أرشيف المقالات

أحكام الاستنجاء وآدابه

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2أحكام الاستنجاء وآدابه
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن الاستنجاء له أحكامٌ تتعلق به، فأقول وبالله تعالى التوفيق: معنى الاستنجاء في اللغة: الاستنجاء: مشتق من نجوت الشجرة؛ أي: قطعتها، فكأنه قطع الأذى عن نفسه، ويطلق على الاستنجاء أيضًا (الاستطابة)؛ لأنه يطيب الجسد بإزالة الخبث عنه.
ويطلق عليه كذلك (الاستجمار)؛ وذلك لاستخدام الجِمار، وهي الحجارة الصغيرة في إزالة الأذى عن الجسم. وقال ابن قتيبة: الاستنجاء: مأخوذ من النَّجوة، وهي ما ارتفع من الأرض؛ لأن مَن أراد قضاء الحاجة استَتَر بها.
الاستنجاء في الشرع: إزالة كلِّ ما يخرُجُ من السبيلين (القُبل والدُّبر) بالماء أو الحجارة ونحوهما؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 205).
حكم الاستنجاء: الاستنجاء واجب. روى أبو داود عن عائشة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ذهب أحدُكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ يستطيب بهن؛ فإنها تُجزئ عنه))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني - حديث: 31). والأمر في هذا الحديث للوجوب، وقوله: (فإنها تجزئ عنه) إنما يستعمل في الواجب. والاستنجاءُ يكون باستخدام الماء أو الحجارة.
أولًا: الماء: روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدخُلُ الخَلاء، فأحمل أنا وغلام إداوةً من ماءٍ وعَنزةً (هي العصا)؛ (البخاري - حديث: 151 / مسلم - حديث: 270).
ثانيًا: الحجارة: الحجارة ونحوها مما يزيل النجاسة كالورَقِ (غير المكتوب عليه)، والخشَب، والقماش، وكل ما يحصل به إزالةُ النجاسة. روى أبو داود عن عائشة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ يستطيب بهن؛ فإنها تُجزئ عنه))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني - حديث: 31).
عدد الجِمار المستخدمة في الاستنجاء: ثلاثة جِمار، لا تقل عن هذا العدد، فإن لم يتم الإنقاء بها وجبُ الزيادة على هذا العدد. روى مسلم عن سلمانَ الفارسيِّ: أنه قيل له: قد علَّمكم نبيُّكم صلى الله عليه وسلم كل شيءٍ حتى الخِراءة، فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القِبلة لغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقلَّ مِن ثلاثة أحجارٍ، أو أن نستنجي برجيعٍ أو بعَظْمٍ؛ (مسلم - حديث: 262).   الاستنجاء بالرَّوْث والعظام: لا يجوز استخدام العظام والرَّوث - كالبعر ونحوه - في الاستنجاء. روى الترمذيُّ عن عبدالله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تستنجوا بالرَّوْث ولا بالعظام؛ فإنه زاد إخوانِكم مِن الجِن))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 17).
الاستنجاء عند خروج الرِّيح: ليس في خروج الرِّيح استنجاء، ولا يشترط الاستنجاء قبل الوضوء.
آداب الاستنجاء: الاستنجاء له آداب، ينبغي على المسلم أن يحرصَ عليها، ويمكن أن نوجزها فيما يلي: (1) التسمية والاستعاذة. روى الترمذيُّ عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سترُ ما بين أعين الجن وعَوْرات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاءَ: أن يقولَ: بسم الله))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 496). روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخَلاءَ قال: ((اللهم إني أعوذ بك مِن الخُبُثِ والخبائث))؛ (البخاري - حديث: 142 / مسلم - حديث: 375).
(2) عدمُ اصطحاب شيء فيه اسم الله تعالى: كالخاتم وما شابهه من حلية النساء وغيرها، إلا عند الضرورة، كأن يخاف الإنسان على هذا الشيء من السرقة أو الضياع، فلا حرج أن يدخل به إلى الخلاء، مع المحافظة على عدم سقوطه داخل دورة المياه.
(3) الدخول إلى الخلاء بالقدَم اليسرى، والخروج بالقدَم اليمنى.
(4) عدم استقبال القِبلة أو استدبارها لغير ضرورة. روى الشيخانِ عن أبي أيوب الأنصاريِّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتيتم الغائطَ فلا تستقبلوا القِبلة ولا تستدبِروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا))، قال أبو أيوبَ: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بُنيت قِبل القِبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى؛ (البخاري - حديث: 394 / مسلم - حديث: 264).
روى الشيخانِ عن عبدالله بن عمر: أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قعدتَ على حاجتك فلا تستقبل القِبلة ولا بيت المقدس، فقال عبدالله بن عمر: لقد ارتقيتُ يومًا على ظهر بيتٍ لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس لحاجتِه، وقال: لعلَّك مِن الذين يصلون على أوراكهم، فقلت: لا أدري والله؛ (البخاري - حديث: 145 / مسلم - حديث: 266). يتَّضِحُ مِن هذا الحديث: أن النهيَ عن استقبال القِبلة أو استدبارها خاصٌّ بالصحراء دون البنيانِ، وذلك عند الضرورة.
(5) عدم الكلام مطلقًا إلا لضرورةٍ. روى مسلم عن ابن عمرَ: أن رجلًا مرَّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبولُ، فسلَّم، فلم يرُدَّ عليه؛ (مسلم - حديث: 370). ومِن المعلوم أن ردَّ السلام واجبٌ، وترك النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ السلامِ على الرجل يدل على تحريم الكلام إذا كان فيه ذِكرٌ لله تعالى.
(6) عدم مسِّ الذَّكر باليد اليمنى. روى الشيخانِ عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا بال أحدُكم فلا يأخذن ذكَره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء))؛ (البخاري - حديث: 153 / مسلم - حديث: 267).
(7) عدم قضاء الحاجة في طريق الناس: يحرُمُ قضاء الحاجة في الطريق الذي اعتاد الناس السير فيه، أو يستظلون به. روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا اللعَّانينِ))، قالوا: وما اللعانانِ يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم))؛ (مسلم - حديث: 68).
(8) عدمُ قضاء الحاجة في الماء الراكد: الماءُ الراكد هو الماء الثابت الذي لا يتحرك ولا يجري. روى مسلم عن جابرٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يبال في الماء الراكد؛ (مسلم - حديث: 281).
(9) عند الخروج مِن الخلاء يقول: غُفْرانك. روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرج مِن الخَلاء قال: ((غُفْرانك))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي - حديث: 7).
(10) غَسْل اليد بعد الخروج مِن الخَلاء: روى أبو داود عن أبي هريرة، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخَلاء أتيتُه بماءٍ في تَوْرٍ (وعاء)، أو رَكْوةٍ (إناء)، فاستنجى، ثم مسح يدَه على الأرض، ثم أتيته بإناءٍ آخرَ فتوضأ؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني - حديث: 35).
حُكم البول قائمًا: يجوز التبوُّل قائمًا بشرطين: (1) ستر العورة، (2) اجتناب التلوُّث بالبول؛ (فتاوى ابن باز - جـ 10 - صـ 35). روى الشيخانِ عن حذيفة، قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سُباطة (مكان تجمع فيه فضلات المنزل) قومٍ، فبال قائمًا؛ (البخاري - حديث: 226 / مسلم - حديث: 273).
الوسوسة عقِب التبوُّل: إذا اعتاد المسلم الشك في نزول البول بعد الوضوء، فعليه أن ينضح ثوبه بالماء بعد الاستنجاء. روى أبو داود عن الحكَم بن سفيان، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضَح فَرْجَه؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني - حديث: 152، 153، 154).
حُكم سلَس البول وخروج الريح باستمرار: المصاب بسلَس البول يجب عليه أن يستنجي ويتوضأ عقب دخول وقت كل صلاة، ولا حرج عليه فيما ينزل بعد ذلك، وكذلك المصاب بخروج الريح باستمرار، يتوضأ بعد دخول وقت كل فريضة.
قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. (فتاوى دار الإفتاء المصرية - جـ 5 - صـ 1637: - صـ 1640)، (فتاوى ابن تيمية - جـ 21 - صـ 107 - صـ 220: - صـ 221). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١