أرشيف المقالات

الدعاء ببساطة (2) كيف أدعو الله تعالى؟ وبماذا؟

مدة قراءة المادة : 35 دقائق .
2كيف أدعو الله تعالى؟ وبماذا؟ الدعاء ببساطة[1] (2)   كنا وجدنا في الجزء الأول من البحث عظم نعمة الدعاء إلى بساطته؛ فهو متيسر لكل مسلم، بل وكل إنسان، ونتابع في هذا الجزء التعاون لتيسير الدعاء لله تعالى من خلال بعض أساليبه ومضامينه التي يدهشك تنوعها ورحابتها، فتضم دقائق حياتك كافة، بل وأي خاطرة تخطر لك، اللهم ألهمنا رشدنا وجنبنا الزلل!   • أساليب الدعاء ومضامينه: من نعم الله تعالى علينا أن كل آية في كتابنا الكريم إما تتضمن أسلوبًا للدعاء لله تعالى، أو لفظًا، أو إلهامًا لنا بدعاء، أو هي بنصها دعاء، وأن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم حافلة بالأدعية.   وقد تتداخل الأساليب مع المضامين وتتقاطع، فمثلًا أن ندعوه تعالى بأنه أرحم الراحمين بين يدي دعائنا هو أسلوب، ولكنه كان هو مضمون الدعاء في دعاء أيوب عليه السلام لربه؛ قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84]، قال المفسرون: "لم يصرح أيوب بالدعاء، ولكنه وصف نفسه بالعجز والضعف، ووصف ربه بغاية الرحمة ليرحمه، فاستجاب له الله تعالى"[2]، وهكذا فأنت تدعو الله تعالى بصفاته وأسمائه، تسأله من فضله، وأن يؤتيك سؤلك من جهة، ومن جهة أخرى فإن التسبيح بحمده يمكن أن يكون دعاء، والاستغفار دعاء، والاسترحام دعاء!   سأل صحابي نبينا الكريم: "كيف أقول إذا قمت أدعو؟"، فقال صلى الله عليه وسلم ((قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافِني، وارزقني؛ فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك))[3]، وهذا الحديث يبين أنه من غير المستغرب أن يتحيَّر المسلم البسيط كيف يدعو ربه وبماذا! ويسأل من يعلمه الدعاء على وجهه الصحيح الأمثل! المهم ألا تترك الدعاء، حتى لو ظننت أنه ليس لديك مشكلة محددة، أو مطلب خاص تدعو به، ولا تكن أعجز الناس؛ فتحرمَ نفسك من مخاطبة رب الكون بحاجتك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء))؛ صحيح الجامع[4]، والعاجز يبحث عن الوسائل المساعدة في أهون شأن، فكيف والشأن عظيم مع إله عظيم؟! وكيف وهو نعمة مخاطبة رب الكون سبحانه والاستجابة لدعوته لنا ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؟! ومهما كان سؤلك، فأنت ضامن لواحدة من ثلاث جوائز[5]، ناهيك عن أنك مثاب لمجرد أنك تدعو ربك! الحمد لله.   من أساليب الدعاء: كيف نصوغ دعاءنا؟: 1- خير الأساليب والصيغ نتعلمها من كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصوغ على منوالها؛ لأن هذا يشعرنا أننا أقرب من الله تعالى، علمًا أن باب الدعاء مفتوح كما سنرى، ويمنحنا الدعاء راحة نفسية، وثقة بأنفسنا؛ إذ نخاطب الله تعالى بالثناء عليه سبحانه، بآياته وكلام نبيه، ومن الأمثلة على ذلك: البدء بنداء التوحيد لله تعالى قبل تخصيص الدعاء، على سبيل المثال: ♦ أن ندعوه بـ: "لا إله إلا أنت" ثم نحدد طلبنا، كما في دعاء "سيد الاستغفار"، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))؛ صحيح البخاري.   ♦ أو ندعوه بأنه تعالى وليُّنا ومولانا، لا ولي لنا سواه سبحانه، كما في دعاء موسى عليه السلام طالبًا المغفرة لقومه حين أخذتهم الرجفة إذ دعا ربه: ﴿ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 155]، فأجاب الله تعالى سُؤْله، وأحياهم بعد موتهم، وغفر لهم ذنوبهم.   ♦ التسبيح: كما في دعاء يونس وهو في بطن الحوت؛ قال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، ودعاء كفارة المجلس وسيأتي.   ♦ الاستغفار، وطلب العفو، والاسترحام، وقيل: إن الرحمة أوسع من المغفرة والعفو، وقد وجدتها كثيرًا ما تتلازم قبل أو خلال أو بعد الدعاء، وبدعائنا بها ختمت البقرة، بختام جاء في عظيم فضله في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه))، ولعل من أسرار فضلهما تلك المناجاة لله تعالى، ندعوه بها سبحانه إذ نقرؤهما: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، وأي فضلٍ أكبر من أنه تعالى علمنا وحيًا أن ندعوه سائلين التجاوز عن بشريتنا المشوبة بالخطأ والنسيان، تفضيلًا لنا على أمم سبقتنا، وأنه قد علمنا أن ندعوه طالبين العفو والمغفرة والرحمة منه! كلها دفعة واحدة بين يدي دعائنا بالنصر، رباه، ما أكرمك! وما أضألنا وأفقرنا لهذا الفضل! بل وفوق كل ذلك وبحق إنك "مولانا" نطلب منك النصر المبين! سبحانك سبحانك غفرانك!   ♦ ومن أساليب الدعاء: الحمد، ويتلازم مع الإخلاص؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65]، وإن سورة الفاتحة هي دعاء يقدم المسلم بين يديه ما ذكرناه من محامد وثناء وتمجيد لله تعالى قبل أن يسوق حاجته، كما في الحديث القدسي الصحيح[6]، ومن أجلِّ الأدعية ما يجمع التسبيح والحمد والاستغفار (سورة النصر).   الدعاء بصالح الأعمال: ♦ إن تقديم أرجى عمل صالح بين يدي دعائنا لله تعالى ليس بعيدًا عن متناول أحد، حتى لو بدا عملًا عاديًّا بمقاييسنا، ومن شواهد ذلك قوله تعالى من دعاء أولي الألباب: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 193، 194]؛ فالآية تعلمنا أن نقدم إيماننا الحق وصدق عبوديتنا لله تعالى بين يدي دعائه، ولقد أنسانا الإِلْفُ والعادة أهمية هذا "العمل الصالح"؛ فأولو الألباب دعوا ربهم سبحانه بحق إيمانهم به: بأنهم أجابوا داعي الإيمان وآمنوا بالله تعالى، وكان سؤلهم أن يغفر لهم، ويكفر عنهم سيئاتهم، ويتوفاهم مع الأبرار، فبشرهم تعالى بالاستجابة بحق عمل كل عامل، بشرى سريعة لهم ولكل من اقتدى! وقد يقال: إن ذلك كان فيما مضى ونحن اليوم مؤمنون نعبد الله! ولكن هذا القول لا يصمد، وإيماننا قد لا يفي بالغرض، ويحتاج لإعادة "تحديث"!   ♦ وقد يكون العمل خاصًّا ومتميزًا، والدعاء به تبدو الاستجابة له كالمعجزة، وتعرفون الحديث النبوي الصحيح عن الثلاثة الذين أووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، وفي الحديث: ((فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالًا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها؛ لعل الله يفرجها عنكم))[7]، وهكذا كان، فاستجاب الله تعالى لهم، وانفرجت الصخرة وخرجوا، واليوم نحن في حال كحالهم، ونحن نتضرع بالأقوال ليفرج تعالى صخور البلاء عن غارنا، فهلا أعددنا للتضرع بالأعمال؟
♦ الدعاء القرآني المباشر؛ كدعاء عباد الرحمن: ﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان: 65].   2- أساليب عامة: وهي متاحةٌ لكل عبدٍ، وقد تكون بألفاظك البسيطة وبلهجتك، على أن نتقيد بشروط الدعاء التي ذكرتها في الجزء الأول، مثل دعاء العادل نور الدين محمود الزنكي عشية معركة حارم، وسيأتي ذكره.   ولقد ورد في الصحيحين قول الحبيب بعد أن علمنا ما يقول المصلي في آخر جلسة في صلاته: ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء))، عبارة كرِّرْها لنفسك كلما جلست في صلاتك في التشهد الأخير، واسأله سبحانه بالطريقة التي تشاء وأنت مطمئن مستيقن! والأمر ذاته ينطبق على أدعية السجود المسنونة والاجتهاد فيها، وفي أي حال تأنس فيه قربًا من الله تعالى تجد نفسك تنطلق داعيًا بأكثر الأساليب تعبيرًا عنك والله يجيبك سبحانه! ومن ذلك الاحتساب بالقول: حسبنا الله، ثم يذكر طلبه: ومعناه "كافيني الله" معي الله، أستعين بالله وحده في مظلمتي ومسألتي!   طفل فلسطيني تعلمت منه يومًا اشتقاقًا عجيبًا، عندما سأله المذيع وهو واقف وسط الدمار والبيوت المهدمة في غزة ودماء الشهداء لم تجف إثر غزو إسرائيلي: ماذا "تقول" للإسرائيليين؟ أجاب بعاميته المحببة: "نتحسبن عليهم"!   يقصد نقول: "حسبنا الله، ونعم الوكيل عليهم"! كلمات ما كان أجملها وأصدقها جوابًا على: "ماذا تقول لهم؟"، هو لا "يقول لهم" شيئًا، بل يقول لربه وربهم!   فهل نعرف أن "نتحسبن" مثله؟! (ومما أدهشني بعد ذلك اطلاعي على قول الشيخ ابن باز: "﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59]: ما دعوته بعد التشهد الأخير في أمر عسير إلا تيسر".   ♦ مضامين الدعاء بين العام والخاص: بماذا أدعو؟ إن مجال الدعاء عريض ومفتوح لكل إنسان بكرم الله تعالى، على ألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ويتراوح بين الدعاء العام للأمة، وبين الخاص: لنفسك، ولمن تحب؛ كالولد والأبوين والأخ في الله، مرورًا بأدعية تجمع بينهما، وقد يدهشك أنك تستطيع أن تشتق من كل آية أو آيات دعاء يناسب حالك، أو حال من تحب، أو حال الأمة بعامة، وهذا أحد أوجه تدبر القرآن الكريم، وسأوجز أمثلة محددة؛ لأن تنوعها لا تحيط به مجلدات، ناهيك عن مقال، وقد ألف ونشر عنها كتيبات ومصنفات: من مضامين الدعاء العام: • أدعية أهل الرباط والدفاع عن الحق ورد العدوان: ومنها أدعية وردت بالنص، ونتعلم منها دروسًا، على سبيل المثال: • في قصة طالوت وداود في سورة البقرة؛ قال تعالى على لسان طالوت ومن معه: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، ومضمون هذا الدعاء يقتدى به لكل مرابط، فتجد المراحل في الدعاء: طلب إنزال الصبر من الله تعالى (إفراغًا)، ثم طلب التثبيت، ثم طلب النصر، وتحققه؛ ﴿ فَهَزَمُوهُمْ ﴾! ولكن: بإذن الله تعالى فقط؛ فالدرس المستفاد: اتخذ الأسباب، وادعه سبحانه، وتوكل عليه (251)، وعلى الهامش فإن قائدهم تميز بالعلم وقوة الجسم، بينما لم تكن سعة المال للقائد الموفق ضرورة، وهذا ينبهنا إلى علاقة الدعاء بالعلم كما سنرى.   • وفي آل عمران نجد "دعاء الرِّبِّيين"؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147]؛ حيث بدأ الدعاء بالاستغفار للذنوب، مع التنبه لأهمية الإسراف من بينها؛ فأفرد بالذِّكر، ثم سؤال التثبيت، وصولًا: لطلب النصر من الله تعالى، نسأله الفرج.
• وفي سيرة الصحابة والتابعين من هذه الأدعية المزيد، وكذلك في الحقب التي تلت في تاريخنا الإسلامي، منها دعاء الملك العادل نور الدين محمود الزنكي عشية تحرير "حارم" - رمضان 559هـ [وحارم تتبع محافظة إدلب اليوم]: فقبل المعركة سجد نور الدين لله تعالى تحت تل حارم، ومرَّغ وجهه، وتضرع وقال: "يا رب، هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك؛ فانصر أولياءك على أعدائك".   "إيش فضول محمود في الوسط" ويقصد نفسه ثم قال: "اللهم انصر دينك، ولا تنصر محمودًا، مَن محمود الكلب حتى ينصر؟"[8]!   • أدعية أولي الألباب (علاقة الدعاء بالعلم): على النقيض من آفة الغرور بالعلم، فإن المخلصين يدعوهم علمهم، مهما بلغ من الدقة والرسوخ، للتواضع والخضوع لرب البرية، والتذلل له بالدعاء، وأكتفي بمثالين قرآنيين للاقتداء: • دعاء النجاة من الزيغ؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 7، 8]، إذا كان هذا حال الراسخين في العلم، فإنه للأولى بنا على علمنا المتواضع أن ندعوه سبحانه ليجنبنا الزيغ والشك.   • ودعاء أن يفتح الله عليك ويهبك المقدرة لنقل علمك للآخرين: من قول موسى عليه السلام: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 - 28]، اللهم احلُلْ عُقَد قلمي، واغفر لي!   • دعاء الأنبياء: وهو موضوع بحث واسع أقتطف منه بعض النقاط: • أولًا: إن جهاد الأنبياء بالكلمة أحد أوجهه الهامة الدعاء، ولكنهم بشر، فمما نتعلم من بشريتهم (إلى ما سبق): أن كل إنسان مخلص من سؤله يعطى؛ فسليمان طلب مُلكًا فأوتيه، ولوط دعا بالنجاة من قومه السوء فنُجِّي وأهلكوا (74 - 75) الأنبياء، ونوح دعا ربه أن ينصره على الكفرة بعد صبره 950 عامًا! ﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10]، فأغرَق الله أولئك الجاحدين؛ يقول ابن كثير في تفسيره: "فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله عز وجل، فلم يؤمن به منهم إلا القليل، وكانوا يقصدون لأذاه، ويتواصَوْن قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل على خلافه"[9]، ولكن بما أنهم أنبياء، فحتى أدعيتهم التي تخصهم ابتداءً هي ذات طابع عام، وامتد نفعها على البشرية، مثل دعاء يونس في بطن الحوت، وأيوب لبلاء المرض.   • ثانيًا: أما إبراهيم عليه السلام فهو الأوَّاه المنيب، هو نبي الله وخليله، وهو "كان أمة"، ولذلك أسباب، قد يكون منها أنه دعا لأهله وقومه دعاءً امتدت بركته لذريته لسنوات وسنوات، فوسع الأمة، وأنه يعلمنا دروسًا عظيمة، منها: ♦ أدب الخطاب مع الله سبحانه وتعالى: أدبٌ جم، تواضع به، وهو الخليل! أما نحن فمن نحن؟ (وانظر الجزء الأول)! تذكر أنك عندما تتأدب مع ربك، تلقائيًّا أنت مؤدب مع الكون والكائنات، وحتى مع مخالفيك منهم، فمن أدبه في الدعاء: دعاؤه في سورة حمَلتِ اسمه، من قوله تعالى: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، عندما قرأت هذه الآية الكريمة جعلني الخليل أسأل نفسي بدهشة: هل الدعاء يُتقبَّل أم يستجاب؟ وتعلمت منه - وهو الأواه الحليم، ونحن المتعجلون -: أن من الأدب وأنت تدعو أن تسأل ربك قبول الدعاء! وتنبهت حين تدبرت الآية: بما أنه عمل صالح وعبادة فهو يتقبل (أو لا يتقبل)، ولأنه طلب ورجاء فهو يستجاب (أو لا يستجاب)، ومن يعرف ذلك ويضعه موضعه مثل سيدنا إبراهيم الحيي من ربه، الأواه المنيب؟!   اللهم ألهمنا حسن وأدب الدعاء، واجعله متقبلًا مستجابًا! ♦ ويعلمنا الخليل شمولية وسعة الدعاء، وأن نسمو به: فهو دعا لنفسه ولذريته بتيسير إقامة الصلاة، بتجنيبهم الشرك، وبالأمن والرزق الحسن، فاستجاب له تعالى لوقته، ولما يستقبل من الزمان استجابة نلمسها في عصرنا، وجعل ذريته صالحة، ومنها الأئمة ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾ [الأنبياء: 73]! فلا تغفل عن الدعاء لولدك ولذريتك بالصلاح والتوبة؛ فالنتائج قد تكون عظيمة مع صدق الدعاء، ولا يحقرن أحدكم نفسه.   ثم انظر إلى دعائه في طلب الرزق لذريته وقد أسكنهم ﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ [إبراهيم: 37]؛ إذ سأل الله تعالى: ﴿ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ [إبراهيم: 37] كيف ختم الدعاء: لم يقل ليأمنوا من الجوع، لينجوا من الموت في المخمصة، بل بأدبه مع ربه في الدعاء الذي افتتحنا به تلك العجالة ارتقى بهم لمرتبة الشكر؛ ليكونوا عبيدًا للمنعم، وليس عبيدًا للنعمة حين قال: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]! ففاضت النعم والثمرات حول البيت الحرام ببركة هذا الدعاء العظيم إلى يومنا هذا، وبهذا وذاك وغيره مما يضيق عنه المجال كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمةً، والله أعلم!
♦ ثالثًا: ونتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم دروسًا في الدعاء، تحسها مباشرة غضة وكأنها تلقى عليك الساعة، كما مر بنا من أحاديث، ونستزيد منها: • دروسًا للدعاة، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الزخرف: 87، 88]، وهو درس في الدعاء الصابر ﴿ يَا رَبِّ ﴾ تتجاوب له أركان السموات والأرض.   • وفي أدعيته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تجد دروسًا لكل مسلم، بل ولكل آدمي، كما في الحديث الحسن: عن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قال: قالت: كان أكثر دعائه: ((يا مقلب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك))، قلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك؟ قال: ((يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، ما شاء منها أقام، وما شاء أزاغ))!   حقًّا هو دعاء لكل آدمي (سبحان الله! أليس هو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين؟!).   • ويحفل هديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء بالتطبيقات العملية بأسلوب تربوي، وأبسط شيء أننا في حياتنا اليومية لا يخلو عمل نقوم به، ماديًّا ومعنويًّا، من دعاء مسند له في الصحاح: من استحداث ثوب جديد، إلى دعاء الركوب بمركبة أو طائرة، ومن تناول الطعام إلى النوم واليقظة، ومن زيارة المريض إلى الوضوء، إلى أدعية ليلة القدر والحج، وحتى رؤية هلال الشهر الجديد، وحصول الرعد والبرق، والمطر والريح لها أدعية علمناها الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.   • تبادل العلاقة بين الدعاء العام والخاص: ونضرب له أمثلة على وجهين: الدعاء الخاص ذو النفع العام: ومنها دعاء كفارة المجلس: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من جلس في مجلس كثر فيه لغطه، ثم قال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك))؛ صحيح ابن حبان، فهو دعاء خاص بمن كان بالمجلس، وخاص بمجلس كثر لغطه، ولكن نفعه ممتد، ولاحظ أنه جمع فضل الأساليب التي سقناها في القسم الأول، وكثيرًا ما ننسى أن ندعو به غفر الله لنا.   ومن هذه الأدعية ما يبدو شديد الخصوصية، ولكن نفعه تجاوزها بكثير: مثل شكوى المجادلة إلى الله تعالى، كما في سورة المجادلة، ومثل - وهو أقل خصوصية - دعاء عباد الرحمن: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الفرقان: 74].   الدعاء العام يراد به شأن أو كرب خاص: ومثاله دعاء يونس عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، وقد يظن ظانٌّ أنه ليس دعاءً، ولكن قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88] يبين لك أنه دعاء، بل إنه من الأدعية المتميزة؛ كما في الحديث الصحيح: ((دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجيب له))؛ صحيح أحمد 1462، سبحانه كما أخرجه من بطن الحوت، عسى أن يخرجنا من بطن الكرب والابتلاءات!   • ومنه دعاء كل مَن يُقتَل صبرًا، نتعلَّمه من خُبيب رضي الله عنه، حيث دعا قبل استشهاده: "اللهم أحصِهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تُبْقِ منهم أحدًا" اللهم آمين، ومعنى قتل الصبر "أن يحجز الإنسان ويقتل بأي سلاح كان وهو لا يملِك أن يدافع عن نفسه"، وليس من البشر مَن يغيثه!   وقد مر بنا دعاء أيوب عليه السلام العام لله تعالى بالرحمة، ويريد به كشف الضر عنه: كربه الخاص.   • مضامين الدعاء الخاص، وهو دعاء الإنسان العادي، أعني به نفسي وكل مسلم وكل إنسان: وهذا الدعاء الخاص الشخصي يطلقه كل منا بداهةً دون تكلف، وهو سرٌّ بين العبد وربه، مهما كان موضوعه؛ (مثل: الدعاء برزق، أو أسرة صالحة، أو شفاء، أو عودة مغيب، أو الربط على قلب ملتاع، أو تيسير سفر، أو...
بكلمات بسيطة دون اعتداء في الدعاء).   • ولكن حاول - أخي القارئ - توسيع دائرة الدعاء الخاص والنفع منه: فعندما تدعو الله لنفسك في أي شأن من شؤونك خاليًا، تذكر أنك لست وحدك، وهذا يعطيك راحة وطمأنينة؛ فهموم الأمة مشتركة من جهة، ومن جهة أخرى حتى وأنت تدعو لشأنك، فأنت تنتمي لمجموعة تتكافل معك، أنت لست وحيدًا، فمثلًا، بعد دعائك الخاص، يمكن أن تكرر لنفسك هذه الآية، طالبًا الإجابة من خالقك: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، ليس فقط أنك من خلالها تطمئن لولاية الله سبحانه وتعالى وتمكينه، وهي نعمة عظيمة؛ بل أنت إلى ذلك لست وحدك، أنت بكلمة الله تعالى رفقة عباده ﴿ الصَّالِحِينَ ﴾ الذين يتولاهم بفضله وكرمه! ونعم الصحبة، ثم وأنت تصلي تكرر في دعاء التحيات السلام عليهم، فتقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".   • ومن توسيع النفع: الغيرية والتراحم في الدعاء: وهي تنطبق على الدعاء العام والخاص، وهذه بعض الأمثلة: • في الصلاة: ويتحقق ذلك حين يشمل دعاؤك في صلاتك بصيغة الجمع: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] من تعرف ومن لا تعرف: دعاء جامع تكرره أنت والأمة (17) مرة - على الأقل - كل يوم، أو بصيغة المفرد تستغفر لنفسك ولوالديك قبل التسليم وتدعو لهما بالرحمة: "رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا" والحمد لله، فلو تخيلنا أن كل صلاة نصليها هي موعد لقاء في مهرجان أدعية لأقبلنا بشوق نغترف منه ما نشاء.   • الدعاء بظهر الغيب لأخيك: في أي شأن من شؤونه، وبالمعنى الواسع للأخوة، الأخوة في الله تعالى، وليس فقط في الرحم، والمدهش أن هذا الدعاء لأخيك بظهر الغيب دعاءٌ لا رياء ولا مصلحة فيه، أنت مكافأ عليه، وهديتك هي بمقدار ما تمنيت له من خير، فكأنك تدعو لنفسك!   والأعجب أنه سبحانه جعل ملَكًا موكَّلًا بهذه المهمة خاصة! تخيل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه مَلَك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملَك الموكل به: آمين، ولك بمثل))؛ رواه مسلم.   سبحان الله! كم أشعر بكرمه يغمرنا، ينبهنا - والمؤسف كثرة الغافلين - لننبِذَ الفُرقة والتفرُّد، حتى في الدعاء. • الدعاء لأهلك بعد موتهم، وللمسلمين: والإجماع أن الدعاء ينفع الميت؛ لقول الله تعالى عن المؤمنين من السلف الصالح: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم، انقطَع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ (صحيح مسلم).   ورُوي عن بعض السلف قال: رأيت أخًا لي في النوم بعد موته، فقلت: أيصل إليك دعاء الأحياء؟ قال: إي والله، يترفرف مثل النور، ثم نلبسه.   • والدعاء للجاهلين والضالين بالهداية: ويروى عن الحبيب صلى الله عليه وسلم في الصحيحين قوله: ((اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون))[10]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن دَوْسًا قد عَصَتْ وأبَتْ؛ فادعُ الله عليها، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القِبلة، ورفع يديه، فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: ((اللهم اهدِ دَوْسًا، وائتِ بهم))؛ متفق عليه.   • والدعاء على الظالمين والمجرمين والكاذبين بما يناسب عملهم (المباهلة في آل عمران: البقرة 61).   وأختم حديثي بالتذكير بأن العفوية في إطلاق الدعاء لرب السماء في لحظات الصدق والالتجاء، قد تبلغ ما لا تبلغه الكلمات المزوقة المدبجة، ورُبَّ كلمة صادقة تستجاب أسرع من دعاء عريض، وإن العيش مع القرآن يفتح لك أبوابًا للدعاء تدهش لفعاليتها وأنت تلجأ بها لرب السماء، وقد خبرت ذلك مرارًا: مثلًا: في يوم بارد ممطر وأنا أقرأ قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾ [النور: 43] انطلق لساني بالدعاء، دعوت ربي الرحمن الرحيم: ربنا ألف بين قلوبنا كما ألفت بين السحائب، وكما أمرتها فتجمعت كالجبال وأثلجت، نسألك مولانا الحي القيوم فرجًا قريبًا لمن نعرف ومن لا نعرف من عبادك المسلمين المبتلين تحت وطأة البرد!   ويروى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ذات يوم برجل في السوق، فإذا بالرجل يدعو ويقول: (اللهم اجعلني من عبادك القليل، اللهم اجعلني من عبادك القليل)، فقال له سيدنا عمر: (من أين أتيت بهذا الدعاء؟! فقال الرجل: إن الله يقول في كتابه العزيز: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فبكى سيدنا عمر وقال: كل الناس أفقهُ منك يا عمر!).   سبحانك، غفرانك ربي، اللهم اجعلنا من عبادك القليل! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] هذا هو الجزء الثاني، والأول: "الدعاء ببساطة" http://www.alukah.net/sharia/0/96373/ [2] صفوة التفاسير للشيخ محمد علي الصابوني، المكتبة العصرية بيروت - طبعة عام 2003 = 1424 / مج 2 - سورة الأنبياء. [3] حديث طارق بن الأشيم، من رياض الصالحين، عن مسلم رقم 5/ 1469 - باب فضل الدعاء. [4] حديث أعجز الناس، الراوي: أبو هريرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (الرقم: 1519). [5] هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله تعالى بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها، ما لم يدعُ بإثمٍ، أو قطيعة رحمٍ))، فقال رجلٌ من القوم: إذن نكثرَ، قال: ((الله أكثر))، الحديث عن عبادة بن الصامت، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم من حديث أبي سعيد. [6] للمزيد انظر مقالي: يوم الحمد (يوم من أيامنا): http://www.alukah.net/sharia/0/77388/ [7] والحديث متفق عليه: عن عبدالله بن عمر، ومطلعه: ((بينما ثلاثة نفر يتمشون، أخذهم المطر، فأَوَوْا إلى غار في جبل، فانحطت على فمِ غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالًا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها؛ لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بَنيَّ، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آتِ حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدميَّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السماء))...
إلى آخر الحديث. [8] وانظر في الويكيبيديا: هزيمة الصليبيين المنكرة في هذه المعركة الفاصلة، وحسب ابن الأثير فقد قتل من الصليبيين حوالي عشرة آلاف شخص، لتعرف بركة هذا الدعاء، سبحان الله، مع بقية عوامل النصر، وكذلك انظر إسلام ويب: goo.gl/tWzobg [9] وانظر مقالي عن نوح عليه السلام: http://www.alukah.net/sharia/0/77699 من سلسلة أولي العزم من الرسل. [10] والحديث عن عبدالله بن مسعودٍ قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه فأَدْمَوْهُ، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: ((اللهم اغفِرْ لقومي؛ فإنهم لا يعلمون))؛ أخرجه البخاري، والكلمة أيضًا مأثورة عن عيسى عليه السلام في كتب أهل الكتاب: عن: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-73963.html ملتقى أهل الحديث.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن