ذكر الله يطرد الشياطين
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
ذكر الله يطرد الشياطين• عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما -: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مَبيت لكم ولا عَشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعَشاء))؛ رواه مسلم[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: يحث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أمته على ذكر الله تعالى، وبخاصة عند دخول المنزل وأكل الطعام: وذلك من خلال بيانه أن الشيطان يستحل دخول البيت الذي لم يُذكَرِ اللهُ تعالى عند دخوله، والطعام الذي لم يذكر اسم الله تعالى عند أكله، وقد ثبت في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة طعامًا، فجاءت جارية كأنها تُدفَع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفَع فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده، إن يدَه في يدي مع يدها))؛ رواه مسلم[2].
الفائدة الثانية: أفاد الحديث أن الشيطان يتسلط على الذين لا يذكرون الله تعالى؛ فهو يشاركهم في طعامهم وشرابهم فينقص بركته، ويشاركهم في مبيتهم داخل منازلهم فيزرع الفتن بينهم، بل إنه يشاركهم حتى في جماع زوجاتهم، فيؤثر في نسلهم ويضر به؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنِّبْنا الشيطان، وجنِّبِ الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطانٌ أبدًا))؛ رواه البخاري[3]، وقال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64].
الفائدة الثالثة: إذا أكثر المسلم ذكر الله تعالى، أبعد الشيطان عنه، ولم يتمكن من التأثير عليه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 99، 100]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ ﴾ يعني: يُعرِض ﴿ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذ: هُدِيت وكُفِيت ووُقِيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدِي وكُفِي ووُقِي))؛ رواه أبو داود والترمذي[4].
[1] رواه مسلم في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما 3/ 1598 (2018)، وقوله: ((قال الشيطان)) يعني: لأعوانه.
[2] رواه مسلم في الموضع السابق 3/ 1597 (2017)، وهو هكذا عنده: في يدها، قال النووي (شرح صحيح مسلم 13/ 189): هكذا هو في معظم الأصول (يدها)، وفي بعضها (يدهما) فهذا ظاهر، والتثنية تعود إلى الجارية والأعرابي، ومعناه: إن يدي في يد الشيطان مع يد الجارية والأعرابي، وأما على رواية يدها بالإفراد فيعود الضمير على الجارية، وقد حكى القاضي عياض - رضي الله عنه - أن الوجهَ التثنيةُ، والظاهر أن رواية الإفراد أيضًا مستقيمة؛ فإن إثبات يدها لا ينفي يد الأعرابي، وإذا صحت الرواية بالإفراد، وجب قبولها وتأويلها على ما ذكرناه، والله أعلم.
[3] رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا أتى أهله 5/ 2347 (6025)، ومسلم في كتاب النكاح، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع 2/ 1058 (1434).
[4] رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول 4/ 325 (5095)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج من بيته 5/ 490 (3426)، والنسائي في الكبرى 6/ 26 (9917)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الألباني في هامش الكلم الطيب ص49: حديث صحيح.