أرشيف المقالات

حكم الرسم والتماثيل

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2حكم الرسم والتماثيل   الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذا تقرير حول حكم الرسم والتماثيل مستخلصًا مما ورد من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتم جمع الأحاديث التي وردت في هذه المسألة؛ لنخرج بالحكم الصحيح في المسألة.   1- مسند أبي داود الطيالسي (2/ 17): 657- حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ وَرَأَى صُوَرًا، قَالَ: فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَمْحُوهَا وَيَقُولُ: ((قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ)).   قلت: مِن هذا الحديث نأخذ أنه محا ما كان رسمًا في الكعبة التي هي مكان عبادة؛ بدلالة محوه بالماء، وأنها كانت لذوات الأرواح؛ بدلالة ما روي في روايات أخرى أنها كانت لإبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام.   2- صحيح مسلم (3/ 1669): (2107) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟))، فَقَالَتْ: "اشْتَرَيْتُهَا لَكَ، تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ))، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ)).   وفي رواية أخرى عند مسلم: صحيح مسلم (6/ 158): 5647 - حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُتَسَتِّرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ)).   وفي رواية بلفظ [صحيح مسلم (6/ 159)]: ((يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ)).   3- صحيح مسلم (3/ 1669): (2108) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ)).   4- صحيح مسلم (3/ 1670): (2110) قَالَ مُسْلِمٌ: قَرَأْتُ عَلَى نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ عَبْدِالأَعْلَى بْنِ عَبْدِالأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ))، وقَالَ: ((إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ))، فَأَقَرَّ بِهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وبلفظ عند البخاري، قال: "ويحك، إن أبيتَ إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح".   5- مسند أحمد ط الرسالة (13/ 413): 8045- حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِاللهِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ تِمْثَالُ رَجُلٍ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي بَابِ الْبَيْتِ يُقْطَعْ، فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ يُقْطَعْ، فَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبِذَتَيْنِ تُوطَأانِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ يُخْرَجْ)).   6- صحيح البخاري (7/ 167): حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ، فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ، فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عبداللَّهِ (بن مسعود)، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ)).   7- صحيح البخاري (7/ 61): 5347- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ (أبي جحيفة)، قَالَ: "لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَكَسْبِ البَغِيِّ، وَلَعَنَ المُصَوِّرِينَ".   8- صحيح مسلم (3/ 1665): (2106) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ))، قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلَانِيِّ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: ((إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ)).   قلت: من هذا الحديث يُستثنَى ما كان رَقْمًا في ثوب، وسيأتي تفصيل ذلك.   نستخلص من الأحاديث الآنفة الذكر ما يأتي: 1- تحريم التصاوير، والمقصود بها: التماثيل لما له روح، التي تكون كاملة المعالم، وهي التي يصدق عليها أن تسمى تمثالًا، ويستثنى من ذلك ما كان من التماثيل ناقصًا، لا سيما الرأس؛ وذلك أخذًا من رواية أبي هريرة: ((فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي بَابِ الْبَيْتِ يُقْطَعْ، فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ))، فمن هذا الحديث يفهم أنَّ تصوير البعض ليس كتصوير الكل، وأنَّ الحرمة منصرفة على تمثيل الرأس على وجه الخصوص، وهو ما يصدق عليه أن يكون مضاهاةً لخلق الله ومشابهةً خلق الله، بل إنَّ التمثال بلا رأس لا يصدق عليه أن يكون تمثالًا، ومن هذا يعلم أن الصورة غير الكاملة لا تدخل فيما هو منهي عنه، على عكس ما هو عليه حال التمثال الكامل.   وعلة الحرمة: المضاهاة والمشابهة، كما بيَّنه في رواية عائشة مما رتب عليه الوعيد يوم القيامة.   2- أنَّ تصوير ما لا روح له مباح لا حرج فيه، وذلك أخذًا من رواية ابن عباس، قَالَ: ((إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ))، وبلفظ عند البخاري: قال: "ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح".   قلت: هذا الحديث فيه دلالة على جواز التصاوير (التماثيل) لكل ما لا روح له.   3- بقي ما يخص الرسومات، وهي التي يقصد بها عند العلماء ما لا ظل له، فما لا روح له مباح، فالتماثيل التي لا روح لها مباحة، فمن باب أولى إباحة الرسومات مما لا روح له، أما رسم ما له روح، فجمعًا بين النصوص نرى أنها تقسم إلى معلَّق وغير معلَّق، فالمعلَّق منه ما هو في أماكن العبادة وخارجها؛ فما كان في أماكن العبادة كالكعبة يحرُم؛ أخذًا من رواية أسامة، وما كان خارج أماكن العبادة يباح، ما لم يصبح ذريعةً للتعظيم والإشغال عن العبادة، وذلك أخذًا من كراهة الرسول له؛ كونه أشغله عن صلاته، وذلك فيما روته عائشة كما في البخاري، وما لا يوجد فيه تعظيم ولا إشغال عن العبادة فمباح، كما في رواية مسلم: ((إلا رقمًا في ثوب))، وأيضًا دليل عدم تحريمه ما رواه مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كرهه؛ لأنه يذكِّره الدنيا فقط، ولم يحرِّمه، وهذا عن الستر الذي كان فيه صورة طائر فقال: ((حوِّلي هذا))، أما غير المعلق مما يكون ممتهنًا، فلا حرج فيه؛ أخذًا من جعل عائشة لما يُعلَّق - بعد كراهة الرسول له - وسائدَ، وعلى هذا يقاس أيضًا ما كان في سجاد وبُسُط تداس على الأرض.   ومما يلاحظ أنَّ لفظ التصوير كان يُصرَف في عهد النبوة - وهو ما اتجه إليه التحريم - إلى ما له روح، وكان كاملًا، وكان القصد منه التعظيم ومضاهاة خلق الله والتشبه بفعل الله تعالى، وهذا ما لا يتوفر في الرسومات، طبعًا مع عدم اشتمال هذه الرسومات على ما يخالف العقيدة وأصول الدين، وما فيه خدش للآداب والأخلاق الإسلامية، أو تعظيم لمحارب للإسلام من الكفرة والفجرة والفسقة.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن