أرشيف المقالات

موقف ابن تيمية من التمييز بين لذات الدنيا ولذات الآخرة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2موقف ابن تيمية من التمييز بين لذات الدنيا ولذات الآخرة
تدعونا المشكلة إلى التنقيب عن آراء الشيخ في تعريف اللذات، والتفرقة بين الخاصة بالدنيا، ولذات الآخرة.
في تعريف جامع لأنواع اللذات الثلاثة عند الفلاسفة يقول ابن تيمية أنهم حصروها في ثلاثة: "حسية، ووهمية وعقلية، والحسية في الدنيا غايتها دفع الألم، والوهمية خيالات واضحات، واللذات الحقيقية هي العلم"[1].
وله هنا ثلاثة مآخذ: أولها أنهم أخطؤوا في جعلهم جنس العلم غاية لأن العلم بحسب المعلوم، فالمعلوم المحبوب تحبه النفس، وبالعكس المكروه تحذره وتدفع ضرره ويخشى أن يؤدي الأخذ بهذه الفكرة إلى جعل غاية الأعمال كلها العلم فقط وهو عند الفلاسفة ومن سلك طريقهم يؤدي إلى علم لا حقيقة لمعلومه في الخارج، وهو ما صرح به ابن سبعين وابن عربي، فقالا: إن ما وصلا إليه هو أن الوجود واحد[2].
كذلك فإن ما يخشاه ابن تيمية من الأخذ بنظريات الفلاسفة هو تحويل العقيدة في الإسلام إلى اتجاهاتهم في العلوم والعبادات.
فإن الأعمال - أو العبادات - عند الفلاسفة تهدف إلى تهذيب الأخلاق، والشريعة عندهم سياسة مدنية، بينما الأعمال في الإسلام هي عبادة الله "والمعلوم تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم -"[3].
والخطأ الثاني في تعريف الفلاسفة للذة هو جعلهم أن غاية النفس التشبه بالله - متابعة منهم لأرسطو - ولهذا جعلوا حركة الفلك للتشبه به، بينما لا يكون التشبه إلا بين اثنين متحدين في الهدف كالإمام والمؤتم به مثلًا "وليس الأمر هنا كذلك، بل الرب هو يعرف نفسه ويحب نفسه ويثني على نفسه، والعبد نجاته وسعادته في أن يعرف ربه ويحبه ويثني عليه"[4].
ويتم صلاح نفس العبد في تمام المحبة للمعلوم المعبود "وهي عبادته لا في مجرد علم ليس فيه ذلك"[5].
أي أن اللذة ترتبط بالعمل- وهو العبادة- وليس الحس.
وينتقد - أخيرًا - لإيجاز مناهج الفلاسفة، وإن كان يحصره في نطاق الحديث عن اللذات، فيذكر أن ما عندهم ليس علمًا بالله بل هو جهل[6].
فإذا انتقل إلى الآخرة، فإن الحديث يرتبط أولًا بالمخلوقات في الجنة من المأكولات والمشروبات والملابس وهي لا تماثل ما خلقه الله في الدنيا وإن اتفقا في الاسم[7] بينما لا نعلم حقيقتها مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
ونستطيع أن نستنتج النفي القاطع للرؤية الحسية من وصفه لموجودات الجنة بأنها لا تماثل ما نعرفه عنها في الدنيا لا في الصورة ولا في المادة، وهذا هو التأويل الذي لا نعلمه.
فإذا تحدث عن الاستواء فإننا لا نعلم الكيفية التي اختص بها الرب مع أننا نعرف أن تفسيره هو العلو والاعتدال ولكننا "لا نعرف الفارق الذي امتاز الرب به، فصرنا نعرفه من وجهه ونجهله من وجه، وذلك هو تأويله"[8].


[1] النبوات ص 84. [2] نفس المصدر ص 87. [3] نفس المصدر ص 86. [4] النبوات ص 89. [5] نفس المصدر ص 89. [6] نفس المصدر ص 89. [7] تفسير سورة الإخلاص ص 76. [8] نفس المصدر ص 112.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن