أرشيف المقالات

الصحابة استوفوا شروط العلم والعمل

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2الصحابة استوفوا شروط العلم والعمل
إن الأمة تشهد له - صلى الله عليه وسلم - بأنه بلغ الرسالة كما أمره الله وبين ما أنزل اليه من ربه، وقد أخبر الله بأنه قد أكمل الدين وإنما كمل بما بلغه إذ الدين لم يعرف إلا بتبليغه فعلم أنه بلغ جميع الدين الذي شرعه الله لعباده: كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) وقال: (ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به وما من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به).   إذا تبين هذا، فقد صح ووجب على كل مسلم تصديقه فيما أخبر به من أسماء الله وصفاته مما جاء في القرآن وفي السنة الثابتة عنه كما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فإن هؤلاء هم الذين تلقوا عنه القرآن والسنة وكانوا يتلقون عنه ما في ذلك من العلم والعمل [1].   وكان الصحابة هم الحلقة بينه -صلى الله عليه وسلم- وبين الأجيال بعدهم، وهم قد استوفوا شروط العلم والعمل من عدة وجوه: أحدها: قد علم أنه من قرأ كتابًا في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لا بد أن يكون راغبًا في فهمه وتصور معانيه، فكيف من قرأ كتاب الله تعالى المنزل إليهم الذي به هداهم الله وبه عرفهم الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والرشاد والغي؟ كذلك كانت رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات وكانت رغبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تعرفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعرفهم حروفه.   الثاني: أن الله تعالى قد حضهم على تدبره وتعقله واتباعه في غير موضع كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29] وقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].   فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره، علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين على تدبره، فكيف لا يكون ذلك للمؤمنين؟ وهذا يتبين أن معانيه كانت معروفه بينة لهم.   الثالث: أنه قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2] فبين أنه أنزله عربيًا لأن يعقلوا، والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه.   الرابع: أنه ذم من لا يفقهه فقال تعالى: ﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78] فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضًا لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به.   الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى واتباعه فقال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171] وقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16].
فمن جعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان غير عالمين بمعاني القرآن جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى.   السادس: أن الصحابة رضى الله عنهم قرؤوا للتابعين القرآن كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره أقف عند كل آية منه وأسأله عنها..
والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها[2].   وبعد عصورهم المفضلة نشأت البدع في العقائد بواسطة المتكلمين وفي العبادات بواسطة الصوفية.


[1] نفسه باختصار ص 188. [2] نفسه ص 130، ص 191 باختصار.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير