أرشيف المقالات

لزوم السنة والجماعة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2لزوم السنة والجماعة   الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد: فإن ديننا الحنيف يحثُّنا على اتباع الصراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا مبتدعٌ أو جاهل أو مصرٌّ على الخروج عن جماعة المسلمين؛ فالمسلم ليس مخيَّرًا في إتيان ما يشاء من العبادات، أو الاطمئنان لعقيدةٍ ما دون ضوابطَ شرعيةٍ معلومة، وهو محاسَبٌ إنِ اتَّخذ غيرَ طريق الهدى الذي حدَّده الله لنا وخطَّه رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أمرنا سبحانه بالاعتصام بحبله، فقال عز من قائل: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).   وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: ((هذا سبيلُ الله))، ثم خطَّ خطوطًا عن يمين الخطِّ ويساره، وقال: ((هذه سُبلٌ، على كل سبيلٍ منه شيطانٌ يدعو إليه ثم تلا: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153])).   وأُثر عنه رضي الله عنه أيضًا قوله: "اتَّبِعُوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتم"؛ يعني: اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة نبيِّه عليه الصلاة والسلام؛ ففيهما الكفايةُ، وعدمَ اتباع طريق البدعة والضَّلالة وأصحاب الأهواء؛ فإن كلَّ مُحدَثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، كما هو ثابت في الحديث الصحيح، وزاد النسائي: ((وكل ضلالةٍ في النار))، وهذا الحديث كان يكرِّره النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ جمعة أثناء الخطبة.   وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: ((خيرُ الحديث كتابُ الله، وخيرُ الهَدْي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكلُّ بدعة ضلالة))؛ أخرجه مسلم. وأُثر عن الإمام مالك رحمه الله قوله: "السُّنة سفينة نوح؛ مَن ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق".   إنه إذًا المنهج الذي ارتضاه الله لنا بعد أن أكمل نعمته علينا، وبيَّن لنا كل ما يمكن أن نحتاجه في أمور ديننا ودنيانا من خلال هذا النبي الكريم، وأمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم، وباتِّخاذه أُسوةً لنا، وجعل طاعته سبحانه في طاعة رسوله، قال عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وقال عز من قائل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال جل وعلا: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، وقال سبحانه: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، والآيات في هذا الباب كثيرة، وتعكس مدى أهمية الاستقامة على منهج النبوة، وعدم اتباع آراء المبتدعين وطريق السائرين على خُطى الشياطين والمفسدين في العقيدة والدين.   وعليه؛ فالمسلم ملزَم بالتأسِّي بسنة نبيِّه، والتقيد بما عَلِمه عنه بلا زيادات أو تحريفات، وعليه أيضًا أن يلزم جماعة المسلمين المتمسِّكين بطريق الحق، وعدم الخروج عما ذهبوا إليه عن يقينٍ وتبصُّر، أو الاصطفاف إلى جانب الفِرَقِ المعاديةِ لهم، فالفرقة الناجية المنصورة فرقةٌ واحدة، هي التي يتَّبع فيها المسلم السُّنة، ويلزم فيها جماعة المسلمين، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وتفترقُ أمتي على ثلاث وسبعين ملةٍ، كلهم في النار إلا ملة واحدة))، قالوا: ومَن هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))، ألا يستحقُّ هذا الحديث نظرةَ تأمُّلٍ وتدبُّر، وتمحيص الحق عن الباطل؟ ألا يخشى المسلم أن يسير عكس تيارِ المسلمين؛ فينزلَ عليه غضب الله، ويبوء بإثم التفرقة، ويخسر آخرته؟ ألا يعلمُ أن مَن أحدث فعلًا في الدين لا يقبله الله منه؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))؛ أي: إن عمله هذا مردودٌ عليه، وآثم فاعله.   ألا يعلم أن العمل الصالح - كيفما كان - لا بدَّ من استناده على أمرين: إخلاص العبادة لله فيه وحده، وموافقته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ ألم يقل لنا النبي الكريم: ((تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارها، لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ، ومَن يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين...))؟ فتأمل أخي المسلم، وبالعلم تجمَّل.   فاتباع جماعة المسلمين أهل الوسطيَّة والاعتدال فيه الخيرُ كلُّ الخير، بحيث لا تجعل للشيطان بابًا لسيطرة أهل الأهواء، وإحداثِ أمور تشتِّت جمعَ المسلمين وكلمتهم، قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن أراد بُحبوحةَ الجنة فليلزم الجماعةَ؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعدُ)).   وعن حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناسُ يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسألُه عن الشر؛ مخافةَ أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشرٍّ؛ فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخيرِ من شر؟ قال: ((نعم)).   قلت: وهل بعد ذلك الشرِّ من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَن))، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ يَهدون بغير هديي، تعرفُ منهم وتُنكِر))، قلت: فهل بعد ذلك الخيرِ من شرٍّ؟   قال: ((نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا. قال: ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرُني إن أدركني ذلك؟   قال: ((تلزم جماعةَ المسلمين وإمامَهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة، حتى يُدركَك الموتُ وأنت على ذلك)).   ومن أقوال أهل العلم في هذا الباب قول الإمام الشافعي رحمه الله: "مَن قال بما تقول به جماعةُ المسلمين، فقد لزم جماعتَهم، ومن خالف ما تقول به جماعةُ المسلمين، فقد خالف جماعتَهم التي أُمر بلزومها".   وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمَن قال بالكتاب والسنة والإجماع، كان من أهل السنة والجماعة". فعلى أهل العلم أن يربُّوا عامة المسلمين وخاصَّتهم على هذا الأصل المتين، ولا يَمَلُّوا من ذلك في زمن العَوْلمة والإعلام، وغزو الأفكار والآراء الغريبة للقلوب والأفهام.   نسأل الله تعالى أن يتقبَّل عملنا، وأن يفقِّهَنا في ديننا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢