أرشيف المقالات

من صفات المشركين

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2من صفات المشركين
قال تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 55، 56]، لقد سبق إطلاق شرِّ الدواب على كفار قريش، ووصَفهم الله تعالى بالصُّمِّ البُكْم الذين لا يعقلون؛ لأن المقام مقام تولٍّ وعدم استجابة بسبب تعطيل آلات السمع وأدوات الفهم وميزة العقل، أما هنا، فقد جاء إطلاق شر الدواب على صنفٍ آخرَ من الكفار، وصفهم الله تعالى بثلاث صفات؛ هي: 1- لا يؤمنون. 2- تكرار نقضهم العهد. 3- لا يتَّقون. وإذا كان كفَّار قريش عبَدوا الأوثان، وكفَروا بعطاء الألوهية، كما كفروا بعطاء الربوبية، فأنكَروا نِعَم الله عليهم وجحدوها، فعمِلَت فيهم سُنة الأخذ وسُنة الإهلاك، فقُتل مَن قُتل مِن صناديد قريش وأئمة الكفر، فإن هذا الصنف مِن الكفار باقٍ إلى يوم القيامة، ليكون على المسلمين الصادقين تأديبُهم وتشريدهم، وتطهير الأرض من شرورهم وإفسادهم ومؤامراتهم وإشعالهم للفتن والحروب في كل مكان وزمان، ذلكم هم اليهود - عليهم لعائن الله المتتالية إلى يوم القيامة.   جاء في جامع البيان: (﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، ﴿ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ﴾ يا محمد؛ يقول: أخذتَ عهودهم ومواثيقهم ألَّا يحاربوك ولا يُظاهِروا عليك محارِبًا لك؛ كقُريظة ونظرائهم ممَّن كان بينك وبينهم عهد وعقد، ﴿ ثُمَّ يَنْقُضُونَ ﴾ عهودهم ومواثيقهم، كلما عاهدوا دافعوك وحاربوك وظاهَروا عليك، ﴿ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾ ولا يخافون في فعلهم ذلك أن يوقع بهم وقعة تجتاحهم وتُهلِكهم)[1].   وقال القرطبي: (والمَعْنِيُّ بهم قُريظةُ والنضير، نقضوا العهد فأعانوا مشركي مكة بالسلاح، ثم اعتذروا، فقالوا: نسينا، فعاهَدَهم عليه السلام ثانيةً، فنقضوا يوم الخندق)[2].   لقد تجمع اليهود في المدينة المنورة؛ أملًا وانتظارًا أن يكون النبي المبعوث صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان منهم، فلما أرسَل الله تعالى النبيَّ الخاتم من العرب، وأنزل عليه القرآن الكريم يكشف خباياهم ويُواجِههم بما كانوا يعرفونه ويكتمونه - أنكَروا وجحدوا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]، ولما هاجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، وانتشر الإسلام، وانتصر في بدر - امتلأ اليهود غيظًا وحسدًا، وبدأت تظهرُ فيهم العداوة والبغضاء للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد معهم معاهدةً، وواعدهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم، وكتب بذلك وثيقة، جاء فيها: ((وإن يهود بني عوف أمةٌ مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا مَن ظلم وأثم، فإنه لا يُوتِغُ (يُهلِك) إلا نفسَه وأهل بيته، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه مَن فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، إلا مَن ظلم، وإن على اليهود نفقتَهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبرَّ دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود يُنفِقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تُجَارُ قريشٌ ولا مَن نصرها، وإن بينهم النصر على مَن دهم يثرب)[3]، إلا أن اليهود لم يلتزموا بما جاء في الوثيقة!   ومِن هنا تبين أنه بعد الانتهاء من المواجهة مع قريش وهزيمتهم في بدر، تحوَّل الخطاب إلى مَن كانوا يعملون في الخفاء مِن وراء ظهر المسلمين وأعانوا قريشًا، وتعاوَنوا معهم ضد المسلمين (اليهود وأعوانهم)، فكان لا بد من الالتفات إليهم وبيان حالهم وأحكامهم؛ أما حالهم، فهم: أولًا: لا يؤمنون، وقد جاء الوصف (الفعل) بصيغة المضارع؛ للدلالة على تجدُّد هذه الصفة، بل هي صفة ملازمة لهم، وهي عدم التصديق وانعدام الصدق، فهم بعيدون تمامًا عن الصدق، ولا صلة لهم بالمصداقية؛ لا في كلامهم، ولا في معاملاتهم، ولا في معاهداتهم، قال تعالى: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100].   وهم ثانيًا: ناقضون للعهود، كما جاء عنهم في الآية السابقة، وفي قوله تعالى في التعريف بهم: ﴿ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 56]. يقول الإمام الألوسي: (وصيغة الاستقبال للدلالة على تعدُّد النقض وتجدُّده، وكونهم على نيته في كل حال؛ أي: ينقضون عهدهم الذي أخذ منهم ﴿ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ﴾؛ أيْ من مرات المعاهدة، أو من مرات المحاربة)[4]. وقد ثبت نقضهم بعد ذلك للعهود واتفاقهم مع الأحزاب (من مشركي العرب) لحرب المسلمين، كما في غزوة الخندق وما بعدها، وحتى الآن وإلى قيام الساعة.   وهم ثالثًا: ﴿ لَا يَتَّقُونَ ﴾؛ أي: لا يتقون الله عز وجل، ولا يخافون يوم الحساب، وقد تكرَّر خطابهم في القرآن الكريم بالتقوى، قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 48]، كذلك هم لا يتَّقون العواقب، ولا يتَّقون سُبَّةَ الغدر ومغبَّته، ولا يتقون نصرة المسلمين وتسلُّطهم عليهم.   ويقول الألوسي: (والآية - على ما قال جمعٌ - نزلَت في يهود قريظة، عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يُمالِئوا عليه، فأعانوا المشركين بالسلاح، فقالوا: نسينا، ثم عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكثوا ومالؤوهم عليه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وركب كعبٌ إلى مكة فحالفهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم)[5].


[1] جامع البيان في تفسير القرآن - الإمام الطبري، المجلد6، ص 18. [2] تفسير القرطبي، ج4، ص 3868. [3] السيرة النبوية؛ لابن هشام، ج2، ص90. [4] روح المعاني، ج6، ص 29. [5] روح المعاني، ج6، ص 30.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣