أرشيف المقالات

النفخ في الصور يوم القيامة

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
2النفخ في الصور يوم القيامة   المراد بالصور: قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ [1]. والمراد بالصُّور: القَرْن الذي ينفخ فيه.   لما روي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلَّم في قَوله عَزَّ وجَلَّ: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ [2]، قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ((هُوَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيه))[3].   يقول الجوهريُّ: والصُّور: هو جمع صورة، كما في بسرة جمعها بسر، أي: ينفخ في صور الموتى الأرواح[4]. وقرأ الحسن: "يوم ينفخ في الصُّوَر"[5].   وما ذكر خطأ من وجوه: الأول: أنَّ القراءة التي نُسبتْ إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى لا تصحُّ نِسبتها إلى الأئمَّة الذين يحتجُّ بقراءتهم.   الثاني: أن (صورة) تجمع على (صُوَر)، ولا تجمع على (صُوْر) كما ادَّعوا، قال تعالى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [6]، ولم يُعرف عن أحد من القرَّاء أنه قرأها: ﴿ فَأَحْسَنَ صُوْرَكُمْ ﴾.   الثالث: أنَّ الكلمات التي ذُكرتْ ليست بجموع، وإنما هي أسماء جموع، يفرق بينها وبين واحدتها بالتاء.   الرابع: أنَّ هذا القول خلاف ما عليه أهلُ السنَّة والجماعة؛ فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الصُّور بُوقٌ ينفخ فيه.   الخامس: أنَّ هذا القول مخالف لتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث فسَّره بالبوق، ومخالف للأحاديث الكثيرة الدالَّة على هذا المعنى.   السادس: أنَّ الله تعالى قال: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [7]، فقد أَخبر الحقُّ أنه ينفخ في الصور مرَّتين، ولو كان المراد بالصور النفخ في الصُّوَر التي هي الأبدان لما صحَّ أن يقال: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ﴾؛ لأنَّ الأجساد تنفخ فيها الأرواح عند البعث مرة واحدة[8].   وكذلك الطبري رحمه الله تعالى أيضًا أشار إلى خطأ هذا القول، والصواب في هذا الموضع بقوله: "والصَّواب من القول في ذلك عندنا، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((إنَّ إسرافيلَ قد الْتَقم الصُّورَ، وحنى جبهتَه، ينتظر متى يؤمَر فينفخ))، وأنه قال: ((الصُّور قَرْن ينفخ فيه))[9].   من ينفخ في الصور: النَّافخ في الصُّور هو: إسرافيل عليه السلام. قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: "اشتهر أنَّ صاحب الصُّور إسرافيل عليه السلام، ونَقل فيه الحليميُّ الإجماعَ، ووقع التصريح به في حديث وهب بن منبه، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي، وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه، وكذا في حديث الصور الطويل"[10].   وهو مستعدٌّ يَنظر نحوَ العرش مخافةَ أن يؤمر قبل أن يرتدَّ إليه طرفه، كما أخرج الحاكم رحمه الله تعالى: في المستدرك على الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ))[11].   وفي هذا الزمان الذي اقتربت فيه الساعة، أصبح إسرافيل - عليه السلام - أكثر استعدادًا وتهيؤًا للنفخ في الصور.   كما روي عَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ[12] رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلم: ((كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ؟!))، قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا نَقُولُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: ((قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))[13].


[1] سورة النبأ: (18). [2] سورة الزمر: (68). [3] أخرجه الحاكم في المستدرك، كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُّمَرِ، رقم الحديث: (3631)، (2/ 473)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، وقال الذهبي في التعليق عليه: صحيح، والترمذي رقم الحديث: (2430) (4/ 620)، وقال: حسن، وأحمد رقم الحديث: (6507) (2/ 162)، وأبو داود رقم الحديث: (4742)، (4/ 236)، والبيهقي في الشعب رقم الحديث: (350)، (1/ 307)، وأخرجه أيضًا: النسائي في الكبرى رقم الحديث: (11312)، (6/ 392)، والدارمي رقم الحديث: (2798) (2/ 418)، والبزار رقم الحديث: (2481)، (6/ 443)، والديلمي رقم الحديث: (3855)، (2/ 418). [4] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، مادة: (ص ور)، (2/ 716). [5] "جامع البيان في تأويل القرآن"؛ لابن جرير الطبري، (11/ 463). [6] سورة غافر: (64). [7] سورة الزمر: (68). [8] "القيامة الكبرى"؛ لعمر بن سليمان بن عبدالله الأشقر العتيبي، (ص33 34)، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة: السادسة، 1415 هـ = 1995 م، عدد الأجزاء: (1)، بتصرف يسير. [9] "جامع البيان في تأويل القرآن"؛ لابن جرير الطبري، (11/ 463). [10] "فتح الباري شرح صحيح البخاري"؛ لابن حجر العسقلاني، (11/ 368). [11] أخرجه الحاكم في المستدرك، رقم الحديث: (8676)، (4/ 603)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ"، وقال الذهبي: "صحيح على شرط مسلم"، المصدر نفسه، (في تعليقات الذهبي على المستدرك)، وقال ابن حجر: "حسن"، راجع: "فتح الباري شرح صحيح البخاري"؛ لابن حجر العسقلاني، (11/ 368). [12] أبو سعيد الخدري (10 ق هـ 74 هـ = 613 693 م)، هو: الإمام، المجاهد، مفتي المدينة، سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، واسم الأبجر: خدرة، وقيل: بل خدرة هي أم الأبجر، وأخو أبي سعيد لأمه هو: قتادة بن النعمان الظفري، أحد البدريين، استشهد أبوه مالك يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق، وبيعة الرضوان، وحدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر، وأطاب، وعن: أبي بكر، وعمر، وطائفة، وكان أحد الفقهاء المجتهدين، حدث عنه: ابن عمر، وجابر، وأنس، وجماعة من أقرانه، وخلق كثير، مسند أبي سعيد: ألف ومائة وسبعون حديثًا، ففي (البخاري) و(مسلم): ثلاثة وأربعون، وانفرد البخاري: بستة عشر حديثًا، ومسلم: باثنين وخمسين. راجع: "الإصابة في تمييز الصحابة"؛ لابن حجر العسقلاني، (3/ 78 79)، و"سير أعلام النبلاء"؛ للذهبي، (3/ 168 172)، و"الأعلام"؛ للزركلي، (3/ 87). [13] أخرجه ابن حبان في صحيحه، بَابُ الْأَذْكَارِ، ذِكْرُ الْأَمْرِ لِمَنِ انْتَظَرَ النَّفْخَ فِي الصُّورِ أَنْ يَقُولَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، رقم الحديث: (823)، (3/ 105)، ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (المتوفى: 739 هـ)، حقَّقه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 هـ 1988 م، عدد الأجزاء: (18؛ 17 جزءًا ومجلد فهارس)، وقال شعيب في التعليق عليه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه الترمذي، رقم الحديث: (2431)، (1/ 523)، وقال: "هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه هذا الحديث عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه"، وأحمد، رقم الحديث: (11714) (3/ 73)، وعبد بن حميد، رقم الحديث: (886) (ص 279)، وأبو يعلى، رقم الحديث: (1084)، (2/ 339)، والحاكم رقم الحديث: (8678)، (4/ 603)، والحميدي، رقم الحديث: (754) (2/ 332)، وأبو نعيم (5/ 105)، وقد ذكره الألباني في سلسلة أحاديث الصحيحة "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"؛ لأبي عبدالرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ)، رقم الحديث: (1079)، (3/ 66)، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الأولى، مكتبة المعارف، عدد الأجزاء: (6)، عام النشر: (جـ 1 - 4: 1415 هـ - 1995 م)، (جـ 6: 1416 هـ - 1996 م)، (جـ 7: 422 هـ - 2002 م).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١