أرشيف المقالات

الهبينغ الرعبوب

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2الهبينغ الرعبوب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد: فإن من الصفات المذمومة والقبيحة التي يتَّصف بها بعض من نُخالِطهم من الأصدقاء صفة: (الجُبْن)، التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعوذ منها، والتي كلُّ مَن على هذه البسيطة لا يَقبل أن يُوصَف بها، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم إني أعوذ بك من الجُبن...)).   ولذلك؛ سأتحدث عن هذا الجبان الذي امتلأتْ نفسُه بالخوف والخَوَر، الذي لا بد أن نسميه بـ: (الهَبَيْنَغ الرُّعْبُوب)؛ فهذه من أسماء الجبان التي ذكرها أهلُ اللغة، وقد تجاوزت أسماءُ الجبان الثلاثين اسمًا؛ وما ذاك إلا لقبيح هذه الصفة ومَن يتَّصف بها.   قال الفيروزابادي في تعريف الجُبن: "الجُبن ضعف القلب عمَّا يَحِق أن يقوى فيه".   فالصديق الجبان لن ينفعك أبدًا؛ لأنه خَوَّاف، يختبئ خلف حواجز وسدود تمنعه من التقدم والمواجهة، حتى في أبسط الأمور والمواقف، فهو حريص على نفسه، وإن تقدَّم شِبرًا سيرجع عشرة أشبار.   وصدق الشاعر حينما قال في وصفه لهذا الجبان: أسدٌ عليَّ وفي الحروب نَعامةٌ ♦♦♦ رَبْداء تَنفِر من صفير الصافرِ   فتجد الجبان دائمًا في آخر الرَّكْب، ضعيفًا في عطائه وحركاته، بل ضعيفًا حتى في كلامه، بل يستحيل أن تراه مع الشُّجعان في المواقف التي تحتاج إلى شجاعة وعَزْم قوي.   فالجبان دائمًا مغلوب، يُفكر في السلامة والخَلاص في كل تعاملاته مع الناس، وخاصةً أصدقاءه؛ فتجده جالسًا في المواقف التي يَلزَمه القيامُ فيها، وتجده ساكتًا في المواقف التي يَلزَمه الكلامُ فيها؛ ولذلك يَفِر دائمًا من المواجهة، فالخوف دائمًا ملازم له، لا يفارقه ألبتة.   جبان في قول الحق وتطبيقه، يهرب من الشجاعة ولا تتحملها نفسُه الضعيفة التي لا يمكن أن تُحرِّك ساكنًا، ولا تُسكِّن متحركًا.   والمصيبة المرة هي أن يَظُن الجبان أنه شجاع في تصرفاته وأفعاله، ويعتقد أنها شجاعة ودهاء، ولكن الحقيقة أن نفسَه ضعيفة، مليئة بالخَوَر والجبن.   وصدق الشاعر حينما قال: يرى الجُبَناء أن الجُبن حَزْمٌ ♦♦♦ وتلك خَديعةُ الطَّبْع اللئيمِ   وإذا أردت معرفة الصديق الجبان من الصديق الشجاع فستعرفه في وقت الشدائد والأزمات، فالصديق يُعرَف في هذه الأوقات التي يتبيَّن لك فيها الصديق الجبان من الصديق الشجاع.   فالجبناء كالخفافيش؛ لا تظهر إلا في الليل، ولذلك لن ترى جبانًا في المقدمة، بل في المؤخرة، تشبَّعتْ نفسُه من الضعف والخَوَر، فهو ضعيف الإرادة والعزيمة.   إن الجبان سيكسِب بجُبنِه بلا شك، ولكن سيكسِب: 1- الهزيمة النفسية التي لا تجعله يواجه ويتحمل قسوة الحياة وشدائدها. 2- ضعف النفس وعجزها في مواجهة الصعاب والتحديات. 3- الخوف الدائم الذي يجعله مهمومًا طَوالَ حياته. 4- سوء الظن بالناس؛ فلا يُصدِّق ولا يَثِق بأحد إطلاقًا. 5- ازدراء الناس له وبغضه ومقته.   وأخيرًا أقول لصديقي الجبان: لا تتصور أنني سأقف بجانبك يومًا ما أو أشاركك هذا الجُبن الذي تَعِيشه نفسُك؛ ولذلك أوصيك يا صديقي أن تقتل هذه الصفة القبيحة التي عَشْعَشَتْ في نفسك، وتُحيِي صفة الشجاعة في قلبك.   ولذلك قال أحد الحكماء: "اعلم أن كل كريهة تُرفع، أو مَكْرُمة تُكتَسَب، لا تتحقق إلا بالشجاعة".   إن كنتَ تريد كَسْب الفضائل والمحامد، فكن شجاعًا. إن كنتَ تريد كَسْب قلوب الناس وثقتهم، فكن شجاعًا. إن كنتَ تريد مواجهة الصعاب والشدائد، فكن شجاعًا. إن كنتَ تريد الطمأنينة والراحة في نفسك، فكن شجاعًا. إن كنتَ تريد الثبات والصبر على الآلام، فكن شجاعًا.   ووصيتي لك: لا يَذهبَنَّ بكَ التردُّ دُ إنْ عَزَمتَ على عملْ ما أخطأَ العلياءَ مَن رَكِب الشَّجاعة والأملْ   اللهم إنا نعوذ بك من الجُبن، ونسألك أن ترزقنا شجاعة تُقوِّي إيماننا وتقربنا إليك؛ إنك جواد كريم.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن