أرشيف المقالات

الأخلاق

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2الأخلاق   إنَّ الأخلاق عماد المجتمعات وركنها المتين، وكلَّما وجدت مجتمعًا متمتعًا بها، فذلك دليل على قربه من التحضُّر والقيم الإنسانية البرَّاقة، ودليل أيضًا على سموِّ أنفس أفراده، وبلوغهم مرتبة عليا من الرقيِّ.
إذا أردتَ أن تقيس مَدى تحضُّر أفراد أي مجتمع، فاسأل عن أخلاقهم ومعاملاتهم فيما بينهم، واسأل عن صِدقهم وحِفظهم للأمانات، واسأل عن رَحمتهم بالصَّغير وتَوقيرهم للكبير، وهناك الكثير والكثير من المناقب التي يمكِن أن نُظلَّها بالأخلاق، ونَحثَّ على الاقتداء بها وأخذها كأنموذج في هذه الحياة، أستشهد بأبيات رائعة للشاعر "أحمد شوقي" يقول فيها: وإنَّما الأمُمُ الأخلاق ما بقيَت فإن همُ ذهبَت أخلاقُهم ذَهبوا ♦♦♦ صَلاح أمرِك للأخلاق مَرجعه فقوِّم النَّفسَ بالأخلاق تَستقمِ ♦♦♦ وإذا أُصيبَ القومُ في أخلاقِهم فأقِم عليهم مأتمًا وعويلَا   ويقول "عباس محمود العقاد" كلامًا يوزَن بالذَّهب: (كن شريفًا أمينًا؛ لا لأن الناس يستحقون الشرف والأمانة، بل لأنَّك أنت لا تستحق الضعة والخيانة)، فعلًا، فشأن الأخلاق في حياة الإنسان ليس هيِّنًا على الإطلاق؛ لأن المجتعات المبنيَّة على القيم الأخلاقية هي مجتمعات مَتينة، قد زاوجَت بين ازدهارها الحضاري ورُقيِّها الروحي؛ لأنَّه لا تيسير لمتطلبات الحياة المادِّية للإنسان، من دون خُلق قويم يَحفظ له مكاسبه، فيُفترض أنَّه كلَّما ارتقى الإنسان في السلَّم الحضاري، ارتقَت معه أخلاقه، ليستحق بعدها أن يتقلَّد وسام المجد والنجاح.

• الأم، وما أدراك ما الأم؟! نَبع الحنان، ومصدر التربية السليمة لأبنائها، إن كانت هذه الأم واعيةً مدرِكة لدورها، نقلَت معاني الشَّهامة والمروءة والكرامة لأبنائها؛ فالحرص على إعداد هذه الأم، كمن يغرس نبتة غضَّة ثم يسقيها، فتنمو لتعطي ثمارها اليانعة، فيقتطفها المجتمع ويُفيد منها في بناء صرحه، يقول الشاعر "حافظ إبراهيم" في أبيات معبرة عنها: الأمُّ مَدرسة إذا أعددتَها أعددتَ شَعبًا طيِّب الأعراقِ الأمُّ روض إنْ تعهَّده الحَيَا بالري أَورَق أيما إيراقِ الأمُّ أستاذ الأساتذة الأُلى شغلَت مآثرهم مدى الآفاقِ   • المدرسة لها دَور لا يُستهان به في تلقين الأبناء المبادئ الأخلاقيَّة، يقول نلسون منديلا عن التعليم: (إنَّ التعليم هو السلاح الأقوى لتغيير العالم)، فهذه المدرسة بمُعلِّميها وعمَّالها ومناهجها، كالنبع الصَّافي الذي يُنهل منه، فيتزوَّد منه الأبناء على مصاعب الحياة، ليكونوا رجالَ الغد ويضطلعوا بأدوارهم فيه، والمعلِّم هو مَن يقود سفينتهم إلى برِّ الأمان، بأداء رسالته مُكمِّلًا لرسالة الأب، بتوجيههم ونصحهم والصبر عليهم، أعود بكم مرة أخرى إلى "أحمد شوقي"، فيقول في أبيات: قُم للمعلِّم وفِّه التبجيلا كادَ المعلِّم أن يكونَ رسولَا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يَبني ويُنشئ أنفسًا وعقولَا؟ سبحانك اللهمَّ خير معلِّمٍ علَّمتَ بالقلم القرونَ الأولى أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماته وهديتَه النورَ المبين سبيلَا وطبعتَه بِيَد المعلِّم تارة صدئ الحديدِ، وتارة مَصقولَا   • الشَّارع يؤثِّر تأثيرًا بالغًا في نفسيَّة الأبناء، فلا بد لهم أن يَخرجوا إليه ويلعبوا مع أقرانهم! فإن وجدوا فيه من يُسدي لهم النصائح وينهاهم عما هو في غير مصلحتهم، سيساهِم ذلك في بناء شخصيَّتهم على الوَجه الصحيح، فيَنشؤون نشأة سليمة لا اعوجاج فيها، ليكونوا فاعلين في بِناء المجتمع الذي تربَّوا فيه بأخلاق حميدة.
إن للأخلاق مكارِمَ عدَّة ومناهِلَ كثيرة، لا حصر لها إن أردنا الاسترسال معها، والأكيد أنَّها تبقى ضرورة من ضرورات استقامَة حياة المجتمع، والحرص عليها وتنميتها وإثراؤها سبيلٌ لحياته، وإعطاء صورة جميلة ناصعة عنه، فالأخلاق كالدُّرر الكامنة في قلب الإنسان، إن حَفِظها وصانَها وعرف كيف يَستخرجها، كانت حياته هانئة سلسة، وعاش راقيًا بمُنجزاته.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١