أرشيف المقالات

موقف الإمام ابن تيمية من قضية العالم

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2موقف الإمام ابن تيمية من قضية العالَم
استبعد ابن تيمية نظريات الفلاسفة في الإلهيات، وبالمثل فعل في نظرته إلى العالم، فقد هدم ما بنوه من آراء لتفسير العالم الطبيعي من حيث الإيجاد أو الخلق أو التكوين، وفي معالجتهم أيضًا للحركة أو علاقة الله بالعالم.
ولعل أبرز ما يلاحظه في كلام الفلاسفة هو اقتصار معرفتهم على الأمور الحسية الطبيعية، فهم لا يعرفون إلا الحسيات وبعض لوازمها "إن هؤلاء الفلاسفة أتباع أرسطو لا يعرفون الملائكة بل ولا الجن وإنما علمهم بمعرفة الأجسام الطبيعية"[1]، وقد ظهر عجزهم عن الإحاطة بالموجودات - كالغيب الذي تخبر به الأنبياء - "فإن ما لا يشهده الآدميون من الموجودات أعظم قدرًا وصفة مما يشهدونه بكثير"[2].
إن مصدر المعرفة الصحيحة لا وراء الحس هو الأنبياء الذين أخبروا البشر بوجود الملائكة والعرش والجنة والنار، ولكن الفلاسفة، والمتأثرين بهم، إذا ما سمعوا عنها - ومع ظنهم أنه لا موجود ألا ما علموه- اضطروا إلى تأويل كلام الأنبياء على ما عرفوه دون إقامة الأدلة على صحة تأويلاتهم.
ويشتد ابن تيمية في معارضة لآراء الفلاسفة، ويخص منهم بالذكر ابن سينا الذي قام بعملية تلفيق بين الفلسفة اليونانية ومع ما جاءت به الرسل.
والحق أن فلاسفة اليونان يجهلون معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر "وأرسطو ونحوه من المتفلسفة واليونان كانوا يعبدون الكواكب والأصنام، وهم لا يعرفون الملائكة والأنبياء، وليس في كتب أرسطو ذكر شيء من ذلك"[3].
وقد حاول ابن سينا إثبات النبوة بعدة خصائص منها أن يكون للنبي قوة نخيلية تخيل له ما يعقل في نفسه، فيرى صورًا أو يسمع أصواتًا دون أن يكون لها وجود بالخارج تأثر بالأعداد المجردة عند فيثاغورث والمثل الأفلاطونية المجردة وزعم "إن تلك الصور هي ملائكة الله وتلك الأصوات هي كلام الله تعالى"[4] وربما يشين أيضًا إلى جبريل عليه السلام.
وسنوضح أسباب أخطائه بعد قليل، عند تناول صفات الملائكة بعامة وجبريل بخاصة.
هذا فيما يتصل بالنبوة.
أما الزعم بأن العقول والنفوس هي الملائكة، وأنها معلولة عن الله وصادرة من ذاته صدور المعلول عن علته، فإنه بمثابة القول بأنها متولدة عن الله، وإن الله ولد الملائكة[5].
ليست الملائكة إذن هي العقول أو النفوس في نسق الوجود عند الفلاسفة، كما أنها - كما أخبر القرآن - ليست آلهة وأربابًا صغرى التي كان يعبدها الصائبة.
يقول تعالى: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101] للرد على القائلين بالتولد.
ويقول تعالى: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 80] لبيان خطأ الصابئة عبدة الملائكة والكواكب.
وكيف يكونون أربابًا وهم معبدون مذللون؟[6].
ومن الأمثلة على تأويلاتهم هم أنهم "يجعلون اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية كما يجعلون العقل والقلم هو العقل الأول، والعرش هو الفلك التاسع"[7].
وسنعرض للنقد الذي وجهه شيخنا الى نظرية الصدور عن الواحد، إلا أننا نلاحظ أنه يخلص لموقفه الوسط من الآراء والفرق حيث يعطي كل ذي حق حقه، فهو ينظر إليها من خلال نظريته النسبية.
إن ابن تيمية يذهب هنا إلى القول بأن الأجزاء الصحيحة لكل من نظريات فيثاغورث وسقراط وأفلاطون ترجع إلى بعض ما جاءت به الرسل في أمر الملائكة، لأنهم هاجروا إلى أرض الأنبياء بالشام - فيما عدا أرسطو - وتلقوا عن لقمان الحكيم وأصحاب داود وسليمان من بعده[8].
إلا أن أصناف الملائكة وأوصافهم وأفعالهم التي ذكرها القرآن تخالف ما يزعمه الفلاسفة من أن جبريل هو العقل الفعال، مع جعلهم العقول والنفوس ملائكة، ذلك لأنهم - أي الملائكة - هم أعظم مخلوقات الله، فهم ليسوا عشرة وليسوا أعراضًا[9].


[1] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج 3 ص 200. [2] فتاوى ج17 ص 335. [3] الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. [4] ص 90. [5] نقض المنطق ص 106. [6] نقض المنطق ص 107. [7] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج 3 ص 207. [8] نقض المنطق ص 113. [9] الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 90.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير