أرشيف المقالات

الجانب الإنشائي في فكر ابن تيمية في قضية الصفات والأفعال

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2الجانب الإنشائي في فكر ابن تيمية في قضية الصفات والأفعال
سنحاول بنظرة تركيبية أن نعرض لآرائه التي استخلصها مما قدمناه من هذه المحاورة وإن كان قد ذكرها في أكثر من موضع بكتبه المختلفة، وهي تمثل الجانب الإنشائي في الفكر التيمي من هذه المسائل.   إن الأصل المختلف عليه بين المتكلمين النفاة للصفات والأفعال والمثبتين من شيوخ السلف يرجع إلى مسألة أفعال الله تعالى من الكلام ونحوه، وقد ظن النفاة أن إثبات حدوث العالم وإثبات الصانع لا يتم إلا بإثبات حدوث الجسم أي بالمقدمة الآتية: "لا يمكن إثبات حدوثه - أي الجسم - إلا بإثبات حدوث ما يقوم به من الصفات والأفعال المتعاقبة ألجأهم ذلك إلى أن ينفوا عن الله صفاته وأفعاله القائمة به المتعلقة بمشيئته وقدرته أو ينفوا بعض ذلك[1].   في رأي أبن تيمية أن هذا الأصل أغرى بهم الفلاسفة الدهريين لأنهم تساءلوا عن كيفية حدوث الحادث بلا سبب حادث "وكيف تكون الذات حالها وفحلها وجميع ما ينسب إليها واحدًا من الأزل إلى الأبد يصدر عنها في وقت دون وقت من غير فعل يقوم به ولا سبب حادث"[2].   للتغلب على هذه الصعوبة، يختار ابن تيمية ما يسميه دليل الافتقار الذي سيتضح لنا من شرحه فيما يلي: أنه يستبعد المقدمة السابقة التي يحاولون بها إثبات الصانع عن طريق إثبات حدوث الجسم لأن القول بأن "القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده هي دعوى بلا حجة"[3].   وكذلك فإن صفات الله ثابتة "فلا تسمى أعراضًا"[4].   ويبطل قول النفاة لظنهم أن الموصوف القائمة به الصفات ليس إلا محدثًا، فإن قولهم من أبطل الباطل، فإنهم يسلمون بأن الله حي، عليم، قدير.   ومن المعلوم أن حيًا بلا حياة، وعليمًا بلا علم، وقديرًا بلا قدرة..
وهذه مكابرة للعقل والشرع واللغة[5]. لهذا يميل الشيخ إلى الإقرار بمقدمة أخرى - أظهر وأعرف وأبين في العقول تتفرع بدورها إلى مقدمتين هما: أن كل محدث فهو ممكن الوجود، وإن الممكن يحتاج إلي مؤثر ولكنه مع هذا يفضل اختصارهما إلى مقدمة واحدة هي أن المحدث مفتقر إلى مُحدِث - وهي بمثابة الطريق المختصر المستقيم الذي يوصل إلى المطلوب مباشرة بدلًا من الإطالة التي نلاحظها في المقدمتين السالفتين[6]، فإن العلم بأن الحادث يفتقر إلى المحدث "هو من أبين العلوم الضرورية، وهو أبين من افتقار الممكن إلى مرجح"[7].


[1] ابن تيمية.
بيان موافقة صريح المعقول ج 2 ص 155. [2] بيان موافقة صريح المعقول ج 2 ص 155. [3] شرح حديث النزول ص 184. [4] يبدو ابن تيمية متاثرًا هنا بقول الدارمي "لا نسلم أن مطلق الفعولات مخلوقة.
وقد أجمعنا واتفقنا على أن الحركة والنزول والمشي والهرولة..
إلخ كلها أفعال في الذات للذات وهي قديمة فكل ما خرج من قول (كن) فهو حادث وكل ما كان من فعل الذات فهو قديم والله أعلم" كتاب عقائد السلف ص 479. [5] شرح العقيدة الأصفهانية ص 138. [6] بيان موافقة ج 3 ص 57. [7] نفس المصدر ص 76.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢