أرشيف المقالات

الحياة المطمئنة

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2الحياة المطمئنة   أرسم لكم صورةً مشرِقة لِمسلم، نهض في صباحه الباكِر من يوم الجمعة، فنضح وجهَه بماء الوضوء الطاهر، خرج من بيته، مُستقبلًا المسجدَ لتأدية صلاة الصبح، بعد ولوجه المسجد صلَّى تحيَّةَ المسجد، وجلس يقرأ آيات من القرآن الحكيم، ثمَّ صلَّى صلاته خلف الإمام بكلِّ خشوع وتَدبُّر.   عاد إلى بيته وقلبه يشعُّ بالإيمان، شَمَّر ساعديه ليقرأ صنوفًا من الكتب في شتَّى العلوم، عَبَّ منها ما شاء، وكأنه في بساتين وحدائق غَنَّاء، يقتطف من كلٍّ منها زهرة وريحانة، تَنشَّق عَبقها الذي شرح روحه.   عندما بزغ نورُ الشمس وانتشر وَميضه في ربوع السماء، خرج سعيًا في شؤون عائلته، اقتنى مقتنيات من السوق، وساعَد إخوانه لَمَّا حَلَّت بهم ضائقة، ولقيَ أصحابه وخِلَّانه، قضى معهم أمتعَ الأوقات في مسامرة وضحك، فازداد صَدره انشراحًا أكثر فأكثر.   عاد إلى بيته، فسلَّم على أهله، اغتسل وتَطيَّب، ولبس أحلى الحُلل، خرج لأداء صلاة الجمعة، وهو كالبدر المنير في ليلة تَمامه، الكلُّ يَنظر إليه لشدَّة إعجابهم بِسَمْته، بدا لهم أنيقًا ووقورًا في ليلة العيد، صلَّى صلاة تحيَّة المسجد وجلس وسَبَّح ما شاء الله له، استمع لخطبة الإمام بإنصاتٍ وتَفكُّر، خرج بعدها من المسجد وروحه كلها سَكينة، صافح إخوانَه، وتمنَّى لهم قبول الصلاة.   نهاية أسبوعه هذه رائعة، جمع فيها من: الدِّين والعلم والعمل، أدَّى صلاته وتلا قرآنَه وسَبَّح، نهل من العلم ومَلأ عَقله، سعى في شؤون أهله، ولاقى إخوانه وأعانهم على قضاء حوائجهم.   هذه الصورة المُبسَّطة، تحمل معاني جليلة، قال أحد السلف: "لو يَعلم الملوك وأبناءُ الملوك ما نحن فيه من النَّعيم، لجالدونا عليه بالسيوف"، يا له من جمال! ويا لها من روعة! أن يَحيا الإنسان كالأنبياء، ونحن مأمورون بالاقتِداء بهم والتأسِّي بشمائلهم النبيلة.   ما يقضُّ المضجعَ ويَمنع الكرى عن العين، أنَّ هُناك مَن لم يلتفت إلى هذه الفضائل؛ فتجده ينهض كسولًا خاملًا بعد منتصف النَّهار! يُضيِّع صلاة وتلاوةَ قرآن وذِكرًا للرحمن، لو وُزن ثوابهم بوَزن الجبال، لجَاوزوها ثقلًا.   أرجو من صَميم فؤادي ممَّن يقرأ كلماتي، أن يَنظر إلى نفسه نظرة مُحاسبة، أدعوه لأن يُقبِل على هذا الخير العميم، على هذه الحياة الهانئة، فهي تَستحقُّ أن تُعاش كل لَحظة فيها، لن يندم أبدًا؛ لأنها السعادة الحقَّة، ونحن جميعًا نبحث عن السعادة.



شارك الخبر

المرئيات-١