أرشيف المقالات

الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك))؛ رواه البخاري[1].   يتعلق بهذا الحديث فوائد: الفائدة الأولى: يبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الجنة قريبة المنال، سهلة الطريق، والوصول إليها ليس بالأمر العسير على من يسره الله عليه، وكذا النار أعاذنا الله منها، قال ابن بطال - رحمه الله تعالى -: فيه أن الطاعة موصلةٌ إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء؛ اهـ، وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهلٌ بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية؛ اهـ، وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: فينبغي للمرء ألا يزهد في قليل من الخير أن يأتيَه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه؛ فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها؛ اهـ[2].   الفائدة الثانية: سلعة الله الجنة ثمنها بين أيدينا، لا يعجِز عنه أحد، ولا يردنا عنه أحد أبدًا، ولا يزاحمنا عليه أحد، ولكنها سلعةٌ ثمينة لا تمنح لكل أحد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة))؛ رواه الترمذي[3]، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ثمنها؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!))، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))؛ رواه البخاري[4]، فأين المشترون وهذه سلعة الله تعرض علينا ليل نهار؟ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 17].   الفائدة الثالثة: الجنة سهلة قريبة المنال، ولكنها تحتاج من طلابها أن يؤثِرُوها على الدنيا، بأن تكون هي همَّهم، ويكون سعيُهم لها، لا أن تكون الدنيا الفانية هي همَّهم، وسعيُهم لها؛ فهذا من انعكاس الموازين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، يعني: أن الحياة الحقيقية الدائمة هي الحياة الآخرة، أما الدنيا فمجرد لهو ولعب، وحينما تكون الحياة الآخرة هي المطلب يكونُ شعار المؤمن ومنهاج حياته: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، ولا يكون الحال عكس هذا، روى أبو موسى رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب دنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضرَّ بدنياه؛ فآثِرُوا ما يبقى على ما يَفْنى))؛ رواه أحمد[5].


[1] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك 5/ 2380 (6123). [2] فتح الباري 11/ 321، والنقول السابقة منه، ونحوه قال العيني في عمدة القاري 23/ 78. [3] رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (8) 4/ 633 (2450)، وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 4/ 343، والألباني في السلسلة الصحيحة (2335)، قال النووي: ((أدلج)): بإسكان الدال، ومعناه سار من أول الليل، والمراد التشمير في الطاعة (رياض الصالحين ص94). [4] رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم 6/ 2655 (6851).
[5] رواه أحمد 4/ 412، وصححه ابن حبان 2/ 486 (709)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين 4/ 343، وقال: على شرط الشيخين؛ اهـ، وإسناده منقطع، وله شاهد من حديث أبي هريرة في الزهد لابن أبي عاصم 1/ 78 (161)، حسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (3287)، وذكره في صحيح الترغيب والترهيب (3247) وقال: صحيح لغيره.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣