الجذور الفكرية للتدخلات الأمريكية المسلحة فى العالم
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
المسلمون والعالم
الجذور الفكرية
للتدخلات الأمريكية المسلحة في العالم
حسن أبو حلو
في إبريل عام 1914م خاطب الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت الكونجرس
من أجل إقرار استخدام القوات المسلحة الأمريكية ضد المكسيك؛ وذلك لأن
المكسيكيين لم يقوموا بتحية العلم الأمريكي! ! [1] . هكذا بكل بساطة حشدت الولايات المتحدة جيوشها وهاجمت دولة ذات سيادة من أجل أن بعض المواطنين من دولة أخرى تجرأوا وتمادوا ولم يرفعوا أيديهم إجلالاً وتحية لعلم الولايات المتحدة. والآن بعد أكثر من ثمانين عاماً انبرت الولايات المتحدة وجيّشت قوتها البحرية والجوية والبرية، واستنفرت الدول للإجهاز على البقية الباقية من قوة العراق، ولإجهاض احتمالات استعادة قوته في المستقبل. وتسابق المحللون بمنطقتنا في تحليل الدوافع الأمريكية لهذا الغزو، وتضاربت الآراء واختلفت التسويغات، وكثرت التنبؤات: هل هناك ضربة متوقعة؟ أم لا، وغير ذلك من التكهنات المتناقضة التي تعكس خللاً ما في منهجية التفكير وطرائق التحليل؛ مغفلين الظروف التاريخية التي صاحبت التدخلات الأمريكية العسكرية في العالم؛ لذلك حاولنا البحث عن هذه الدوافع والأهداف من البداية الأولى منذ تأسيس أمريكا؛ متتبعين بإيجاز قدر الإمكان البواعث التي دفعت الزعماء الأمريكيين الأوائل أو ما يصطلح عليه: (الآباء المؤسسون) إلى الاندفاع خارج أمريكا، وبسط النفوذ العسكري في العالم. إن تاريخ أمريكا يحفل طوال مائتي سنة بأمثلة كثيرة من استخدام القوة العسكرية من أجل التدخل في شؤون الأمم الأخرى.
ومصطلح التدخل في الفكر السياسي يتضمن: التهديد بالقوة أو استخدامها، وتدبير المؤامرات للإطاحة بالحكومات القائمة وتغيير الأنظمة السياسية، والحصار الاقتصادي، والمقاطعة السياسية وغير السياسية، وسنحاول في هذا المقال أن نحلل بطريقة موجزة تطور الاستراتيجية التوسعية للولايات المتحدة وفق مبادئ وأسس لا زالت حتى الآن تتحكم لدى صانعي القرار في أمريكا.
وقليل من تدبر الأحداث الحالية يدل على صحة هذا الاتجاه. 1- مبدأ: القوة العسكرية هي الفيصل النهائي: أي أن الوسيلة الأساسية والنهائية لتسوية مشكلات السياسة الخارجية المتنازع عليها هي الحرب.
وقد قال ألكسندر هاملتون: (إن الناس طموحون، حقودون، مهابون) [2] وفي معرض تفسيره لأسباب حتمية الحروب في حياة الجنس البشري يقول: (إن التطلع إلى استمرار التوافق بين عدد من الدول المستقلة ذات السيادة والمنفصلة بعضها عن بعض معناه التغاضي عن المسار المطرد للأحداث الإنسانية والعمل على تحدي الخبرة المتراكمة للأجيال) [3] .
وبعد أن قام هاملتون بتلخيص تلك الخبرة ابتداء من أثينا في عصر بركليز إلى انجلترا وفرنسا في أيامه أطلق على الذين يعتقدون أن من الممكن تحقيق سلام دائم بين الأمم صفة المثاليين وهو يعتبر (ما يشبه البدهي في السياسة أن المجاورة أو قرب الموقع هو الذي يشكل الأعداء الطبيعيين للأمم) [2] . وقال (هنري ويجر هالك) ، وهو واحد من المنظرين العسكريين الأمريكيين الأوائل في بعض جداله مع أنصار نزعة المسالمة الأمريكيين الذين أكدوا أن الحروب كافة تمضي ضد إرادة الله: (ولكن الكتاب المقدس لم يحظر الحرب في أي من مواضعه، إننا نجد الحرب في العهد القديم، بل نجد حروب الفتح مأموراً بها، وعلى الرغم من أن الحرب كانت مشتعلة النيران في العالم أيام المسيح وحوارييه، إلا أنهم لم يقولوا كلمة واحدة عن أنها غير مشروعة أو غير أخلاقية) [3] . يقول ألكسندر هاملتون: (إن القوة المسلحة هي التي تستطيع أن تملي شروط العلاقة بين العالم القديم والجديد) [2] . ولكن الأمريكيين في بعض الأحيان يلجأون إلى عدم استخدام ألفاظ الحرب مباشرة، ويخترعون مصطلحات متنوعة لتشويه جوهر الأشياء وإحاطتها بالتعمية محاولين التنكر في الإعلان عن الهدف الحقيقي؛ فهناك على سبيل المثال مصطلح: (المجمع السلمي) الذي شاع استعماله في الإشارة إلى القوات المسلحة الأمريكية؛ فبالإضافة إلى جورج واشنطن دافع قادة كثيرون غيره وبخاصة ألكسندر هاملتون دفاعاً قوياً عن فكرة الاحتفاظ (بمجمع سلمي) قادر على التأثير، ويعتبر المؤرخون العسكريون الأمريكيون المعاصرون هاملتون فيلسوفاً عسكرياً من أصحاب النزعة الواقعية ومناصراً ثابت العقيدة لموقف التأهب القتالي الهجومي. 2- مبدأ: المصلحة الذاتية المستنيرة: وهذا المبدأ يعتبر مسلّمة رئيسة للاستراتيجية العسكرية الأمريكية؛ فهو المفتاح والعامل المحرر لنشاط أمريكا على الساحة العالمية؛ وهو يمثل النظرة للسياسة الخارجية الأمريكية من منظور المدى الطويل. وعلى وجه التحديد؛ لقد كانت درجة الأفضلية الممنوحة لانتصار استراتيجي طويل المدى بالنسبة إلى ميزة عابرة مرحلية هي التي اتخذت مقياساً للاستنارة والمصلحة القومية؛ فإذا تشبث قادة دولة بمكاسب قليلة الأهمية وفورية متغاضين عن المصالح الأكثر جوهرية التي يمكن تحقيقها بواسطة التضحية بمكسب مرحلي فإن معنى ذلك أنهم (ليسوا مستنيرين) بما فيه الكفاية، وأن معرفتهم ضئيلة بالأهداف العظمى للطبقة الحاكمة في السياسة الخارجية، وهم لهذا يُخفقون في تطبيق مبدأ (المصلحة المستنيرة) وحينما تترجم مسلّمة (المصلحة الخاصة المستنيرة) في السياسة الخارجية إلى لغة الاستراتيجية فإنها تعني الاحتفاظ بحرية المناورة للولايات المتحدة في أي ظرف من الظروف.
ويقول جورج واشنطن مطوراً مفهوم حرية المناورة: (لماذا نترك أرضنا لكي نقف على أرض أجنبية؟ لماذا نعرقل سلامنا ورخاءنا بحبائل ومعاداة مصالح أوروبا ومنافساتها في مصالحها وأمزجتها وأهوائها إذا جعلنا مصيرنا ملتحماً بأي جزء من أوروبا؟ إن سياستنا الحقة هي أن نوجه سفينتنا بعيداً عن التحالفات الدائمة مع أي جزء من العالم الأجنبي) [4] .
ويمضي قائلاً: (إنه يجب اعتبار أي تحالف مع دولة أجنبية مؤقتاً، أي لا تلتزم به الولايات المتحدة إلا إذا كان هذا التحالف مفيداً لتنمية مصالحها، ولكن بمجرد أن يصير هذا التحالف عبئاً على الولايات المتحدة ويزج بها في غمار الصراع من أجل المصالح الأجنبية فإن من الواجب تصفيته وإحلال تحالف آخر مكانه إذا كان ذلك ضرورياً؛ حتى ولو كان ذلك مع عدو الأمس إذا دعت الحاجة إليه للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الخاصة) [5] . لذلك نجد أن الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى تتبع في سياستها البعد عن التدخلات العسكرية؛ فهي سياسة تجميع القوى وحشدها قبل أن تزج بها في ساحة الصراع العالمي. 3-مبدأ (القدر المرموق) : أو المصير الذي سبق به القضاء، أو قضاء الله السابق. في هذا المبدأ تتجلى العقيدة الدينية النصرانية في السياسة الأمريكية؛ حيث تصور النموذج الأمريكي على أنه رسالة إلهية إلى العالمين. لقد كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة شديدي التدين، وقد وجدوا بالإضافة إلى تسويغ أفعالهم باعتبارات العقل والضرورة الاقتصادية..
إلخ.
أن من الواجب التصديق على أن كل ما أنجزته الثورة الأمريكية من جانب سلطة إلهية غير أرضية هي إرادة الخالق، وكل ذلك أدى إلى ولادة مبدأ (القدر المرموق) . وبما أن الجمهورية الأمريكية أي النظام الأمريكي وفقاً لتعاليم (الآباء المؤسسين) أفضل ما تم إيجاده قبل هذه الجمهورية أو النظام؛ فلا بد أن تكون في رأي هؤلاء الآباء نموذجاً ومثالاً لسائر الجنس البشري، نموذجاً على جميع الأمم أن تقتدي به. وقد أدت مُسَلّمة الأيديولوجيين الأمريكيين عن الطابع الشامل لتجربة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى ميلاد فكرة الرسالة الأمريكية، رسالة تعليم الأمم الأخرى أن تألف طريقة الحياة الأمريكية، وحثها بكل الوسائل على أن تنتهج مساراً يحاكي الديموقراطية الأمريكية، وأن هذا النظام هو الأفضل ليس للأمريكيين وحدهم ولكن لجميع الأمم، وأن الذي يعترض على هذا جاهل وضال، وأنه يجب نشر هذه الفضائل بواسطة القدرة أو قوة السلاح.
ويقول العالم السياسي الأمريكي المعروف (هانزجيه مورجنتاو) ساخراً: (لقد كان لهذا المفهوم أثر على أمريكا، فسار التوسع الأمريكي يضم الأراضي خارج حدود القارة عند نهاية القرن يداً بيد مع نزعة توسعية قوية واثقة بنفسها لنشر المبادئ الأمريكية وطرائق الممارسة الحكومية الأمريكية) [6] . ويؤكد مورجنتاو بناء على ذلك: (وهنا يمتزج المفهوم التنصيري عن العلاقة بين وضعنا الداخلي وبين سياستنا الخارجية ليشكلا شيئاً ثالثاً هو الحملات الصليبية؛ فنحن باعتبارنا (مبشرين) برسالة التجربة الأمريكية كنا نقدم مساعدتنا للآخرين وهم أحرار في قبولها أو رفضها، أما نحن باعتبارنا فرساناً طيبين فسنفرضها فرضاً على بقية العالم بالنار والسيف إذا كان ذلك ضرورياً، وستكون الحدود العقلية لهذه الحملة الصليبية هي حدود القوة الأمريكية؛ فإن حدودها الممكنة ستكون حدود الكرة الأرضية، لقد تحول النموذج الأمريكي إلى صيغة فكرية للخلاص الشامل ستلتزم بها الأمم ذات التفكير الصحيح طوعاً.
أما الأمم الأخرى فيجب أن تخضع لها كرهاً) [6] . ومن الحقائق الفعلية كما يسلم مورجنتاو (أن فكرة الرسالة الأمريكية إلى شعوب العالم الأقل حظاً، هي بكل تأكيد أيديولوجية سياسية أي هي إضفاء طابع عقلاني وتسويغي على السياسات التي تجري ممارستها لأسباب أخرى هي أسباب أنانية في المحل الأول) [6] . ويقول المؤرخ الأمريكي البارز (جوليوس وبرات) بمزيد من التخصيص: إن (القَدَر المرموق) أصبح تسويغاً لأي استيلاء على أرض إضافية يكون لدى الولايات المتحدة النية والقدرة على أخذها) [7] . 4- مبدأ: الحرب العادلة: هذا المبدأ نشأ عن مفهوم إشباع حاجات الشعوب الأخرى من خلال جذبها إلى طريقة الحياة الأمريكية بقوة السلاح؛ فوفقاً لنظرية الرسالة الأمريكية يتم القيام بهذه الأفعال لا لأي غرض آخر سوى تحرير هذه الشعوب.
لذلك فأي حرب على وجه الإطلاق تخوضها الولايات المتحدة هي من وجهة النظر الأمريكية حرب تحرير؛ ولذلك فهي حرب عادلة.
يقول البروفيسور (روبرت تكر) من جامعة جون هوبكنز: (يمكن اعتبار أي استعمال للعنف وأي وحشية حرباً عادلة) . 5- مبدأ (مونرو) : في عام 1823م في رسالة الرئيس مونرو إلى الكونجرس قال: (إنه من الآن فصاعداً فإن بلاد القارة الأمريكية لا يمكن اعتبارها موضوعاً للاستعمار من جانب أي دولة أوروبية، ومن حقنا ألا ننظر إلى أي تدخل يستهدف إخضاعها أو التحكم بأي طريقة أخرى في مصيرها من جانب أي دولة أوروبية إلا في ضوء أنه انعكاس لنوايا غير ودية تجاه الولايات المتحدة) [8] . كان هذا المبدأ أول بداية حقيقية عملية لتدخل أمريكا في العالم، وإن اقتصر على قارتي أمريكا أو نصف الكرة الغربي فإنه طبق المبادئ السابقة باعتبارها نتيجة لها، وأظهر السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة عندما تنظر إلى أي جزء من العالم وكأنها منطقة نفوذ لها. 6- خطاب (مسيرة الراية) : في 16 سبتمبر 1898م أُلقي خطاب ممتلئ بالحماسة في مدينة (أنديانا بوليس) دفاعاً عن السياسة الجديدة للولايات المتحدة، وقد عرف هذا الخطاب في التاريخ الأمريكي باسم: (مسيرة الراية) وكان مُعد هذا الخطاب هو (ألبرت بفريدج) الذي كان مرشحاً لمجلس الشيوخ في انتخابات ذلك العام؛ وكان يعتمد على تأييد الدوائر الصناعية والمالية ذات النفوذ وقد أعلن (أن مسألة التوسع الاقتصادي أكبر من أن تكون مسألة حزبية؛ إنها مسألة أمريكية: هل سيواصل الشعب الأمريكي زحفه نحو السيادة التجارية على العالم؟ هل سنحتل أسواقاً جديدة لما ينتجه مزارعونا وما تصنعه مصانعنا وما يبيعه تجارنا؟ إننا اليوم ننتج أكثر مما نستطيع استهلاكه، ونصنع أكثر مما نستطيع استعماله؛ لذلك يجب أن نجد أسواقاً جديدة لمنتجاتنا) [9] . لقد كان مستقبل السياسة الاقتصادية الأمريكية حيوياً بالنسبة إلى دائرة رجال الأعمال، وفي الشهر نفسه في ذلك العام ظهر في المجلة الأمريكية الشمالية مقال بقلم (تشارلس كونانت) في مجلة نيويورك للتجارة عنوانه: (الأساس الاقتصادي) جاء فيه: (إن الميل الذي لا تمكن مقاومته إلى التوسع الذي يؤدي بالشجرة النامية إلى أن تفجر أي حاجز، هو الميل الذي ساق القوط والوندال والساكسون في موجات متعاقبة لا يمكن مقاومتها للتغلب على أقاليم روما المتدهورة.
هذا الميل يبدو الآن فعالاً مرة ثانية؛ ولذلك فلا بد من منافذ جديدة لرأس المال الأمريكي، ولفرص جديدة للمشروع الأمريكي.
إن قانون المحافظة على النفس وكذلك قانون البقاء للأصلح يدفعان شعبنا في طريق هو بلا جدال تحوّل عن سياسة الماضي، ولكنه طريق لا يحيد عن أن ترسم حدوده شروط الحاضر ومتطلباته) [10] . وكانت هذه هي طريقة التفكير في الولايات المتحدة الكامنة خلف المنافسة على فتح البلاد التي لاحظها إنجلز عام 1884م بوصفها سمة مميزة مهمة للسياسات الخارجية للدول الكبرى. 7- استنتاج روزفلت: في عام 1904م أثرى تيودور روزفلت نظرية العلاقة بين الدول الأمريكية بتفسيره الخاص لمذهب مونرو، وقد عرف هذا التفسير في التاريخ باسم: - (استنتاج روزفلت) أعلن فيه: (إن تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لأمريكا اللاتينية سيعتبر أمراً مسوغاً قانونياً إذا وجدت هذه البلاد نفسها عاجزة عن القيام بحل مشكلاتها الداخلية، أو إذا قامت من جانبها بأفعال قد تؤدي إلى تدخل الدول الأوروبية في شؤون بلدان في القارة الأمريكية، وأن أي بلد يحسن شعبه السلوك يستطيع أن يعتمد على صداقتنا المخلصة القوية، فإذا أظهرت إحدى الأمم أنها تعرف كيف تسلك بكفاءة ولياقة معقولتين في المسائل الاجتماعية والسياسية، وإذا حافظت على النظام وأدت التزاماتها فهي ليست بحاجة إلى أن تخشى تدخلاً من الولايات المتحدة.
أما ارتكاب الأخطاء على نحو متكرر أو حدوث عجز ينجم عنه تحلل لروابط المجتمع المتحضر فقد يتطلب في أمريكا كما يتطلب في أي مكان آخر تدخلاً في النهاية تقوم به أمة متحضرة، كما يتطلب في نصف الكرة الغربي تمسك الولايات المتحدة مهما يكن ذلك على كره منها بأن تلعب دور قوة شرطة عالمية في الحالات الصارخة من ارتكاب الخطأ أو العجز) [11] . هذا الاستنتاج الخطير يؤكد أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي لها الحق المطلق في تحديد شرعية أية أفعال معينة تصدر عن بلاد تكون الولايات المتحدة لها مصلحة فيها! ! لقد كتب تيودور روزفلت في الثلاثين من عمره مؤلفاً تاريخياً عنوانه: (الفوز بالغرب) بسط فيه آراءه (عن الحاجة إلى أن تغزو الشعوب الأكثر تحضراً وتقدماً الشعوب البدائية، وأن أخلاقاً منحرفة غبية هي وحدها التي تدين سيطرة الأمريكيين على الغرب) [12] . وفي يونيو 1897م حينما كان ما يزال مساعداً لوزير الأسطول تكلم أمام المتخرجين من الكلية البحرية مدافعاً عن سياسة خارجية عدوانية قائلاً: (إن أخطر مزاج نفسي على الأمة هو مزاج مسرف في النزعة السلمية لا المزاج المولع بالحرب، إن جميع الأجناس السائدة كانت أجناساً محاربة) [12] . ولقد شرح روزفلت سياسة إدارته في الحكم قائلاً: (لا نستطيع أن نجلس قابعين داخل نطاق حدودنا ونصرح بأننا جماعة من الباعة الجائلين الميسورين لا يأبهون بأي شيء يحدث وراء هذه الحدود.
يجب علينا أن نصمد في الصراع من أجل السيادة البحرية والتجارية، ويجب أن نبني صرح قوتنا خارج حدودنا ... ويجب أن نستولي على أفضل المواقع التي ستمكننا من أن يكون لنا القول الفصل في تقرير مصير محيطات الشرق والغرب) [13] . هذه هي المبادئ التي تحكمت في فكرة النخبة السياسية الأمريكية ولا زالت تتحكم فيها وإن تغيرت الاستراتيجيات وتبدلت الخطط؛ فالمراقب لجميع تدخلات أمريكا العسكرية في العالم يلاحظ أثر هذه الأفكار وما تحمله من غرور وعنجهية واستعلاء على الأمم الأخرى، وفي الوقت نفسه القدرة على المناورة، وتحيّن الفرصة المناسبة، والوقوف عند المصلحة البعيدة المدى، ويفسر لنا ذلك كثيراً من المواقف التي تقفها أمريكا الآن في خضم الصراع في المنطقة. __________ (1) الحرب والسلطة الرئاسية تأليف: تافت إيجلتون، ص54. (2) مجلة الدستور الجديد، نيويورك سنة 1945، العدد 35 ص 231. (3) مجلة الفكر العسكري الأمريكي، إنديانا بوليس، سنة 1966، ص 129. (4) كتابات جورج واشنطن، (ج26/ص374) . (5) كتابات جورج واشنطن، (ج26/ص374) . (6) كتاب (سياسة خارجية جديدة للولايات المتحدة) ج3/234. (7) مقال: إيديولوجية التوسع الأمريكي، مجلة شيكاغو سنة 1935 ص3. (8) كتاب (تاريخ تسجيلي للولايات المتحدة) ص 89 90. (9) الكتاب الأول لتعليم أمريكي ص 645: 648. (10) كتاب (الأعمال المختارة) ج2/320. (11) الوثائق الأساسية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ص 72. (12) التقليد السياسي الأمريكي والناس الذين صنعوه ص209. (13) روزفلت الكاريبي ص1.