أرشيف المقالات

العلو والنزول في الحديث

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2العلو والنزول في الحديث
قال الشيخ البيقوني في منظومته البيقونية: وَكُلُّ مَا قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلَا ♦♦♦ وَضِدُّهُ ذَاكَ الَّذِي قَدْ نَزَلَا   كل حديث قلَّت فيه الوسائط بين الراوي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الحديث العالي، وضده هو الحديث النازل؛ وهو الذي كثرت فيه الوسائط بين الراوي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثاله: حديث يرويه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعُ وسائط فقط. ونفس الحديث يرويه مسلم عن أحمد بن حنبل عن عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن الزهري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستُّ وسائط. فيكون إسناد البخاري أعلى من إسناد مسلم.   وينقسم العلو عند المحدثين إلى قسمين: 1- علوٌّ مطلق. 2- علوٌّ نسبي. فأما العلو المطلق: فهو الذي أشرنا أليه آنفًا؛ وهو علوٌ بالمسافة؛ أي: أن المسافة بين الراوي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مختصرة.   وأما العلو النسبي: فأربعة أقسام: قسمان بالمسافة؛ وهما: 1- القرب من إمام من الأئمة: كالأعمش، والثوري، ومالك، وشعبة، وأحمد، وغيرهم من الأئمة المشهورين؛ وإنْ كثر بعده العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثاله: حديث يرويه الإمام أبو داود، عن القعنبي، عن مالك، عن الزهري، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فيكون بين أبي داود وبين مالك واسطة واحدة فقط. ونفس الحديث يرويه الإمام الترمذي، عن البخاري، عن القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فيكون إسناد أبي داود أعلى من إسناد الترمذي علوًّا نسبيًّا؛ لأن أبا داود بينه وبين الإمام مالك واسطة واحدة فقط، والترمذي بينه وبين الإمام مالك واسطتان؛ وإن استويا في عدد رجال الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.   2- القرب من كتاب من الكتب المشهورة: كالصحيحين، ومسند أحمد، والسنن الأربعة. وصورته: أن يروي الراوي حديثًا، ويكون رجال إسناده في الحديث أقل عددًا مما لو رواه من طريق كتاب من الكتب المشهورة.   مثاله: قال السخاوي رحمه الله: "وَذَلِكَ كَأَنْ يَقَعَ لَنَا حَدِيثٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَهَذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ تِسْعَةٌ؛ فَهُوَ أَعْلَى مِمَّا لَوْ رُوِّينَاهُ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ مِنَّا إِلَى كُلٍّ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَوْ مَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَهُوَ وَشَيْخُهُ الَّذِي هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ اثْنَانِ، فَصَارَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَشْرَةٌ"اهـ[1].   وقسمان بالصفة؛ وهما: 1- العلو بتقدم وفاة الراوي: بأنْ يتقدم وفاة الراوي الذي في أحد الإسنادين على الراوي الذي في الإسناد الآخر. فيكون الأول أعلى، وإن تساويا في العدد.   قال الإمام أبو يعلى الخليلي رحمه الله: "مِثَالُهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زَنْجَلَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ؛ فَسَهْلٌ أَعْلَى مِنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ بِعِشْرِينَ سَنَةً. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ يَرْوِيَانِ عَنْ أحد الْأَئِمَّةِ ، ثُمَّ يَكُونُ أَحَدَهُمَا أَعْلَى؛ فَإِنَّ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَيَرْوِي عَنْ مَالِكٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِي مَالِكٍ، لَكِنَّ ابْنَ وَهْبٍ لِقِدَمِ مَوْتِهِ وَجَلَالَتِهِ لَا يُوازِيهِ قُتَيْبَةُ، مَعَ تَوْثِيقِهِ وَصَلَاحِهِ"اهـ[2].   وقال الإمام الحاكم رحمه الله: "وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النُّزُولَ عَنْ شَيْخٍ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ وَاشْتَهَرَ فَضْلُهُ، أَجَلُّ وَأَعْلَى مِنْهُ، عَنْ شَيْخٍ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ، وَعُرِفَ بِالصِّدْقِ"اهـ[3].   2- العلو بتقدم السماع من الشيخ: فمن سمع من الشيخ قديمًا أعلى ممن سمع منه أخيرًا. وفائدة ذلك في حق من اختلط شيخه أو خَرِف؛ فمن سمع من هذا الشيخ قديمًا أرجح وأصح ممن سمع منه أخيرًا. ونادرًا ما يكون العكس أرجح؛ وذلك في حق من كان يحدث قديمًا من حفظه فيخطئ، ثم صار بعدُ لا يحدث إلا من كتب؛ كهمام بن يحيى. والنزول عكس العلو؛ فكل قسم من أقسام العلو، يقابله قسم من أقسام النزول.   قال العلامة ابن الصلاح رحمه الله: "وَأَمَّا النُّزُولُ فَهُوَ ضِدُّ الْعُلُوِّ، وَمَا مِنْ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ الْخَمْسَةِ إِلَّا وَضِدُّهُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ النُّزُولِ، فَهُوَ إِذًا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، وَتَفْصِيلُهَا يُدْرَكُ مِنْ تَفْصِيلِ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ" أ.
هـ[4].


[1] "فتح المغيث" (3/ 12)، طـ دار الكتب العلمية. [2] "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (1 /181)، طـ مكتبة الرشد، الرياض. [3] "معرفة علوم الحديث" (12)، طـ دار الكتب العلمية، بيروت. [4] "علوم الحديث" (263).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢