل - يتكلم بما شاء، متى شاء، وهذه قاعدة مطردة في هذا، دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وشهدت بها العقول الصحيحة، والفِطَر السليمة، وهي التي يشيرون إليها بقولهم: قديمة النوع، حادثة الآحاد، ويعنون بذلك أن جنس الصفة وأصلها - من حيث تعلقها بالله - قديمة، لكن آحادها بالنسبة لتعلقها بالمخلوق المفعول تتجدد؛ فالله - عز وجل - متكلم قبل أن يصدر منه الكلام، إذًا لا بد من التفريق بين أمرين:[39]   الأول: أنه يتكلم؛ فهذا هو الفعل المتجدد.   والثاني: جنس صفة الكلام؛ فهو قديم.   فكلامه قديم، وأفراد الكلام تتجدد، وهكذا غيرها من الصفات التي تدخل في هذا النوع، والله أعلم.       إذًا - وحتى يتضح المراد - فإن المعنى[40]: "ليس مع الله - عز وجل - في الأزل شيء من المفعولات ولا الأفعال؛ إذ كان كل منهما حادثًا بعد أن لم يكن، والحادث بعد أن لم يكن لا يكون مقارنًا للقديم الذي لم يزل"، أن جنس (أصل) هذه الصفات لم تزل ولا تزال ملازمة لله - عز وجل - أزلًا وأبدًا، وكذلك أفعال الله - عز وجل - ليس لنوعها ابتداء؛ فهو - عز وجل - لم يكن معطلًا عن صفاته الفعلية أزلًا، ثم وجدت بعد أن لم تكن، بل هو أزلي بصفاته؛ فهي قديمة بهذا الاعتبار.       أما قولنا: (حادثة الآحاد) لا يعني أنه - عز وجل - قد اتصف بصفة كان فاقدًا لها، أو كانت ممتنعة في حقه، أو أنه فعل فعلًا كان ممتنعًا في حقه، معاذ الله! فإن هذا هو ما يزعمه بعض أهل الكلام.       بل المراد أو المعنى: أن الفعل ممكن في حقه - عز وجل - في كل وقت؛ لأن الفعل كمال، وعدمه نقص، لكنه يفعله - عز وجل - متى شاء؛ فمتعلق الدوام هو الجنس، ومتعلق الحدوث الأفراد، ومعنى الحدوث كون كل فرد منها له ابتداء وانتهاء، وإن كان جنس الصفة ليس له ابتداء وانتهاء.[41]       وأما النوع الثالث - من الاعتبارات في الصفات الإلهية -: فهو أنواع الصفات الإلهية من حيث أدلتها، وثبوتها أو عدمه، فنستطيع أن نقول - كما قال أهل العلم -: إنها بهذا الاعتبار تنقسم إلى نوعين:
1- صفات خبرية (سمعية).
2- وصفات سمعية عقلية.       أما الصفات الخبرية فيريدون بها: كل الصفات التي تثبت بالسمع أو الخبر - الكتاب الكريم، والسنة النبوية - ولا يمكن ولا سبيل إلى إثباتها بحال إلا من خلال هذه الأدلة السمعية، أو ما يعبر عنه بعض أهل العلم بالخبر، وبمعنى آخر: إنها الصفات التي ليس للعقل فيها مدخل، ونأخذها عن طريق الخبر، ويستوي في هذا - أعني: الخبر - الخبر عن الله - عز وجل - أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وتسمى - بهذا الاعتبار - صفات نقلية، أو صفات سمعية، وهي قد تكون ذاتية، مثل: اليد، والقدم، كما قد تكون فعلية، مثل: النزول.       تنبيه:   ويجدر التنبيه هنا على أمر مهم، ألا وهو: أن هذه الصفات مسماها بالنسبة لنا كما يقول البعض - توضيحًا وتقريبًا -: أبعاض وأجزاء، وهم يقولون هذا: لأن من صفات الله - عز وجل - ما هو معنى محض، ومنها ما مسماه بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء، فمن أجل الفهم للمعنى اللغوي قالوا هذا، فهذا منهم حتى تضبط الصفات، لا لشيء آخر، وهذا كما سبق بالنسبة للمخلوق، ونحن وإن كنا نرى وجوب تحاشي مثل هذا التعبير، لكننا نعلم علمًا يقينيًّا أن كل من عبر بهذا من علماء أهل السنة والجماعة، أتباع السلف، لا يريدون ولا يوردون ذلك في صفات الخالق - عز وجل - ألبتة؛ لأن هذا ممتنع على الله - عز وجل - بداهة، وهم - رحمهم الله جميعًا - من أعلم الناس بذلك؛ ولذلك وجب التنبيه دفعًا للإلباس والالتباس، وكشفًا للتشغيب والتلبيس![42]       أما المراد من الصفات السمعية العقلية: فهي تلك الصفات التي يشترك في إثباتها السمع والنقل، وكذلك العقل؛ كصفة الحياة - مثلًا - لأن أي عاقل يعلم يقينًا أن الإله لا بد أن يكون حيًّا، ولا يتصور بحال أن يكون إلهًا معبودًا وهو ميت، وهكذا صفة العلم، والقدرة...
وهكذا غيرها من الصفات، وهي نوعان - كذلك - فقد تكون ذاتية، كما قد تكون فعلية.       وفي الختام: يمكن من أجل التسهيل والتيسير، أن نلخص ما سبق - من هذه الأنواع؛ لكي تتضح أكثر وتفهم على وجهها - ولذاك فسوف نضعها في هذا الرسم البياني. وفي الختام: أسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا الاتباع، وأن يجنبنا الابتداع، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، واتباع كتابه الكريم، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يجزل لسلفنا ولعلمائنا الأجر والمثوبة، وأن يلهمنا أن نسلك طريقهم طريق الحق والصواب، وأن يجنبنا التعصب، واتباع الهوى، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على الرسول محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


[1] العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى (3/ 129)، والتحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية (ص: 31)، وأعلام السنة المنشورة (ص: 57 - محققه)، وانظر للفائدة: مقالًا لي بعنوان: من هم الذين لا ينظر الله - عز وجل - إليهم يوم القيامة؟! [2] انظر للفائدة: الفتاوى (6/ 217)، ودقائق التفسير (5/ 225)، وشرح النونية (2/ 18) للهراس، والصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه (ص: 199).
[3] انظر للفائدة: ما كنا ذكرناه في مقال لنا بعنوان: العمر الجميل وأكذوبة سر الخلود - نشر على الشبكة المحبوبة شبكة الألوكة - الحاشية (6).
[4] انظر: العقيدة في الله (ص: 224).
[5] انظر: الإرشاد للجويني (ص: 51)، ولوامع البينات للرازي (ص: 75)، وإتحاف المريد بجوهرة التوحيد (ص: 69 - 114). [6] شرح القصيدة النونية (2/ 55 - دار الكتب العلمية) لهراس، وانظر المصادر التي ستأتي. [7] مجموع الفتاوى (16/ 98)، وتفسير ابن جرير (36/ 179)، وتفسير ابن كثير (4/ 26)، شرح القصيدة النونية (2/ 63) لهراس، والقواعد المثلى (ص: 33)، وتقريب التدمرية (ص: 18).
[8] وهذا غير المعنى والمراد الذي يقوله ويريده أهل التعطيل والتأويل، فتنبه! [9] بالاستقراء والتتبع.
[10] القواعد المثلى (ص: 33)، وتقريب التدمرية (ص: 18).
[11] القواعد الكلية (ص: 156)، على أن الذي يظهر لي أنه داخل فيما ذكر قبل، والله أعلم.
[12] شرح القصيدة النونية (2/ 56) لهراس، وانظر: الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين (ص: 8) للسعدي، والخلاصة (ص: 177).
[13] انظر: الفتاوى الكبرى (6/ 337)، ومجموع الفتاوى (6/ 37 - 66) و(12/ 432) و(20/ 111 - 126)، والتسعينية (1/ 171 - محققه)، والتدمرية ضمن الفتاوى (3/ 35)، وشرح الطحاوية (ص: 107)، والتحفة المهدية (ص: 35 - 43)، وتقريب التدمرية (ص: 19)، وشرح الواسطية (ص: 77 - 79) للهراس، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/ 275).
[14] وقد قال بعض أهل العلم: إن الإجمال قد يأتي - نادرًا - على الإثبات؛ كما في قوله - عز وجل -: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180]، وقالوا: إن ذلك لتنوع الدلالة، وإنه ليستدل لها بالأجمال أيضًا، وقيل غير ذلك.
[15] انظر: مجموع الفتاوى (3/ 402)، وشرح الطحاوية (ص: 106)، والتدمرية (ص: 39 - 40)، ومدارج السالكين (1/ 25)، وتقريب التدمرية، ومنهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة (2/ 430)، ومنهج أهل التفويض في نصوص الصفات (ص: 485)، والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص: 26)، وأصول الدين عند أبي حنيفة (ص: 196)، والقواعد الكلية (ص: 160).
[16] شرح العقيدة الطحاوية (ص: 192).
[17] مجموع الفتاوى (16/ 323). [18] وبعض أهل العلم يجعلها قسمين، ويدخلون القسم الثالث فيهما؛ انظر مثلًا التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية (ص: 20) لابن رشيد، وشرح الواسطية للهراس (ص: 105)، وغيرهما، وهذا من اختلاف التنوع الذي يسع فيه الخلاف، وليس اختلاف تضاد، وهذا وإن كان معلومًا وظاهرًا فإنه وجب التنبيه؛ دفعًا لشبه المخالفين، فتنبه! [19] انظر: الحق الواضح المبين، والأسماء والصفات (1/ 188 - 189) للبيهقي، ومجموع الفتاوى (6/ 150 - 160)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص: 124)، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية (ص: 429)، وأعلام السنة المنشورة (ص: 65)، والعقيدة الإسلامية (ص: 44)، وشرح العقيدة الواسطية (ص: 50) لسعيد القحطاني، والقواعد المثلى (ص: 34)، وإزالة الستار عن الجواب المختار لهداية المحتار (ص: 10)، ومختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص: 17). [20] شرح العقيدة الواسطية للعثيمين؛ انظر: مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن عثيمين (8/ 42). [21] بدائع الفوائد (1/ 166). [22] يأتي بيانها.
[23] بدائع الفوائد (1/ 166). [24] من المعلوم أن كلًّا من: الجهمية، والمعتزلة، والكُلَّابية، والأشعرية، والماتريدية، متفقون على نفي الصفات الفعلية الاختيارية، وإن كانوا قد يختلفون فيما بينهم في هذا النفي، كمًّا وكيفًا.
[25] انظر: مجموع الفتاوى (6/ 68) و(5/ 410).
[26] كما قال العلامة صالح آل الشيخ في شرح للطحاوية. [27] إزالة الستار عن الجواب المختار لهداية المحتار (ص: 10). [28] تقريب التدمرية (ص: 46) للعثيمين. [29] درء تعارض العقل والنقل (2/ 374،3/ 28) و(5/ 10 - 13)، ومجموع الفتاوى، والصفات الإلهية تعريفها، أقسامها (ص: 66) لمحمد بن خليفة التميمي. تنبيه: المجلد الثاني من درء تعارض العقل والنقل - كما يقول بعض أهل العلم -: خاص بالصفات الاختيارية.
[30] درء تعارض العقل والنقل (1/ 241). [31] درء تعارض العقل والنقل (1/ 363). [32] مختصر الصواعق (2/ 229)، نقلًا عن: الصفات الإلهية تعريفها أقسامها (ص: 66). [33] الصواعق المرسلة (4/ 1335 - محققه). [34] الصواعق المرسلة (4/ 1335 - محققه). [35] درء تعارض العقل والنقل (1/ 241). [36] شرح العقيدة الواسطية؛ انظر: مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن عثيمين (8/ 42 - 70). [37] فائدة: قال العثيمين - رحمه الله -: "كل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها، لكننا نعلم علم اليقين أنه سبحانه لا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة"؛ القواعد المثلى (ص: 34).
[38] إزالة الستار عن الجواب المختار لهداية المحتار (ص: 10). [39] وهكذا: صفة الفعل، والإرادة.
[40] درء تعارض العقل والنقل (2/ 267). [41] وانظر لتقرير هذا الأصل: الفتوى الحموية، وغيرها.
[42] القول المفيد على كتاب التوحيد (ص: 90) للعثيمين - رحمه الله.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ١